منتدى اسرة القلم
[برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 18


اهلا بك زائرنا الكريم
تفضل بالانضمام لاسرتنا بالضغط على كلمه سجل
اهلا وسهلا بكم نورتونا
تمنى لك المتعه والفائده معنا
منتدى اسرة القلم
[برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 18


اهلا بك زائرنا الكريم
تفضل بالانضمام لاسرتنا بالضغط على كلمه سجل
اهلا وسهلا بكم نورتونا
تمنى لك المتعه والفائده معنا
منتدى اسرة القلم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى اسرة القلم

كل ما يجود فيه الخاطر من همس وحب ومشاعر وابداع تميز بلا حدود ...
 
الرئيسيةالبوابة**أحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» ❞ كتاب فوضى المشاعر ❝ ⏤ ستيفان زفايج
برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:58 am من طرف قمر الزمان

» رواية أرني أنظر إليك ❝ ⏤ خولة حمدى
برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:50 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب زوربا pdfالمؤلف: نيكوس كازانتزاكيس
برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:27 am من طرف قمر الزمان

» كتاب أحجار على رقعة الشطرنج :وليم جاي كار
برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:57 am من طرف قمر الزمان

»  رواية ذهب مع الريح PDF تأليف (مارغريت ميتشل)
برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:50 am من طرف قمر الزمان

» كتاب عصر الحب pdf تأليف (نجيب محفوظ).
برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:46 am من طرف قمر الزمان

» رواية جامع الفراشات pdf تأليف ( جون فاولز )
برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:36 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب سنترال بارك pdf غيوم ميسو
برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:31 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب بعد 7 سنوات ل غيوم ميسو
برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:19 am من طرف قمر الزمان

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
FaceBooke
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 138 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 138 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 226 بتاريخ الأحد ديسمبر 29, 2019 12:55 pm

 

 برنامج (في رحاب رسول الله )

اذهب الى الأسفل 
+4
ندى العمر
ﺃﻣﻴﺮﺓ ﺑـــــــ ﻫﺪﻭﺋﻲ ..
حسين الغريب
قمر الزمان
8 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3
كاتب الموضوعرسالة
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 23, 2012 7:10 am

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
احببت ان ابارك قلمي فأخط هنا موضوعا عن خير الانام

,, رسولنا محمد عليه ازكى سلام ,,,

بدايه انتقي لكم هذه الرائعات ...

وما شربت لذيذ الماء من ضمأ...
إلا رأيت خيالاًمنك في الكأس

وما جلست الى قوماًأحدثهم....
إلا وكنت حديثي بين جلاسي

والله ما شرقت شمس ولا غربت...
إلا وذكرك مقرونن بأنفاسي

صلى عليك إله العرش في الكتب....
فأنت يا حبيبي سيد الناس


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)
(فالإسلام
هذب القومية العربية وأعطاها الإبعاد الإنسانية والحضارية )فكانت حياة
الرسول خلاصة لحياة العرب (فكان محمد كل العرب فليكن كل العرب اليوم
محمدا).
فقد تصدع إيوان كسرى وارتجس منه أربع عشرة شرفة وخمدت نيران فارس التي كان يعبدونها.
((وبمولده انطفأت نار المجوس وتشقق إيوان كسرى))


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آاله وصحبه أجمعين عدد خلقك ورضاء نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك
فداك أبي و أمي يا حبيبي يا رسول الله
اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


عدل سابقا من قبل قمر الزمان في الأحد سبتمبر 23, 2012 7:18 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 12:55 am

الرحمة المهداة
قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )الأنبياء 107 لولاه لنزل العذاب بالأمة ولاستحققنا الخلود بالنار ولضعنا في مهاوي الرذيلة والفساد والانحطاط ( وما كان الله معذبهم وأنت فيهو وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) فوجوده أمان لنا من النار ومن العذاب . قال ابن القيم في جلاء الأفهام : إنّ عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته :
أمّا أتباعه : فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة .
وأمّا أعداؤه المحاربون له : فالذين عجّل قتلهم وموتهم خيرٌ لهم من حياتهم لأن حياتهم زيادة في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة ، وهم قد كتب الله عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر .
وأمّا المعاهدون له : فعاشوا في الدنيا تحت ظلّه وعهده وذمته ، وهم أقل شرّاً بذلك العهد من المحاربين لهم .
وأمّا المنافقون : فحصل لهم بإظهار الإيمان حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم واحترامها ، وجريان أحكام المسلمين عليهم .
وأمّا الأمم النائية عنه : فإن الله سبحانه وتعالى رفع برسالته العذاب العامّ عن أهل الأرض .
فأصاب كل العالمين النفع برسالته . انتهى
قال أبو بكر بن طاهر : زين الله تعالى محمداً صلى الله عليه و سلم بزينة الرحمة ، فكان كونه رحمة ، و جميع شمائله و صفاته رحمة على الخلق ، فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه ، و الواصل فيهما إلى كل محبوب ، ألا ترى أن الله يقول : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )، فكانت حياته رحمة ، و مماته رحمة ، كما قال عليه السلام : حياتي خير لكم و موتي خير لكم و كما قال عليه الصلاة و السلام : إذا أراد الله رحمة بأمة قبض نبيها قبلها ، فجعله لها فرطاً و سلفاً . و قال السمرقندي : رحمة للعالمين : يعني للجن و الإنس . و قيل : لجميع الخلق ، للمؤمن رحمة بالهداية ، و رحمة للمنافق بالأمان من القتل ، ورحمة للكافر بتأخير العذاب . قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو رحمة للمؤمنين وللكافرين ، إذ عوفوا مما أصاب غيرهم من الأمم المكذبة .
وحكى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام : هل أصابك من هذه الرحمة شيء ؟ قال : نعم ، كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء الله عز وجل علي بقوله : ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين [ سورة التكوير / 81 : الآية 20 ـ 21 ] .
و روي عن جعفر بن محمد الصادق ـ في قوله تعالى : فسلام لك من أصحاب اليمين . أي بك ، إنما وقعت سلامتهم من أجل كرامة محمد صلى الله عليه و سلم .
عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنزل الله علي أمانين لأمتي ، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار . و قال عليه السلام : أنا أمان لأصحابي . قيل : من البدع . و قيل : من الاختلاف و الفتن . قال بعضهم : الرسول صلى الله عليه و سلم هو الأمان الأعظم ما عاش ، و ما دامت سنته باقية فهو باق ، فإذا أميتت سنته فانتظر البلاء و الفتن .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 12:56 am

تكريم الله له
جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : إني اتخذتك خليلاً ، فهو مكتوب في التوراة : أنت حبيب الرحمن .
والخليل قال : ولا تخزني يوم يبعثون [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : 87] .
والحبيب قيل له : يوم لا يخزي الله النبي ، فابتدئ بالبشارة قبل السؤال .
والخليل قال في المحنة : حسبي الله [ سورة الزمر / 39 ، الآية : 38 ] .
والحبيب قيل له : يا أيها النبي حسبك الله [ سورة الأنفال / 8 ، الآية : 64 ] .
والخليل قال : اجعل لي لسان صدق في الآخرين [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : ]
والحبيب قيل له : ورفعنا لك ذكرك ، أعطي بلا سؤال .
والخليل قال : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام . سورة إبراهيم / 14 ، الآية : 35 .
والحبيب قيل له : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً

ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم ( ألم نشرح لك صدرك ) ( ونيسرك لليسرى ) ( فإنما يسرناه بلسانك ) ( لعلك ترضى ) .
ويقول على لسان موسى عليه السلام ( اشرح لي صدري ) ( يسّر لي أمري ) ( احلل عقدة من لساني ) ( وعجلت إليك ربي لترضى ) .
عن القاسم بن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً وإنه لم يكن نبي إلا وله خليل ألا وإن خليلي أبو بكر).
عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله قسم الخلق قسمين ، فجعلني من خيرهم قسماً ، فذلك قوله : أصحاب اليمين ، و أصحاب الشمال ، فأنا من أصحاب اليمين ، وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثاً ، فجعلني في خيرها ثلثاً ، و ذلك قوله تعالى : فأصحاب الميمنة . و أصحاب المشأمة ، و السابقون السابقون ، فأن من السابقون ، و أنا خير السابقين ، ثم جعل الأثلاث قبائل ، فجعلني من خيرها قبيلة ، و ذلك قوله : وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم . فأنا أتقى ولد آدم و أكرمهم على الله و لا فخر . ثم جعل القبائل بيوتاً ، فجعلني من خيرها بيتاً ، فذلك قوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ سورة الأحزاب / 33 ، الآية : 33 ] .
ومن رواية ابن وهب ـ أنه عليه السلام قال : قال الله تعالى : سل يا محمد . فقلت : ما أسأل يا رب ؟ اتخذتَ إبراهيم خليلاً ، وكلمتَ موسى تكليماً ، واصطفيتَ نوحاً ، وأعطيتَ سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فقال الله تعالى : ما أعطيتك خير من ذلك ، أعطيتك الكوثر ، وجعلت اسمك مع اسمي ، ينادى به في جوف السماء ، وجعلت الأرض طهوراً لك ، ولأمتك ، وغفرت لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فأنت تمشي في الناس مغفوراً لك شفاعتك ، ولم أصنع ذلك لأحد قبلك ، وجعلت قلوب أمتك مصاحفها ، وخبأت لك شفاعتك ، ولم أخبأها لنبي غيرك .
وحكى أبو محمد مكي ، و أبو الليث السمرقندي و غيرهما ـ أن آدم عند معصيته قال : اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي . و يروى : تقبل توبتي . فقال له الله : (من أين عرفت محمداً ) ؟ فقال : رأيت في كل موضع من الجنة مكتوباً : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، أو: محمد عبدي و رسولي ، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك . فتاب الله عليه ، و غفر له . و هذا عند تأويل قوله تعالى : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه . و في رواية الأجري قال : فقال آدم ، لما خلقتني ر فعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه ليس أحد أعظم قدراً عندك ممن جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله إليه : و عزتي و جلالي ، إنه لآخر النبين من ذريتك و لولاه ما خلقتك .
عن ابن عباس ، قال : جلس ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرونه ، قال : فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم ، فقال بعضهم : عجباً ! إن الله اتخذ من خلقه خليلاً ، اتخذ إبراهيم خليلاً . وقال آخر : ماذا بأعجب من كلام موسى ، كلمه الله تكليماً . وقال آخر : فعيسى كلمه الله وروحه وقال آخر : وآدم اصطفاه الله .
فخرج عليهم فسلم ، وقال : قد سمعت كلامكم و عجبكم ، أن الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً ، و هو كذلك ، و موسى نجي الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله ، وهو كذلك ، وعيسى روح الله ، وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله ، وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ، وأما من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر .
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتخذ الله إبراهيم خليلاً وموسى نجياً واتخذني حبيباً ثم قال: وعزتي لأوثرن حبيبي على خليلي ونجيي) فبمقارنة بسيطة يتضح رفعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فوق كلّ الأنبياء والمرسلين ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) كيف لا وقد كان إمامهم في الإسراء في المسجد الأقصى وهو دعوة أبينا إبراهيم والذي بشر به موسى وعيسى عليهما السلام ، وما كانت شرائعهم إلا تمهيدا لخاتمة الرسالات ولنبوة محمد عليه الصلاة والسلام وهو القائل لو كان معي موسى لما وسعه إلا أن يتبعني ، وعندما يهبط عيسى عليه السلام فإنه سيكون من أتباع سيدنا محمد وسيصلي خلف الإمام دلالة على ذلك .


ولو وزنت به عرب وعجم --- جُعلت فداه ما بلغوه وزنا
إذا ذكر الخليل فذا حبيب --- عليه الله في القرآن أثنى
وإن ذكروا نجي الطور فاذكر --- نجي العرش مفتقراً لتغنى
فإنّ الله كلم ذاك وحيا --- وكلّم ذا مخاطبةً وأثنى
ولو قابلت لفظة "لن تراني" --- لـ "ما كذب الفؤاد " فهمت معنى
فموسى خرّ مغشياً عليه --- وأحمد لم يكن ليزيغ ذهناً
وإن ذكروا سليمان بملكٍ --- فحاز به الكنوز وقد عرضنا
فبطحا مكة ذهباً أباها --- يبيد الملك واللذات تفنى
وإن يك درع داوود لبوساً --- يقيه من اتقاء البأس حصنا
فدرع محمد القرآن لما --- تلا "والله يعصمك "اطمأنا
وأغرق قومه في الأرض نوحٌ --- بدعوة "لا تذر" أحداً فأفنى
ودعوة أحمد (رب اهد قومي) --- فهم لا يعلمون كما علمنا
وكل المرسلين يقول "نفسي" --- وأحمد " أمّتي "إنساً وجنّا
وكلّ الأنبياء بُدُورُ هَدْيٍ --- وأنت الشمس أكملهم وأهدى

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 12:58 am

وصورة أخرى من عظمته : عندما سألته زوجته عائشة أم المؤمنين عن خديجة ألم يعوضك الله خيراً منها ؟ فأجابها : لا، فهي التي آمنت به وصدقته عندما كذبه الناس وعادوه ! فلم يستسلم للغيرة ولم يحاول أن يخدعها أو يجاملها . وهذا عظمته من صلى الله عليه وسلم .

وعندما خُيّرَ رسول الله في أن يكون نبينا ملكاً أو عبداً نبياً فاختار أن يكون عبداً نبياً لما في مقام العبودية من الشرف والتكريم فقال تعالى وهو ينسبه إلى نفسه : " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى " يدل ذلك على رفضه اختيار الملك من قبل الله تعالى .
عرض عليه كفار قريش مرة المُلكَ والجاه والسلطان والمال والثروة والرياسة عليهم بل على العرب جميعاً في مقابل ترك الدعوة الإسلامية والرجوع إلى آلهتهم الضالة فقالوا قولتهم المشهورة : إن كنت تريد مالاً جمعنا لك المال وجعلناك أغنى رجلا فينا وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا وجعلنا لك الأمر وإن كان بك مس من الجن أو مرض لا يشفى عالجناك حتى تشفى من هذا المرض .فرفض كل ذلك ورفض كل تلك الإغراءات الكذابة التي لا تغري إلا ضعاف القلوب وأصحاب العقول الفاسدة الذين يركنون إلى الدنيا وملذاتها وينسون الآخرة وما فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولته الشهيرة التي يذكرها التاريخ له بكل ما فيها من نور وضياء وهدى ورحمة قال لعمه أبو طالب يا عم والله لو جعلوا القمر عن يميني والشمس عن يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه . إنها قولة تقشعر لها الجلود وتخشع لها القلوب قولة رجل واثق من نصر ربه واثق ومؤمن بما يبلغ عن ربه من أن الله سينصر هذا الدين ويعلي رايته ولو كره الكافرون .
فكان هذا النبي العظيم جديراً لأن يحظى بكل حب وبكل تقدير وبكل احترام وبكل تبجيل من جميع من اتبعوه وآمنوا به واتبعوا النور الذي جاء به وممن لم يؤمنوا به .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:06 am

وأقوال المستشرقين في الاعتراف بعظمته كثيرة منها : من كتاب عظمة محمد لأحمد ديدات
1- " كان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الرأفة والطيبة بعينيها والذين من حوله كانوا يشعرون بتأثيره ولم ينسوه أبداً " . ديوان شاندشارمة . باحث هندوسي ، وذلك في كتابه رسل الشرق سنة 1935 ص 122 .
2- " ولد في مكة في جزيرة العرب سنة 569 بعد الميلاد – وبعد أربع سنوات من وفاة يوستنيانوس الأول – الرجل الذي كان له أعظم تأثير على الجنس البشري من بين جميع الرجال ، محمد صلى الله عليه وسلم " . جون وليم درايو طبيب ودكتور في الحقوق في كتابه " تاريخ التطور الفكري الأوربي " . لندن 1875 .
3- " إنني أشك أن أي إنسان لا يتغير رغم التغيرات الكبيرة في ظروفه الخارجية ، كما لم يتغير محمد ، لكي يلائم ويوافق هذه التغيرات " .ر . ف . ك بودلي في " جريدة الرسول " لندن سنة 1946 ص 6 .
4- " لقد درست الرجل الرائع وفي رأيي أنه يجب أن يدعى منقذ البشرية فهو بعيد كل البعد من أن يدعى ضد المسيح " . جورج برنارد شو في ( الإسلام الصادق ) ج1 سنة 1936 .
5- " من حسن الحظ إنه لأمر فريد على الإطلاق في التاريخ إن محمد مؤسس لثلاثة أشياء : الأمة والإمبراطورية والدين " . ر . بوزوورث – سميث في كتاب محمد والمحمدية سنة 1946 .
6- " لقد كان محمد الأكثر توفيقاً من بين جميع الشخصيات الدينية " .دائرة المعارف البريطانية .

إذا كانت عظمة الغاية ، وقلة الوسائل ، والنتائج المذهلة هي المقاييس الثلاثة لعبقرية الإنسان فمن يجرؤ على مقارنة أي رجل عظيم في التاريخ بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟
حكيم – خطيب – رسول – مشرع – محارب – هازم الأفكار الباطلة – ومُحيي المعتقدات العقلانية وعبادة بلا أصنام ولا صور – مؤسس 20 إمبراطورية دنيوية وإمبراطورية واحدة روحية ذلك هو محمد . وبالنظر إلى كل المقاييس التي يمكن أن تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نسأل هل يوجد أي إنسان أعظم منه ؟ بالتأكيد .... لا .
إنه " رجل واحد في مقابل جميع الرجال " ، الذي استطاع بنصر الله له وبصدق عزيمته وبإخلاصه في دعوته أن يقف أمام الجميع ليدحض الباطل ويُظهر الحق حتى يحق الله الحق بكلماته ولو كره الكافرون .
إن هذا الرجل العظيم الذي استطاع أن يقف أمام العالم أجمع وأمام جهالات قريش وكفرها العنيد وأمام الأصنام وعبادة الكواكب وكل ما يعبد من دون الله وقف يدعو إلى الله وحده لا شريك له ونبذ كل ما سواه ، إنه بحق لجدير بكل تبجيل واحترام ليس فقط من أتباعه بل من كل من يفهموا العبقرية وخصائصها .
إن الصفات التي تفردت في هذا الرسول العظيم لجديرة بأن يحصل على نوط الامتياز ويحظى بكل تقدير واحترام . إنه بحق الرسول الأعظم .
فهل بعد ذلك يوجد أي رجل أعظم منه ؟ " . كلا ، لا يوجد رجل أعظم منه فقد عاش حياته كلها في خدمة البشرية جمعاء وجاء بالدين الخاتم والمسعد لجميع البشر .
إن هذا الرجل العظيم هو محمد صلى الله عليه وسلم ، إنه بحق رجل لم تنجب البشرية مثله .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:07 am

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ

أ.د/ إسماعيل عبد الرحمن


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين, ولا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإنا إليه راجعون, وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على خير رُوحٍ وأزكى نفْسٍ, خاتم الأنبياء والمرسلين, وقائد الغر المحجلين, يكفيه أنه أحب الناس إلى الله, وكفى بها فخراً وعزّاً وشرفاً.
ورضي الله عن أبي الوليد إذ قال:

وَأَحْسَنُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِيِ ... وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ
خُلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ ... كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ

لو سُطِرت جلود المؤمنين صحائفاً ورقمت بدمائهم تحبيراً؛ ما وفوا معشار ما في قلوبهم من محبته, فقد بعثه الله بالنور الذي ملأ الخافقين ضياءً وسناءً وهدىً ورشاداً, وهو السبب في نجاتهم وفلاحهم وفوزهم, وعتق رقابهم من نار الجبار وغضبه. أما بعد:

فلا تزال أمة الإسلام تُرمَى من أعاديها, ويُسخر من نبيّها وهاديها, من لدن أقوام حَزّتْ لَغَاصِمَ إنصافِها أسْوِدةُ الأحقاد, خاصة أهل الكتاب من أدعياء أتباع المرسلين, الحَقَدةِ على سيّد ولد آدم أجمعين, فأشاعوا في البَرِيّةِ عِلَلَ تمويهٍ يرتجون بها التلبيس على العقلاء, واستمالة الدهماء الى كاذب الأخبار وفاسد الآراء, فيسخرون من الكامل, ويختلقون عليه الخبر ويقيمون كذبة صلعاء بلقاء, لا تجد ما يستر عُرْيَهَا وعيبها عن ناظر العامّي النَّابِهِ, بلْه الفَحَصَةِ المُدَقِّقِينَ والبَحَثَةِ النَّصحةِ المُغربِلِين.

فتارة يأتون بكذب محال كمن قال: جئتُ بقَرْنَيْ حمار! والحمار لا قُرونَ له, أو أوقدتُ من الشمس غداً, وسأشرب البحر بالأمس! ولا تعجب ففي القوم أَعْجَب!
وتارة يُزَوِّرُون بتحوير الخَبَرِ وقلب وجهه..

فمالك تقبل زور الكلام ... وقدر الشهادة قدر الشهود

ثُمَّ يَعدون على الرأي والفكر والمنطق فيسلقونها بتعسّف غليظ وتحكّم بغيض, وبالغثِّ البارد الخليِّ من الأدب والفروسية, فيرمون بذلك الغثاء عقول النبلاء ووجوه العقلاء مع وافر الفَعَلاتِ والبَذَاءِ, فانتهى بهم عند عاقل قومهم الى المذمّةِ والسقوط والرّذل.

مع ذلك فقد أذهلوا بعض عقلائنا عن منازل الصبر, واستفزّوهم عن مواطن الحلم, ونقول لنبلائنا: لن تراعوا فقد غُودر الأذمُّ مرذولاً, سواء أكان بَابَاهُم أم كاهنهم أم قسيسهم وسياسيّهم وكاتبهم ورسّامهم ومخرجهم, ألم يقل رب العزة جل جلاله: "إنا كفيناك المستهزئين" (الحجر: 95) وقال سبحانه وبحمده: "إن شانئك هو الأبتر" (الكوثر:3)؟ ألم يكن السلف يستبشرون بفتح الحصن المنيع إذا نهق الأعداء بسبّه؟!

وهؤلاء الأصاغر_وعِزَّةِ ربِّنا_ حقيقون بأن يكونوا طعام السيوف المسلمة, لولا وَهَنٌ رُمِيَ به جُلُّ ساستهِم وقادتهم وَمُقَدَّميهم, والمشتكى إلى الله.

يرون من الذُّعرِ صوت الرياح ... صهيل الجياد وخفق البنود

مرّت القرون على حقائق كثير من الأمور عند أولئك القوم فطحنتها طحن الرحى فذرتها في الهواء يباباً, حتى تكلّموا في أمرٍ لم يَجْرُوا في غباره ولم يتعلقوا بأذياله, لسان حالنا: من ذا يعضُّ الكلبَ إن عَضَّا..

