[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] في نيسان/ابريل 1857 اعتُقل المزارع الأسود المعتوق صامويل غرين من منزله على الساحل الشرقي لولاية ماريلاند وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات. وكانت جريمته حيازة كتاب هدفه، بحسب القانون، "تحريض الملونين من سكان هذه الولاية". كان الكتاب "كوخ العم توم"، وكان سجن غرين ظلما صارخا. ولكن ولاية ماريلاند وسواها من ولايات الجنوب المالكة للعبيد، كانت مرعوبة لسبب وجيه.
لعل رواية "كوخ العم توم" كانت دعاية تحريضية لالغاء العبودية ولكنها كانت ايضا عملا روائيا رائعا تتداخل فيها قصص حشد من الشخصيات التي ما زالت محفورة في الذاكرة الأدبية: العبد المعذب العم توم، مراقب العبيد السادي سايمون ليغري، العبد الطريد بعد تمرده على نظام العبودية جورج هاريس، العبدة غريبة الأطوار توبسي، مالك العبيد الذي يؤنبه ضميره اوغسطين سانت كلير وجمهرة متزاحمة من مناهضي العبودية والجنوبيين والاميركيين الافارقة.
وتنسج المؤلفة هاريت بيتشر ستو على هذه الرقعة متعددة الألوان حبكات عاطفية متفجرة مثل علاقة العم توم بابنة سانت كلير ذات الشخصية الانسانية التي تضعها في مصاف القديسات والاضطهاد الذي يتعرض له توم في احدى مزارع لويزيانا وهروب عائلة هاريس الدراماتيكي الى الحرية في الشمال. وبهذه الضربات الفنية ترسم ستو صورة نظام يدمر الروح بظلمه الساحق، ولأول مرة في تاريخ الأدب الاميركي ينبري عمل ابداعي ليقول ان العبيد افراد لهم مسرات البشر الآخرين واحزانهم وعقدهم وبطولاتهم وعواطفهم المركبة.
كانت رواية كوخ العم توم صدمة للاميركيين، شماليين وجنوبيين، لا بتصويرها قسوة نظام العبودية فحسب بل وجرأتها في تناول موضوعات هدامة وقتذاك مثل الجنس بين الأعراق والصداقة العابرة للعرقية والغضب الأسود. واعلنت صحيفة ناشيونال الصادرة في واشنطن في افتتاحيتها حينذاك ان رواية كوخ العم توم "اينما تذهب تجرد التحامل العرقي من سلاحه وتنحِّي المعارضة جانبا وتلامس قلوب الجميع باحساس جديد وغريب لم يألفوه من قبل".
بلغت مبيعات الرواية 310 آلاف نسخة في العام الأول بعد صدورها في 1852، وهو رقم يزيد ثلاثة اضعاف على اقرب رواية منافسة. وبيع من الرواية مليون نسخة في بريطانيا وحدها. وكتب ديفيد رينولدز في عمله "أقوى من السيف" الذي يؤرخ تأثير كوخ العم توم في الأدب الاميركي ان الرواية فتحت الطريق لقبول وجهة النظر الداعية الى الغاء العبودية على نطاق واسع في الشمال حيث ظل هذا الموقف يقابَل لفترة طويلة بالتجاهل أو الرفض. كما مهدت الرواية درب انفتاح الاميركيين على ابرهام لنكولن وتحويل أعداد لا تُحصى من اميركيي الشمال الى رجال مستعدين للقتال من اجل تحرير العبيد.
ويكتب الناقد فيرغس بورديفيتش في صحيفة وول ستريت جورنال ان كوخ العم توم اصبحت ظاهرة لم يعرف الاميركيون نظيرا لها من قبل. وان مصطلح "الرواية الاميركية العظيمة" نفسه نُحت عام 1868 لوصف هذه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الرواية تحديدا في مجلة "ذي نيشن". ونالت الرواية اعجاب مشاهير مثل مارك توين وهنري وادسورث لونغفيلو، واستوحاها الكاتب الروسي الراديكالي نيكولاي تشيرنيشيفسكي لكتابة روايته "ما العمل؟ التي تأثر بها جيل كامل من الثوريين الروس. ويلاحظ رينولدز ان كوخ العم توم كان كتاب لينين المفضل في الطفولة، وفي مرحلة لاحقة اختار قائد الثورة البلشفية "ما العمل؟" عنوانا لواحد من أهم اعماله في التنظيم الثوري.
