حسنات عصر مبارك
بقلم : د. محمد فؤاد منصور
حسنات عصر مبارك سيذكر التاريخ بلاشك أنه كان لحكم الرئيس مبارك حسنات لاتنكر ستعود بالخير على مسيرة الشعب المصري وربما على الشعوب العربية الأخرى وهم يخططون لمرحلة مابعد مبارك، وسنفصل هنا بعض أبرز تلك الحسنات ربما لنؤكد على أن الحكم الفاسد والمستبد لايخلو من فوائد جمة ربما دون قصد منه ، ولنبدأ على بركة الله .
أولاً: تعلم الشعب المصري ألا يسلم قياده لحاكم فرعون يتصرف في البلاد والعباد كأنه من الآلهة وليس بشرا يخطيء ويصيب، وسيكون علي الحاكم أن يرحل بعد عدد محدد من السنوات مهما كان آداؤه طيباً أو وطنيته لاغبار عليها ، بل سيكون تحديد سنوات الحكم تحديداً لايمكن تغييره أو التلاعب فيه ،وهذا الدرس من شأنه أن يقطع الطريق أمام المنتفعين والمستفيدين من "كدابي الزفة" الذين يحيطون بالرؤساء ويشجعون الحاكم على التوحد مع الوطن بحيث يقع في ظنه أنه هو الوطن وأن الوطن يغيب بغيابه وينتهي بانتهائه .
ثانياً: من الفوائد كذلك أو حسنات حقبة الرئيس مبارك أن الشعب لن يسمح بأن يكون رئيس الجمهورية هو الواحد الصحيح وأن من حوله مهما بلغت مكانتهم ليسوا أكثر من مجموعة أصفار لاقيمة لها ولاوزن إلا في وجود الرئيس ، قد لايلتفت الرئيس في بداية حكمه إلى هذه المسألة وقد لاتلفت نظره حتى يكتشف يعد بضعة أسابيع أن كل من حوله لايتحركون إلا بتوجيهاته وتعليماته مهما علت أقدارهم ، بل ويصرون على التصريح بذلك في كل مناسبة ، ويرجعون كل تصرف يقومون به إلى حكمة السيد الرئيس وتوجيهاته السديدة ونظره الثاقب ، وشيئاً فشيئاً يصدق الرئيس الأكذوبة ويبتلع الطعم ويقود البلاد إلى الهلاك بعد أن يستهين بكل نجوم المجتمع ممن يفوقونه علماً وخبرة وبصراً بالأمور لأن الصواب دائماً هو مايراه الرئيس حتى لو أدى إلى هلاك الوطن والمواطن.
ثالثاً: من الحسنات كذلك أن الشعب المصري قد تعلم أن صوته له وزن وقيمة وأن المشاركة في العمل السياسي لاتتطلب أكثر من الحرص على الإدلاء بالصوت الانتخابي وأن مراقبة صناديق الانتخابات ستمكن الشعب من فرض مشيئته لأن البديل كما رأينا هو التظاهر والتجمهر وتدمير الممتلكات بل وسقوط الشهداء.
رابعاً: اكتشف الشعب المصري بلاشك أنه يذخر بتيارات فكرية وتوجهات سياسية متباينة ، فأخوان مسلمون وقوميون وشيوعيون وعلمانيون ومحافظون واشتراكيون وأقباط ، وأن هذا التنوع يعطي للشعب حيويته وللحياة السياسية مذاقها وجاذبيتها ، انتهى عصر الفكر الواحد والرأي الواحد وانتهت معه للأبد نسبة التسعة والتسعين بالمائة .
خامساً: أدرك الشعب المصري أهمية التواصل الاجتماعي عبر وسائل الاتصال الحديثة ،فبعد أن تقطعت الصلات بين الناس كنتيجة طبيعية للإنشغال بإلحاح المطالب الحياتية وأنكفأ كل إنسان على نفسه يعالج مشاكله وحده ويعاني آلامه وحده ، وضعنا شباب هذا الجيل الرائع على الطريق الصحيح من جديد بتوظيف المواقع الإلكترونية الاجتماعية لضم حبات العقد الذي انفرط ، وإعادة الحياة للصلات التي تصورنا أنها تلاشت وانقرضت وصارت ميراثاً بائداً ، وحين اندلعت شرارة الثورة كان الناس جميعاً في الشارع واكتشفوا في آن واحد أن آلامهم واحدة ومعاناتهم واحدة ولم يكن ينقصهم غير التواصل ليكونوا سداً منيعاً في وجه الطغاة بعد أن ظلوا لسنوات طويلة جزراً متباعدة .
سادساً: أدرك الناس أن الشعب هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة ، وانتهت أسطورة الزعيم الملهم والقائد المفدى ، انتقلت هذه الصفات للشارع فصار الشعب هو الملهم وهو صاحب الشرعية الحقيقية التي سرقت منه لعقود عديدة ، عرف الشعب أهمية أن يأتي الرئيس ونائبه باختيار حقيقي ومحدد المدة من الشعب وأنه مهما أحسن وأجاد فلابد أن يذهب ليأتي غيره وليقدم كشف حسابه للشعب بعد انتهاء فترة رئاسته ، وكذلك الحال مع الوزير والمحافظ وكل من له صلة بالشأن العام .
سابعاً : تعلم الشعب أنه قادر على حفظ أمنه بنفسه وتنظيم صفوفه عند الضرورة ، وأن أمن الرئيس يقوم به عدله وسيرته الحسنة وليس الجيوش الجرارة من عسكر الأمن المركزي بمصفحاتهم وقنابلهم وخراطيم مياههم وعصيهم المكهربة وقنابلهم بأنواعها ورصاصهم الحي أو المطاطي ولابأمن الدولة الذي يفتش في الضمائر ويحاسب على النوايا .
وأخيراً فإن أكبر حسنة علمها لنا عهد مبارك أننا أعدنا اكتشاف هذا الجيل العظيم من أبنائنا الذي تصورناه جيلاً رقيعاً لاهياً لايشغله غير متابعة المودة وأحدث الأغاني والصرعات ويقضي وقته أمام أجهزة الكمبيوتر منشغلاً بالألعاب السحرية والألكترونية أو محادثة الفتيات وتمضية الوقت في اللهو والثرثرة ، فإذا به يوظف كل ذلك للدفاع عن جيلنا الخائب الذي سرق الانتهازيون والوصوليون ثورته وتقاسموا ثروته ، وضيعوا مكتسباته فلم يتبق له غير قلة الحيلة وهوانه على الناس والتشرد في الأرض يتغنى بالمجد الذي كان والعز الذي ضاع .. تلك بعض حسنات عصر مبارك ، حسنات صنعها بفشله وتقصيره في حق شعبه الذي صبر عليه ثلاثين عاماً يتغذي على الأحلام والوعود فلايجد غير الكوابيس والفتات .. فشكراً لصناع ثورة شباب الخامس والعشرين من يناير وتحية لأرواح شهدائها الذين سقطوا في الميدان لتضيء أرواحهم الطاهرة فجر عهد جديد.