وكُنْ كيفَ شئتَ وقُلْ ما تشاء ... وأرْعِدْ يميناً وأبرِق شمالاً
نَجَا بِكَ عِرْضُكَ مَنْجَى الذُّبابِ ... حَمَتْهُ مقاديرُهُ أن يُنالا

وموافقتهم لنا أو مخالفتهم سواء, كما قال أبو الطيّب:

ومن جهلت نفسُهُ قدره ... رأى غيرُه منه ما لا يرى

ولن نرمي من ههنا مقاتلكم وإن كانت بادية, فقد بهرتْنَا سجايا حبيبنا وبهاء مجده أن يلتفت الخاطر لغير سيرته وجمال سجاياه وعذوبة أخباره وصِدْقِهَا, صلى الله عليه.
وسنرقم شيئاً من ذلك عَلَّ منهم نبلاء نَصَفَة, يقفون عليه مُحكّمينَ العقل والمنطق والبحث العلمي, المتجرد من علائق الهوى ودغائل الحقد.

وسنتكلّم هنا عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم الجليلة, وأخلاقه الجميلة, وشخصيته الكاملة خَلْقًا وخُلُقًا:
يكفيه مدح الله تعالى له وتزكيته بقوله: "وإنك لعلى خلق عظيم" [القلم: 4]؛ فالأخلاق الجميلة بحذافيرها قد استوعبها وتـخلق بها بشكل عفوي وبدون تكلّف([1])، وحيثما تأملت في خلق نبيل وجدت لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيه أعلى المنازل، لذلك أوصى الله تعالى عباده بالتأسي به: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" [الأحزاب: 21]، وكان كما روي عنه _وقد صحّ معناه دون لفظه_: «أدبني ربي فأحسن تأديبي»([2])، وقال عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق»([3]).

والكمال المحمدي ضربان:
الأول: خاص به ولن يكون لغيره من بعده, كاصطفائه بالنبوة والرسالة وتلقي الوحي الإلهي.
الثاني: أُمِرَ الناسُ بالاقتداء به فيه, لأنه الأنموذج الكامل للاقتداء والتأسي.

وقد كان يحث على حسن الخلق ويعد عليه أعظم الأجور «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا»([4]). وسئل عن البرّ فقال: «حسن الخلق»([5])، وقال: «وخالق الناس بخلق حسن»([6]) صلى الله عليه وسلم وبارك.

هذا ومن نماذج حسن خلقه وكريم سجاياه وحميد خصاله([7]) الكرم، فقد كان فيه مضرب الأمثال فكان لا يرد سائلاً، وقد سأله رجل حلّة كان يلبسها فأعطاه إياها مع حاجته إليها.
وقال عنه جابر رضي الله عنه: «ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط فقال: لا، وقد أعطى رجلاً غنمًا بين جبلين، فأتى الرجل قومه وقال: يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة».
وحُملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير فقام فقسمها كلها وما أخذ منها لنفسه شيئًا.
وأعطى العباس من الذهب ما لم يطق حمله، وأعطى معوذ بن عفراء ملء كفه ذهبًا وحليًا لما جاءه بهدية من رطب وقثاء، وكان إذا سئل ولم يكن عنده شيء يقول: «ما عندي شيء ولكن ابتع علي فإذا جاءنا شيء قضيناه» أي اشتر ما تحتاجه على حسابي.

أما الصدق والأمانة فكانا ملتصقين باسمه وبحاله حتى قبل مبعثه فقد كان يلقب في مكة قبل أن يوحى إليه بالصادق الأمين.

أما عن حلمه فهو السيّد فيه بحق، فإنه لما شجّ المشركون وجنتيه وكسروا رباعيته ودخلت حلقتا المغفر في رأسه يوم أحد قال: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».

ولما جذبه الأعرابي بردائه الخشن جذبة شديدة حتى أثَّرَت على صفحة عنقه الشريف والأعرابي الجلف يقول بصلف: احمل لي على بعيريّ هذين من مال الله الذي عندك فإنك لا تحمل لي من مالك ولا مال أبيك، فحلم عليه السيد الكريم صلى الله عليه وسلم ولم يزد على قوله: «المال مال الله وأنا عبده، ويُقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي» فقال الأعرابي: لا. فقال صلى الله عليه وسلم: «لم؟» فقال: لأنك لا تكافئ السيئة بالسيئة. فضحك صلى الله عليه وسلم ثم أمر أن يحمل له على بعير شعيرٍ وعلى آخر تمر. ولم ينتصر لنفسه قط، ولا ضرب خادمًا ولا امرأة ولا طفلاً قط، ولما جاءه زيد بن سعنه ــ أحد أحبار يهود المدينة ــ وجذبه بثوبه وأخذ بمجامع ثيابه، وقال مغلظًا القول له ــ اختبارًا([8])ــ: إنكم يا بني عبد المطلب مطلٌ، فانتهره عمر وشدّد عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم وقال: «أنا وهو كنا إلى غير هذا أحوج منك يا عمر، تأمرني بحسن القضاء، وتأمره بحسن التقاضي»، ثم قال: «لقد بقي من أجله ثلاث» ثم أمر عمر أن يقضيه وأن يزيده عشرين صاعًا لما روّعه، فأسلم الحبر لتحقق النبوءة التي عنده في رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه يسبق حلمه جهله؟ وأن شدة الجهل عليه لا تزيده إلا حلمًا.

أما عفوه فيكفيه أنه لم ينتقم لنفسه قط بل يعفو ويصفح مع كمال قدرته وسلطته، ولما أخذ غورث بن الحارث سيفه وسلّه عليه وقال: من يمنعك مني؟ قال: «الله» فسقط السيف من يد غورث وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «من يمنعك؟» فقال غورث: كن خير آخذ، فتركه وعفا عنه.

ولما دخل المسجد الحرام صبيحة الفتح الأعظم وقف على باب الكعبة وتحته رجالات قريش وصناديد المشركين الذين أهانوه وأحزنوه وقتلوا أصحابه وأخرجوه وهمّوا بقتله مرارًا، وهم ينتظرون حكمه النافذ بعد انتصاره عليهم واستسلامهم له، وقال لهم: «يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟» قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

وحينما سحره لبيد بن الأعصم اليهودي عفا عنه ولم يعاقبه مع قدرته على قتله وصلبه واستحقاقه له.

وحينما تآمر عليه المنافقون في طريق عودته من تبوك إلى المدينة وأرادوا قتله بترديته من شاهق فأنجاه الله منهم عفا عنهم ولم يعاقبهم.

أما عن شجاعته فقد كانت في قلبه وصدره ولسانه وجسده، وقد شهد له بالشجاعة مشاهير الشجعان، قال علي رضي الله عنه ــ وكان مضرب المثل في الشجاعة ــ: «كنا إذا حمي البأس واحمرّت الحدق نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم» أي نتقي الضرب والطعان به عند عظمة كروب الضرب والطعن والجلاد، وحينما انهزم أكثر أصحابه في أُحُدٍ وقف كالجبل الأشم حتى فاءوا إليه ولاذوا به والتفوا حوله، كذلك في حنين حين هرب الأبطال وتراجع البواسل وقف شامخًا مجسدًا كل معاني الجسارة وكمالات الشجاعة وهو يقاتل ويصاول ويقول:

أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب

وما زال في أتون المعركة ينادي أصحابه مثبتًا لهم نافضًا عن قلوبهم دهشة الفزع وهو يقول: «إلي عباد الله إلي عباد الله» حتى عاد إليه أصحابه، وعاودوا الكرة على عدوهم حتى هزم الله عدوهم، هذا مع كون أصحابه مضرب المثل بين الأمم بوفائهم له وتضحيته بنفوسهم لدينه واسترخاص أرواحهم بين يديه، ولكن اقتضت حكمة الله تعالى أن يظهر الله شجاعة نبيه صلوات الله وسلامه عليه في مواقف ينفرد فيها بالكمال دون غيره، حتى لا يسبقه أحد في الإقدام والاستبسال والشجاعة والجسارة.

وحينا جاءه أبي بن خلف راكضًا على فرسه وقد تدرع بدرع على جميع جسده، وهو يصيح: أين محمد لا نجوت إن نجا. فأراد بعض المسلمين أن يعترضه فقال صلى الله عليه وسلم: «خلوا طريقه» وتناول الحربة وانتفض انتفاضة فتطاير عنه أصحابه تطاير الوبر من ظهر البعير إذا انتفض، واستقبل عدو الله بطعنة نجلاء في عنقه تدأدأ بها عن فرسه مرارًا وهو يصيح قتلني محمد، حتى هلك.

وفزع أهل المدينة فانطلق ناس قِبلَ الصوت بعد أن اجتمعوا وتأهبوا فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا وقد سبقهم لوحده إلى الصوت وهو يقول مطمئنًا لهم: «لن تراعوا».
وقال عنه عمران بن حصين رضي الله عنهما: «ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب".
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم»([9]).
وكان يقول: «نصرت بالرعب مسيرة شهر»([10])، وكان يقول: «أنا نبي الرحمة، أنا نبي الملحمة»([11])، وقال ابن عباس رضي الله عنهما عنه: «اسمه في التوراة أحمد، الضحوك القتال، يركب البعير، ويلبس الشملة، ويجترئ بالكسرة، سيفه على عاتقه»([12]).
قال ابن القيم: «وأما صفته صلى الله عليه وسلم في بعض الكتب المتقدمة بأنه الضحوك القتال، فالمراد منه أنه لا يمنعه ضحكه وحسن خلقه ــ إذا كان حدًا لله وحقًا له ــ أن يأخذ بذلك، ولا يمنعه عن ذلك تبسمه في موضعه، فيعطي كل حال ما يليق بتلك الحال»([13]).

أما عن صبره وتجلده فيكفيه أنه كان لوحده من البشر في كفة وأهل الأرض قاطبة في كفة أخرى لـمّا بعثه الله تعالى فتجلد وصبر وصابر ورابط حتى نصر الله دعوته، وصبر على أذية قريش وهو بلا نصير من البشر في مكة وقد ضربوه وأدموه ووضعوا الشوك في طريقه وألقوا الأذى في برمته([14]) وطرحوا السَّلا على ظهره وشتموه وكادوه وقتلوا أصحابه وحاصروه ثلاث سنين مع بني هاشم في شعبهم، وحكموا عليه بالقتل وتمالؤا على ذلك وبعثوا رجالهم لاغتياله، وماتت زوجته وأنسه خديجة ثم مات العم الحنون المدافع عنه أبو طالب، فلم تفتّ هذه الرزايا في عضده ولم توهن عزيمته ولم تقصر من همته، بل قابل ذلك بصبر لم يعرف له في تاريخ الأبطال نظير أو مثيل، وصبر وصابر ــ بأبي هو وأمي ونفسي وولدي ــ في كافة غزواته في بدر وأحد والخندق والفتح وحنين والطائف وتبوك وغيرها فلم يجبن ولم ينهزم ولم تضعف عزيمته ولم يكل ولم يملّ وهو ينتقل من غزوة إلى أخرى طيلة عشر سنوات، وصبر على تآمر اليهود عليه بالمدينة وتحزيبهم الأحزاب لحربه ونقضهم لعهده، وصبر على الجوع الشديد حتى أنه مات ولم يشبع من خبز شعير مرتين في يوم، وكان يربط الحجر والحجرين على بطنه من الجوع بلا شكوى ولا تضجر بل بصبر وسماحة وسمو.

أما عدله فقد شهد له الأعداء والأولياء، ويكفيه قوله لما أمر بقطع يد المخزومية التي سرقت: «والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها» وكان تحته تسع نسوة فكان يعدل بينهن ويتحرى العدل التام، وكان لا يأخذ أحدًا بتهمة أحد ولا يصدق أحدًا على أحد حتى يأتي بالبينة، ويكفيه في عدله سمو شريعته واشتمالها على تفاصيل العدل وحذافيره في المعاملات والبيوع والجنايات والعقود وغيرها حتى صارت مضرب المثل عند من يدرسونها ويطبقونها.

أما عن زهده في الدنيا فقد كان أزهد الناس فيها بلا منازع([15])، وقد عرض عليه ربه أن يجعله ملكًا نبيًا أو عبدًا رسولاً، فاختار العبودية والرسالة، ولو شاء أن يكون أغنى الناس لكان، ويقول: «لو كان لي مثل أحد ذهبًا لما سرّني أن يبيت عندي ثلاثًا إلا قلت فيه هكذا وهكذا([16]) إلا شيئًا أرصده لدين»([17]).

ولما رآه عمر ينام على فراش من أدم([18]) حشوه ليف، وقد أثر السرير على جنبه من خشونته، فدمعت عيناه وقال: يا رسول الله كسرى وقيصر ينامان على كذا وكذا، وأنت رسول الله تنام على هذا! فقال: «ما لي وللدنيا يا عمر، وإنما أنا فيها كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها»([19])، هذا وربه قد عرض عليه أن يحول الأخشبين([20]) ذهبًا وفضة فاختار الزهد فيهما كما قيل «قليل يكفي خير من كثير يلهي».

وقالت عنه زوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفّ لي» وقد قبض صلوات الله وسلامه عليه ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعًا من شعير لأهله، ولما نزل عليه ضيف لم يجد في بيوت أزواجه إلا الماء.

أما عن حسن عشرته للناس صلوات الله وسلامه عليه فقد وصفه علي رضي الله عنه بقوله: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسع الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة»، وقال عنه أبو هالة رضي الله عه: «كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب ولا فحّاش، ولا غيّاب ولا مدّاح، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه، وكان يجيب من دعاه، ويقبل الهدية ممن أهداه ولو كانت كراع شاة ويكافئ عليها».

وقال عنه أنس رضي الله عنه: «خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات فما قال لي أفّ قط، وما قال لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته».

وقالت عائشة رضي الله عنها: «ما كان أحد أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال: «لبيك»، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر، ولم يُر مقدمًا ركبته بين يدي جليس له، وكان يبدأ من لقيه بالسلام والمصافحة، ويؤثر بالوسادة من دخل عليه، ويكنّي أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم، لا يقطع حديث أحد، وكان إذا جلس إليه أحد وهو يصلي خفف صلاته وسأله عن حاجته فإذا فرغ عاد إلى صلاته»، وحسبنا في بيان أدبه وحسن عشرته قول ربه فيه: "وإنك لعلى خلق عظيم" [القلم: 4]، "فبما رحمة من الله لنت لهم"[آل عمران: 159].

أما حياؤه صلى الله عليه وسلم فقد وصفه أصحابه بقولهم: «كان أشد حياء من البكر في خدرها، وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه» وكان إذا بلغه شيء عن أحد لم يسمّه بل يقول: «ما بال أقوام يصنعون كذا، أو يقولون كذا» وكان يكنّي مما يضطره الكلام إليه مما يُكره ولا يُصرّح به، وقد ذكر الله تعالى حياءه في محكم التنزيل فقال: "إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق" [الأحزاب: 53].

أما عن خوفه من ربه تعالى وخشيته وحسن عبادته له؛ فقد كان أخشى الناس لله وأعلم الناس بما يتقي، وقد كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء من خشية الله وتعظيمه وإجلاله، وكان يستغفر في اليوم أكثر من مئة مرة، ويُعد له في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، وكان يطيل الصلاة حتى تورمت قدماه مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولما سئل عن ذلك قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»([21])، وكان عمله ديمة، وإذا عمل عملاً أثبته، وقد جعلت قرة عينه في الصلاة، وكان يذكر الله على كل أحواله. ولما قرأ ابن مسعود عنده آية سورة النساء: "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً" [النساء: 41]، قال: «حسبك» قال ابن مسعود: فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان([22]).

أما عن تواضعه فعلى قدر عظمة سيادته وشرفه كانت عظمة تواضعه للخلق، فمع أنه كان سيد الخلق وأشرفهم وأكرمهم على الله إلا أنه كان أشدهم تواضعًا، فقد كان يركب الحمار والبغلة، ويردف خلفه، ويعود المساكين ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبيد، ويجلس بين أصحابه مختلطًا بهم بلا تمييز له بمجلس أو زي أو هيئة، بل كان يجلس حيث ينتهي به المجلس حتى يحار القادم الغريب أيّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكان يُدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب، وتأخذ بيده المرأة والعجوز والأمة وتوقفه طويلاً وهو واقف يسمع كلامها ويجيب سؤالها، وكان يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله»([23]).

وفي حجة الوداع أهدى مئة بدنة وهو على بعير فوقه رحل عليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم، فقد كانت الدنيا في يده لا في قلبه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ولما فتح مكة ظافرًا منصورًا راكبًا ناقته كان مطأطئ الرأس خاضعًا مستكينًا متواضعًا متطامنًا لعظمة ربه تعالى حتى إن لحيته لتكاد تمس قائم رحله، وهذا موقف لم ينقل لبشري سواه ــ فيما نعلم ــ. وكان يقول: «نحن أحق بالشك من إبراهيم عليه السلام إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي»، قال: «ويرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي»([24])، وكل هذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام.

وكان في بيته في مهنة أهله يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويقم البيت، ويعقل البعير، ويعلف ناقته، ويأكل مع الخادم، ويعجن معه، ويحمل بضاعته من السوق، ولما دخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة قال له: «هوّن عليك فإني لست ملكًا وإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد»([25])، صلوات ربي وسلامه عليه.

هذا ومن تمام خلقه وعظيم هيبته أنه كان يمازح أصحابه ويداعبهم ويؤانسهم، ولا يقول إلا حقًا، كما قال لمن طلب منه أن يحمله على بعير: «إنا حاملوك على ولد الناقة» فقال الرجل: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟! ظنّ أنه يقصد صغيرها. فقال: «وهل تلد الإبل إلا النوق»([26]).

ويومًا ما رأى أحد أصحابه يبيع متاعًا له في السوق فاحتضنه من خلفه وهو يقول: «من يشتري هذا العبد؟» فقال: يا رسول الله، إذن والله تجدني كاسدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكنك عند الله لست بكاسد». وكان يقول لهذا الرجل واسمه زاهر: «إن زاهرًا باديتنا ونحن حاضره»([27]).

وقال يومًا ما لامرأة طلبت منه أن يدعو الله أن يدخلها الجنة، فقال: «يا أم فلان! إن الجنة لا يدخلها عجوز» فولت العجوز تبكي فقال: «أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز فإن الله تعالى يقول: "إنا أنشأناهن إنشاءً . فجعلناهن أبكاراً . عرباً أتراباً" [الواقعة: 35ــ 37]([28]) أي أن الله يردها شابة في الجنة بإنشائها إنشاءً آخر.

وقال له أبو هريرة رضي الله عنه: يا رسول الله إنك تداعبنا! قال: «إني لا أقول إلا حقًا»([29])، أي لا يكذب في مزاحه ولا يؤذي بل يؤانس ويتبسط ويتألف.

أما فصاحته فلم تلد النساء أفتق لغة منه، فقد كان أفصح الناس لسانًا، وأبلغهم قولاً، وأوضحهم بيانًا، قد أوتي جوامع الكلم، وبدائع الحكم، تنفجر ينابيع البلاغة والإيجاز من فيه، يقول الكلمة فتصبح حكمة منقولة، ومن أقواله التي صارت حكمًا يتناقلها الناس: «الناس معادن»([30])، «المستشار مؤتمن»([31])، «الناس كأسنان المشط»([32])، «المرء مع من أحب، ولا خير في صحبة من لا يرى لك ما ترى له»([33])، «وإنما لكل امرئ ما نوى»([34])، «رحم الله عبدًا قال خيرًا فغنم أو سكت فسلم»([35])، «أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين»([36])، «شر الناس ذو الوجهين»([37])، «السعيد من وعظ بغيره»([38])، «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين»([39]) وغيرها كثير.

أما رحمته صلى الله عليه وسلم فقد أودعها الله قلبه حتى فاضت على الناس والحيوان، فقد وسعهم قلبه الرحيم، ويكفيه وصف الله تعالى له: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" [الأنبياء: 107]، فهي رحمة عامة بجميع الخلق، ثم وهبه الله رحمة أخرى خاصة بالمؤمنين "بالمؤمنين رؤوف رحيم" [التوبة: 128] فمن ذلك أن ملك الجبال لما استأذنه في إطباق جبلي مكة على أهلها الذين كذبوه وشتموه وآذوه فكانت رحمته بهم هي جزاؤه لهم فقال للملك: «لا، بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا»([40]).

وقال لعائشة رضي الله عنها لما أتعبت جملها لتروّضه: «يا عائشة عليك بالرفق»([41]). ورقّ قلبه لطائر الحمّرة([42]) حين جاءت ترفّ على رأسه وعلى رؤوس أصحابه فقال بكل رحمة: «أيكم فجع هذه؟» فقال رجل من القوم: أنا أخذت بيضها. فقال: «ردّه رحمة لها»([43])، وقال للمرأة التي نذرت أن تنحر الناقة التي نجت عليها من أسرها: «بئس ما جزيتيها بعد أن نجاك الله بها» ونهاها عن نحرها([44]).

وقد علمت البهائم واستشعرت رحمته بها([45])، فشكت إليه شدة أهلها عليها كما في البعير الذي شكى إليه فقال: «إنه يشتكي إلي كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه»([46])، ولما اشتكى له بعير آخر اشتراه وسيّبه في الشجر حتى نبت له سنام، وأوصى بالرفق بالحيوان فقال: «اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة واتركوها صالحة»([47]).

ولما هاج جمل لأحد الأنصار ودخل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أقبل إليه الجمل وحنّ وذرفت عيناه، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وذفريه([48]) فسكن، ثم نادى صاحب الجمل وقال: «ألا تتقي الله ف يهذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنما شكى إلي أنك تجيعه وتدئبه»([49])، ولما تعجب الناس من خضوع البهائم له وشكواها إليه قال: «إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله، إلا عاصي الجن والإنس»([50]).

وكان يقول: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض»([51])، وقال: «في كل ذات كبد رطبة أجر»([52])، وأخبر أن بغيًّا غفر الله لها بسبب رحمتها بكلب سقته كان يأكل الثرى من العطش([53])، وحتى في ذبح الحيوان أوصى بالرفق فقال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته»([54]). ونهر الذي يري الشاة السكين قبل ذبحها وقال: «أتريد أن تميتها موتات»([55])، ونهى أن تذبح البهيمة وأختها تنظر إليها.

وقال له رجل: يا رسول الله، إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها. فقال صلى الله عليه وسلم: «والشاة إن رحمتها رحمك الله»([56]). ونهى عن التحريش بين البهائم([57])، بل حتى النبات كان ينهى عن إفساده وقطعه وتحريقه، ويؤكد على جيوشه بالامتناع عن ذلك.