وكما في الأعمال الأدبية العظيمة فان كوخ العم توم أحدثت انفجارا من الكتب التي تستعير العم توم لبناء شخصية ابطالها، أو المنتجات التي تستوحي الرواية، بما في ذلك العاب ورق الشدة واحجيات واعمال فنية تجارية واقلام حبر ولوحات جدارية وحتى جوارب صوف باسم العم توم.
والأرجح ان عمل ستو كان الأطول ديمومة والأعمق تأثيرا في المسرح حيث كانت مسرحية كوخ العم توم تُقدم على الدوام تقريبا بأداء ممثلين بيض ذوي وجوه مصبوغة بالأسود. وبحلول عام 1912 يُقدر ان الاميركيين شاهدوا ما لا يقل عن 250 ألف عرضا لمسرحية كوخ العم توم من انتاج مئات إن لم يكن آلاف الفرق المسرحية المتخصصة. وبرسالتها الروحية في الشهادة والتوبة يُسجل لكوخ العم توم على الخشبة تحويلها المسرح الذي كان مكانا يرتاده البلطجية والعابثون الى فن محترم حتى ان المدراء ابتكروا اصبوحات مسرحية لتلبية الاقبال، كما يكتب رينولدز.
وكانت الفرق المسرحية المتنافسة على كوخ العم توم تضيف بين المشاهد فاصلا من الغناء والرقص وحتى نزالات بالملاكمة، وكان الممثل الذي يقوم بدور العم توم يغادر الخشبة للمشاركة في بضع جولات.
وتُرجمت المسرحية، كما الرواية، الى عشرات اللغات. والطريف ان بعض العروض كانت تضاعف عدد الممثلين الذي يقومون بالأدوار الرئيسية مرتين وحتى ثلاث مرات. ويقول رينولدز في كتابه "أقوى من السيف" انه كلما زادت شخصيات العم توم زاد استحسان رواد المسرح في ذلك الوقت. وبدأ سبنسر تريسي وماري بيكفورد حياتهما الفنية في عروض لمسرحية كوخ العم توم.
بحلول منتصف القرن العشرين انخرطت رواية ستو في التيار الثقافي الأوسع بأشكال من كل لون وصنف، كثير منها لا يمت بصلة الى العمل الجاد الأصلي. وعندما أُنتج في عام 1956 فيلم "الملك وأنا" الذي تدور احداثه في سيام بطولة يول براينر ودبرا كير أُقحمت في العمل السينمائي باليه هازلة بعنوان "البيت الصغير للعم توم"، في واقعة أخرى تبين المصير الذي آلت اليه رواية قال عنها وليام دين هاولز انها الكتاب الذي "هز العالم أكثر من أي كتاب آخر".
المفارقة ان تعبير "العم توم" أصبح صفة للتعاون المتخاذل مع ظلم البيض على النقيض من الشخصية البطولية التي اختارت ستو اسمها عنوانا لروايتها. ويكتب رينولدز انه كان يبدو احيانا ان هذا النعت سيمزق حركة حقوق السود بأكملها لأنه نعت أُلصق حتى بقادة جريئين في الحركة مثل مارتن لوثر كنغ ومالكولم أكس ودو بوا. ويستعرض رينولدز في كتابة "اقوى من السيف" الطرق العديدة والمتناقضة في احيان كثيرة التي فُهم بها واحد من أهم الأعمال الأدبية في اميركا، والطرق التي أُسيء بها ايضا فهم العمل. ويرى الناقد بورديفيتش ان رينولدز نجح في مهمته نجاحا يستحق عليه الاعجاب.