هذا هُوَ اسمُكَ
قالتِ امرأةٌ,
وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ
أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي.
ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ
طُفُولَةٍ أَخرى . ولم أَحلُمْ بأني
كنتُ أَحلُمُ . كُلُّ شيءٍ واقعيٌّ . كُنْتُ
أَعلَمُ أَنني أُلْقي بنفسي جانباً
وأَطيرُ . سوف أكونُ ما سأَصيرُ في
الفَلَك الأَخيرِ.
..
وكُلُّ شيء أَبيضُ,
البحرُ المُعَلَّقُ فوق سقف غمامةٍ
بيضاءَ . والَّلا شيء أَبيضُ في
سماء المُطْلَق البيضاءِ . كُنْتُ, ولم
أَكُنْ . فأنا وحيدٌ في نواحي هذه
الأَبديَّة البيضاء . جئتُ قُبَيْل ميعادي
فلم يَظْهَرْ ملاكٌ واحدٌ ليقول لي:
((ماذا فعلتَ, هناك, في الدنيا?))
ولم أَسمع هُتَافَ الطيِّبينَ , ولا
أَنينَ الخاطئينَ , أَنا وحيدٌ في البياض ,
أَنا وحيدُ
..
لاشيء يُوجِعُني على باب القيامةِ .
لا الزمانُ ولا العواطفُ . لا
أُحِسُّ بخفَّةِ الأشياء أَو ثِقَلِ
الهواجس . لم أَجد أَحداً لأسأل:
أَين ((أَيْني)) الآن? أَين مدينةُ
الموتى, وأَين أَنا? فلا عَدَمٌ
هنا في اللا هنا في اللازمان ,
ولا وُجُودُ
..
وكأنني قد متُّ قبل الآن
أَعرفُ هذه الرؤيا, وأَعرفُ أَنني
أَمضي إلى ما لَسْتُ أَعرفُ . رُبَّما
ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما, وأَعرفُ
ما أُريدُ
سأصيرُ يوماً ما أُريدُ
..
سأَصيرُ يوماً فكرةً . لا سَيْفَ يحملُها
إلى الأرضِ اليبابِ , ولا كتابَ
كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من
تَفَتُّح عُشْبَةٍ ,
لا القُوَّةُ انتصرتْ
ولا العَدْلُ الشريدُ
..
سأَصير يوماً ما أُريدُ
..
سأصير يوماً طائراً , وأَسُلُّ من عَدَمي
وجودي . كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ
اقتربتُ من الحقيقةِ , وانبعثتُ من
الرمادِ . أَنا حوارُ الحالمين , عَزَفْتُ
عن جَسَدي وعن نفسي لأُكْمِلَ
رحلتي الأولى إلى المعنى , فأَحْرَقَني
وغاب . أَنا الغيابُ . أَنا السماويُّ
الطريدُ .
..
سأَصير يوماً ما أُريدُ
..
سأَصير يوماً كرمةً ,
فَلْيَعْتَصِرني الصيفُ منذ الآن ,
وليشربْ نبيذي العابرون على
ثُرَيَّات المكان السُكَّريِّ !
أَنا الرسالةُ والرسولُ
أَنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ
..
إلا أنا وقد امتلأت بكل أسباب الرحيل فلست لي
الشاعر الكبيــــــر الراحل / محمود درويش
اتمنى ان ينال اعجابكم اخوتي الاكارم