كلُّ هذا قبل وجود جمعيات الخضر والرفق بالحيوان وحقوق الإنسان والمرأة والطفل واليتيم والأقليات ونحوها، فصلى الله وسلم وبارك على من امتلأ قلبه بالرحمة والرأفة والمحبة، وكان ينهى عن قتل الشيوخ وكبار السن والنساء والأطفال والمنعزلين في الصوامع للعبادة، وإنما يقتل من قاتل أو حال بين دين الله وإبلاغه من خلفه من الناس، ولما رأى امرأة من أعدائه مقتولة بعد إحدى المعارك غضب وأنكر ذلك وقال: «ألم أنهكم عن قتل النساء؟!»([58])، ولما اغتال وحشي بن حرب عمه حمزة بن عبد المطلب وتسبب في التمثيل به وقطع جثته وبتر بعض أعضائه، فما كان منه بعد إسلام وحشي إلا أن اكتفى بقوله: «ويحك يا وحشي غيّب عني وجهك فلا أرينك بعد اليوم» لقد كانت رحمته متميزة كمًّا وكيفًا، وكان يخشى على الكفار عذاب الله ويرحمهم لذا كان حريصًا على هدايتهم أقصى طاقته.

وقد أثرت عنه كثير من الوصايا في الدعوة إلى الله باللين والإحسان والصبر على الأذى في ذلك، وكان يقول: «والله لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم»([59]). وقد بكى ليلة حتى الصباح وهو يردد قول المسيح ابن مريم عليه السلام الذي ذكره الله في القرآن الكريم أنه سيقول يوم القيامة لرب العالمين: "إن تعذبهم فهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" [المائدة: 118]، فكان يبكي ويقول: «اللهم أمتي، اللهم أمتي»([60]).

ولما أعطاه الله تعالى دعوة مستجابة كسائر الأنبياء لم يستعجلها في الدنيا بل ادخرها ليوم القيامة شفاعة لمن لم يشرك بالله من أمته، وقد وصفه الله تعالى بأرق وصف وأجمل نعت حين قال: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم"[التوبة: 128]،(61) وكان عظيم الرحمة والرأفة بالأطفال، ولما مات ابنه الصغير إبراهيم حمله وعيناه تدمعان وهو يقول: «إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون»([62])، ولما احتضر ابن إحدى بناته حمله في حجره ونفسه تقعقع وتتحشرج، فدمعت عينا نبي الله صلى الله عليه وسلم رحمة بالصغير من سكرات الموت([63])، ولما قعد على شفير قبر إحدى بناته وهي تُدفن كانت عيناه تدمعان([64]).

ولما ماتت ابنته زينب، وكان لها بنت صغيرة ــ اسمها أمامة ــ رقّ لها جدًا, وكان يحملها على عاتقه ويلاطفها، بل كان يصلي بالناس في المسجد وهو يحملها، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها على عاتقه([65])، وكان يخفف الصلاة إذا سمع بكاء الصبي رحمة به وبأمه([66])، وكان يقول: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»([67])، «من لا يرحم لا يُرحم»([68])، «الراحمون يرحمهم الرحمن»([69])، «لا تنزع الرحمة إلا من شقي»([70])، وكان رحيمًا بالبشرية كلها خائفًا عليها عذاب الله وعذابه يوم القيامة، فلم يترك وسيلة إلا طرقها لهدايتهم وإنقاذهم من الهلكات, حتى شبه نفسه معهم بمن يحجز الفَرَاشَ عن النار وهي تقتحم فيها وتعجزه([71]).

أما وفاؤه فله المنتهى وهو بحق سيد الأوفياء، فكان يفي بالوعد، ولا ينسى حسن العهد، وقد وعد رجلاً في مكان قبل أن يُبعث فوقف ينتظره ثلاثة أيام، فلما حضر لم يعنفه إنما اكتفى بقوله: «يا فتى لقد شققت علي أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك»([72]).

وكان يلقب بالصادق الأمين قبل البعثة، وكان الناس يودعون عنده نفائس أموالهم وودائعهم ليقينهم بوفائه وأمانته، ولما ماتت زوجه خديجة رضي الله عنها كان يتعاهد صديقاتها بالهدايا وفاءً لحسن عهدها وطيب ذكراها، فكان إذا أُتي بهدية قال: «اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة، إنها كانت تحب خديجة»([73])، وهذا مثال معدوم تقريبًا في واقع الناس، لكنه الوفاء العميق النبيل. وكانت عائشة تقول: ما غرت من خديجة لما كنت أسمعه يذكرها، وإن كان ليذبح الشاة فيهديها إلا خلائلها([74])، واستأذنت علي أختها هالة فارتاح إليها وسألها عن حالها وحال أهلها، ويقول: «كيف أنتم بعدنا؟»([75]) وكان صوتها يشبه صوت أختها الراحلة، ودخلت عليه امرأة فهش لها وبش وأحسن السؤال عنها، فلما خرجت قال: «إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان»([76])، وهذه رسالة عمليّة منه إلى كل امرأة ظنت أن الإسلام يحتقر المرأة أو يهضم حقها، فهذا نبي الأمة بقوله وبفعله يكرمها ويرفع قدرها صلى الله عليه وسلم.

ولم ينس هذا النبي الوفي قدماء أصحابه فحينما أغضب الناس أبا بكر رضي الله عنه زجرهم بقوله: «هل أنتم تاركون لي صاحبي»([77])، ولما سبّ بعضهم صاحبه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: «لا تسبوا أصحابي»([78])، فصلى الله وسلم وبارك على صاحب هذا القلب الكبير والروح النبيلة والوفاء العزيز.

أما صلته رحمه وقرابته؛ فكان واصلاً لهم تمام الصلة حتى وإن قابلوا ذلك بالقطيعة والعداوة، ولا يمنع من ذلك كون قرابتهم بعيدة، كما قال في بعض أرحامه حال شركهم وعداوتهم وحربهم له: «إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي غير أن لهم رحمًا سأبلها ببلالها»([79])، أي سأصلها. ولما قدمت عليه أمه من الرضاعة هش لها وأحسن استقبالها وبسط رداءه في الأرض لها، وكان يبعث إلى ثويبة مرضعته بصلة وكسوة فلما ماتت سأل: «من بقي من قرابتها؟» حتى يصلهم بعدها، فقيل له: لا أحد. بل لم ينس أهل مصر حين أوصى المسلمين بهم خيرًا إذا فتحوها لأن لهم رحمًا، وهي هاجر أم إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام حتى قال أهل مصر: والله ما وصل هذه الرحم البعيدة إلا نبي صلوات الله وسلامه عليه.

أما كمال خَلْقِه وجمال صورته وتناسق خلقته؛ فقد صوّره الله تعالى في صورة الجمال والبهاء والجلال، قال البراء بن عازب رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا، وأحسنهم خَلْقًا، ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير»([80])، وقال: «كان بعيد ما بين المنكبين، عظيم الجمة([81]) إلى شحمة أذنيه، عليه حلّة حمراء، ما رأيت شيئًا قط أحسن منه»([82])، ولما سئل: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: «لا، بل مثل القمر»([83])، وقال كعب بن مالك رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه فلقة قمر»([84])، وقال أنس رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس والقدمين، لم أر مثله ولا بعده مثله، وكان بَسِطَ الكفين، ضخم اليدين»([85])، ومعنى بَسِطَ الكفين: ليّنهما. وقال جابر بن سمرة رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم([86])، أشكل العينين، منهوس العقبين»([87]) أي واسع الفم، طويل شق العين، قليل لحم العقب.

وقال أنس رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، ولا بالجعد القطِط ولا بالسَّبط»([88]) أي ليس لون جلده شديد البياض الذي لا تـخالطه حمرة ولا بالأسمر، وليس شعره شديد الجعودة ولا شديد الانبساط، وقال أنس كذلك: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون (أي أبيض مستنير، وهو أحسن الألوان.)، كأن عرقه اللؤلؤ (أي من الصفاء)

إذا مشى تكفّأ (أي يتمايل قليلاً إلى الأمام وليس في مشيته تبختر كمشية المتكبرين ولا بارتـخاء وتمطي كمشية الكسالى) وما مسست ديباجة ولا حريرًا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شَممت مسكًا ولا عنبرًا أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم»([89]).

وقد وصفته أم معبد الخزاعية رض الله عنها وصفًا مفصلاً كما قيل: أحسن من يصف الرجل هن النساء، فقالت: «إنه رجل ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه (أي أبيض واضح ما بين الحاجبين كأنه يضيء من صفائه)، حسن الخِلقة، لم تُزْرِ به صِعلة(أي لم يُعيّبه صغر في رأس، ولا نحول في بدن.)، ولم تعبه ثجلة ( والثجلة هي ضخامة البطن.)، وسيمًا قسيمًا (أي واضح الملامح غير متداخل الأعضاء، ظاهر الجمال) ، في عينيه دَعَج (أي شديد سواد العين وشديد بياضها)، وفي أشفاره عطف (أي طويل أهداب العينين.)، وفي عنقه سَطَع ( أي طويل العنق.)، وفي صوته صَحَل ( أي بحَّة خفيفة وهي من جمال الصوت.)، وفي لحيته كثافة، أحور ( أي واسع العينين.)، أزجّ ( أي متقوس الحواجب مع طول وامتداد.)، أقرن (أي متصل الحواجب)، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلّم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق، فصل لا نَزَرَ ولا هَذَرَ ( أي تام البلاغة بلا إيجاز مخل ولا إطناب ممل) وكأن منطقه خرزات نظم تنحدر، رَبْعةٌ لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه العين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرًا...»([90]).

قال شيخ الإسلام رحمه الله: «وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته، وأمته من آياته، وعلم أمته ودينهم من آياته، وكرامات صالح أمته من آياته، وذلك يظهر بتدبر سيرته من حين ولد إلى أن بعث، ومن حين بعث إلى أن مات، وتدبر نسبه وبلده وأصله وفصله، فإنه كان أشرف أهل الأرض نسبًا، من صميم سلالة إبراهيم، الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، فلم يأت نبي بعد إبراهيم إلا من ذريته، وجعل له ابنيه إسماعيل وإسحاق وذكرهما في التوراة، وبشر في التوراة بما يكون من ولد إسماعيل، ولم يكن في ولد إسماعيل من ظهر فيما بشرت به النبوات غيره، ودعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعث فيهم رسولاً منهم، ثم من قريش صفوة بني إسماعيل ثم من بني هاشم صفوة قريش، ومن مكة أم القرى، وبلد البيت الذي بناه إبراهيم، ودعا الناس لحجه، ولم يزل محجوجًا من عهد إبراهيم مذكورًا في كتب الأنبياء بأحسن وصف.

وكان محمد صلى الله عليه وسلم أكمل الناس تربية ونشأة، لم يزل معروفًا بالصدق والبر والعدل ومكارم الأخلاق، وترك الفواحش والظلم وكل وصف مذموم، شهودًا له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة، وممن آمن به وممن كفر به بعد النبوة، لا يُعرف له شيء يُعاب به، لا في أقواله ولا في أفعاله ولا في أخلاقه، ولا جُرّب عليه كذب قط، ولا ظلم ولا فاحشة.

وكان خَلْقُه وصورته من أكمل الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله، وكان أميًا من قوم أميين، لا يعرف لا هو ولا هم ما يعرفه أهل الكتاب: التوراة والإنجيل، ولم يقرأ شيئًا من علوم الناس، ولا جالس أهلها، ولم يدّع نبوة إلى أن أكمل الله له أربعين سنة، فأتى بأمر هو أعجب الأمور وأعظمها، وبكلام لم يسمع الأولون والآخرون بنظيره، وأخبرنا بأمر لم يكن في بلده وقومه من يعرف مثله.

ثم اتبعه أتباع الأنبياء، وهم ضعفاء الناس، وكذّبه أهل الرياسة وعادوه وسعوا في هلاكه وهلاك من اتبعه بكل طريق، كما كان الكفار يفعلون بالأنبياء وأتباعهم، والذين اتبعوه لم يتبعوه لرغبة في الدنيا ولا لرهبة، فإن لم يكن عنده مال يعطيهم، ولا جهات يوليهم إياها، ولا كان له سيف، بل كان السيف والمال والجاه مع أعدائه، وقد آذوا أتباعه بأنواع الأذى وهم صابرون محتسبون، لا يرتدون عن دينهم لما خالط قلوبهم من حلاوة الإيمان والمعرفة.

وكانت مكة يحجها العرب من عهد إبراهيم، فتجتمع في الموسم قبائل العرب، فيخرج إليهم فيبلغهم الرسالة، ويدعوهم إلى الله صابرًا على ما يلقاه من تكذيب المكذب، وجفاء الجافي، وإعراض المعرض، إلى أن اجتمع بأهل يثرب، وكانوا جيران اليهود، وقد سمعوا أخبارهم منهم، وعرفوه، فلما دعاهم علموا أنه النبي المنتظر الذي تـخبرهم به اليهود، وكانوا قد سمعوا من أخباره ما عرفوا به مكانته، فإن أمره قد انتشر وظهر في بضع عشرة سنة، فآمنوا به وبايعوه على هجرته وهجرة أصحابه إلى بلدهم، وعلى الجهاد معه، فهاجر هو ومن اتبعه إلى المدينة، وبها المهاجرون والأنصار، ليس فيهم من آمن برغبة دنيوية ولا برهبة إلا قليلاً من الأنصار أسلموا في الظاهر ثم حسن إسلام بعضهم، ثم أُذن له في الجهاد ثم أُمر به، ولم يزل قائمًا بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها من الصدق والعدل والوفاء، لا يحفظ له كذبة واحدة، ولا ظلم لأحد، ولا غدر بأحد، بل كان أصدق الناس وأعدلهم وأوفاهم بالعهد، مع اختلاف الأحوال عليه من حرب وسلم، وأمن وخوف، وغنى وفقر، وقلة وكثرة، وظهور على العدو تارة، وظهور العدو عليه تارة، وهو على ذلك لازم لأكمل الطرق وأتمها، حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التي كانت مملوءة بعبادة الأوثان، ومن أخبار الكهان، ومن طاعة المخلوق في الكفر بالخالق، وسفك الدماء المحرمة، وقطيعة الأرحام، لا يعرفون آخرة ولا معادًا، فصاروا أعلم أهل الأرض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم، حتى أن النصارى لما رأوهم حين قدموا الشام قالوا: ما كان الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء. وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض وآثار غيرهم، يعرف العقلاء فرق ما بين الأمرين.

وهو صلى الله عليه وسلم مع ظهوره وطاعة الخلق له وتقديمهم له على الأنفس والأموال، مات صلوات الله وسلامه عليه ولم يخلّف درهمًا ولا دينارًا، ولا شاة ولا بعيرًا له، إلا بغلته وسلاحه، ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعًا من شعير ابتاعها لأهله، وكان بيده عقار ينفق منه على أهله والباقي يصرفه في مصالح المسلمين، فحكمَ بأنه لا يورث ولا يأخذ ورثته شيئًا من ذلك»([91]).

وفي ختام هذا المقال نُجمل الطرق الست الكبرى للقطع بنبوته صلى الله عليه وسلم([92]):
1ــ التواتر العام.
2ــ التواتر الخاص بين أهل العلم.
3ــ التواتر المعنوي بين الناس بأحواله.
4ــ حضور الخلق الكثير للآية وتصديقهم وإيمانهم بها.
5ــ تواتر أنواع من آيات النبوة عند كل صنف من العلماء.
6ــ تصنيف العلماء في آيات النبوة.

قال ابن القيم رحمه الله: «فأي شيء عرفه من لم يعرف الله ورسله؟!
وأي حقيقة أدرك من فاتته تلك الحقيقة؟!
وأي علم أو عمل لمن فاته العلم بالله، والعمل بمرضاته، ومعرفة الطريق الموصلة إليه، ومآله بعد الوصول إليه؟!
فأهل الأرض كلهم في ظلمات الجهل والغيّ إلا من أشرق عليه نور النبوة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه أُضِلّ، فلذلك أقول: جف القلم على علم الله»([93]).

لذلك بعث الله الرسل ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، فمن أجابهم: خرج إلى الفضاء والنور والضياء، ومن لم يجبهم: بقي في الظلمة التي خلق فيها وهي ظلمة الطبع، وظلمة الجهل، وظلمة الهوى، وظلمة الغفلة عن نفسه وكمالها وما تسعد به في معاشها ومعادها»([94]).

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:19 am

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على الهادي البشير ، وعلى آله وصحبه أجمعين ..
فالسيرة العطرة ، سيرة خير البرية ، معين لا ينضب ، وينبوع صافٍ متدفق ، يرتوي من نميره كل من أراد السلامة والنجاة ، إنها شمس ساطعة ، وسناً مشرق ، ومشعل وضاء ، يبدد ظلمات الانحراف ، ويهدي سبيل الرشاد .
سأكتب عن أربعين عاماً من حياة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه .
أربعون عاماً كلها صفاء ونقاء .
أربعون عاماً تكلمت فيها الفطرة ، وتجلت فيها الصفات الحميدة ، وظهرت فيها العناية الربانية ، في إعداد سيد البرية .
أربعون عاماً هُيّأ العظيم فيها لأمر عظيم ، لتكون تلك الأربعين هي بداية التغيير للعالم السفلي من ظلمات الكفر والجهل إلى نور التوحيد والعلم .
أربعون عاماً فيها أفراح وأتراح ، وآمال وآلام { وكان الله عليما حكيما } .
ابتدأت تلك الأربعين بـ :

(1) ولادة يتيمة !!
توفي الوالد قبل الولادة ، بعد سعي في طلب لقمة العيش ، ليكون على موعد مع القدر في أرض يثرب ، مقبورا في أحد مقابرها !!
وأُودع الوالد والزوج الثرى ، لتعاني الوالدة الحنون آلام الوضع ، وآلام الفقد ، وآلام مستقبل طفل تيتم قبل خروجه للدنيا !!
وتأتي ساعة الصفر وتستبشر الدنيا بـ :

(2) ولادة محمد - صلى الله عليه وسلم - :
فيولد سيد المرسلين بشعب بني هاشم ، في صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول ، لأول عام من حادثة الفيل ، وقبل هجرته عليه الصلاة والسلام بثلاث وخمسين سنة ، ويوافق ذلك العشرين أو الثاني والعشرين من شهر إبريل سنة ( 571 م ) ، حسبما ذكره بعض المحققين .
وفي مكان آخر بعيدا عن ذلك البيت الصغير الذي وُلد به ذلك العظيم :
وقف رجل يتأمل السماء والنجوم ، فإذا الأمر مختلف عن العادة ، فالآية قد ظهرت !!
فما كان منه إلا أن صرخ بقومه :
" يا معشر اليهود !!! "
فاجتمعوا إليه فقال : " طلع نجم أحمد الذي وُلد به في هذه الليلة " .
نعم .. لقد وُلد أحمد ، وها هو بين أحضان أمه ترضعه وتشاركها في ذلك : أم أيمن ، وثويبة مولاة أبي لهب .
وتمر الأيام .... وإذا بالرضيع في :

(3) ديار بني سعد :
فانتقل مع أمه حليمة السعدية لترضعه في مضارب بني سعد بن بكر ، على عادة العرب في التماس المراضع لأولادهم ، لتقوى أجسامهم ، ويتقنوا اللسان العربي من صغرهم .
وفي تلك المضارب نشأ محمد الصغير ..
وبها وقف ومشى على قدميه ..
وبها ضحك ولعب مع أقرانه الصغار ..
فأي براءة وجمال كانت تشع من عيني ذلك الطفل الطاهر !!
فصلوات ربي وسلامه عليه .
وفي تلك المضارب رعى الغنم ، وسار خلفها وقادها مع إخوانه من الرضاع .
وتمر الأيام على رعاة الغنم الصغار ، ويبلغ الصغير أربع سنين ، وبينما هو يلعب مع الغلمان ، إذ به يصرع ويضجع من رجلين عليهما ثياب بيض ، لينطلق المنادي إلى أمه بنداء الرعب والخوف : " لقد قُتل محمد!!! " .
فكان ذلك القتل هو :

(4) شق الصدر :
لقد أضجعه الرجلان ، ثم أخرجا منه علقة سوداء فألقياها ، فانتهت حظوظ الشيطان منه ، ثم غسلا قلبه في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم أعادا قلبه إلى مكانه ، فجاء الصغير إلى القوم وهو منتقع اللون . يقول أنس رضي الله عنه : ( وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره ) .
فلما رأت حليمة ذلك : خافت على الصغير من أن يصيبه شيء ، فاتخذت قرارا بـ :

(5) رده إلى أمه الحنون :
فرجع الصغير إلى أحضان أمه ترعاه وتحنو عليه ، فكان عندها حتى بلغ ست سنين ،
لتتحرك عاطفة آمنة وشوقها إلى حيث توفي الزوج ويقطن الأهل ، فعزمت على السفر إلى يثرب ، فتحركت المطايا ، ومكثت شهرا في يثرب ، ليحين بعد ذلك وقت الرجوع ، وفي طريق السفر بين يثرب ومكة : توقفت المطايا في مكان يحمل في طياته ذكرى لا تزال عالقة بذاكرة الحبيب حتى بعد النبوة ، فمرّ يوما على قبر فانتهى إليه وجلس ، وجلس الناس حوله ، فجعل يحرك رأسه كالمخاطب – كما يروي ذلك بريدة رضي الله عنه – ثم بكى بكاء لم يبكه من قبل ، فاستقبله عمر فقال :
يا رسول الله ما يبكيك ؟
فقال : ( هذا قبر آمنة بنت وهب ) !!
لقد توقفت المطايا في مكان يقال له الأبواء ، ليكون الصغير على موعد جديد مع اليتم ، وتؤخذ آمنة منه ، وتوارى بين ناظريه ، لينتقل الطفل باكيا إلى :

(6) جده عبد المطلب :
عاد صغير الآلام إلى الجد العطوف ، الذي رق له رقة شديدة ، فكان لا يدعه وحيدا ، بل جعله مقدما على أولاده وبنيه .
إن لعبد المطلب فراشا لا يجلس عليه غيره إجلالا له واحتراما ، فكان محمد الصغير هو الوحيد المصرح له بالجلوس ، فيأتي الأولاد والأبناء ليُبعدوه ، فيقول الجد :
" دعوه ، والله إن لهذا شأنا " !!!

وتمر الأيام ويبلغ الصغير ثمان سنين ، ليكون على موعد جديد مع الآلام ،
فها هو عبد المطلب يوارى الثرى ، لتكون وصيته الأخيرة ، أن يكون الصغير عند :

(7) عمه أبا طالب :
فنهض باليتيم على أكمل وجه ، وضمّه إلى بنيه وقدمه عليهم ، واختصه بمزيد احترام وتقدير .
وتمر الأيام ... ويأتي على قريش سنون عجاف ، أجدبت لها الأرض ، وكاد يهلك بها القوم ، فبات الناس في شظف من العيش ، فما كان من قريش إلا أن طلبوا من سيدهم أبا طالب أن يستسقي لهم ، فكان :

(Cool أبيض يُستسقى الغمام بوجهه :
خرج أبو طالب يستسقي ، والسماء ما فيها من قزعة !! ومعه الغلام الصغير –صلى الله عليه وسلم- وبنيه ، فأخذ أبو طالب الغلام اليتيم الصغير - وهو يتذكر كلمات عبد المطلب : ( والله إن لهذا شأنا ) !! – فألصق ظهره بالكعبة واستسقى .
فأقبل السحاب من كل جانب ، وانفجرت السماء بماء منهمر ، فقال أبو طالب :
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه --- ثِمالُ اليتامى عصمة للأرامل

وتمر الأيام ... ويبلغ النبي الكريم اثنتي عشرة سنة ، وفي صيف حار تحركت ركائب قريش نحو الشام ، فكانت قصة :

(9) بُحيرى الراهب :
فارتحل أبو طالب بقومه ومعه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فلما وصلوا إلى بُصرى نزل القوم للراحة ، فخرج إليهم بحيرى ولم تكن من عادته الخروج إليهم ، فتخللهم حتى جاء إلى الفتى الصغير وأخذ بيده وقال :
هذا سيد العالمين !! هذا رسول رب العالمين !! هذا يبعثه الله رحمة للعالمين !! .
فقال أبو طالب وأشياخ قريش : وما علمك بذلك ؟
فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خرّ ساجدا ، ولا يسجدان إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ، وإنّا نجده في كتبنا " .
ثم سأل أبا طالب ألا يذهب به إلى الشام خوفا عليه من الروم واليهود ، فرده أبو طالب بغلمان معه إلى مكة .

