تمثل المقاومة الشديدة من آخر معاقل الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي
إحراجا للإدارة الجديدة في البلاد، كما أن الخلافات التي تعطل تشكيل حكومة
انتقالية جديدة تشير إلى اتساع الانقسامات السياسية الداخلية.
لكن فيما يتعلق بالوقت الراهن فإن الزعماء السياسيين الجدد لليبيا
يعيشون شهر عسل مع الشعب ولديهم أنصار مهادنون على الأقل في طرابلس العاصمة
التي انتهت سيطرة القذافي عليها قبل أقل من شهر.
وما زال الليبيون يستمتعون بالشعور الجديد الذي تولد لديهم بعد الخروج
من عباءة حاكم كان يطلق على نفسه ألقابا مثل الزعيم الملهم والأخ الزعيم
وملك ملوك إفريقيا.
ومجرد إفراز الساحة السياسية الجديدة والمكتظة في ليبيا مجموعة من
الأصوات المتنافرة أمر يعتبره محللون سياسيون وكثير من المواطنين الليبيين
تغييرا مطلوبا لرتابة الحياة التي أوجدها حكم القذافي الشمولي.
اختلف الإسلاميون والعلمانيون علانية حول كيفية إدارة المرحلة
الانتقالية، وطالبت عناصر قيادية في بلدات وقرى تضررت بشدة من الصراع الذي
استمر ستة أشهر بشغل مناصب في الإدارة الجديدة قائلين إن مجتمعاتهم تحتاج
إلى أموال لإعادة إعمارها.
لكن محللين سياسيين ليبيين وأجانب يرون أن تحالف المصالح الذي حدث بين
القوات المناهضة للقذافي من مجموعة متنوعة من الخلفيات السياسية، الذي ولد
في مدينة بنغازي شرقي البلاد في شباط (فبراير) وآذار (مارس) لا يوشك على
الانهيار، كما أن حجم الدعم الذي يلقاه من الدول الغربية والعربية التي
ساعدته على الإطاحة بالقذافي ما زال قويا.
غير أن الجدل السياسي المحتدم في البلاد يطغى عليه شعور بالارتياح لأن
القذافي رحل ورحلت معه دولته البوليسية كما أن صوته لم يعد يطغى على موجات
البث الإذاعي والتلفزيوني.
وفي ساحة الشهداء - حيث تولت شرطة المرور الدوريات البارحة الأولى للمرة
الأولى منذ سقوط القذافي - حدد المهندس مصطفى شعب بن راغب أولوياته.
وقال لـ ''رويترز'' بينما كان يتفقد كشكا على جانب الطريق بحثا عن خواتم
بها شعارت الثورة ''التأخر في الحكومة الجديدة ليس مهما. الوضع يشبه الرجل
المريض... عليه أن يسير ببطء قبل أن يمشي بسرعته العادية. نحتاج وقتا
للتعافي''.
وعن القذافي قال ''سوف نشنقه هو وأبناءه وبعد ذلك يمكننا أن نتنفس بحرية. لم يحن بعد وقت العمل السياسي''.
وقال رمضان بشير عون وهو مدرس متقاعد إن من الطبيعي أن تستغرق المفاوضات بين الحكام الجدد في ليبيا وقتا.
وأضاف ''حرقنا القذافي طوال 40 عاما. قضى على كل إمكاناتنا''.
ومما ساعد على تحلي سكان طرابلس بقدر كبير من الصبر عودة الكهرباء والماء وأسواق الطعام والاتصالات وبداية دفع الأجور بأثر رجعي.
لكن للصبر حدودا.. ويعلم المسؤولون في المجلس الوطني الانتقالي أن مزيدا من التقدم على الجبهة العسكرية أمر لا بد منه.
فالعجز عن السيطرة على البلدات التي تمثل آخر معاقل القذافي وهي بني وليد وسرت وسبها يهدد مصداقية المجلس الوطني الانتقالي.
وفرت قوات المجلس يوم الأحد من بني وليد في حالة من الفوضى بعد أن أخفقت
مرة أخرى في اقتحامها. وقال مقاتلون لـ ''رويترز'' إن الأوامر المتضاربة
وغياب القيادة المركزية ووجود خلافات في صفوف المقاتلين هي السبب فيما حدث.