وتمر الأيام ... وقد شبّ النبي الكريم ، ولم يكن له عمل معين في أول شبابه . ولكن جاءت الروايات وتوالت بأن مهنته كانت :

(10) رعي الغنم :
لقد كان يسير طوال نهاره خلف الغنم ، فرعاها في بني سعد ابتداءً ، ثم في مكة على قراريط لأهلها .
إن مهنة كهذه يُشترط لها أمانة مع طول نفس ، ولذا : ( ما من نبي إلا وقد رعى الغنم ) ، ولعل ذلك – والله أعلم - : لأن صورة القطيع شبيهة بسير سواد الأمم ، والراعي قائد يتطلب عليه أن يبحث عن الأماكن الخصبة والآمنة ، كما يتطلب ذلك حماية وحراسة لما قد يعترض قافلة السير .
وهذه المهنة فيها ما فيها من قسوة ومتابعة ، إلا أنها تُثمر قلبا عطوفا رقيقا ، وواقع حال رعاة الغنم خير شاهد على ذلك .
وبعيدا عن العمل وهمومه ، وبعيدا عن كدح البحث عن لقمة العيش نقف مع :

(11) نوازع نفس محمد صلى الله عليه وسلم :
يحدثنا النبي الكريم عن نفسه في تلك الفترة فيقول :
( ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء ، إلا ليلتين ، كلتاهما عصمني الله تعالى منهما ، قلت ليلة لبعض فتيان مكة – ونحن في رعاية غنم أهلنا – فقلت لصاحبي : أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة ، فأسمر فيها كما يسمر الفتيان . فقال : بلى .
فدخلت حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالغرابيل والمزامير . فقلت :
ما هذا ؟ فقيل : تزوج فلان فلانة . فجلست أنظر ، وضرب الله على أذني ، فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس . فرجعت إلى صاحبي ، فقال : ما فعلت ؟ فقلت : ما فعلت شيئا ، ثم أخبرته بالذي رأيت . ثم قلت له ليلة أخرى : أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة . ففعل ، فدخلت ، فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة ، فسألت . فقيل : فلان نكح فلانة ، فجلست أنظر ، وضرب الله على أذني ، فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس ، فرجعت إلى صاحبي فقال : ما فعلت ؟ قلت : لا شيء ، ثم أخبرته بالخبر ، فوالله ما هممت ولا عدت بعدها لشيء ، حتى أكرمني اله بنبوته ) .
إنها الرعاية الربانية ، تقف للحيلولة بينه وبين تلك النوازع ، ولذلك جاء في الأثر :
( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) .
وتمر الأيام ... ليبلغ النبي الكريم عشرون عاما ، ليشهد حربا وقعت في شهر حرام ، فتُسمى بـ :

(12) حرب الفِجَار :
وقعت تلك الحرب سوق عكاظ بين قريش ومعهم كنانة وبين قيس عيلان ، فاصطف القوم ووقعت حرب ضروس ، وكان النبي الكريم يجهز النبل للرمي ، وكثُر القتل في الطرفين ، حتى رأى عقلاء القوم أن وضع أوزار الحرب والاصطلاح خير من الملحمة ، فهدموا ما بينهم من العداوة والشر ، وعلى أثر ذلك حصل :

(13) حلف الفضول :
إنه حلف الخير والعدالة ، تداعت إليه قبائل من قريش في ذي القعدة ، وكان اجتماعهم في دار عبد الله بن جدعان التيمي ، فتعاهدوا وتعاقدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه ، وشهد هذا الحلف النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم - ، وقال عنه بعد أن أكرمه الله بالنبوة : ( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت ) .
ولا عجب في ذلك ، فهو نبي العدالة والرحمة ..
وتمضي الأيام ... ويبلغ النبي الكريم الخامسة والعشرين من عمره ، ليخرج إلى :

(14) تجارة الشام :
وذلك في مال لخديجة بنت خويلد ، بعد أن سمعت بأخبار الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ، وجعلت معه غلام لها يُقال له : ميسرة .
ذهب النبي الكريم إلى الشام ، فما لبث أن رجع إلى مكة ، فرأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تره من قبل ، وحدّثها ميسرة بما رآه من حال الصادق الأمين ، فما كان منها إلا أن سعت ليكون الخبر في أرجاء مكة :

(15) محمد – صلى الله عليه وسلم – زوج لخديجة – رضي الله عنها - !!
وذلك بعد أن تقدم لها سادات قريش ، فكان الإباء عليهم هو الجواب .
ثم لمّا رأت ما رأت بعد تلك التجارة المباركة : عزمت على نية أفصحتها لصديقتها : نفيسة بنت منبه . فقامت بدورها بذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم . فرضي بذلك ، إلا أن والد خديجة حاول عبثا الوقوف أمام هذا الزواج الميمون ، إلا أن حيلة خديجة كانت حَكَمَاً قاضيا في الموضوع ، فما الذي فعلته خديجة ؟
يروي لنا ابن عباس رضي الله عنهما ذلك فيقول :
" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر خديجة – وكان أبوها يرغب عن أن يزوجه - ، فصنعت طعاما وشرابا ، فدعت أبوها وزمرا من قريش ، فطعموا وشربوا حتى ثملوا . فقالت خديجة لأبيها : إن محمدا بن عبد الله يخطبني فزوجني إياه . فزوجها إياه . فخلقته وألبسته حلة – وكذلك كانوا يفعلون بالآباء -، فلما سرى عنه سكره ، نظر فإذا مخلق وعليه حلة ، فقال : ما شأني هذا ؟ قالت خديجة : زوجتني محمد بن عبد الله . قال : أُزوّج يتيم أبي طالب !؟ لا لعمري . فقالت : أما تستحي ؟! تريد أن تسفه نفسك عند قريش ، تخبر الناس أنك كنت سكران !! فلم تزل به حتى رضي " .
ويتزوج الشريف الشريفة ، وتمر الأيام والأعوام على ذلك البيت الهادئ الجميل ، ويُرزق منها بالبنين ، والنبي الكريم يُقري الضيف ، ويعين الملهوف ، وينصر المظلوم ، ويكون في حاجة أهله ..
ويجرف مكة سيل عرم وينحدر إلى البيت فيُصدّع جدرانه حتى أوشك على الوقوع والانهيار ، فاتفقت قبائل قريش على :

(16) إعادة بناء الكعبة :
وتبني قريش الكعبة بشرط مسبوق : " ألا يدخل في بنائها إلا طيبا ، فلا يدخل فيها مهر بغي ، ولا بيع ربا ، ولا مظلمة لأحد من الناس " .
ويشارك النبي الكريم صاحب الخمس وثلاثين عاما في البناء ، ويحمل الحجارة من الوادي مشاركا قومه في مثل هذا الحدث العظيم .
ويرتفع البناء ، ويعود للبيت جلاله وهيبته ، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود حصل الاختلاف ، وتنازع القوم في شرف وضع الحجر الأسود أربع ليال أو خمس حتى كادت الحال أن تتحول إلى حرب ضروس !! إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومي عرض عليهم أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد . فارتضى القوم ذلك .
فإذا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب يكون ذلك الداخل . فهتف القوم : أن رضينا بالأمين .
فطلب عليه الصلاة والسلام رداءً فوضع الحجر وسطه ، وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعا بأطراف ذلك الرداء ، وأمرهم أن يرفعوه ، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه . فرضي القوم بذلك ، وانتهى نزاع كادت دمائه أن تصل إلى الركب !!

وتمر الأيام ... وغربة النبي الكريم تزداد يوما بعد يوم ، فوجوه يعرفها ، وأحوال ينكرها ، كان ذا صمت طويل يزدان بالتأمل والنظر ، لقد كانت تلك الفطرة التي جُُبل عليها تمنعه من أن ينحي لصنم ، أو يهاب وثن .
فاعتزل القوم لما رأى من سفاهة أحلامهم ، وتفاهة عقولهم ، فكان عليه الصلاة والسلام لا يحضر عيدا لوثن ، ولا يشهد احتفالا عند صنم ، ولا يحلف بالاّت ، ولا يتقرب لعزى ، ولا يشرب خمرا ، ولا يأكل مذبوحا على نُصب ، فأبغض ذلك كله . يقول مولاه
زيد بن حارثة رضي الله عنه : " ... فوالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما استلم صنما حتى أكرمه الله بالذي أكرمه وأنزل عليه " .
فكان عليه الصلاة والسلام موحدا على ملة إبراهيم الخليل عليه السلام .
لقد جمع الصادق الأمين من الأوصاف والشمائل ما جعلت محبته لا تقف عند البشر ، بل تتعداه إلى الحجر والشجر ، يقول عليه الصلاة والسلام بعد أن أكرمه الله بالرسالة : ( إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث ) !! .
فصلوات ربي وسلامه عليه .

وتمر الأيام ... حتى بدأ طور جديد من حياته صلى الله عليه وسلم ، فكان يرى الرؤية ثم لا يلبث حتى يراها واقعا مشهودا أمامه ، فكان ذلك بداية بشرى النبوة والرسالة والاصطفاء ، لتكون البداية الحقيقة في الغار بـ { أقرأ باسم ربك الذي خلق } ، وينادي المنادي في أصقاع المعمورة : إن محمدا قد بُعث !!

فإذا عقارب السنين والأعوام قد دقت الأربعين !!
فصلوات ربي وسلامه عليه ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:20 am

سم الله الرحمن الرحيم


أُشهد الذي خلق السماوات بلا عمد .. وبسط الأراضين على أرض جمد، أني أحبه في الله .. أحبه فهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أحب هذا الرجل العظيم .. عظيم طوال حياته قبل الإسلام وبعده .. كان دائماً الأول .. دائماً في المقدمة .. فكان أول من أسلم من الرجال .. وأول من جمع القرآن الكريم .. وأول من سمى القرآن مصحفًا، وأول خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة ..

أحبه وأسأل الله أن أُحشر في زمرته في الفردوس الأعلى .. لكن أنّى لي أن ألحق به وهو الذى شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بدراً وما بعدها .. حياةٌ كلها جهاد وتضحية، والعجيب أنه لم يكن حضوراً وفقط بل كان دائماً له دوراً إيجابياً .. ألا تذكر معي موقفه في الهجرة وشرف الصحبة الذي ناله؟! .. ثم تعالى معي أيها الحبيب ولحظة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لحظة سقوط الكبار .. حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشديد في الحق على طول الخط كان حتى قال: ( والله ما مات رسول الله، وليبعثه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم) .. ولكن الصِدّيق المحب لرسول الله صلى الله عليه و سلم حباً جماً بل أكثرهم حباً له كان أكثرهم تماسكاً وأقواهم إيماناً .. فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه، ألا من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت .. قال تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون)، وقال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) .. أشعرت بمدى إيمانه أيها الحبيب ؟!

أحبه حباً جماً فهو السهل المحبوب الذي يألفه الناس ويألف الناس .. كان محبوباً في قومه رضي الله عنه .. يعمل بالتجارة ولكن رب التجارة أقرب إليه من كل تجارة ..

أحبه لأنه حمل الأمانة منذ أن دخل الإسلام .. فدعى وبلغ ما وصل له حتى دخل على يديه الكثير الإسلام، ومنهم: عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالرحمن بن عوف‏.‏

أحبه لأنه أسلم وهو من أغنى أغنياء قريش ومع هذا مات ولم يترك درهماً ولا ديناراً ، كل هذا إنفاقاً في سبيل الله ..

أحبه لأن خلافته كانت بركة من الله تعالى على الأمة بأسرها .. فقد اجتمعت الأمة عليه، وقضى على أهل الردة وفتنتهم، ومدعى النبوة، ووجه قوى المسلمين جميعاً نحو فارس والروم، فكان الفتح والنصر المبين، فرضي الله عنه ولعن كل من بغضه ..

أحبه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ففي حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟‏ .. قال: ‏عائشة‏، فقلت‏:‏ من الرجال؟ .. قال‏: ‏أبوها‏، قلت:‏ ثم من؟‏ .. قال: ‏ثم عمر بن الخطاب‏ ..‏ فعد رجالاً .. رواه البخاري

أحبه ولم لا أحبه وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (...... ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت ابن أبي قحافة خليلاً، وإن صاحبكم خليل الله) رواه الترمذي ..

نعم أحبه فخير البشر صلى الله عليه وسلم قال عنه: (إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم وانعما) رواه الترمذي ..

أحبه فهو سيدنا وعظيمنا وذلك بقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا .. يعني بلالاً بن رباح ..

أحبه فهو خير الناس .. وكما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم ) رواه البخاري

أحبه فهو أفقه الصحابة رضوان الله عليه جميعاً .. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:- خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وقال: إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله .. قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا.

وكثير كثير من فضائل هذا الرجل .. فاللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تجعلنا ممن اتبعوا هذا الصحب الكريم بإحسان، وأن تحشرنا في زمرتهم، وأن تجمعنا بهم في جنات النعيم يا ذا الجلال والإكرام .. والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:22 am

من فضائل أم المؤمنين
عائشة - رضي الله عنها - ومناقبها
حبيبة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم

الشيخ عاطف عبد المعز الفيومي


1- التعريف بها: هِيَ أمُّ المؤمنينَ أمُّ عبدِالله: عائشةُ بنتُ الإمام الصِّدِّيق الأكْبر، خليفةِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أبِي بَكْرٍ عبدِالله بنِ أبي قُحَافةَ عثمانَ بنِ عامرِ بن عمرو بن كعْب بن سعْد بن تَيْم بن مُرَّة، بن كعْب بن لُؤيٍّ; القرشيَّة التيميَّة، المكيَّة، النبويَّة، أم المؤمنين، زَوْجة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أفْقَه نِساءِ الأُمَّة على الإطلاق.
وأمُّها هي: أُمُّ رُومانَ بنتُ عامرِ بن عُوَيمر، بن عبدِ شمْس، بن عتاب ابن أُذينة الكِنانية.
هاجَر بعائشةَ أبواها، وتزوَّجها نبيُّ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبل مهاجرِه بعدَ وفاة الصِّدِّيقة خديجة بنت خُوَيلد، وذلك قبلَ الهِجرة ببضعة عشَرَ شهرًا، وقيل: بعامين، ودخَل بها في شوَّال سَنةَ اثنتين منصرفَه - عليه الصلاة والسلام - مِن غزوةِ بدر، وهي ابنةُ تِسْع، فرَوَتْ عنه عِلمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وعن أبيها، وعن عمر، وفاطمة، وسعْد، وحمْزَة بن عمرو الأسْلمي، وجُدَامَةَ بنتِ وهْب..\" [1].

2- حبُّ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لها: اختارَها الله لنبيِّه، حيثُ رآها في المنام، كما جاء في الصحيحَيْن - واللَّفْظ لمسلِم - عن عائشةَ قالتْ: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أُريتكِ في المنام ثلاثَ ليالٍ، جاءَني بكِ المَلَك في سَرَقةٍ (قطعة) مِن حريرٍ، فيقول: هذه امرأتُك، فأَكْشِف عن وجْهِكِ، فإذا أنتِ هي، فأقول: إنْ يَكُ هذا مِن عندَ الله يُمضِه)).
وعن عمرِو بن العاص - رضي الله عنه - قال: بعَثَني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على جيشِ ذاتِ السلاسل، قال: فأتيتُه قال: قلتُ: يا رسولَ الله، أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: ((عائشة))، قال: قلت: فمِن الرِّجال؟ قال: ((أبوها إذًا))، قال: قلت: ثُمَّ مَن؟ قال: ((عمر))، قال: فعدَّ رِجالاً\"؛ أخرجه الشيخان.

3- دعاءُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لها: عن عائشةَ قالت: لمَّا رأيتُ مِن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - طِيبَ النَّفْس قلت: يا رسولَ الله، ادعُ اللهَ لي، فقال: ((اللهمَّ اغفرْ لعائشةَ ما تقدَّم مِن ذنبِها وما تأخَّر، وما أسَرَّتْ وما أعْلَنتْ))، فضحِكتْ عائشةُ حتى سقَط رأسها في حجْرِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الضحِك، فقال: ((أيَسرُّكِ دُعائي؟))، فقالت: وما لي لا يَسرُّني دعاؤك؟! فقال: ((واللهِ إنَّها لدَعْوَتي))؛ أخرجه البزَّار في مسنده، وحَسَّنه الألباني.

4- ثناءُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصحابته عليها: عن أبي موسى الأشعريِّ - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كَمَلَ منَ الرِّجال كثيرٌ، ولم يَكْمُلْ منَ النِّساءِ إلاَّ مريمُ بنتُ عِمرانَ، وآسِيةُ امرأةُ فِرعونَ، وفضْلُ عائشةَ على النِّساءِ كفَضْل الثَّرِيدِ على سائرِ الطعام))؛ صحيح البخاري.

وعَنْ عَائِشَةَ - رضِي الله عنها - قَالَتْ: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَوْمًا: ((يا عائِشَ، هَذا جبْريلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَم))، فَقُلْتُ: وَعليه السلام ورحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُه، تَرَى ما لا أَرى - تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ، صلَّى الله عليه وسلَّم؛ رواه الشيخان - البخاريُّ ومسلم.
وعن الحَكمِ: سمعتُ أبا وائلٍ قال: \"لَمَّا بعَثَ عليٌّ عَمَّارًا والحسنَ إلى الكوفَة؛ ليستَنفِرَهم، خَطبَ عمَّارٌ فقال: إنِّي لأعلمُ أنَّها زوجتُهُ في الدُّنيا والآخِرة، ولكنَّ اللَّهَ ابتَلاكم؛ لتتبعوهُ أو إيَّاها\"؛ رواه البخاري.
وعَنْ أَنَسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَقولُ: ((فَضْلُ عائِشَةَ على النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ على الطَّعام))؛ رواه الشيخان - البخاري ومسلم.

5- عبادتها وزُهدها: وقد كانتْ أُمُّ المؤمنين كثيرةَ الصيام، حتى ضعُفت، كما جاء في السِّيَر للذهبي - رحمه الله تعالى - عن عبدِالرحمن بن القاسِم، عن أبيه: أنَّ عائشةَ كانتْ تصوم الدَّهْر.
كما كانتْ زاهدةً في الدنيا، فعَنْها قالت: \"ما شَبِع آلُ محمَّد يومَيْن من خُبزِ بُرٍّ إلا وأحدهما تَمْر\"؛ متفق عليه.
وعن عطاء: أنَّ معاويةَ بعَث إلى عائشةَ بقِلادةٍ بمائةِ ألْف، فقسمتْها بيْن أمَّهات المؤمنين، وعن عُروةَ، عن عائشة: أنَّها تصدَّقتْ بسَبْعِين ألفًا; وإنَّها لتُرقِّع جانبَ دِرْعها - رضي الله عنها.
وعن أُمِّ ذَرَّة، قالت: بعَث ابنُ الزبير إلى عائشةَ بمالٍ في غِرَارتَيْن، يكون مائة ألْف، فدَعَتْ بطَبق، فجعَلتْ تقسم في الناس، فلمَّا أمسَت، قالت: هاتِي يا جاريةُ فُطوري، فقالت أمُّ ذَرَّة: يا أمَّ المؤمنين، أمَا استطعتِ أن تشتري لنا لحمًا بدِرْهم؟! قالت: لا تُعنِّفيني، لو أذْكْرِتني لفعلتُ[2].

6- فِقهُ وعِلم أمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: قال الزُّهريُّ: لو جُمِع عِلمُ عائشة إلى عِلمِ جميعِ النساء، لكان علمُ عائشةَ أفْضلَ[3].
كما أنَّ الله قد وهَبَها الذكاءَ والفِطنة، وسُرعةَ الحافظة، قال ابن كثير: \"لم يَكُن في الأُممِ مثلُ عائشةَ في حِفْظها وعِلْمها، وفصاحتِها وعَقْلِها\"، ويقول الذهبيُّ: \"أفْقَهُ نِساء الأمَّة على الإطلاق، ولا أعْلمُ في أمَّة محمَّد، بل ولا في النِّساء مطلقًا امرأةً أعلمَ منها\".
وقدْ تجاوز عددُ الأحاديث التي روتْها ألْفَيْن ومائة حديث عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهي مُشتَهِرة في كُتُب السُّنَّة: البخاري ومسلم، والسُّنن والمسانيد، وغيرها؛ قال الحافظُ الذهبيُّ: مُسْنَد عائشة يبلُغ ألْفَين ومائتين وعشرة أحاديث؛ اتَّفق البخاريُّ ومسلمٌ لها على مائةٍ وأربعةٍ وسبعين حديثًا، وانفرَد البخاريُّ بأربعةٍ وخمسين، وانفرد مسلِمٌ بتِسعة وستِّين[4].
ويقول عُروةُ بنُ الزُّبَيْر: \"ما رأيتُ أحدًا أعلمَ بفِقه، ولا بِطبٍّ ولا بِشِعر من عائشةَ - رضي الله عنها\"، وقال فيها أبو عُمرَ بنُ عبدالبرِّ: \"إنَّ عائشةَ كانتْ وحيدةً بعصرها في ثلاثةِ علوم: علم الفقه، وعلم الطب، وعلم الشِّعر\".
كما كانتِ المرجعَ الكبيرَ لكِبار الصحابة، خاصَّة عندَ المواقف والملمَّات، كما كانتْ تُفتي بما لدَيْها من عِلمٍ وفِقه في عهد الخليفةِ عمرَ وعثمانَ - رضي الله عنهما - إلى أن تُوفِّيت - رحمها الله ورضي عنها.

7- نزول برائتِها مِن حادثة الإفْك من عندَ الله تعالى: وقدْ تعرَّضَتْ - رضِي الله عنها - إلى ابتلاءٍ شديد، وفِتْنةٍ كبيرة، حيث طَعَن في شرَفِها وعِرْضها المنافقون في المدينة، فأنْزَل الله براءتَها من فوقِ سبعِ سموات، وقد قالتْ - رضي الله عنها - كما في الصحيحين: \"... ثُمَّ تحولتُ واضطجعتُ على فِراشي، والله يعلم أنِّي حينئذٍ بريئةٌ، وأنَّ الله مُبرِّئي ببراءتي، ولكن واللهِ ما كنتُ أظنُّ أنَّ الله منزلٌ في شأني وحيًا يُتْلَى، لشأني في نفْسي كان أحْقرَ مِن أن يتكلَّم الله فيَّ بأمْر، ولكن كنتُ أرْجو أن يرَى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في النومِ رُؤيَا يُبرِّئني الله بها، فواللهِ ما رام رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مجلسَه، ولا خرَج أحدٌ مِنْ أهل البيت حتَّى أُنزِل عليه، فأخَذَه ما كان يأخُذُه من البُرَحَاء، حتى إنَّه ليتحدَّر منْه مِن العَرَق مثل الجُمَان، وهو في يومٍ شاتٍ مِن ثِقَلِ القوْل الذي أُنزِل عليه.
قالت: فَسُرِّي عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يَضْحَك، فكانتْ أوَّل كَلمةٍ تَكلَّم بها أنْ قال: ((يا عائشةُ، أمَّا اللهُ فقدْ بَرَّأكِ))، قالت: فقالتْ لي أُمِّي: قُومِي إليه، فقلتُ: واللهِ لا أقومُ إليه، فإنِّي لا أحْمَدُ إلاَّ اللهَ - عزَّ وجلَّ.
قالت: وأنزَل الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾ [النور: 11] الآيات...\".
قال ابنُ كثير: \"فغار اللهُ لها وأنْزَلَ براءتَها في عشْر آياتٍ تُتلى على الزمان، فسَمَا ذِكْرُها، وعلا شأنُها؛ لتسمعَ عفافَها وهي في صِباها، فشَهِدَ الله لها بأنَّها مِنَ الطَّيِّبات، ووعدَها بمغفرةٍ ورِزق كريم\".
ومَع هذه المنزِلَةِ العالية، والتبرِئة العالية الزكيَّة مِنَ الله تعالى، تَتَواضَعُ وتقول: \"ولَشَأنِي في نفْسي أهونُ مِن أن يُنزِل الله فيَّ قرآنًا يُتْلَى\"!

8- خصائص أمِّ المؤمنين - رضي الله عنها -: قال ابنُ القيِّم - رحمه الله -:
ومِن خصائصها: أنَّها كانتْ أحبَّ أزواج رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إليه، كما ثبَت عنْه ذلك في البخاريِّ وغيره، وقد سُئِل: أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: ((عائشة))، قيل: فمِن الرِّجال؟ قال: ((أبوها)).
ومِن خصائصها أيضًا: أنَّه لَمْ يتزوَّج امرأةً بِكرًا غيرها، ومن خصائصها: أنَّه كان يَنزِل عليه الوحيُ وهو في لحافِها دونَ غيرِها، ومِن خصائصها: أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - لَمَّا أنزل عليه آيةَ التخيير بدأ بها فخيَّرها، فقال: ((ولا عليكِ ألاَّ تَعْجَلي حتى تستأمري أَبَوَيك))، فقالت: أفِي هذا أسْتَأمِر أبوي؟! فإنِّي أُريد اللهَ ورسولَه والدارَ الآخِرة، فاستنَّ بها - أي: اقتَدَى - بقيةُ أزواجه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقُلْنَ كما قالتْ.
ومِن خصائصها: أنَّ الله سبحانه برَّأها ممَّا رماها به أهلُ الإفك، وأنْزَل في عُذرِها وبراءتِها وحيًا يُتْلَى في محاريبِ المسلمين وصلواتهم إلى يومِ القيامة، وشَهِد لها بأنَّها مِنَ الطيِّبات، ووعَدَها المغفرةَ والرِّزقَ الكريم، وأخْبَر سبحانه أنَّ ما قيل فيها مِنَ الإفك كان خيرًا لها، ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شَرًّا لها، ولا عائبًا لها، ولا خافضًا مِن شأنها، بل رَفَعها الله بذلك وأعْلى قدْرَها، وأعْظَمَ شأنها، وصار لها ذِكرًا بالطيب والبراءة بيْن أهلِ الأرض والسماء، فيا لها مِن مَنْقَبة ما أجلَّها!
ومِن خصائِصها - رضي الله عنها -: أنَّ الأكابرَ مِنَ الصحابة - رضي الله عنهم - كان إذا أَشْكَل عليهم أمرٌ مِن الدِّين استفتوها فيَجِدون عِلمَه عندَها.
ومِن خصائصها - رضي الله عنها -: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تُوفِّي في بيتها، وفي يومِها، وبيْن سَحْرِها ونَحْرها، ودُفِن في بيتها.
ومِن خصائصها - رضي الله عنها -: أنَّ الناسَ كانوا يتحرَّوْن بهداياهم يومَها مِن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تقربًا إلى الرسولِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيُتْحفونَه بما يحبُّ في منزلِ أحبِّ نسائِه إليه - صلَّى الله عليه وسلَّم ورضي الله عنهنَّ أجمعين[5].

وقال الإمام بدرُ الدِّين الزَّرْكشيُّ في \"الإجابة لإيراد ما استدركتْه عائشةُ على الصحابة\" - وهو يَتكلَّم في خصائصها، رضي الله عنها - الأربعين، قال: \"والخامِسة - أي: مِن الخصائص -: نزول براءتِها منَ السماء بما نَسَبه إليها أهلُ الإفك في ستَّ عشرةَ آية متوالية، وشَهِد لها بأنَّها من الطيِّبات، ووعَدها بالمغفرةِ والرِّزق الكريم، قال: والسادس: جَعله قُرآنًا يُتْلَى إلى يومِ القيامة؛ أي: الآيات التي نزلَتْ في براءتِها.
وقال - في العاشرة -: وجوب محبَّتِها على كلِّ أحد، ففي الصحيح: لمَّا جاءتْ فاطمة - رضي الله عنها - إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لها: ((ألسْتِ تُحبِّين ما أُحبُّ؟)) قالت: بلى، قال: ((فأَحبِّي هذه - يعني: عائشة))، وهذا الأمْرُ ظاهِرُه الوجوب.
وقال - في الحادية عشرة -: إنَّ مَن قذَفها فقَدْ كفَر؛ لتصريحِ القرآن الكريم ببراءتِها، وقال - في الثانية عشرة -: مَن أنْكَر كونَ أبيها أبي بَكْرٍ الصِّدِّيق - رضي الله عنه - صحابيًّا كان كافرًا، نصَّ عليه الشافعيُّ، فإنَّ الله تعالى يقول: ﴿ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، ومُنكِر صُحْبةِ غير الصَّدِّيق يَكْفُر لتكذيبه التواتُر[6]؛ انتهى مختصرًا.

9- وفاتها - رضي الله عنها -: تُوفِّيت - رضي الله عنها وأرْضاها - سَنةَ سَبْعٍ وخمسين على الصحيحِ، وقيل: سَنَة ثمان وخمسين، في ليلةِ الثلاثاء لسَبْعَ عشرةَ خَلَتْ مِن رمضان بعدَ الوتر، ودُفنت من ليلتها، وصلَّى عليها أبو هريرة، بعدَ أن عمرتْ ثلاثًا وستين سَنَة وأشهرًا - كما ذَكَر الذهبيُّ في \"السِّير\"[7].

10- حُكم الإسلام فيمَن سبَّ أمَّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: قال تعالى في تزكيةِ أمِّ المؤمنين ومكانتِها وغيرِها من زوجاتِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾[الأحزاب: 6].
وقدْ أجْمَع علماءُ الإسلام قاطبةً مِن أهل السُّنَّة والجماعة على أنَّ مَن سبَّ أمَّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ورَماها بما برَّأها الله منه أنه كافِرٌ، ورُوي عن مالكِ بن أنس أنَّه قال: مَن سَبَّ أبا بكرٍ وعُمرَ جُلِد، ومَن سَبَّ عائشةَ قُتِل، قيل له: لِمَ يقتلُ في عائشة؟ قال مالك: فمَن رماها فقدْ خالَفَ القرآن، ومَن خالف القرآنَ قُتِل.
قال أبو مُحمَّد ابنُ حزْم الظاهريُّ - رحمه الله-: قول مالك هذا صحيحٌ، وهي رِدَّة تامَّة، وتكذيبٌ لله تعالى في قَطْعِه ببراءتها.
وقال أبو الخطَّابِ ابنُ دِحية في أجوبة المسائل: وشَهِد لقول مالك كتابُ الله، فإنَّ الله إذا ذَكَر في القرآن ما نَسَبه إليه المشرِكون سبَّح نفسَه لنفسِه، قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ ﴾ [الأنبياء: 26]، والله تعالى ذَكَر عائشةَ، فقال: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16]، فسبَّح نفْسَه في تنزيهِ عائشةَ، كمَا سبَّح نفسَه لنفسِه في تنزيهه؛ حكاه القاضي أبو بكر ابن الطيِّب[8].
وقال أبو بكر ابنُ زياد النيسابوريُّ: سَمعتُ القاسمَ بنَ محمَّد يقول لإسماعيلَ بن إسحاقَ: أُتِي المأمون في (الرَّقة) برَجلين شَتَم أحدُهما فاطمةَ، والآخَرُ عائشةَ، فأمَر بقَتْل الذي شتَم فاطمةَ وترَك الآخَر، فقال إسماعيلُ: ما حُكْمُهما إلاَّ أن يُقتلاَ؛ لأنَّ الذي شتَم عائشةَ ردَّ القرآن.

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية - رحمه الله - تعقيبًا عليه: وعلى هذا مضَتْ سِيرةُ أهل الفِقه والعِلم مِن أهل البيت وغيرِهم.
وقالَ ابنُ العربيِّ - رحمه الله -: كلُّ مَن سبَّها بما برَّأها الله منه فهو مُكذِّب لله، ومَن كذَّب الله فهو كافِر.
وقال ابن قُدامة: فمَن قذَفها بما بَرَّأها الله منه فقدْ كفَر بالله العظيم.
وقال الإمامُ النوويُّ - رحمه الله -: براءةُ عائشة - رضي الله عنها - مِنَ الإفْك، وهي براءةٌ قطعية بنصِّ القرآن العزيز، فلو تَشكَّك فيها إنسانٌ - والعياذ بالله - صار كافرًا مرتدًّا بإجماعِ المسلمين.
وقال ابنُ القيِّم - رحمه الله -: واتَّفقتِ الأُمَّة على كُفْر قاذفِها.
وقد رُوِي عَنْ عَمْرِو بنِ غالِبٍ: أنَّ رَجُلاً نالَ مِنْ عائِشَةَ عندَ عَمَّارٍ، فقالَ: اغْرُبْ مَقْبوْحًا، أَتُؤذِي حَبِيبةَ رَسُول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟! قال الذهبيُّ في السِّيَر: صحَّحَه الترمذيُّ في بعضِ النُّسخ، وفي بعضِ النُّسخ قال: هذا حديثٌ حسَن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:25 am

غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ ( الأحزاب ) .. دروس في ذكراها

" الحلقة الأولى "
شَوّالٍ 5هـ - فبراير 627 م


"أحجار على رقعة الشطرنج"
بعد معركة بني النضير [ 4 هـ ] – التي أجلى فيها المسلمون يهود النضير إلى خارج المدينة، بعدما خانوا، وعزموا على اغتيال النبي – صلى الله عليه وسلم -– تحرك وفد يهودي يجوب الجزيرة العربية لتجهيز أكبر جيش عربي لإستئصال الإسلام والمسلمين وقتل الرسول واحتلال المدينة ونهب خيراتها.
ونجح اليهود في إعداد هذا التحالف العربي الذي دخلت فيه أهم قبائل العرب ..
وقد كان على رأس هذا الوفد اليهودي نخبة من من زعماء اليهود مِن مَن يحقدون على المسلمين حتى النخاغ، وكان منهم :
1-سَلامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ النّضْرِيّ
2-حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ النّضْرِيّ
3- َكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ النّضْرِيّ
4- هَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ الْوَائِلِيّ
5- َأَبُو عَمّارٍ الْوَائِلِيّ.
6-وَسَلام بْن مِشْكَمٍ [ ابن القيم: زاد المعاد - 3 / 240]

وانضمت إلى هذا التحالف اليهودي والوثني أهم قبائل العرب : قريش وغطفان، و فزارة ومرة، وأشجع واتجهت جيوش الأحزاب نحو المدينة ..
وهكذا كان اليهود وراء تحالف الأحزاب، فجابوا وساحوا في الجزيرة، وانصاعت لنفثهم القبائل، فكانت قبائل العرب أحجارًا على رقعة الشطرنج اليهودية .

اليهود يدعمون العقائد الوثنية:
وتروي كتب السير، قصةَ خروج اليهود إلى مكة لدعوة قريش إلى حرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وهي عجيبة من عجائب الدهر؛ أن يتصلعك أهل كتاب عند أهل وثن، وأن يتحبب أتباع دين سماوي إلى أصحاب دين وثني، وأن يستعين اليهود بالوثنية لضرب الإسلام .
ولقد وجد صناديد مكة الفرصة سانحة بهذه الزيارة اليهودية؛ أن يضفوا الشرعية على عبادة الأصنام، وأن يحصلوا على شهادة من علماء بني إسرائيل على سلامة الدين الوثني، وأحقية اللات والعزى ومناة وقطعان الأصنام بالعبادة .
فقالت قريش :
" يَا مَعْشَرَ يَهُودَ إنّكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الأول، وَالْعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمّدٌ، أَفَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ ؟ " .
فقال زعماء اليهود وعلماء بني إسرئيل :
" بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقّ..!! " [ ابن هشام 2 / 214] .
وهكذا سجل التاريخة هذه المَعرة اليهودية، وصور هذه العورة الإسرائيلية، في هذا المشهد المخزي من أناس – يدَّعون انتسابهم لموسى - خانوا الشرائع السماوية، ودلسوا الأمانة العلمية، وشهدوا زورًا وكذبًا بصحة دين الأصنام وأحقيته على دين خير الأنام.
وهم الذين قال الله فيهم، مسجِلاً هذه المساندة اليهودية لدين الأوثان :
‏{‏ أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ، وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا : هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً، أُولَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ، وَمَنْ يَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا }[النساء:51] ..
إنه العار الذي لحق بالأمة اليهودية صاحبة الكتاب السماوي، لـمَّا تحالفت مع الوثنية ضد التوحيد، ومع الأعداء ضد أبناء الوطن .

الزحف نحو المدينة :
وخرجت جيوش التحالف وقد أجمعت أمرها على إفناء المسلمين، وتألفت هذه الجيوش على النحو التالي :
1-جيش قريش، تحت قيادة أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: ( 4000 جندي ) .
2-جيش غَطَفَانُ ، بقيادة عُيَيْنَة بْنُ حِصْنِ ، وفِيهم بَنِي فَزَارَةَ
3- جيش بَنِي مُرّةَ، ، بقيادة الْحَارِث بْنُ عَوْفِ ( 400 جندي)، وهي من بني غطفان.
4 - جيش أَشْجَعَ ، بقيادة َمِسْعَر بْنُ رُخَيْلَةَ ( 400 جندي).
5- جيش بني أسد، بقيادة طليحة بن خويلد ( 4500 جندي )
6- جيش بني سليم، بقيادة سفيان بن عبد شمس ( 700 جندي)، وقد التحقوا بجيش التحالف في ( مُرَّ الظهران)[انظر: ابن هشام 2 / 215] ..
ومن ثم تجاوز عددهم العشرة آلاف ، وكانت القيادة العامة لأبي سفيان .

إن هذا التجمع الوثني الكبير – في هذا الوقت – يشي بمدى الجهد الكبير الذي بذله اليهود، علاوة على تلك الأطماع التي ظهرت وسال لعاب أصحابها، فالمدينة بالنسبة لأعراب الجزيرة صيد ثمين وغنيمة ضخمة، كما أن إفناء المسلمين هدف أسمى بالنسبة للوثنين واليهود على حد سواء .

أهمية الشورى والأفكار المستحدثة في الحرب:
ورُفعت إلى حضرة النبي – صلى الله عليه وسلم - التقريرات الاستخباراتية، التي تفيد بتحرك جيوش التحالف صوب المدينة، فاسْتَشَارَ الصّحَابَةَ، ما العمل ؟ وهو النبي المصطفى الذي يتنزل الوحي عليه من السماء .. فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خَنْدَقٍ يَحُولُ بَيْنَ الْعَدُوّ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ، وهي حيلة دفاعية يستخدمها الفرس، والحكمة ضالة المؤمن فأنى وجدها فهو أحق الناس بها .

إن درس الشورى يأبى الغياب بين فصل وآخر من فصول سيرة الرسول ..
إن الشورى ثمرة نضيجة من ثمرات الدعوة الإسلامية، نراها – أي الشورى – ماثلة حية في أحداث السيرة في ظلال النبوة وتحت قبة الوحي وبين يدي الرسول الصادق المصدوق، لتتوكد فريضة الشورى- تلك الفريضة الغائبة المجهولة – في نفوس المسلمين والمتمسلمين، حكامًا ومحكومين، ولنعرف أن جو الاستبداد ضَيَّقٌ لا يتسع، وهَمٌ لا ينفرج، والجور والعسف لا يصنع عقولاً إنما يصنع أقفية.

تكريم العقول المبُتكِرة
وطفق الناس يهتفون بسلمان، افتخارنًا به، وسرورًا بفكرته، فقال المهاجرون : سَلْمَانُ مِنّا ؛ وَقَالَتْ الأنْصَارُ : سَلْمَانُ مِنّا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- سَلْمَانُ مِنّا أَهْلَ الْبَيْتِ [ابن هشام 2 / 224] .

وهو الرد المعهود من القيادة الإسلامية التي شرعت في تكريم أصحاب الإبتكارات وأصحاب الإختراعات .
لقد نال سلمان هذه المرتبة الشرفية، واستحق هذا الوسام النبوي الرفيع؛ لأنه أعمل عقله في خدمة الإسلام، واخترع وابتكر، وأبدع ما ينفع المسلمين، وفكر، وفكر، وفكر، ولم ينخذل ولم يتضعضع، فكان من زمرة آل البيت الأماجد .

وانظر .. كيف تهيج العقول وتستوي على سوقها، فتَنتج وتبدع في جو الشورى، وبيئةِ الحوار بين الراعي والرعية، وتُربةِ التفاهم بين القائد وجنده !
هذه هي سمة البيئة الشورية في المجتمعات؛ بيئة جاذبة للعقول، تحتضن أصحاب المواهب والأفكار . وليست بيئة طاردة للعقول قاتلة للفهوم .

أيها المسؤول .. ابدأ بنفسك !
فلما أصدر النبي – صلى الله عليه وسلم - قراره بضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ ، عَمِلَ فِيهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بنفسه – مشاركةً، و تَرْغِيبًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الأجر، وتحميسًا لهم ، وتواضعًا منه – صلى الله عليه وسلم – فلا يليق بالقائد المسلم أن يجلس في رغد ولهو على الفراش اللين الدافىء من خلف جنوده الذين يتضاغون جوعًا ويرتعدون من البرد شمال المدينة حيث أعمال الحفر ..

وفي ذلك، الدرسَ الأوفى؛ لأصحاب المسؤوليات في العمل الجماعي الدعوي؛ أن يتقوا الله في أنفسهم وإخوانهم والدعوة، فتجد أحدهم يلقي على إخوانه التكاليف الثقال؛ وليس له من الأمر إلا القعود وقيل وقال. أو تراه يتكلف ويتعمَّل، ويتصنع المشاركة ثم ينستل من بينهم، تاركًا الجَمل بما حمل، ولا حياء ولا خفر، وبعد العمل تراه قد خرج من جحره؛ ليلقي نظرياته في العمل الجماعي وينَّظر تنظير العلماء، ويعَّقب تعقيب الحكماء، عما كان وعما ينبغي، وهو الخطيب المِثْقع والمتحدث المِفْلق، لكن .... دون مشاركة جادة ومعاونة فاعلة.

فقه الاستئذان
وَعَمِلَ الأبطال في أعمال حفر الخندق؛ فَدَأَبَ فِيهِ القائد وَدَأَبُوا . وَأَبْطَأَ عن المجاهدين فِي عَمَلِهِمْ ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَجَعَلُوا يُوَرّونَ بِالضّعِيفِ مِنْ الْعَمَلِ، وَيَتَسَلّلُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ – هربًا من أعمال الحفر - بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ولاإذْنٍ . وَجَعَلَ الرّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا نَابَتْهُ النّائِبَةُ مِنْ الْحَاجَةِ الّتِي لا بُدّ لَهُ مِنْهَا ، يَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي اللّحُوقِ بِحَاجَتِهِ فَيَأْذَنُ لَهُ – في رحمة وعفو - فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ رَجَعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ عَمَلِهِ رَغْبَةً فِي الْخَيْرِ وَاحْتِسَابًا لَهُ
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي أُولَئِكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ : {‏ إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ، لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ، إِنّ الّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ، فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[انظر : ابن هشام 2 / 215، 216].

وفي هذا دلالة على أهمية الاستئذان إذا ما أراد الجندي الإنصراف عن العمل الجماعي لضرورة أو لحاجة .. فلا يجوز له – شرعًا ولاخُلقًا ولا عُرفًا– أن يتحول عن العمل الجماعي إلى العمل الفردي – أي من المصلحة العامة إلى المصلحة الخاصة – إلا بموافقة صريحة من القائد .

وفي ذلك المشهد درسٌ لهؤلاء الهذليين والكُسالى الذين يتخلفون عن المصلحة العامة لحساب مصلحتهم الشخصية، ويقدمون مستحب الفرد على واجب الأُمة، ويُبطئون عن إخوانهم بغير عذر ولا إذن، ويُوَرّون بالعمل المتصنع الضعيف الشكلي، ويتسللون إلى بيوتهم ومصالحهم الشخصية تسلل الثعالب، هربًا من الأعمال، وتهربًا من الأعباء، وفرارًا من المصلحة العامة – تالله إن هؤلاء متبرٌ ما هم فيه، وفاسدٌ ما هم عليه، وهم أحوج إلى التوبة والأوبة من العبد الآبق.

ولهؤلاء نقول: إن الله تعالى لم يذرأكم في هذه الأرض عَبَثاً، ولم يترككم فيها سُدًى، ولا يريد منكم من رزق فتَقْسمون، ولا قصور فتفخرون، ولا مراكب فتمرحون، وما بَينْ أحدكم وبيني الجَنَة والنار إلا الموتُ يأتيه اللحظة، أو بعد لحظة؛ وإنَّ طموحاتًا تَنْقُصها اللحظةُ، ومشاريعًا دنيوية تَهْدِمها اللحظة، لجديرة بقِصَر العمر، وهوان الدنيا.. فيالها حَسْرَةً على كلّ ذي غَفلة ! ويا لها عَبرة على كل ذي غَمرة !

أهمية الأدب الحماسي
عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال :
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخرة فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ والأنصار" [البخاري، برقم:(3789)].