وحدث الشيء نفسه في سرت حيث أحرزت قوات المجلس الوطني الانتقالي تقدما
أفضل لكن القوات الموالية للقذافي صدتها خلال قتال عنيف استمر أربعة أيام.
غير أن سعد جبار وهو محام جزائري مقيم في لندن مثل ليبيا في قضية تفجير
طائرة أمريكية فوق لوكربي في إسكتلندا قال إن الخلاف ليس مفاجئا بالنسبة
لليبيين وينبغي ألا يقلق الحلفاء الأجانب.
ويضم الائتلاف الذي أطاح بالقذافي نشطاء منفيين من المعارضة السرية للقذافي وليبيين عاديين من خلفيات عديدة عانوا من القمع.
وأضاف أن الجميع تحالفوا في وقت قصير وفي ظل ظروف ليس من السهل أن تسير فيها كل الأمور بسلاسة.
ومضى يقول ''ماذا تتوقعون.. الأمر يحتاج لجهد غير عادي في هذه الظروف غير العادية''.
وتابع ''كلما كانت هناك مشكلات عسكرية كلما تحالفوا سويا. هذا لا يعني
بالضرورة افتقارا للقيادة. إنهم يأخذون وقتهم بشكل مسؤول جدا ويبنون توافقا
في الرأي إزاء كيفية تقدم قواتهم''.
ويرى المحلل السياسي عاشور الشامس أن هناك خيطا رفيعا بين المجالين
السياسي والعسكري وسيتعين على زعماء المجلس الوطني الانتقالي أن يظهروا
الحنكة السياسية في قيادة البلاد نحو دستور جديد.
ووضع المجلس الوطني الانتقالي خريطة طريق تحدد خططا لوضع دستور جديد
وإجراء انتخابات على مدى 20 شهرا ويبدأ تنفيذها بمجرد إعلان ''تحرير''
البلاد.
ولم يتضح متطلبات ''التحرير'' لكن من المرجح أن يكون مرهونا باعتقال
القذافي وهزيمة القوات الموالية له في البلدات الرئيسية الثلاث التي ما
زالت تسيطر عليها.
واهتزت الثقة بقدرة المجلس الوطني الانتقالي على توجيه البلاد يوم الأحد عندما فشل في الاتفاق على حكومة جديدة.
وتم حل الحكومة في الشهر الماضي بعد أخطاء إجرائية في طريقة التعامل مع
اغتيال عبد الفتاح يونس القائد العسكري للمجلس الوطني الانتقالي. وكان من
المفترض أن يعين رئيس المجلس التنفيذي للمجلس الوطني الانتقالي محمود جبريل
يوم الأحد أعضاء جددا في المكتب الذي سيضم مسؤولين عن شؤون الدفاع والشؤون
الداخلية.
لكن المحادثات انهارت عندما لم تلق الاقتراحات مساندة كاملة من الأعضاء الحاليين.
وقال عاشور الشامس إن الانقسامات ''عملية طبيعية'' مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بعدد كبير من الناس وكثير من الاعتبارات الجغرافية.
وقال جبار ''لم يمر الليبيون بهذه العملية منذ 42 عاما وهذا النوع من المفاوضات صعب حقا''.
وتابع ''الوصفة الوحيدة للنجاح التي نجدها حتى الآن في الربيع العربي هي عملية بناء الائتلافات''.
ومضى يقول ''فكرة الربيع العربي هي التطلع إلى التوافق وهي نتيجة لا
يحصل فيها الفائز على كل المكاسب.. ليس هناك احتكار للحقيقة أو السلطة من
جانب أحد.. على عكس المستبدين الذين يسيطرون على كل شيء''.
وهناك قلق بين المسؤولين الغربيين بشأن الانقسامات بين الفصائل المتناحرة بما في ذلك الإسلامية منها داخل المجلس الوطني الانتقالي.
وزادت المخاوف في الغرب إزاء الإسلاميين هذا الشهر عندما انتقد بعضهم
زعماء المجلس الوطني الانتقالي الذي يتألف أغلبه من خبراء تكنوقراط
علمانيين بعضهم من المسؤولين السابقين في عهد القذافي قائلين إنهم يتصرفون
مع الإسلاميين أو المنتمين لتيارات أخرى بقدر من التجاهل.