وعن أنس قال :
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ : "اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَهْ.. فَاغْفِرْ للأنصار وَالْمُهَاجِرَهْ"
فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ : نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا.. عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا.
فكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ أَوْ اغْبَرَّ بَطْنُهُ [ البخاري : برقم (3795)]

وكان من بين المجاهدين رجلاً من الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ جُعَيْلٌ .. فسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرًا ..
فطفق الصحابة يرددون مرارًا :
سَمّاهُ مِنْ بَعْدِ جُعَيْلٍ عَمْرَا ... وَكَانَ لِلْبَائِسِ يَوْمًا ظَهْرَا
فَإِذَا مَرّوا " بِعَمْرٍو " قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: " عَمْرًا !"
وَإِذَا مَرّوا " بِظَهْرٍ " قَالَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- : " ظَهْرًا " [ابن هشام 2 / 217]

وعن الْبَرَاءَ قَالَ :
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الأحْزَابِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ وَهُوَ يَقُولُ :
وَاللَّهِ لَوْلا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
[إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا]
إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ أَبَيْنَا أَبَيْنَا . [ البخاري :(3795)، ومسلم : (3365 )]

إذا أردتَ أن تهدم شَعبًا فسلط عليه الأدب الرقيع، والشعر الرخيص، وقصص الجنس، ورويات العهر، وقصائد الخمر، فالأدب الخليع لا يقل ضرواة في الهدم من الصواريخ !

وإذا أردنا أن نؤسس جيشًا، ونبني أُمةً ، - وقد قال الله تعالى : " وأعدوا " – فإن من تمام الإعدادِ تربيةَ الجنود على الأدب الإسلامي الجهادي، والشعر العربي الحماسي، وأناشيد الشجاعة، ومقالات الإباء، وقصص البطولة .. و"حرض المؤمنين "! .

وفي هذه الغزوة، وقد بدأ الحصار، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتتطايرت الظنون والشكوك ، وساحت الأضاليل والأباطيل – نرى القائد العظيم والرئيس الحكيم يثَّبت جنده ويربط على قلوبهم ويشد على أيديهم مستخدمًا في ذلك القصيدة الحماسية والطرفة الظريفة، والترنيمة اللطيفة .

ومثل هذا أيضًا، يدلل على قدرة القائد في الجمع بين الجد والترويح عن النفس، لاسيما في كربة الحرب وشدة الضنك..

هذا ، وإنشاد الأناشيد والأشعار الجهادية في ثنايا المحن دائمًا تحقق عدة فوائد ، أهمها :
(1) الترويح عن الجنود ..
(2) إلهاب مشاعر المسلمين بشكل إيجابي نحو العقيدة والوطن
(3) تقوية الصلة بين الجنود وقاداتهم، فضلاً عن الجنود وبعضهم .

الالتفاف حول شعار جهادي
فلقد كَانَ شِعَارُ الجيش الإسلامي يَوْمَ الْخَنْدَقِ :
" حم ، لا يُنْصَرُون"[ ابن هشام 2 / 226 ]
إن الشعار الإسلامي أو الهتاف الحماسي رغم رمزيته إلا أن له أهمية في تنظيم الجيش وحشد الجنود وبثِّهم .
ولعمري إن صيحة الشعار تهز القلوب وتنشط بها الجوارح، وتدمع بها العيون، وبها يتحرك الجنود نحوها أو انطلاقًا منها .
وينبغي أن يتسم الشعار بالقوة ووضوح الهدف.

إن شعارات العمل الإسلامي مهمة، تحتاج دومًا إلى تجديد وتفعيل وهمة. وشرح مغذاها للناس، وتبيين علاقتها بأهداف العمل، وتأكيد أخلاقيتها فلا سَبَ فيها ولا شتم .

الصبر على الجوع
الصبر على قلة الزاد، من الآداب الهامة التي ينبغي أن يتربى عليها جند الله، ليكون الصبر وقودًا لهم في ساح القتال، تلك الساعات التي يكابد فيها الجند الحر والعطش، والجوع والشظف..
ولقد ضرب الصحابة أروع المثل في الصبر على قلة الزاد، " فكانوا يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفِّي مِنْ الشَّعِيرِ فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَوْمِ، وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهِيَ بَشِعَةٌ فِي الْحَلْقِ وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ !!" [البخاري : (3791)]

قال جابر- مشيرًا إلى أيام الخندق - :" وَلَبِثْنَا ثلاثة أَيَّامٍ لا نَذُوقُ ذَوَاقًا"[البخاري : (3792)].

وقال واصفًا حال قائدهم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
"لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمَصًا شَدِيدًا"[البخاري : (3793)]

ولقد بلغ منه – صلى الله عليه وسلم – الجوع مبلغًا عظيمًا، يوم الخندق، حتى ربط على بطنه ليقاوم الجوع، قال أبو طلحة: "شكونا إلى رسول الله– صلى الله عليه وسلم – الجوع فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله– صلى الله عليه وسلم – عن حجرين" [ الترمذي : (2371)]!

البطن مَهلكة المسرفين، ومدرسة المُقلِّين.
فلا تكن – حبيبي – أسيرُ الجُوع، صرَيع الشِّبع .
فربمًا صوم يوم أعانك على جوع يوم، فالجوع رغبة منك، دربةً على الجوع رغمًا عنك .
ورب دولة صائمة وقاها الله لباس الجوع، فأحرى بشعب قضيته الكبرى الأكل والشرب أن يتوب وأن يصوم .

وليس تاريخ محمد – صلى الله عليه وسلم – إلا تاريخ شدائد ومِحَن، ومجاهدة في هداية البشر، ومراغَمَة لكيان الفساد . فهو يجاهد رغم جوعه، ويعمل رغم جوعة، ويدعو رغم جوعه .

****


هكذا كانت الحلقة الأولى في غزوة الأحزاب ..
1-أبانت تلك الحلقة كيف يخطط اليهود للإيقاع بالأمة الإسلامية، وحقيق أنهم أشد الناس عداوة للمسلمين، وشعارهم دومًا " ليس علينا في الأميين سبيل "، فهم يسعون دومًا أن يجعلوا من الكرة الأرضية رقعة شطرنج هم محركي أحجارها، ولو بالتحالف مع عبَّاد الأوثان . فأوصيك – أخي – ببغض اليهود .

2- وأنت قد رأيت – أخي القارىء – كيف كانت البيئة الإبداعية التي كان الصحابة يحبرون فيها في ظلال دولة الشورى، وكيف كان الإبداع متساوقًا مع الحرية، وكيف كان النظام الإسلامي يدعم أصحاب المواهب ويشجع المبتكرين . فأوصيك – أخي – بصناعة البيئة الشورية الإبداعية في بنيان العمل الجماعي . لتقر الأعين بعباقرة ونوابغ في خدمة الإسلام .

3- وعلمتَ، كيف أن القائم على ثغر من ثغور الإسلام؛ لا ينام عن إخوانه، ولا يتهرب من مهامه، ولا يَكتنُّ في كِسر بيته وإخوانه يكابدون قيظ الحَرِ. وما أقبح التخلف والإهمال في أبناء الصحوة الإسلامية ! أحَسِبَ هؤلاء أنهم كعامة الناس ؟ فلطخة في الثوب الأبيض ليست كلطخة في الثوب الأسود! فعليك – أخي – بغرس قيمة المشاركة وقيمة الإستئذان.

4- وعلمتَ أهمية فنون الأدب في معركتنا مع العدو، فكم من قصيدة أحيت الجهاد في قلوب موات، وكم من أنشودة ناح بها المجاهدين حتى بلغوا بها المعالي، فعليك بأشعار الشجاعة عند المتنبي، وديوان الحماسة لأبي تمام، وقصائد الزهد لأبي العتاهية وغيرها من الأدب القديم، إضافة إلى الكتابات الأدبية الجهادية ما مضى منها وما استجد.

5- وعلمتَ كيف كان حال الصحابة من شظف وجوع، فالاخشوشان سمة من سمات المجاهدين، والمترفون لا يقيمون حضارة، ولا تقوى أياديهم الناعمة على حمل السلاح ، فهيا، هيا .. نغرس التربية الجهادية في نفوسنا وفي نفوس ذوينا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:26 am

غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ ( الأحزاب ) .. دروس في ذكراها
" الحلقة الثانية "
شَوّال 5هـ - فبراير 627 م
بقلم محمد مسعد ياقوت **


بسم الله . هذه هي الحلقة الثانية في مُدَارسة غزوة الأحزاب .
وفي هذه الحلقة درس في علاقة الراعي برعيته والقائد في كتيبته، ودرس ثاني في أهمية التبشير بالنصر، وبث روح التفاءل في نفوس الجند، ودرس ثالث في بركات الجهاد وكرامات المجاهدين، ودرس رابع في فضل المكائد الحربية، ودرس خامس في حرب الرسائل، ودرس أخير – في هذه الحلقة – حول تدارك الثغرات والثلمات فقد يُأتى المجتمع الحريز من ثغرة هينة ومعظم النار من مستصغر الشرر.

القائد بين جنوده :
قال جابر - رضي الله عنه - :
إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ [ أي صخرة ] شَدِيدَةٌ فَجَاءُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ فَقَالَ: " أَنَا نَازِلٌ" ..
ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ- وَلَبِثْنَا ثلاثة أَيَّامٍ لا نَذُوقُ ذَوَاقًا- فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ - أَوْ أَهْيَمَ-، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ. فَقُلْتُ لامْرَأَتِي :رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -شَيْئًا مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ !فَعِنْدَكِ شَيْءٌ ؟
قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ [أي أنثى المعز].
فَذَبَحَتْ الْعَنَاقَ، وَطَحَنَتْ الشَّعِيرَ، حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ، ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْعَجِينُ قَدْ انْكَسَرَ وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الأثَافِيِّ [أي الـحَجر الذي تُوضَعُ عليه القِدْرُ ] قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ، فَقُلْتُ: طُعَيِّمٌ لِي، فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ. قَالَ : "كَمْ هُوَ ؟".. فَذَكَرْتُ لَهُ .. قَالَ : "كَثِيرٌ طَيِّبٌ " .. قَالَ: " قُلْ لَهَا لا تَنْزِعْ الْبُرْمَةَ ولا الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ" .. فَقَالَ: " قُومُوا".. فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ !! فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: وَيْحَكِ ! جَاءَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ..
قَالَتْ : هَلْ سَأَلَكَ؟
قال :نَعَمْ
فلما أقبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأهل الخندق
قَالَ : "ادْخُلُوا وَلا تَضَاغَطُوا " ..
[ قَالَ جابر: فَجَلَسَ وَأَخْرَجْنَاهَا ( يعني الشويهة) إلَيْهِ . قَالَ فَبَرّك وَسَمّى اللّهَ] [ابن هشام 2 / 218]
فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ قَالَ : "كُلِي هَذَا، وَأَهْدِي فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ"..[ البخاري : (3792)].

في هذا المشهد، نرى نبينا – صلى الله عليه وسلم – بين جنوده، وفي خدمة جنوده في أول المشهد وآخره ..
فكان في خدمتهم لما عَرَضَتْ عليهم صخرة شَدِيدَةٌ، فقال في تواضع جم :" أنا نازل"، وتحرك بمعوله الكريم صوب الصخرة؛ لينسفها نسفًا، وهو أشجع الشجان، وأقوى الرجال – صلوات ربي وسلامه عليه - .
وكان في خدمتهم في آخر المشهد، لما جاء جابر وقد أعد " طعيم" – على حد قوله – لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فما كان من القائد أن أطعم جنوده بنفسه، ووقف يوزع لهم الطعام بشخصه، حتى إذا ما أكلوا وشبعوا أكل هو.. !
إنها القيادة الرشيدة التي تهوى إليها الأفئدة بمثل هذه السلوكيات الكريمة، والأخلاق الحميدة، فما كان النبي- صلى الله عليه وسلم – ليرضى أن يَطعم طعامًا قبل رجاله، وهو الذي يصَّبرهم على العوز، وليس من أخلاقه أن يجلس إلى الموائد الشهية الفاخرة خلسة من وراء جنوده، أو أن يتميز عنهم في طعام أو شراب ..

وهذا درس لقادة الدعوات الذين أفلحوا في التنظير، ولم يفلحوا في كسب احترام جماهير المدعويين، ونجحوا كواجهة دعائية ولم ينجحوا كقدوة تربوية، وأجادوا وأبانوا العلم والفكر والدعوة، وفشلوا فشلاً ذريعًا في نصب راية الدعوة في ميدان الحياة، فضلاً عن مجتمع الدعاة الأقران. وخليق بجميع الدعاة كبارًا وصغارًا؛ أن ينزلوا إلى ساحة المدعويين وإلى ميدان العمل ومشاركة الناس همومهم وتحطيم صخور أحزانهم بمعاول الإيمان والقرآن، وليَقُلْ ذلك الداعي الساكن في البرج العاجي : " أنا نازل " ، أي إلى الشارع والحي والمجتمع، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.

إن الفطنة والألمعية والجهبذة لن تفلح ما دامت نائمة في رؤوس العلماء والدعاة ولم تخرج إلى واقع الحياة ! كزير الماء الذي أُحكم غلقة ولم يستفد منه أحد .

أهمية التبشير بالنصر والفتوحات وقت المحن :
إن من أخلاقيات القيادة الإسلامية في ميادين القتال، التبشير بالنصر والتفاؤل بالظفر، والعمل الإعلامي الجاد المتواصل في بث روح الثقة في نصرالله ومدده ..

ففي مشهد الكدية التي عَرَضَتْ على الرجال، وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، ليحطم الصخرة التي أرهقت الجنود، َقَالَ :
"تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " ..
فَنَدَرَ ثُلُثُ الْحَجَرِ ! وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَائِمٌ يَنْظُرُ! فَبَرَقَ مَعَ ضَرْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بَرْقَةٌ .. ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ، وَقَالَ :
"تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" ..
فَنَدَرَ الثُّلُثُ الآخَرُ، فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ!! فَرَآهَا سَلْمَانُ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، وَقَالَ:
" تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " ..
فَنَدَرَ الثُّلُثُ الْبَاقِي، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَجَلَسَ ..
قَالَ سَلْمَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ حِينَ ضَرَبْتَ مَا تَضْرِبُ ضَرْبَةً إِلا كَانَتْ مَعَهَا بَرْقَةٌ !!
قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
" يَا سَلْمَانُ .. رَأَيْتَ ذَلِكَ ؟؟ "
فَقَالَ: إِي، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ !
فقَالَ النبي – صلى الله عليه وسلم - : " فَإِنِّي حِينَ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الأولَى رُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ كِسْرَى وَمَا حَوْلَهَا، وَمَدَائِنُ كَثِيرَةٌ، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ !!!" !!!
قَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا دِيَارَهُمْ... !!
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِذَلِكَ .
قال : " ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ قَيْصَرَ، وَمَا حَوْلَهَا، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ!!!" !!!
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا دِيَارَهُمْ ...
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِذَلِكَ
" ثُمَّ ضَرَبْتُ الثَّالِثَةَ فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ الْحَبَشَةِ، وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الْقُرَى، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ!!!" !!!
فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ: " دَعُوا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ"[النسائي: (3125)، وصححه الألباني].

أرأئيتَ هذا النبي العظيم وهو في كُربة الحرب وقد تكالب القاصي والداني عليه ووأشكت المدينة أن تكون كَلئًا مباحًا للأعراب واليهود – تراه كالطود الشامخ والعَلَم الراسخ يثَّبت الأرض من حوله، ويرَّسخ الإيمان في جنده، وينشر أحاديث البشائر، وأخبار الفتوحات، وأناجيل النصر، وفتح أوربا وأسيا وأفريقيا .. فيثَّبتَ الجند، ويخفف عنهم .. وهو بهذه الأحاديث التي تُحيي النفوس؛ يسلِّيهم، ويُخَّفض عنهم، ويخفض جناحه لهم، ويَرؤفُ بهم، ويرحمهم .

فما أحوجنا إلى الداعية المُبشر لا المنفر، المُيَّسر لا المُعسِّر، المعتدل لا المتنطع، المتوسط لا المتكلف.
الداعية الذي يغرس في نفوس الناس والنشء بذار الإيمان والثقة بنصر الله، والذي يؤكد للناس مرارًا أن الدائرة للإسلام وأن الله متم نوره وأن الغلبة لدينه والعاقبة لأوليائه والتمكين لجنوده والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يؤمنون .

بركات ومعجزات :
وعندما ينهمك الرجال في العمل الجهادي الخالص، سرعان ما يُعايشون كرامات المجاهدين وبركات الجهاد، تلك البركات التي تجعل من القليل كثير، وتجعل من طعام الواحد ما يكفي لمئات ..
قَالَتْ بْنِت بَشِيرٍ بن سعد:
دَعَتْنِي أُمّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ ، فَأَعْطَتْنِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي ، ثُمّ قَالَتْ : أَيْ بُنَيّةُ، اذْهَبِي إلَى أَبِيك وَخَالِك عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا ، قَالَتْ فَأَخَذْتهَا ، فَانْطَلَقْت بِهَا ، فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِي ، فَقَالَ : "تَعَالَيْ يَا بُنَيّةُ مَا هَذَا مَعَك ؟ " قالت : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا تَمْرٌ بَعَثَتْنِي بِهِ أُمّي إلَى أَبِي بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدّيَانِهِ. قَالَ:
" هَاتِيهِ"، قَالَتْ :فَصَبَبْته فِي كَفّيْ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَمَا مَلأتْهُمَا ! ثُمّ أَمَرَ بِثَوْبِ فَبُسِطَ لَهُ، ثُمّ دَحَا بِالتّمْرِ عَلَيْهِ فَتَبَدّدَ فَوْقَ الثّوْبِ، ثُمّ قَالَ لإنْسَانِ عِنْدَهُ: " اُصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ : أَنْ هَلُمّ إلَى الْغَدَاءِ !".. فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ! وَجَعَلَ يَزِيدُ!حَتّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ وَإِنّهُ لَيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثّوْبِ!![ابن هشام 2 / 218] .
وفي هذا المشهد على ما فيه من المعجزة الحسية المُبيِنة، أنْ أنمى اللهُ الطعام في يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بهذا الشكل العجيب، فطعمَ طعامُ الكف الجيشَ عن بكرة أبيه – وفي ذلك تثبيت للقلوب في هذه الظروف التي قال فيها المناقون : " ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا " ... ـ إلا جانب هذا المشهد الإعجازي نرى نرى مشهد البركات التي يصبها الله صبًا للمجاهدين، تلك الكرمات التي تتجلى في مشاهد الجهاد، وهي كرمات لن تعدمها ساحات الوغى ما دام المجاهد أقبل إلى الله بقلب صادق منيب.

وكلاهما – مشاهد المعجزات للنبيين ومشاهد الكرامات للمجاهدين – تتنزل ليربط الله على قلوب المؤمنين، ويمددهم بين الفينة والأخرى بمدد من عنده، حتى يمنحهم أكتاف العدو. فاصْدقْ جاهدك، يصدقكَ الله في التثبيت .

الحصار :
لَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ الْخَنْدَقِ ، أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتّى نَزَلَتْ بِمُجْتَمَعِ الأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ ، بَيْنَ الْجُرُفِ وَزُغَابَةَ فِي عَشْرَةِ آلافٍ، منهم بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ، حَتّى نَزَلُوا بِذَنَبِ نَقْمَى ، إلَى جَانِبِ أُحُدٍ [ابن هشام 2 / 219] .
فلما تقدموا، وكانت مفاجئة الخندق، قَالُوا – في ذهول - : إنّ هَذِهِ مَكِيدَةٌ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَعْرِفُهَا [ابن القيم : زاد المعاد 3 / 240]
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَالْمُسْلِمُونَ حَتّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إلَى سَلْعٍ ، فِي ثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَضَرَبَ هُنَالِكَ عَسْكَرَهُ وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ. وقد َاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ .. وَأَمَرَ بِالذّرَارِيّ وَالنّسَاءِ فَجُعِلُوا فِي الآطَامِ [ أي الحصون ][ ابن هشام 2 / 219، 220].

لقد ظهرت أهمية الحيل الحربية في هذا المشهد، وتبيَّن رجحان فكرة سلمان، وظهر لنا كيف أن عقل رجل واحد قد يُنجّي أُمة من الهلاك كما في مثال حيلة الخندق التي كانت ثمرة تفكير رجل من المسلمين. فكم من عقل سعدت به البشرية دهورًا وكم من عقل تعست به الأرض قرونًا !

ولقد ظهر للمتبصر كيف أن تعب ساعة قد يريحَ دهرًا، وكسل لحظة قد يُتعبَ زمنًا، فهؤلاء الصحاب تعبوا أشد التعب في حفر الخندق فكان في ذلك مفازتهم، ولو تأخروا عن هذا العمل الشاق الهام لكان في ذلك هلاكهم . فلا تكسل أبدًا، وتحيل كل حيلة – شرعية - في نصرة الإسلام .

حرب الرسائل :
وأراد المشركون أن يشنوا حربًا نفسية برسالة توبيخية استفزازية.. فأرسل أبو سفيان رسالة مكتوبة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم – جاء فيها :
" باسمك اللهم، فإني أحلف باللات والعزى.. وأساف ونائلة وهبل، لقد سرتُ إليك في جمع وأنا أريد أن لا أعود إليك أبداً حتى أستأصلكم، فرأيتك قد كرهت لقاءنا واعتصمت بمكيدة ما كانت العرب تعرفها، وإنما تعرف ظل رماحها وشبا سيوفها، وما فعلت هذا إلا فراراً من سيوفنا ولقائنا، ولك مني يوم كيوم أحد" .
فأرسل له رسول الله -صلى الله عليه وسلم - جوابه فيه:
" بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى صخر بن حرب، فقد أتاني كتابك، وقديماً غرك بالله الغرور. أما ما ذكرت أنك سرت إلينا وأنت لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا، فذلك أمر يحول الله بينك وبينه ويجعل لنا العاقبة، وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وأسافاً ونائلة وهبل، حتى أذكرك ذلك يا سفيه بني غالب "[ الحلبي : السيرة الحلبية 2/ 628]

لا يخفى عليك خطر حرب الرسائل بين الجحفلين، ولا تَغيب عن ناظريك تلك الحروب الكلامية التي يتلاحاها الخصوم في كل عصر ومَصر، وإن شئت انظر في قناة الجزيرة الفضائية وفي غيرها من القنوات الإخبارية؛ لترى أثر الكلمة، ووقع اللفظة في الاقتصاد والعلاقات وتحريك دفة الصراعات .

ومن ثم أراك تدرك حكمة النبي – صلى الله عليه وسلم – في الرد على رسالة أبي سفيان هذه، على ما عُرف عن الأخير بالغوار البعيد في الدهاء والخِبِّ وجلائل الخُطط، وكيف قام النبي الهبرزي – صلوات الله وسلامه عليه – بتفنيد خطاب أبي سفيان، فقرة فقرة، وجٌملة جملة، فدمغه فإذا هو زاهق قد زوى أثره، وصاحبه أسيف حسير، كمن ألقى قنبلة مسيَّلة للدموع في جهةٍ فتلقفها القوم سراعًا قبل انفجارها؛ فرٌدتْ عليه فانفجرت فيه .

بل تراه – ليردعه - ينكأ له جرحه القديم في بدر، قائلاً :" وقديماً غرك بالله الغرور ". وتراه يلوذ بحول الله ولا يتكبر فيقول : " أما ما ذكرت أنك سرت إلينا وأنت لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا، فذلك أمر يحول الله بينك وبينه" ، وتراه يستبشر لجيشه ويثبط عدوه فيقول : " ويجعل لنا العاقبة" .. وينفث الرعب في قلب أبي سفيان ومَن خلفه، فيقول : "وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وأسافاً ونائلة وهبل" .. ويوبخه قائلاً : " حتى أذكرك ذلك يا سفيه بني غالب " ........ هكذا يَلْقم القائد هذه المحاولات التي تهدف إلى زعزعة النفوس وخلخلة القلوب، فيردها على العدو وبالاً كالحريق المتسعر .

الحراسة وتدارك الثغرات ومتابعتها :
وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم - يختلف إلى ثلمة في الخندق. تقول عائشة رضي الله عنها: وكان يذهب إلى تلك الثلمة، فإذا أخذه البرد جاء فأدفأته في حضني، فإذا دفيء خرج إلى تلك الثلمة ويقول: ما أخشى أن تؤتي المسلمون إلا منها، فبينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حضني صار يقول : "ليت رجلاً صالحاً يحرس هذه الثُّلْمَةَ الليلة"، فسمع صوت السلاح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" من هذا؟". فقال سعد بن أبي وقاص: "سعد، يا رسول الله أتيتك أحرسك !".
فقال:" عليك هذه الثلمة فاحرسها" ..
ونام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى غط، وقام في قبته يصلي لأنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة"[ الحلبي 2/ 628]
ثم خرج من قبته، فقال: "هذه خيل المشركين تطيف بالخندق" .. ثم نادى :" يا عباد بن بشر" ..
قال: لبيك
قال : "هل معك أحد ؟ "
قال: نعم أنا في نفر حول قبتك يا رسول الله .
وكان ألزم الناس لقبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم يحرسها- فبعثه يطيف بالخندق، وأعلمه بأن خيل المشركين تطيف بهم [الحلبي 2/ 628]..

ولما استأخر المشركون الفتح، تَيَمّمُوا مَكَانًا ضَيّقًا مِنْ الْخَنْدَقِ ، فَضَرَبُوا خَيْلَهُمْ فَاقْتَحَمَتْ مِنْهُ فَجَالَتْ بِهِمْ فِي السّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ ، وَخَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السّلامُ - فِي نَفَرٍ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتّى أَخَذُوا عَلَيْهِمْ الثّغْرَةَ الّتِي أَقْحَمُوا مِنْهَا خَيْلَهُمْ ، فسدوا هذه الثغرة [ابن هشام 2 / 224].

إن في ذلك لعبرة لمن احتاط تمام الاحتياط ثم ترك في جُنته ثُّلمة ولو بمقدار قيد أنملة ...
وهو درس يشي باهتمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بثغور الوطن، ويحث المسلمين على الرباط والحراسة في سبيل الله فيقول : "ليت رجلاً صالحاً يحرس هذه الثُّلْمَةَ الليلة"..
وهو القائل : " عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ : عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " [ الترمذي : 1563، عن ابن عباس، وصححه الألباني ].

والحراسة في سبيل الله كالجهاد سواء بسواء، فقال – صلى الله عليه وسلم - :
" رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا " [ البخاري : 2678 ، عن سهل بن سعد ] .

وتراه يقطع نومته إلى الصلاة تارة وإلى جنوده تارة أخرى محذرًا إياهم قرصنة من العدو ، قائلاً : "هذه خيل المشركين تطيف بالخندق" . . ثم نادى :" يا عباد بن بشر" – ليكلفه بمهمة المتابعة، فكان جواب الجندي لقائده – في رباط وجأش - :
" لبيك " !!!
ويْ ! هكذا لبَّاه ! فالجندي المسلم يرى طاعته لقائده عبادة يُثاب عليها، فتره يجيب قائده بأطايب الإجابات مثل : " لبيك " ، و" سمعًا وطاعة" ..

وهكذا كانت الحراسة في سبيل الله عبادة عظيمة، وسد الثغرات الحربية عبادة عظيمة ، وسرعة استجابة الجندي لقائده عبادة عظيمة .

إن هذا الجيل الفريد عاش العبادة بكل معانيها وفي كل مناحيها ... حتى النخاع.
فلقد تعلموا الحراسة في سبيل الله كما يتعلم أحدهم الصلاة، وتريضوا على سد الثغرات الأمنية كما يتريض الطفل للصيام، ولم يكن يُثْني أحدُهم عِطْفه – في قِحة – عند تلقي التعليمات والتكليفات، بل كانت كلمة الطاعة تنطق بها كل ذرة في أنفسهم . لبيك ، لبيك ....


****

فا ياشباب ! قد كثرت ثُّلمات الأُمة فمن الحارس ؟ وقد كثرت ثغرات المسلمين فمن الفارس ؟ فامضوا إلى كتيبة التوحيد منيبين، في مجتمع الإيمان والإخاء منضبطين، ولا تُفزعنكم رسائل العدو ونفثه ونفخه، أنتم أقوياء بالله ولو حاصركم أهل الأرض !
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:28 am

إخوة الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة

محمد سعد عبدالدايم


1ـ حمزة بن عبد المطلب :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ : (( لا تَحِلُّ لِي يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ ))[1]
قال الحافظ : قَالَ مُصْعَب الزُّبَيْرِيّ : كَانَتْ ثُوَيْبَة أَرْضَعَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا أَرْضَعَتْ حَمْزَة ثُمَّ أَرْضَعَتْ أَبَا سَلَمَة .[2]
( ثُوَيْبَة ) مَوْلاة لأَبِي لَهَب اِرْتَضَعَ مِنْهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل حَلِيمَة السَّعْدِيَّة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا

2ـ أبو سلمة :
عن أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ ، قَالَ : وَتُحِبِّينَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ ذَلِكِ لا يَحِلُّ لِي ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ ؟ قَالَ : بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ قَالَ : فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي ، إِنَّهَا لابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ ، فَلا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ ))[3]

( أَبُو سَلَمَةَ ) : اِسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ بْنِ هِلالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيُّ أَخُو النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَابْنُ عَمَّتِهِ بَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .
َانَ مِنْ السَّابِقِينَ شَهِدَ بَدْرًا وَمَاتَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ أُحُدٍ فَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ بِزَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ .

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : أُمّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّضَاعَة حَلِيمَة السَّعْدِيَّة أَسْلَمَتْ وَجَاءَتْ إِلَيْهِ وَرَوَتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَوَى عَنْهَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر وَأُخْته مِنْ الرَّضَاعَة :
3ـ الشَّيْمَاء بِنْت الْحَارِث بْن عَبْد الْعُزَّى بْن رِفَاعَة ، لا تُعْرَف فِي قَوْمهَا إِلا بِهِ , وَيُقَال لَهَا الشَّمَا بِغَيْرِ يَاء وَاسْمهَا خِذَامَة بِكَسْرِ الْخَاء , وَبَعْضهمْ يَقُول جِدَامَة بِالْجِيمِ , وَبَعْضهمْ يَقُول حُذَافَة بِالْحَاءِ أَسْلَمَتْ وَوَصَلَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِلَةٍ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تَحْضُنهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمّه وَتُوَرِّكهُ .
4ـ وَأَخُوهُ أَيْضًا مِنْ الرَّضَاعَة عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث .
5ـ وَأُخْته أَيْضًا مِنْ الرَّضَاعَة أُنَيْسَة بِنْت الْحَارِث .
وَأَبُوهُمْ الْحَارِث بْن عَبْد الْعُزَّى بْن رِفَاعَة السَّعْدِيّ زَوْج حَلِيمَة .[4]

وبهذا يتحصل أن للنبي صلى الله عليه وسلم خمسة إخوة من الرضاعة
الذكور : عمه حمزة ـ ابن عمته أبو سلمة ـ عبدالله ابن الحارث وأمه حليمة .
الإناث : الشيماء ـ أنيسة : بنات الحارث وأمهم حليمة .

رضي الله عنهم أجمعين
وصلِ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:29 am

عزيز عليه ما عنتّم

الدكتور عثمان قدري مكانسي


تمت بيعة العقبة الثانية في السنة الثالثة عشرة للبعثة : وكان من بنودها أن يهاجر المسلمون من مكة إلى إخوانهم في يثرب ، فموطن الإتسان الحقيقي وداره التي يجب أن يسعى إليها ، ويعيش فيها ، ذلك المكان الذي يتعبّد فيه بحريّة ، ويقيم فيه شعائره دون أن يكون عليه رقيب ، ويحسُّ فيه بشخصيته ، ويصنع فيه مع إخوانه في العقيدة مجتمعاً مسلماً . . إنها المدينة المنوَّرة إذاً . .
وأمر الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسلمين أن يهاجروا إليها ، والهجرة ليست أمراً سهلاً ، فهي إهدار للتجارة وتضحية بالمصالح المادية ، يترك الإنسان متجره ، وأرضه الزراعية ، ومصنعه ، وبيته الذي تعب في إنشائه ، وقد يدع أهله وأولاده ومَنْ يحب لينجو بنفسه ودينه . . ولا مفرَّ من التضحية وإن كانت فادحة الثمن ليكسب ما هو أثمن وأغلى وأدوَمُ . . .
وبدأ المسلمون يهاجرون . . كلٌّ بطريقته ، وبدأ المشركون يتعقَّبونهم ويمنعونهم لشعورهم أنَّ مَنْ يترك كلَّ شيء لا بدَّ أن يكون في نفسه قوياً ، وسيعود ليهددهم في عقر دارهم ، ويستعيد حقّه ، ويقضي عليهم . وكان هناك نماذج من المنع .

1 ـ لما أراد صهيب رضي الله عنه الهجرة جعل ماله في مكان آمن ثم انطلق نحو المدينة ، فأحسَّ به المشركون ، فقد كان حانوته ـ مصنع الحدِادَةِ للسيوف وأسّنةِ الرماح ـ مغلقاً . . وطاردوه بخيولهم حتى صاروا على مقربةٍ منه ، فشعر بهم وأسرعَ إلى تلٍّ قريب يشرف عليهم وانتضى أحد سهامه ووضعه في قوسه وسدَّد نحوهم ، فلما عرفوا فيه صدق ما انتواه قالوا : ما أنتَ فاعل يا صهيب ؟
قال : ولأيِّ شيء تبعتموني يا أعداء الله ؟!
قالوا وقد كشروا عن نواياهم الخبيثة : أتيتنا صعلوكاً حقيراً فكثر مالك عندنا ، وبلغتَ الذي بلغتَ ، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك ؟
قال لهم : تعلمون أنني والله أشدكم إصابة للهدف ، وأن سهمي لا يخيب ولن تصلوا إليَّ حتى تفرغ سهامي وأقتل بكل سهم رجلاً .
قالوا : هات مالك نَعُدْ أدراجنا .
قال : لا أحمل منه شيئاً وقد تركته في مخبأ في مكة .
قالوا : دلّنا عليه إذاً . .
قال : هو في مكان كذا وكذا وأنتم تعلمون صدقي .
فانطلقوا إلى ذلك المكان الذي حدَّدَه ثم توقف أحدهم ، فقال ألا يكون كاذباً في قوله لنا آنفاً ؟
قالوا له : نحن نعرف أصحاب محمد لا يكذبون . . فقد رأوا المال في المكان لذي حدّدَه .
وحين وصل إلى المدينة المنوّرة استقبله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ باشّاً ، فرحاً بقدومه قائلاً له : (( ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع أبا يحيى )) .

2 ـ كان أبو سلمة رضي الله عنه أوّل المهاجرين ـ قبل العقبة الكبرى بسنة ـ وخرج بزوجته أم سلمة وابنه سلمة ، فلما أجمع الخروج قال له أصهاره : لا نستطيع أن نغلبك على نفسك ، أما زوجتك فهي ابنتنا ، فعلام نتركك تسير بها في البلاد ، لا والله لا تأخذها ، فانتزعوها منه ومعها ابنها .
غضب آل أبي سلمة حين رأوا أهل زوجته قد منعوها أن تسافر معه فقالوا : هذه ابنتكم حبستموها ، فعلام نترك سلمة معها ؟ والله لا نترك ابننا معها ، وتجاذبوا الغلام بينهم فخلعوا يده ، وذهبوا به .
وانطلق أبو سلمة وحده إلى المدينة ، وكانت أم سلمة بعد ذهاب زوجها ، وضياع ابنها ، تخرج كل صباح إلى خارج المنازل تبكي على تشتت أسرتها حتى تمسي . . ومضى على ذلك سنةٌ ، فرَقَّ لها أحد ذويها ، وقال : ألا تخرجون هذه المسكينة ؟!! فرَّقتم بينها وبين زوجها وابنها ، فرَقّوا لها وقالوا لها : الحقي بزوجك إن شئت ، فاسترجعت ابنها من عصبته ، وخرجت تريد المدينة وليس معها أحدٌ مِنْ خلق الله . . والمدينة تبعد عن مكة ثلاث مئة ميل ، ولكنْ ما تقول في قسوة القلوب ، وجفاء الطبع ؟!! حتى إذا كانت بالتنعيم ـ خارج مكة صوب المدينة ـ لقيها عثمان بن طلحة بن أبي طلحة قال لها : هل أفرج عنك يا أمَّ سلمة ؟ وكان يعرف حالها ، قالت : نعم . . قال : أزمعت اللحاق بزوجك ؟ قالت : نعم فلم تطب نفسه أن يتركها تسير وحدها لا معين لها ، فشيعها إلى المدينة ـ وهو صاحب نخوة ومروءة ـ فلما نظر إلى قباء قال : زوجك في هذه القرية ثم انصرف راجعاً إلى مكة .

3 ـ تواعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعياش بن أبي ربيعة المخزومي وهشام بن العاص بن وائل موضعاً يصبحون عنده ، ثم يهاجرون إلى المدينة المنوّرة ، إلا أن هشام بن العاص حبسه أهله حين علموا بعزمه مغادرة مكة فهاجر عمر وعياش وحدهما ، ولما قدما المدينة نزلا بقُباء . . ولم تمض مدة حتى قدم إلى قباء أبو جهل وأخوه الحارث يريدان عيّاشاً ـ وأم الثلاثة واحدةٌ ـ فقالا له : إن أمك نذرت أن لا يمس رأسها مشط ، ولا تستظل بشمس حتى تراك ، وكان باراً بأمه ، محباً لها ، فرقَّ قلبه ، وأزمع السفر إلى مكة ، فقال له عمر : يا عياش ؛ والله ، إن القوم يريدون أن يفتنوك عن دينك ، ويحبسوك ، ويعذبوك ، فاحذرهم ، فوالله لو كثر القمل في رأس أمك لامتشَطَتْ ، ولو قد اشتد عليها حرُّ مكة لاستظلت ، وما هذان إلا كاذبان مدّعيان . فأبى عياش إلا الخروج معهما ليَبَرَّ قَسَمَ أمه
فقال له عمر : إذا أبيت نصيحتي وقررت الخروج معهما ، فخذ ناقتي هذه ، فإنها ناقةٌ أصيلة ذلول ، فالزم ظهرها ، وراقبهما ، فإن رأيت في القوم ريبة فانج عليها .
فخرج عليها معهما ، حتى إذا كانوا في بعض الطريق ، يلينان له القولَ ويبتسمان في وجهه ، قال أبو جهل : والله يا أخي ؛ إنَّ بعيري هذا غليظ هجين ، أفلا تردفني على ناقتك هذه ؟ قال عياش : بلى ، فأناخ ناقته ، وأناخا ليتحول أبو جهل عليها ، فلما استووا بالأرض عَدَوَا عليه ، وأوثقاه ، وربطاه ، وظل هكذا على حالته هذه حتى وصلوا إلى مكة فدخلوها نهاراً ليراه الجميع مكبلاً ، فلا يجرؤ أحد على الهجرة ، ومخالفة المشركين ، وقالا : يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا !!
وبقي عياش في قيد الكفار حتى إذا هاجر رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ قال يوماً : (( مَن لي بعيّاش وهشام ؟! فقد طال أسرهما وأرجو الله أن يفرّجَ عنهما . . فهما محبوسان في بيت لا سقف له إمعاناً في التعذيب ، تلفحهما الشمس في النهار ، ويؤذيهما البرد في الليل ، وتحمل إليهما طعامهما امرأة )) .
قال الوليد بن الوليد : أنا لك يا رسول الله بهما .
قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( سِرْ على بركة الله )) .
فقدم الوليد مكة مستخفياً ، ولقي المرأة تحمل طعامهما ، فتبعها حتى عرف موضعهما ، فلما أمسى تسوَّر الجدار ، وقطع قيدهما ، وحملهما على بعيره حتى قدم المدينة .
ولا تسل عن فرحة رسول الله ـ صلى الله عليبه وسلم ـ والمسلمين بهم حميعاً .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:30 am

مزاحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ

الدكتور عثمان قدري مكانسي


روى أنس بن مالك قال :
1 ـ إنْ كان النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليخالطنا ـ أي : يلاطفنا ويمازحنا ـ حتى يقول لأخٍ لي (( يا أبا عُمير ، ما فَعَلَ النُّغَير ؟ )) .
وكان للصغير طيرٌ يلعب به ، فمات ، فحزن عليه .

2 ـ وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمازح نساءه ، فهذه عائشة رضي الله عنها كان رأسها يؤلمها ، فقالت : وارأساه ، فأراد الرسول اللطيف أن يمازحها فقال : (( يا عائشة لو أنّك متِّ لساعتك ، وأنا حيَّ لاستغفرتُ لك ، وكفـّنتـُكِ وصليتُ عليك ، وهذا خير من أنْ تموتي بعدي ، ولن تجدي مثلي مَنْ يفعل ذلك )) .
فنادت : واثكلياه . . أتريد أن أموت يا رسول الله لتتخلّص مني ؟! أنتم هكذا يا معشر الرجال ، تريدون أن تموت نساؤكم لِتَرَوْا غيرهُنَّ ، ولو أني متُّ لما اهتممتَ بي ، ، ولأتيتَ إلى بعض نسائك في بيوتهن تلاعبهن وتداعبهن وأنا ما أزال مسجّاةً على فراش الموت .

3 ـ وجاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأله أن يهبه دابّة يبلغ بها أهله فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
(( إني حاملك على ولد الناقة )) .
قال : يا رسول الله ، ما أصنع بولد الناقة ؟
وظنَّ أنه يعطيه ولد الناقة الصغير ، ونسي أن الناقة تلد الحُوارَ فيكبر حتى يصير جملاً .
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( وهل يلدُ الإبلَ إلا النوقُ ؟! )) .

4 ـ وجاءت امرأة فسألته السؤال نفسه قائلة :
(( يا رسول الله احملني على بعير )) .
قال لمن عنده : (( احملها على ابن بعير )) .
قالت : ما أصنع به ؟ وما يحملني يا رسول الله !
قال عليه الصلاة والسلام : (( وهل يجيء بعيرٌ إلا ابنَ بعير )) .

5 ـ وجاءت امرأة إلى الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت : إن زوجي يدعوك . .
فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( مَنْ هو ؟ أهو الذي بعينيه بياض ؟ )) .
فقالت : ما بعينيه بياض ! تقصد أنّه يرى جيداً وعيناه سليمتان .
فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( بل بعينه بياض )) . .
قالت : لا والله . .
وضحك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال :
(( ما من أحد إلا بعينيه بياض . وهو الذي يحيط بالحدقة )) .

6 ـ حتى إن أصحابه رضوان الله عليهم يمازحونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى خيمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة تبوك ، وكانت من جلدٍ صغيرةً لا تتسع إلا للقليل ، فسلّم عليه فردّ السلام على عوف وقال : (( ادخل يا عوف )) . .
فقال عوف : أكـُلـّي أدخل يا رسول الله ؟ موحياً بصغر الخيمة ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبتسماً : (( كـُلـّك )) فدخل .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:32 am

بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد : فتعد بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم من أبرز مظاهر عظمته ، وأجلى دلائل نبوته ، فهو عليه الصلاة والسلام صاحب اللسان المبين والمنطق المستقيم ، والحكمة البالغة والكلمة الصادقة ، والمعجزة الخالدة .وقد زكى الله تعالى نطقه فقال عز وجل : " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى "(النجم3-4) وقال سبحانه :" نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ " (الشعراء193-195) .
وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه :"وأوتيت جوامع الكلم " ،كما قال :"أنا أفصح العرب بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد" ولم يكن هذا افتخارا منه صلى الله عليه وسلم ، وإنما كان تقريرا لحقيقة ثابتة ، وكيف لايكون أفصح العرب وهو خاتم النبيين وسيد المرسلين ، وعلى قلبه نزل القرآن العظيم ، وقد رباه رب العالمين ،ونشأ وترعرع بين عرب فصحاء معربين .
وقد تبارى العلماء والبلغاء في وصف فصاحته وبلاغته صلى الله عليه وسلم ومن أفضل ما قيل في ذلك ما سجله يراع الجاحظ رائد البلاغة العربية وأستاذها؛ إذ يقول في كتابه البيان والتبيين :"وأنا ذاكرٌ بعد هذا فَنّاً آخرَ من كلامه صلى الله عليه وسلم ، وهو الكلام الذي قلّ عدد حروفه وكثر عدد معانيه، وجَلَّ عن الصَّنعة، ونُزِّه عن التكلف، وكان كما قال اللّه تبارك وتعالى: قل يا محمد: " وما أنا مِنَ المتَكلِّفين " ص:68، فكيف وقد عابَ التشديق، وجانب أصحاب التعقيب، واستعمل المبسوطَ في موضع البسط، والمقصورَ في موضع القصر، وهَجَر الغريبَ الوحشيَّ، ورغِبَ عن الهجين السُّوقيّ، فلم ينطِقْ إلا عن مِيراثِ حكمَةٍ، ولم يتكلَّم إلا بكلامٍ قد حُفَّ بالعصمة، وشُيِّد بالتأييد، ويُسِّرَ بالتوفيق، وهو الكلامُ الذي ألقَى اللّه عليه المحبّةَ، وغشَّاهُ بالقَبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبَيْن حُسنِ الإفهام، وقلّة عدد الكلام، مع استغنائه عن إعادته، وقِلّةِ حاجة السامع إلى معاوَدته، لم تسقط له كلمة، ولا زَلّت به قَدَم، ولا بارَتْ له حجَّة، ولم يَقُم له خَصم، ولا أفحمه خطيب، بل يبذُّ الخُطَبَ الطِّوال بالكلِم القِصار ولا يَلتمِس إسكاتَ الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتجُّ إلا بالصِّدق ، ولا يطلب الفَلْج إلا بالحق، ولا يستعين بالخِلابة، ولا يستعمل الموارَبة، ولا يهمِز ولا يَلْمِز، ولا يُبْطِيءُ ولا يَعْجَل، ولا يُسْهِب ولا يَحْصَر، ثم لم يَسْمع الناسُ بكلامٍ قَطّ أعمَّ نفعاً، ولا أقصَدَ لفظاً، ولا أعدلَ وزناً، ولا أجملَ مذهباً، ولا أكرَم مطلباً، ولا أحسنَ موقعاً، ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح معنًى، ولا أبين في فحوَى، من كلامه صلى الله عليه وسلم كثيراً.
وقال القاضي عياض : " وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل ،والموضع الذى لا يجهل سلاسة طبع ،وبراعة منزع، وإيجاز مقطع، ونصاعة لفظ، وجزالة قول، وصحة معان، وقلة تكلف .أوتى جوامع الكلم ،وخص ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، فكان يخاطب كل أمة منها بلسانها، ويحاورها بلغتها، ويباريها في منزع بلاغتها، حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله.

نماذج من بلاغته صلى الله عليه وسلم:
وأما كلامه المعتاد وفصاحته المعلومة وجوامع كلمه وحكمه المأثورة فقد ألف الناس فيها الدواوين ،وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب، ومنها مالا يوازى فصاحة ولا يبارى بلاغة كقوله: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم) * وقوله :الناس كأسنان المشط ،والمرء مع من أحب ، ولا خير في صحبة من لا يرى لك ما ترى له ،والناس معادن ، وما هلك امرؤ عرف قدره ، والمستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلم ورحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم) * وقوله: أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن أحبكم إلى وأقربكم منى مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطؤن أكنافا الذين يألفون ويؤلفون. وقوله: "لعله كان يتكلم بمالا يعنيه ويبخل بما لا يغنيه" وقوله :"ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها" .

ومن الكلمات التي لم يسبق إليها النبي صلى الله عليه وسلم:
قوله: حمى الوطيس، ومات حتف أنفه، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، والسعيد من وعظ بغيره ، أفضل الصدقة جهد المقل ، حبك للشيء يعمي ويصم ، اليد العليا خير من اليد السفلى " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل . إلى غير ذلك ممايدرك الناظر العجب في مضمونها ،ويذهب به الفكر في أداني حكمها .وقد قال له أصحابه ما رأينا الذى هو أفصح منك فقال، وما يمنعنى وإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربي مبين وقال مرة أخرى:" أنا أفصح العرب بيد أنى من قريش ونشأت في بنى سعد".
لقد جمع الله له بذلك بين قوة عارضة البادية وجزالتها ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق كلامها إلى التأييد الإلهى الذى مدده الوحى الذى لا يحيط بعلمه بشرى.وقالت أم معبد في وصفها له حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقة خرزات نظمن.

من خصائص البيان النبوي :
وقد ذكر أديب العربية الأكبر في القرن العشرين الأستاذ مصطفى صادق الرافعي أن البيان النبوي انفرد عن غيره بأسباب طبيعية فيه فهو من جهة اللغة مسدد اللفظ ، محكم الوضع جزل التركيب ، متناسب الأجزاء في تأليف الكلمات ، فخم الجملة ، واضح الصلة بين اللفظ ومعناه ...ثم لا ترى فيه حرفًا مضطربًا ، ولا لفظة مستدعاة لمعناها ومستكرهة عليه ، ولا كلمة غيرها أتم منها . وهو من جهة البيان تراه حسن المغزى بين الجملة ، واضح التفصيل ، ظاهر الحدود ، جيد الوصف ، متمكن المعنى ، واسع الحيلة في تصريفه ، بديع الإشارة ، غريب اللمحة ، ناصع البيان ثم لا ترى فيه إحالة ولا استكراهًا ، ولا ترى اضطرابا ولاخطلا ولا استعانة من عجز ولا توسعًا من ضيق ولا ضعفا في وجه من الوجوه .أضف إلى هذا سمو المعنى وفصل الخطاب والتصرف في كل طبقات الكلام ، ليجتمع من هذا وما إليه نسق في البلاغة يجمع الخالص من سر اللغة ومن البيان ومن الحكمة .
وبعد ، فإن الكلام عن بلاغة الرسول حديث يطول ، وفي الإشارة ما يغني عن العبارة . والحمد لله رب العالمين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:33 am

كلمات في السيرة




ـ السيرة النبوية، لا غنى عنها لفهم القرآن، ولا غنى عنها لفهم الحياة.
ـ السيرة النبوية، هي أدق ما كُتب عن إنسان : أعظمُ ترجمة، وأجملة قصة، وأصدق رواية، وأكرم تجربة، وأمثل أنموذج لدعوات النهضة في كل زمان ومكان .
ـ السيرة تقول لك ـ عمليًا ـ إن مع العسر يسرًا، لا تحزن إن الله معنا، النصر مع الصبر، العاقبة للمتقين، الدائرة على المجرمين، فسيكفيكهم الله، إنهم يمكرون، ويمكر الله ُ، والله خير الماكرين.
ـ حدثنا رجلٌ إسباني قائلاً : "لقد أسلمتُ لما قرأتُ السيرة النبوية".
ـ السيرة تقول: لا تتعجل النصر، فإن الثمرةَ لا تحلولي حتى تستوفي نضجها.
ـ السيرة تقول: إنما الـمَجد لأصحاب الهمم العالية، فلا تزال الهمم العالية تصبو إلى الفوز، حتى تجوز قصبات السبق .
ـ إذا أردت أن تنسف آمالك فسلط عليها اليأس، فهو كفيل بتخريب كل شيء !
ـ سترى في السيرة النبوية كيف تتجسد الحكمة في شخص، وتتحرك الأخلاقُ بين الناس رجالاً .
ـ من الأمثال التي تنطق بها السيرة : كن عضوًا في جماعة الأسود، ولا تكن قائدًا لجماعة النعام .
ـ الإخلاص وهو السر الوحيد وراء خلود الأعمال والتجارب .
ـ السمة الغالبة في مَن آمن وهاجر وجاهد هي التجرد ، والسمة الغالبة في مَن آوى ونصر وأنفق هي الإيثار، وكلاهما ـ أي التجرد والإيثار ـ هما الزراعان اللذان كان يبني بهما رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ـ رأينا في السيرة رجالاً حول الرسول سقطوا وانقلبوا على أعقابهم .. كانت مشكلتهم التي كادت أن تجمع بينهم هي سوء فهمهم للإسلام .
ـ الجهد الذي بذله أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ للإسلام، يفوق الجهد الذي بذلته جماعة الصحابة قاطبةً.
ـ الضائع الهالك من هزمه عدوُه هزيمةً نفسية، أي هزيمة دون قتال !
ـ كثيرًا ما ننسى أن المعركة بين الحق والباطل، معركةٌ بين السماء والأرض !
ـ التائه الخائب من ترك الجماعة إلى الفرد، والحائر البائر من تردد بين الحق والباطل، والغبي الأحمق مَن فكر كثيرًا بين طريق مسدود وآخر ممهدٍ مورود، ولم أجد أضيع من رجل عاش منافحًا عن منهج كاسد، وزعيم فاسد.
ـ حياة الإنسان قصيرة جدًا ، لكنها تطول في ذاكرة البشرية بمقدار ما قدم للبشرية .
ـ إذا أحببت أن تتعلم القيادة فتعلم أولاً الجندية . فلم نر قائدًا ناجحًا إلا ونراه قبلُ كان جنديًَا صالحًا .
ـ مهما قدمنا وبذلنا فنحن عيالٌ على الصحابة، فالعمل هو العمل، ولكن القلب غير القلب، والسعيدُ من جمع بين جنبيه فضائلَهم، وجسدها في سلوكه.
ـ أقلُ كتابٍ في السيرة كفيلٌ بهدم فكرة " العلمانية"، أي فصل الدين عن الدولة، فأنت في السيرة ترى الدينَ والدولةَ هما الإسلامَ بعينه.
ـ " عالمية الإسلام"، " شمولية الإسلام "، " وسطية الإسلام"، "واقعية الإسلام"... كلها دروس بديهية في السيرة النبوية.
ـ محاور السيرة النبوية : سيرة الفرد ثم سيرة الجماعة ثم سيرة الدولة.
ـ الأحداث الكبرى في السيرة؛ أربعةٌ ، لا يعدلها شيء : نزول الوحي، والهجرة، وبدر، وصلح الحديبية.
ـ الفرق بيننا وبين أي جماعة من البشر، أن سيرةَ قائدنا بكل تفاصيلها بين أيدينا، وسوانا لا يملك شيئًا سوى أساطيرَ عن رجل مصلوب ومعبود، أو بقرةٍ يترنح حولها البشر في ركوع وسجود، أو كوكبٍ، أو حجرٍ، أو فيلسوف مجهول.
ـ الذين يزرعون أقل بكثير من الذين يأكلون، غير أن فضل الزارع على الآكل كفضل الشمس على الأرض، فتأملْ فضلَ الصحابة على من سواهم .
ـ حبةُ الحنطة أنفع من حبة التفاح، فهذه من المكملات وتلك من الأساسيات، وهذا هو الفرق بين الدعوة الشاملة التي تنفع الناسَ عامة، والدعوة الناقصة التي ينتفع بها طائفة؛ تلك التي تتزي بزي كاذب، وتركز على الشكل دون المضمون، ولو تعلم هذه الدعوات المختلة أن رائحة التفاح لا تسمن ولا تغني من جوع !
ـ حينما تدور رحى الحرب، ويلوذ المؤمنون بأستار الله؛ فإن النتائج المنطقية غالبًا ما تغيب في مثل هذه الحروب .
ـ إن اللبنة الأولى في مشروع إعادة المجد الإسلامي؛ يتمثل في ضرورة الفهم السليم للإسلام . فلن ينصر الإسلامَ مَن اختل فهمه فيه، ولن ينشر الإسلامَ مَن أخذ ببعض الكتاب وكفر ببعض، بل الناصرون هم الذين يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ، وفهموا الإسلام فهمًا شاملاً، منهجًا للحياة، ودستورًا حاكمًا، وشريعةً قائمة.
ـ النفوس الجبانة هي أكثر ُالنفوسِ المتجرئة على الله . والمترفون لا يقيمون حضارة. وصنفان لا تُجدي معهما أحكامُ الله : المترددون والغافلون. فأحكام الله يجب أن تُأخذ بيدين: يدٌ جادة وثّابة، ويدٌ ذاكرة متدبرة : "خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد سبتمبر 30, 2012 1:34 am

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى




بسم الله والحمد لله وأفضل الصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه .
ثمَّ أمَّا بعد : فلقد اختار الله نبيُّه الخاتم , واصطفاه وفضله على خلقه , وكفاه , و أعطاه فأجزل له العطاء حتى رضي . قال تعالى : {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [1]

وهذه جملة يسيرة من عطايا الله عز وجلَّ لنبيه صلى الله عليه وسلم ساقها إلينا خاتم المرسلين وسيد الخلق أجمعين :

- فعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُعْطِيْتُ خمساً لم يعطهن أحد قبلي نُصِرْتُ بالرعب مسيرة شهر وجُعِلَت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأُحِلَّت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي و أُعْطِيْتُ الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبُعِثْتُ إلى الناس عامة . [2]

- وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فضلت على الأنبياء بست أُعْطِيْتُ جوامع الكلم ونُصِرْتُ بالرعب وأُحِلَّت لي الغنائم وجُعِلَت لي الأرض طهورا ومسجدا وأُرْسِلْتُ إلى الخلق كافة وخُتِمَ بي النبيون .[3]
أُعْطِيْتُ جوامع الكلم : قال الهروي : يعني به القرآن جمع الله تعالى في الألفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة , وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني.

- عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أُحُد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فَرْطٌ لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني قد أُعْطِيْتُ مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها .[4]
إني فَرْطٌ لكم : سابقكم لأهييء لكم طيب المنزل والمقام , أُعْطِيْتُ مفاتيح خزائن الأرض : وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن معناه الإخبار بأن أمته تملك خزائن الأرض وقد وقع ذلك وأنها لا ترتد جملة وقد عصمها الله تعالى من ذلك , تنافسوا فيها : أي تتنازعوا وتختصموا على الدنيا وما فيها من ملك وخزائن من المنافسة وهي الرغبة في الشيء والانفراد به .

- وعن أنس بن مالك قال : بينما ذات يوم بين أظهرنا يريد النبي صلى الله عليه وسلم إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا له ما أضحكك يا رسول الله قال : نزلت علي آنفا سورة : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ *إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}[5]
ثم قال هل تدرون ما الكوثر قلنا الله ورسوله أعلم قال : فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة آنيته أكثر من عدد الكواكب ترده علي أمتي فيُخْتَلَج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي فيقول لي إنك لا تدري ما أحدث بعدك . [6]
فيُخْتَلَج العبد :ورد في النهاية : يُنتَزع ويُحتََزُ .

- وعن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله عز و جل زوى لي الأرض أو قال إن ربي زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها وأني أُعْطِيْتُ الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكوا بسَنَةٍ بعامة ولا يُسَلِّطُ عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم وان ربي عز و جل قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمَّتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها أو قال من بأقطارها حتى يكون بعضهم يسبى بعضا وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وإذا وضع في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين حتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان وانه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز و جل . [7]

- وعن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أُعْطِيْت مكان التوراة السَّبْعَ و أُعْطِيْت مكان الزبور الْمَئِينَ و أُعْطِيْت مكان الإنجيل الْمَثَانِيَ وفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ.[8]
السَّبْعَ : السور السبع الطوال , الْمَئِينَ : السور التي زادت آياتها عن مئيتين , الْمَثَانِيَ : قيل سورة الفاتحة , بِالْمُفَصَّلِ :السور التي عدد آياتها قليل وهي السُّبع الأخير من القرآن .

فهذا من بعض ما أعطاه ربه فأرضاه فكيف بنا ونحن من اتبعنا دينه فحريٌّ بنا أن يلقانا عند الحوض وهو راض عنَّا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
راشد الكاسر
مدير العلاقات العامة
مدير العلاقات العامة
راشد الكاسر


ذكر الثور الثور
المشاركات : 19882
نقاط المساهمات : 30950
الشعبيه : 51
تاريخ التسجيل : 27/02/2010
العمر : 51

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:12 pm

رائع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ندى العمر
المراقبة العامة
المراقبة العامة
ندى العمر


انثى المشاركات : 19202
نقاط المساهمات : 33241
الشعبيه : 72
تاريخ التسجيل : 27/07/2012
الموقع : منتدى اسرة القلم
المزاج : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأربعاء أكتوبر 31, 2012 12:00 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الخميس نوفمبر 15, 2012 5:03 pm

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الخميس نوفمبر 15, 2012 5:05 pm


الهجرة الشريفة


الهجرة الشريفة





إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستغفِرُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ، من يَهْدِ
اللهُ فلا مُضِلَّ له ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ والصلاة والسلام على
سيدنا محمد وعلى كلّ رسولٍ أرسلَه.





أما بعدُ عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسيَ بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ. يقولُ
اللهُ تعالى في كتابهِ العزيز {إلاّ تنصرُوه فقد نصرَهُ اللهُ إذْ أخرجَه
الذين كفروا ثانِيَ اثنينِ إذْ هُما في الغارِ إذْ يقولُ لصاحِبِهِ لا
تحْزَنْ إنَّ اللهَ معنَا}.





عبادَ اللهِ، لما بُعِثَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أُمِرَ بالتبليغِ
والإنذارِ بلا قتالٍ فظَلَّ أربعةَ عشرَ عاماً يدعو الناسَ إلى الإسلامِ
من غيرِ قتالٍ فآمنَ بهِ بعضُ الناسِ كأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍ وبلالٍ
وغيرِهم، وبقِيَ على الكُفرِ أكثرُ الناسِ وصاروا يؤذونَهُ وأصحابَهُ،
فلمّا اشتَدَّ عليهِمُ الأذى هاجرَ بعضُ أصحابِ النَّبِيّ إلى الحبشةِ
وكانوا نحوَ ثمانينَ منهم عثمانُ بنُ عفان وجعفرُ بنُ أبي طالب.





ولما كثُرَ أنصارُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ بيثربَ أمرَ اللهُ
المسلمينَ بالهجرةِ إليها فخرجوا أرسالاً، ثم هاجَرَ النَّبِيُّ صلى اللهُ
عليهِ وسلَّمَ من مكةَ محلّ ولادَتِه مع أبي بكرٍ الصدّيقِ بعد أن أقامَ في
مكّةَ منذُ البِعثةِ ثلاثَ عشرةَ سنةً يدعو إلى التوحيدِ ونبذِ الشّرْكِ.
ولم تكنْ هجرةُ النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حُبّاً في الشُهرةِ والجاهِ
والسلطانِ فقد ذهبَ إليهِ أشرافُ مكّةَ وقالوا له: إن كنتُ تريدُ بما جئتَ
بهِ مالاً جمَعْنا لكَ من أموالِنا حتى تكونَ أكثرَنا مالاً، وإن كنتَ
تريدُ مُلْكاً ملَّكناكَ إيّاه ولكنَّ النبيَّ العظيمَ أسمى وأشرفُ من أنْ
يكونَ مقصودُه الدنيا. ولهذا كان يقولُ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم
لعمّهِ أبي طالب حين أتاهُ يطلبُ منه الكفَّ عن التعرُّضِ لِقَوْمِهِ وما
يعبُدُون: "واللهِ يا عمّ لو وضَعُوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يَساري
على أن أَتْرُكَ هذا الأمرَ ما تركتُهُ حتى يُظهِرَه اللهُ سبحانه وتعالى
أو أهْلِكَ دونه".





وبالنبيّ صلى الله عليه وسلم اقتدى الصحابةُ الأجلاّءُ فقد خرَجَ عمرُ بنُ
الخطابِ رضي الله عنه من مكةَ مع أربعينَ من المستضعَفينَ في وضَحِ
النَّهارِ ممتشِقاً سيفَهُ قائِلاً لصنادِيدِ قريشٍ بصوتٍ جهيرٍ: "يا معشرَ
قريش من أرادَ منكم أن تُفصَل رأسُه أو تَثْكُلَهُ أمُّهُ أو تترمَّلَ
امرأَتُهُ أو يُيَتَّمَ ولدُه أو تذهبَ نفسُهُ فَلْيَتْبَعْنِي وراءَ هذا
الوادي فإِني مهاجِرٌ إلى يثرب".





فما تجرأَ أحدٌ منهم أن يحولَ دونَهُ ودونَ الهِجرةِ. ثم إنَّ المشركينَ
كانوا قد أجمعوا أمرَهم على قتلِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فجَمَعوا
من كلّ قبيلةٍ رجلاً جلداً نسيباً وسيطاً ليضرِبوهُ ضربةَ رجلٍ واحدٍ حتى
يتفرَّقَ دمُهُ في القبائِلِ، فأتى جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
فأمرَه أن لا يبيتَ في مضجَعِهِ الذي كانَ يبيتُ فيه وأخبَرَهُ بمَكْرِ
القومِ وأنزل اللهُ تعالى {وإذْ يمكرُ بكَ الذين كفروا ليُثْبِتُوكَ أو
يَقتلُوكَ أو يُخرجُوكَ ويمكرونَ ويمكرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرين}.





فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالب فأمرَهُ أن يبيتَ
على فِراشِه ويتسَجّى ببُرْدٍ له أخضرَ ففعل، ثمّ خرجَ رسولُ اللهِ صلى
الله عليه وسلم على القومِ وهم على بابِه ومعه حُفنةُ ترابٍ فجعل يذرُّها
على رُؤوسِهم، وأخذَ اللهُ عز وجلّ بأبصارِهم عنْ نَبِيّه، وهو يقرأُ {يس
والقرءانِ الحكيم} إلى قولِه {فأغشيناهم فهم لا يُبصرون} فلمّا أصبَحوا
فإذا هم بعليّ بنِ أبي طالبٍ فسألوهُ عن النبيّ فأخبرَهُم أنّهُ خرجَ
فركِبوا في كلّ وجهٍ يطلُبونَهُ وكانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
قد سارَ مع أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه حتى وصلا إلى غارِ ثورٍ فدخلاهُ،
وجاءتِ العنكبوتُ فنَسَجَتْ على بابِه، وجاءَتْ حَمامةٌ فباضَتْ ورَقَدَتْ،
فلما وصلَ رجالُ قريشٍ إلى الغارِ قال أبو بكر: يا رسولَ اللهِ لو أن
أحدَهم ينظُرُ إلى قدميهِ لأبصرَنا تحتَ قدميه. فقال النبيُّ صلى الله عليه
وسلم: "يا أبا بكر ما ظنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهما".





عبادَ اللهِ، لقد سلَّمَ اللهُ نبيَّهُ الكريمَ من شرّ المشركينَ فوصلَ إلى
المدينةِ المُنَورةِ ومعه صاحبُه فاستقبَلَهُ المؤمنونَ بالفرحِ واستبشروا
بقدومِه، وسمَّى الرسولُ يثربَ بالمدينَةِ المنورةِ وءاخى بينَ أهلِها
والمهاجِرين، وسمّاهم الأنصارَ، وبنى مسجِدَه ومساكِنَه. وقد استقبلَ
الأنصارُ إخوانَهُمُ المهاجرينَ ومدُّوا لهم يدَ المساعَدةِ والعونِ حتى
كان الأنصاريُّ يقسِمُ مالَهُ ومتاعَهُ بينه وبين أخيهِ المهاجِر. فحَرِيٌّ
بنا أن نقتديَ بهؤلاءِ الأفذاذِ من الناسِ الذين عرفوا معنى الأخوَّةِ
الحقيقيَّ فأيَّدهم اللهُ بنصرِه.





أقول قولي هذا وأستغفرُ الله العظيمَ لي ولكم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شلال الحب
القلم الفضي
القلم الفضي
شلال الحب


ذكر الاسد الماعز
المشاركات : 11306
نقاط المساهمات : 17061
الشعبيه : 16
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 20
الموقع : اسرة القلم
العمل/الترفيه : اســــــــــرة الـــــــــــــــــــــــــــقلــــــــــــم
المزاج : بجنن

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد يناير 13, 2013 8:36 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
وردة العشاق
عضو متألق
عضو متألق
وردة العشاق


انثى الدلو التِنِّين
المشاركات : 4728
نقاط المساهمات : 4789
الشعبيه : 4
تاريخ التسجيل : 19/01/2013
العمر : 47

برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج (في رحاب رسول الله )   برنامج (في رحاب رسول الله ) - صفحة 3 Icon_minitime1السبت يناير 19, 2013 11:31 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
برنامج (في رحاب رسول الله )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 3 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى اسرة القلم :: —¤÷([¤ اســــتــراحـــه تــرفـــيــهـيـــه ¤])÷¤— :: قناه اسرة القلم الفضائيه-
انتقل الى: