منتدى اسرة القلم
[تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " 18


اهلا بك زائرنا الكريم
تفضل بالانضمام لاسرتنا بالضغط على كلمه سجل
اهلا وسهلا بكم نورتونا
تمنى لك المتعه والفائده معنا
منتدى اسرة القلم
[تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " 18


اهلا بك زائرنا الكريم
تفضل بالانضمام لاسرتنا بالضغط على كلمه سجل
اهلا وسهلا بكم نورتونا
تمنى لك المتعه والفائده معنا
منتدى اسرة القلم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى اسرة القلم

كل ما يجود فيه الخاطر من همس وحب ومشاعر وابداع تميز بلا حدود ...
 
الرئيسيةالبوابة**أحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» ❞ كتاب فوضى المشاعر ❝ ⏤ ستيفان زفايج
تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:58 am من طرف قمر الزمان

» رواية أرني أنظر إليك ❝ ⏤ خولة حمدى
تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:50 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب زوربا pdfالمؤلف: نيكوس كازانتزاكيس
تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:27 am من طرف قمر الزمان

» كتاب أحجار على رقعة الشطرنج :وليم جاي كار
تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:57 am من طرف قمر الزمان

»  رواية ذهب مع الريح PDF تأليف (مارغريت ميتشل)
تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:50 am من طرف قمر الزمان

» كتاب عصر الحب pdf تأليف (نجيب محفوظ).
تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:46 am من طرف قمر الزمان

» رواية جامع الفراشات pdf تأليف ( جون فاولز )
تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:36 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب سنترال بارك pdf غيوم ميسو
تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:31 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب بعد 7 سنوات ل غيوم ميسو
تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:19 am من طرف قمر الزمان

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
FaceBooke
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 74 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 74 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 226 بتاريخ الأحد ديسمبر 29, 2019 12:55 pm

 

 تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "

اذهب الى الأسفل 
+3
ابو النور الصالح
HAMSALHB
غريب الروح
7 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الإثنين أبريل 29, 2013 12:26 pm


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{ 1 - 6 } {
الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ
عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ
وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ
عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * إِنَّ اللَّهَ لَا
يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * هُوَ
الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
}

افتتحها تبارك وتعالى
بالإخبار بألوهيته، وأنه الإله الذي لا إله إلا هو الذي لا ينبغي التأله
والتعبد إلا لوجهه، فكل معبود سواه فهو باطل، والله هو الإله الحق المتصف
بصفات الألوهية التي مرجعها إلى الحياة والقيومية، فالحي من له الحياة
العظيمة الكاملة المستلزمة لجميع الصفات التي لا تتم ولا تكمل الحياة إلا
بها كالسمع والبصر والقدرة والقوة والعظمة والبقاء والدوام والعز الذي لا
يرام {
القيوم }
الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام بغيره فافتقرت إليه جميع
مخلوقاته في الإيجاد والإعداد والإمداد، فهو الذي قام بتدبير الخلائق
وتصريفهم، تدبير للأجسام وللقلوب والأرواح.

ومن قيامه تعالى بعباده
ورحمته بهم أن نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب، الذي هو أجل
الكتب وأعظمها المشتمل على الحق في إخباره وأوامره ونواهيه، فما أخبر به
صدق، وما حكم به فهو العدل، وأنزله بالحق ليقوم الخلق بعبادة ربهم ويتعلموا
كتابه {
مصدقا لما بين يديه }
من الكتب السابقة، فهو المزكي لها، فما شهد له فهو المقبول، وما رده فهو
المردود، وهو المطابق لها في جميع المطالب التي اتفق عليها المرسلون، وهي
شاهدة له بالصدق، فأهل الكتاب لا يمكنهم التصديق بكتبهم إن لم يؤمنوا به،
فإن كفرهم به ينقض إيمانهم بكتبهم، ثم قال تعالى {
وأنزل التوراة } أي: على موسى { والإنجيل } على عيسى.

{ من قبل } إنزال القرآن { هدى للناس }
الظاهر أن هذا راجع لكل ما تقدم، أي: أنزل الله القرآن والتوراة والإنجيل
هدى للناس من الضلال، فمن قبل هدى الله فهو المهتدي، ومن لم يقبل ذلك بقي
على ضلاله {
وأنزل الفرقان }
أي: الحجج والبينات والبراهين القاطعات الدالة على جميع المقاصد والمطالب،
وكذلك فصل وفسر ما يحتاج إليه الخلق حتى بقيت الأحكام جلية ظاهرة، فلم يبق
لأحد عذر ولا حجة لمن لم يؤمن به وبآياته، فلهذا قال {
إن الذين كفروا بآيات الله } أي: بعد ما بينها ووضحها وأزاح العلل { لهم عذاب شديد } لا يقدر قدره ولا يدرك وصفه { والله عزيز } أي: قوي لا يعجزه شيء { ذو انتقام } ممن عصاه.

{ إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء }
وهذا فيه تقرير إحاطة علمه بالمعلومات كلها، جليها وخفيها، ظاهرها
وباطنها، ومن جملة ذلك الأجنة في البطون التي لا يدركها بصر المخلوقين، ولا
ينالها علمهم، وهو تعالى يدبرها بألطف تدبير، ويقدرها بكل تقدير، فلهذا
قال {
هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء }

{ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } من كامل الخلق وناقصه، وحسن وقبيح، وذكر وأنثى { لا إله إلا هو العزيز الحكيم }
تضمنت هذه الآيات تقرير إلهية الله وتعينها، وإبطال إلهية ما سواه، وفي
ضمن ذلك رد على النصارى الذين يزعمون إلهية عيسى ابن مريم عليه السلام،
وتضمنت إثبات حياته الكاملة وقيوميته التامة، المتضمنتين جميع الصفات
المقدسة كما تقدم، وإثبات الشرائع الكبار، وأنها رحمة وهداية للناس، وتقسيم
الناس إلى مهتد وغيره، وعقوبة من لم يهتد بها، وتقرير سعة علم الباري
ونفوذ مشيئته وحكمته.

{ 7 - 9 } {
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ
هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ
الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا
اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ
عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا
لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ
رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ
لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
}

القرآن العظيم كله محكم كما قال تعالى { كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } فهو مشتمل على غاية الإتقان والإحكام والعدل والإحسان { ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون }
وكله متشابه في الحسن والبلاغة وتصديق بعضه لبعضه ومطابقته لفظا ومعنى،
وأما الإحكام والتشابه المذكور في هذه الآية فإن القرآن كما ذكره الله {
منه آيات محكمات } أي: واضحات الدلالة، ليس فيها شبهة ولا إشكال { هن أم الكتاب } أي: أصله الذي يرجع إليه كل متشابه، وهي معظمه وأكثره، { و } منه آيات { أخر متشابهات }
أي: يلتبس معناها على كثير من الأذهان: لكون دلالتها مجملة، أو يتبادر إلى
بعض الأفهام غير المراد منها، فالحاصل أن منها آيات بينة واضحة لكل أحد،
وهي الأكثر التي يرجع إليها، ومنه آيات تشكل على بعض الناس، فالواجب في هذا
أن يرد المتشابه إلى المحكم والخفي إلى الجلي، فبهذه الطريق يصدق بعضه
بعضا ولا يحصل فيه مناقضة ولا معارضة، ولكن الناس انقسموا إلى فرقتين {
فأما الذين في قلوبهم زيغ } أي: ميل عن الاستقامة بأن فسدت مقاصدهم، وصار قصدهم الغي والضلال وانحرفت قلوبهم عن طريق الهدى والرشاد { فيتبعون ما تشابه منه } أي: يتركون المحكم الواضح ويذهبون إلى المتشابه، ويعكسون الأمر فيحملون المحكم على المتشابه { ابتغاء الفتنة }
لمن يدعونهم لقولهم، فإن المتشابه تحصل به الفتنة بسبب الاشتباه الواقع
فيه، وإلا فالمحكم الصريح ليس محلا للفتنة، لوضوح الحق فيه لمن قصده
اتباعه، وقوله {
وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله } للمفسرين في الوقوف على { الله } من قوله { وما يعلم تأويله إلا الله } قولان، جمهورهم يقفون عندها، وبعضهم يعطف عليها { والراسخون في العلم } وذلك كله محتمل، فإن التأويل إن أريد به علم حقيقة الشيء وكنهه كان الصواب الوقوف على { إلا الله }
لأن المتشابه الذي استأثر الله بعلم كنهه وحقيقته، نحو حقائق صفات الله
وكيفيتها، وحقائق أوصاف ما يكون في اليوم الآخر ونحو ذلك، فهذه لا يعلمها
إلا الله، ولا يجوز التعرض للوقوف عليها، لأنه تعرض لما لا يمكن معرفته،
كما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله {
الرحمن على العرش [استوى ] }
فقال السائل: كيف استوى؟ فقال مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول،
والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فهكذا يقال في سائر الصفات لمن سأل عن
كيفيتها أن يقال كما قال الإمام مالك، تلك الصفة معلومة، وكيفيتها مجهولة،
والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة، وقد أخبرنا الله بها ولم يخبرنا
بكيفيتها، فيجب علينا الوقوف على ما حد لنا، فأهل الزيغ يتبعون هذه الأمور
المشتبهات تعرضا لما لا يعني، وتكلفا لما لا سبيل لهم إلى علمه، لأنه لا
يعلمها إلا الله، وأما الراسخون في العلم فيؤمنون بها ويكلون المعنى إلى
الله فيسلمون ويسلمون، وإن أريد بالتأويل التفسير والكشف والإيضاح، كان
الصواب عطف {
الراسخون } على { الله }
فيكون الله قد أخبر أن تفسير المتشابه ورده إلى المحكم وإزالة ما فيه من
الشبهة لا يعلمها إلا هو تعالى والراسخون في العلم يعلمون أيضا، فيؤمنون
بها ويردونها للمحكم ويقولون {
كل } من المحكم والمتشابه { من عند ربنا }
وما كان من عنده فليس فيه تعارض ولا تناقض بل هو متفق يصدق بعضه بعضا
ويشهد بعضه لبعض وفيه تنبيه على الأصل الكبير، وهو أنهم إذا علموا أن
جميعه من عند الله، وأشكل عليهم مجمل المتشابه، علموا يقينا أنه مردود إلى
المحكم، وإن لم يفهموا وجه ذلك. ولما رغب تعالى في التسليم والإيمان
بأحكامه وزجر عن اتباع المتشابه قال {
وما يذكر } أي: يتعظ بمواعظ الله ويقبل نصحه وتعليمه إلا { أولوا الألباب }
أي: أهل العقول الرزينة لب العالم وخلاصة بني آدم يصل التذكير إلى عقولهم،
فيتذكرون ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه، وأما من عداهم فهم
القشور الذي لا حاصل له ولا نتيجة تحته، لا ينفعهم الزجر والتذكير لخلوهم
من العقول النافعة.

ثم أخبر تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يدعون ويقولون { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } أي: لا تملها عن الحق جهلا وعنادا منا، بل اجعلنا مستقيمين هادين مهتدين، فثبتنا على هدايتك وعافنا مما ابتليت به الزائغين { وهب لنا من لدنك رحمة } أي: عظيمة توفقنا بها للخيرات وتعصمنا بها من المنكرات { إنك أنت الوهاب } أي: واسع العطايا والهبات، كثير الإحسان الذي عم جودك جميع البريات.
{ ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إنك لا تخلف الميعاد }
فمجازيهم بأعمالهم حسنها وسيئها، وقد أثنى الله تعالى على الراسخين في
العلم بسبع صفات هي عنوان سعادة العبد: إحداها: العلم الذي هو الطريق
الموصل إلى الله، المبين لأحكامه وشرائعه، الثانية: الرسوخ في العلم وهذا
قدر زائد على مجرد العلم، فإن الراسخ في العلم يقتضي أن يكون عالما محققا،
وعارفا مدققا، قد علمه الله ظاهر العلم وباطنه، فرسخ قدمه في أسرار الشريعة
علما وحالا وعملا، الثالثة: أنه وصفهم بالإيمان بجميع كتابه ورد لمتشابهه
إلى محكمه، بقوله {
يقولون آمنا به كل من عند ربنا }
الرابعة: أنهم سألوا الله العفو والعافية مما ابتلي به الزائغون
المنحرفون، الخامسة: اعترافهم بمنة الله عليهم بالهداية وذلك قوله {
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا }
السادسة: أنهم مع هذا سألوه رحمته المتضمنة حصول كل خير واندفاع كل شر،
وتوسلوا إليه باسمه الوهاب، السابعة: أنه أخبر عن إيمانهم وإيقانهم بيوم
القيامة وخوفهم منه، وهذا هو الموجب للعمل الرادع عن الزلل، ثم قال تعالى:

{ 10 -
13 } { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ
وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ
النَّارِ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ
الْعِقَابِ * قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى
جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ
الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ
يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ
بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي
الْأَبْصَارِ }

يخبر تعالى أن الكفار به
وبرسله، الجاحدين بدينه وكتابه، قد استحقوا العقاب وشدة العذاب بكفرهم
وذنوبهم وأنه لا يغني عنهم مالهم ولا أولادهم شيئا، وإن كانوا في الدنيا
يستدفعون بذلك النكبات التي ترد عليهم، ويقولون
{ نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين } فيوم القيامة يبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون { وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن } وليس للأولاد والأموال قدر عند الله، إنما ينفع العبد إيمانه بالله وأعماله الصالحة، كما قال تعالى { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون }
وأخبر هنا أن الكفار هم وقود النار، أي: حطبها، الملازمون لها دائما أبدا،
وهذه الحال التي ذكر الله تعالى أنها لا تغني الأموال والأولاد عن الكفار
شيئا، سنته الجارية في الأمم السابقة.‏

كما جرى لفرعون ومن قبله
ومن بعدهم من الفراعنة العتاة الطغاة أرباب الأموال والجنود لما كذبوا
بآيات الله وجحدوا ما جاءت به الرسل وعاندوا، أخذهم الله بذنوبهم عدلا منه
لا ظلما والله شديد العقاب على من أتى بأسباب العقاب وهو الكفر والذنوب على
اختلاف أنواعها وتعدد مراتبها

ثم قال تعالى { قل } يا محمد { للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد }
وفي هذا إشارة للمؤمنين بالنصر والغلبة وتحذير للكفار، وقد وقع كما أخبر
تعالى، فنصر الله المؤمنين على أعدائهم من كفار المشركين واليهود والنصارى،
وسيفعل هذا تعالى بعباده وجنده المؤمنين إلى يوم القيامة، ففي هذا عبرة
وآية من آيات القرآن المشاهدة بالحس والعيان، وأخبر تعالى أن الكفار مع
أنهم مغلوبون في الدار أنهم محشورون ومجموعون يوم القيامة لدار البوار،
وهذا هو الذي مهدوه لأنفسهم فبئس المهاد مهادهم، وبئس الجزاء جزاؤهم.

{ قد كان لكم آية } أي: عبرة عظيمة { في فئتين التقتا } وهذا يوم بدر { فئة تقاتل في سبيل الله } وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه { وأخرى كافرة }
أي: كفار قريش الذين خرجوا من ديارهم بطرا وفخرا ورئاء الناس، ويصدون عن
سبيل الله، فجمع الله بين الطائفتين في بدر، وكان المشركون أضعاف المؤمنين،
فلهذا قال
{ يرونهم مثليهم رأي العين } أي: يرى المؤمنون الكافرين يزيدون عليها زيادة كثيرة، تبلغ المضاعفة وتزيد عليها، وأكد هذا بقوله { رأي العين }
فنصر الله المؤمنين وأيدهم بنصره فهزموهم، وقتلوا صناديدهم، وأسروا كثيرا
منهم، وما ذاك إلا لأن الله ناصر من نصره، وخاذل من كفر به، ففي هذا عبرة
لأولي الأبصار، أي: أصحاب البصائر النافذة والعقول الكاملة، على أن الطائفة
المنصورة معها الحق، والأخرى مبطلة، وإلا فلو نظر الناظر إلى مجرد الأسباب
الظاهرة والعدد والعدد لجزم بأن غلبة هذه الفئة القليلة لتلك الفئة
الكثيرة من أنواع المحالات، ولكن وراء هذا السبب المشاهد بالأبصار سبب أعظم
منه لا يدركه إلا أهل البصائر والإيمان بالله والتوكل على الله والثقة
بكفايته، وهو نصره وإعزازه لعباده المؤمنين على أعدائه الكافرين.

{ 14 -
17 } { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ
وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ
أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ
رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ
بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ
لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ
وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ
بِالْأَسْحَارِ }

يخبر تعالى أنه زين للناس حب الشهوات الدنيوية، وخص هذه الأمور المذكورة لأنها أعظم شهوات الدنيا وغيرها تبع لها، قال تعالى { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها }
فلما زينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات، تعلقت بها
نفوسهم ومالت إليها قلوبهم، وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين: قسم: جعلوها
هي المقصود، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها،
فشغلتهم عما خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها
ويتناولون شهواتها، ولا يبالون على أي: وجه حصلوها، ولا فيما أنفقوها
وصرفوها، فهؤلاء كانت زادا لهم إلى دار الشقاء والعناء والعذاب، والقسم
الثاني: عرفوا المقصود منها وأن الله جعلها ابتلاء وامتحانا لعباده، ليعلم
من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة لهم وطريقا يتزودن
منها لآخرتهم ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته،
قد صحبوها بأبدانهم وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها كما قال الله فيها
{ ذلك متاع الحياة الدنيا }
فجعلوها معبرا إلى الدار الآخرة ومتجرا يرجون بها الفوائد الفاخرة، فهؤلاء
صارت لهم زادا إلى ربهم. وفي هذه الآية تسلية للفقراء الذين لا قدرة لهم
على هذه الشهوات التي يقدر عليها الأغنياء، وتحذير للمغترين بها وتزهيد
لأهل العقول النيرة بها، وتمام ذلك أن الله تعالى أخبر بعدها عن دار القرار
ومصير المتقين الأبرار، وأخبر أنها خير من ذلكم المذكور، ألا وهي الجنات
العاليات ذات المنازل الأنيقة والغرف العالية، والأشجار المتنوعة المثمرة
بأنواع الثمار، والأنهار الجارية على حسب مرادهم والأزواج المطهرة من كل
قذر ودنس وعيب ظاهر وباطن، مع الخلود الدائم الذي به تمام النعيم، مع
الرضوان من الله الذي هو أكبر نعيم، فقس هذه الدار الجليلة بتلك الدار
الحقيرة، ثم اختر لنفسك أحسنهما واعرض على قلبك المفاضلة بينهما
{ والله بصير بالعباد }
أي: عالم بما فيهم من الأوصاف الحسنة والأوصاف القبيحة، وما هو اللائق
بأحوالهم، يوفق من شاء منهم ويخذل من شاء. فالجنة التي ذكر الله وصفها
ونعتها بأكمل نعت وصف أيضا المستحقين لها وهم الذين اتقوه بفعل ما أمر به
وترك ما نهى عنه، وكان من دعائهم أن قالوا:

(16 - 17) { ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار } توسلوا بمنة الله عليهم بتوفيقهم للإيمان أن يغفر لهم ذنوبهم ويقيهم شر آثارها وهو عذاب النار، ثم فصل أوصاف التقوى.
فقال { الصابرين } أنفسهم على ما يحبه الله من طاعته، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة، { والصادقين } في إيمانهم وأقوالهم وأحوالهم { والمنفقين } مما رزقهم الله بأنواع النفقات على المحاويج من الأقارب وغيرهم { والمستغفرين بالأسحار }
لما بين صفاتهم الحميدة ذكر احتقارهم لأنفسهم وأنهم لا يرون لأنفسهم، حالا
ولا مقاما، بل يرون أنفسهم مذنبين مقصرين فيستغفرون ربهم، ويتوقعون أوقات
الإجابة وهي السحر، قال الحسن: مدوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا يستغفرون
ربهم. فتضمنت هذه الآيات حالة الناس في الدنيا وأنها متاع ينقضي، ثم وصف
الجنة وما فيها من النعيم وفاضل بينهما، وفضل الآخرة على الدنيا تنبيها على
أنه يجب إيثارها والعمل لها، ووصف أهل الجنة وهم المتقون، ثم فصل خصال
التقوى، فبهذه الخصال يزن العبد نفسه، هل هو من أهل الجنة أم لا؟




{
18 - 20 } { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ
الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ
بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ
بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ
فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا
فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }
هذا
تقرير من الله تعالى للتوحيد بأعظم الطرق الموجبة له، وهي شهادته تعالى
وشهادة خواص الخلق وهم الملائكة وأهل العلم، أما شهادته تعالى فيما أقامه
من الحجج والبراهين القاطعة على توحيده، وأنه لا إله إلا هو، فنوع الأدلة
في الآفاق والأنفس على هذا الأصل العظيم، ولو لم يكن في ذلك إلا أنه ما قام
أحد بتوحيده إلا ونصره على المشرك الجاحد المنكر للتوحيد، وكذلك إنعامه
العظيم الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يدفع النقم إلا هو، والخلق
كلهم عاجزون عن المنافع والمضار لأنفسهم ولغيرهم، ففي هذا برهان قاطع على
وجوب التوحيد وبطلان الشرك، وأما شهادة الملائكة بذلك فنستفيدها بإخبار
الله لنا بذلك وإخبار رسله، وأما شهادة أهل العلم فلأنهم هم المرجع في جميع
الأمور الدينية خصوصا في أعظم الأمور وأجلها وأشرفها وهو التوحيد، فكلهم
من أولهم إلى آخرهم قد اتفقوا على ذلك ودعوا إليه وبينوا للناس الطرق
الموصلة إليه، فوجب على الخلق التزام هذا الأمر المشهود عليه والعمل به،
وفي هذا دليل على أن أشرف الأمور علم التوحيد لأن الله شهد به بنفسه وأشهد
عليه خواص خلقه، والشهادة لا تكون إلا عن علم ويقين، بمنزلة المشاهدة
للبصر، ففيه دليل على أن من لم يصل في علم التوحيد إلى هذه الحالة فليس من
أولي العلم. وفي هذه الآية دليل على شرف العلم من وجوه كثيرة، منها: أن
الله خصهم بالشهادة على أعظم مشهود عليه دون الناس، ومنها: أن الله قرن
شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وكفى بذلك فضلا، ومنها: أنه جعلهم أولي
العلم، فأضافهم إلى العلم، إذ هم القائمون به المتصفون بصفته، ومنها: أنه
تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس، وألزم الناس العمل بالأمر المشهود به،
فيكونون هم السبب في ذلك، فيكون كل من عمل بذلك نالهم من أجره، وذلك فضل
الله يؤتيه من يشاء، ومنها: أن إشهاده تعالى أهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم
وتعديلهم وأنهم أمناء على ما استرعاهم عليه، ولما قرر توحيده قرر عدله،
فقال:
{ قائمًا بالقسط }
أي: لم يزل متصفا بالقسط في أفعاله وتدبيره بين عباده، فهو على صراط
مستقيم في ما أمر به ونهى عنه، وفيما خلقه وقدره، ثم أعاد تقرير توحيده
فقال
{ لا إله إلا هو العزيز الحكيم }
واعلم أن هذا الأصل الذي هو توحيد الله وإفراده بالعبودية قد دلت عليه
الأدلة النقلية والأدلة العقلية، حتى صار لذوي البصائر أجلى من الشمس، فأما
الأدلة النقلية فكل ما في كتاب الله وسنة رسوله، من الأمر به وتقريره،
ومحبة أهله وبغض من لم يقم به وعقوباتهم، وذم الشرك وأهله، فهو من الأدلة
النقلية على ذلك، حتى كاد القرآن أن يكون كله أدلة عليه، وأما الأدلة
العقلية التي تدرك بمجرد فكر العقل وتصوره للأمور فقد أرشد القرآن إليها
ونبه على كثير منها، فمن أعظمها: الاعتراف بربوبية الله، فإن من عرف أنه هو
الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور أنتج له ذلك أنه هو المعبود الذي لا
تنبغي العبادة إلا له، ولما كان هذا من أوضح الأشياء وأعظمها أكثر الله
تعالى من الاستدلال به في كتابه. ومن الأدلة العقلية على أن الله هو الذي
يؤله دون غيره انفراده بالنعم ودفع النقم، فإن من عرف أن النعم الظاهرة
والباطنة القليلة والكثيرة كلها من الله، وأنه ما من نقمة ولا شدة ولا كربة
إلا وهو الذي ينفرد بدفعها وإن أحدا من الخلق لا يملك لنفسه - فضلا عن
غيره- جلب نعمة ولا دفع نقمة، تيقن أن عبودية ما سوى الله من أبطل الباطل
وأن العبودية لا تنبغي إلا لمن انفرد بجلب المصالح ودفع المضار، فلهذا أكثر
الله في كتابه من التنبيه على هذا الدليل جدا، ومن الأدلة العقلية أيضا
على ذلك: ما أخبر به تعالى عن المعبودات التي عبدت من دونه، بأنها لا تملك
نفعا ولا ضرا، ولا تنصر غيرها ولا تنصر نفسها، وسلبها الأسماع والأبصار،
وأنها على فرض سماعها لا تغني شيئا، وغير ذلك من الصفات الدالة على نقصها
غاية النقص، وما أخبر به عن نفسه العظيمة من الصفات الجليلة والأفعال
الجميلة، والقدرة والقهر، وغير ذلك من الصفات التي تعرف بالأدلة السمعية
والعقلية، فمن عرف ذلك حق المعرفة عرف أن العبادة لا تليق ولا تحسن إلا
بالرب العظيم الذي له الكمال كله، والمجد كله، والحمد كله، والقدرة كلها،
والكبرياء كلها، لا بالمخلوقات المدبرات الناقصات الصم البكم الذين لا
يعقلون، ومن الأدلة العقلية على ذلك ما شاهده العباد بأبصارهم من قديم
الزمان وحديثه، من الإكرام لأهل التوحيد، والإهانة والعقوبة لأهل الشرك،
وما ذاك إلا لأن التوحيد جعله الله موصلا إلى كل خير دافعا لكل شر ديني
ودنيوي، وجعل الشرك به والكفر سببا للعقوبات الدينية والدنيوية، ولهذا إذا
ذكر تعالى قصص الرسل مع أمم المطيعين والعاصين، وأخبر عن عقوبات العاصين
ونجاة الرسل ومن تبعهم، قال عقب كل قصة:
{ إن في ذلك لآية }
أي: لعبرة يعتبر بها المعتبرون فيعلمون أن توحيده هو الموجب للنجاة، وتركه
هو الموجب للهلاك، فهذه من الأدلة الكبار العقلية النقلية الدالة على هذا
الأصل العظيم، وقد أكثر الله منها في كتابه وصرفها ونوعها ليحيى من حي عن
بينة، ويهلك من هلك عن بينة فله الحمد والشكر والثناء.

ولما قرر أنه الإله الحق
المعبود، بين العبادة والدين الذي يتعين أن يعبد به ويدان له، وهو الإسلام
الذي هو الاستسلام لله بتوحيده وطاعته التي دعت إليها رسله، وحثت عليها
كتبه، وهو الذي لا يقبل من أحد دين سواه، وهو متضمن للإخلاص له في الحب
والخوف والرجاء والإنابة والدعاء ومتابعة رسوله في ذلك، وهذا هو دين الرسل
كلهم، وكل من تابعهم فهو على طريقهم، وإنما اختلف أهل الكتاب بعد ما جاءتهم
كتبهم تحثهم على الاجتماع على دين الله، بغيا بينهم، وظلما وعدوانا من
أنفسهم، وإلا فقد جاءهم السبب الأكبر الموجب أن يتبعوا الحق ويتركوا
الاختلاف، وهذا من كفرهم، فلهذا قال تعالى
{ وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب }
فيجازي كل عامل بعمله، وخصوصا من ترك الحق بعد معرفته، فهذا مستحق للوعيد
الشديد والعقاب الأليم، ثم أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عند محاجة
النصارى وغيرهم ممن يفضل غير دين الإسلام

عليه أن يقول لهم: قد { أسلمت وجهي لله ومن اتبعن }
أي: أنا ومن اتبعني قد أقررنا وشهدنا وأسلمنا وجوهنا لربنا، وتركنا ما سوى
دين الإسلام، وجزمنا ببطلانه، ففي هذا تأييس لمن طمع فيكم، وتجديد لدينكم
عند ورود الشبهات، وحجة على من اشتبه عليه الأمر، لأنه قد تقدم أن الله
استشهد على توحيده بأهل العلم من عباده ليكونوا حجة على غيرهم، وسيد أهل
العلم وأفضلهم وأعلمهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم من بعده
أتباعه على اختلاف مراتبهم وتفاوت درجاتهم، فلهم من العلم الصحيح والعقل
الرجيح ما ليس لأحد من الخلق ما يساويهم أو يقاربهم، فإذا ثبت وتقرر توحيد
الله ودينه بأدلته الظاهرة، وقام به أكمل الخلق وأعلمهم، حصل بذلك اليقين
وانتفى كل شك وريب وقادح، وعرف أن ما سواه من الأديان باطلة، فلهذا قال
{ وقل للذين أوتوا الكتاب } من النصارى واليهود { والأميين } مشركي العرب وغيرهم { أأسلمتم فإن أسلموا } أي: بمثل ما أمنتم به { فقد اهتدوا } كما اهتديتم وصاروا إخوانكم، لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم { وإن تولوا } عن الإسلام ورضوا بالأديان التي تخالفه { فإنما عليك البلاغ } فقد وجب أجرك على ربك، وقامت عليهم الحجة، ولم يبق بعد هذا إلا مجازاتهم بالعقاب على جرمهم، فلهذا قال { والله بصير بالعباد }




{
21 - 22 } { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ
النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ
بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ
الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا
لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }
هؤلاء
الذين أخبر الله عنهم في هذه الآية، أشد الناس جرما وأي: جرم أعظم من
الكفر بآيات الله التي تدل دلالة قاطعة على الحق الذي من كفر بها فهو في
غاية الكفر والعناد ويقتلون أنبياء الله الذين حقهم أوجب الحقوق على العباد
بعد حق الله، الذين أوجب الله طاعتهم والإيمان بهم، وتعزيرهم، وتوقيرهم،
ونصرهم وهؤلاء قابلوهم بضد ذلك، ويقتلون أيضا الذين يأمرون الناس بالقسط
الذي هو العدل، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي حقيقته إحسان إلى
المأمور ونصح له، فقابلوهم شر مقابلة، فاستحقوا بهذه الجنايات المنكرات
أشد العقوبات، وهو العذاب المؤلم البالغ في الشدة إلى غاية لا يمكن وصفها،
ولا يقدر قدرها المؤلم للأبدان والقلوب والأرواح.

وبطلت أعمالهم بما كسبت
أيديهم، وما لهم أحد ينصرهم من عذاب الله ولا يدفع عنهم من نقمته مثقال
ذرة، بل قد أيسوا من كل خير، وحصل لهم كل شر وضير، وهذه الحالة صفة اليهود
ونحوهم، قبحهم الله ما أجرأهم على الله وعلى أنبيائه وعباده الصالحين.

{ 23 -
25 } { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ
يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى
فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ
تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي
دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ
لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ
لَا يُظْلَمُونَ }

يخبر تعالى عن حال أهل
الكتاب الذين أنعم الله عليهم بكتابه، فكان يجب أن يكونوا أقوم الناس به
وأسرعهم انقيادا لأحكامه، فأخبر الله عنهم أنهم إذا دعوا إلى حكم الكتاب
تولى فريق منهم وهم يعرضون، تولوا بأبدانهم، وأعرضوا بقلوبهم، وهذا غاية
الذم، وفي ضمنها التحذير لنا أن نفعل كفعلهم، فيصيبنا من الذم والعقاب ما
أصابهم، بل الواجب على كل أحد إذا دعي إلى كتاب الله أن يسمع ويطيع وينقاد،
كما قال تعالى
{ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا } والسبب الذي غر أهل الكتاب بتجرئهم على معاصي الله هو قولهم { لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون }

افتروا هذا القول فظنوه
حقيقة فعملوا على ذلك ولم ينزجروا عن المحارم، لأن أنفسهم منتهم وغرتهم أن
مآلهم إلى الجنة، وكذبوا في ذلك، فإن هذا مجرد كذب وافتراء، وإنما مآلهم شر
مآل، وعاقبتهم عاقبة وخيمة، فلهذا قال تعالى
{ فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه }

أي: كيف يكون حالهم
ووخيم ما يقدمون عليه، حالة لا يمكن وصفها ولا يتصور قبحها لأن ذلك اليوم
يوم توفية النفوس ما كسبت ومجازاتها بالعدل لا بالظلم، وقد علم أن ذلك على
قدر الأعمال، وقد تقدم من أعمالهم ما يبين أنهم من أشد الناس عذابا.


{ 26 - 27 }
{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ
وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ
مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ
وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ
وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل اللهم مالك الملك }
أي: أنت الملك المالك لجميع الممالك، فصفة الملك المطلق لك، والمملكة كلها
علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك، ثم فصل بعض التصاريف التي
انفرد الباري تعالى بها، فقال:
{ تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء }
وفيه الإشارة إلى أن الله تعالى سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة ومن
تبعهم ويؤتيه أمة محمد، وقد فعل ولله الحمد، فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة
الله تعالى، ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية
والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله، فإنها كلها بمشيئة
الله لا يوجد سبب يستقل بشيء، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر، ومن
الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح، التي
منها اجتماع المسلمين واتفاقهم، وإعدادهم الآلات التي يقدروا عليها والصبر
وعدم التنازع، قال الله تعالى:
{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } الآية فأخبر أن الإيمان والعمل الصالح سبب للاستخلاف المذكور، وقال تعالى: { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم } الآية وقال تعالى: {
يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم
تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن
الله مع الصابرين }
فأخبر أن
ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب للنصر على الأعداء، وأنت
إذا استقرأت الدول الإسلامية وجدت السبب الأعظم في زوال ملكها ترك الدين
والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء وجعل بأسهم بينهم، ثم قال تعالى:
{ وتعز من تشاء } بطاعتك { وتذل من تشاء } بمعصيتك { إنك على كل شيء قدير } لا يمتنع عليك أمر من الأمور بل الأشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك
{ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل }
أي: تدخل هذا على هذا، وهذا على هذا، فينشأ عن ذلك من الفصول والضياء
والنور والشمس والظل والسكون والانتشار، ما هو من أكبر الأدلة على قدرة
الله وعظمته وحكمته ورحمته
{ وتخرج الحي من الميت } كالفرخ من البيضة، وكالشجر من النوى، وكالزرع من بذره، وكالمؤمن من الكافر { وتخرج الميت من الحي }
كالبيضة من الطائر وكالنوى من الشجر، وكالحب من الزرع، وكالكافر من
المؤمن، وهذا أعظم دليل على قدرة الله، وأن جميع الأشياء مسخرة مدبرة لا
تملك من التدبير شيئا، فخلقه تعالى الأضداد، والضد من ضده بيان أنها مقهورة
{ وترزق من تشاء بغير حساب } أي: ترزق من تشاء رزقا واسعا من حيث لا يحتسب ولا يكتسب، ثم قال تعالى:
{ 28 - 30 } { لَا
يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ
وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ * قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ
تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ
نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ
تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ
اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }

وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن موالاة الكافرين بالمحبة والنصرة والاستعانة بهم على أمر من أمور المسلمين، وتوعد على ذلك فقال: { ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء }
أي: فقد انقطع عن الله، وليس له في دين الله نصيب، لأن موالاة الكافرين لا
تجتمع مع الإيمان، لأن الإيمان يأمر بموالاة الله وموالاة أوليائه
المؤمنين المتعاونين على إقامة دين الله وجهاد أعدائه، قال تعالى:
{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض }
فمن والى - الكافرين من دون المؤمنين الذين يريدون أن يطفؤا نور الله
ويفتنوا أولياءه خرج من حزب المؤمنين، وصار من حزب الكافرين، قال تعالى:
{ ومن يتولهم منكم فإنه منهم }
وفي هذه الآية دليل على الابتعاد عن الكفار وعن معاشرتهم وصداقتهم، والميل
إليهم والركون إليهم، وأنه لا يجوز أن يولى كافر ولاية من ولايات
المسلمين، ولا يستعان به على الأمور التي هي مصالح لعموم المسلمين. قال
الله تعالى:
{ إلا أن تتقوا منهم تقاة }
أي: تخافوهم على أنفسكم فيحل لكم أن تفعلوا ما تعصمون به دماءكم من التقية باللسان وإظهار ما به تحصل التقية. ثم قال تعالى: { ويحذركم الله نفسه } أي: فلا تتعرضوا لسخطه بارتكاب معاصيه فيعاقبكم على ذلك { وإلى الله المصير }
أي: مرجع العباد ليوم التناد، فيحصي أعمالهم ويحاسبهم عليها ويجازيهم،
فإياكم أن تفعلوا من الأعمال القباح ما تستحقون به العقوبة، واعملوا ما به
يحصل الأجر والمثوبة، ثم أخبر عن سعة علمه لما في النفوس خصوصا، ولما في
السماء والأرض عموما، وعن كمال قدرته، ففيه إرشاد إلى تطهير القلوب
وا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الإثنين أبريل 29, 2013 12:27 pm



{
42 - 44 } { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ
اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا
مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ *
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ
لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ
وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }
ينوه تعالى بفضيلة مريم وعلو قدرها، وأن الملائكة خاطبتها بذلك فقالت { يا مريم إن الله اصطفاك } أي: اختارك { وطهّرك } من الآفات المنقصة { واصطفاك على نساء العالمين }
الاصطفاء الأول يرجع إلى الصفات الحميدة والأفعال السديدة، والاصطفاء
الثاني يرجع إلى تفضيلها على سائر نساء العالمين، إما على عالمي زمانها، أو
مطلقا، وإن شاركها أفراد من النساء في ذلك كخديجة وعائشة وفاطمة، لم يناف
الاصطفاء المذكور، فلما أخبرتها الملائكة باصطفاء الله إياها وتطهيرها، كان
في هذا من النعمة العظيمة والمنحة الجسيمة ما يوجب لها القيام بشكرها،
فلهذا قالت لها الملائكة:
{ يا مريم اقنتي لربك }
{ اقنتي لربك } القنوت دوام الطاعة في خضوع وخشوع، { واسجدي واركعي مع الراكعين }
خص السجود والركوع لفضلهما ودلالتهما على غاية الخضوع لله، ففعلت مريم، ما
أمرت به شكرا لله تعالى وطاعة، ولما أخبر الله نبيه بما أخبر به عن مريم،
وكيف تنقلت بها الأحوال التي قيضها الله لها، وكان هذا من الأمور الغيبية
التي لا تعلم إلا بالوحي.

قال { ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم } أي: عندهم { إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم }
لما ذهبت بها أمها إلى من لهم الأمر على بيت المقدس، فتشاحوا وتخاصموا
أيهم يكفل مريم، واقترعوا عليها بأن ألقوا أقلامهم في النهر، فأيهم لم يجر
قلمه مع الماء فله كفالتها، فوقع ذلك لزكريا نبيهم وأفضلهم، فلما
أَخْبَرتَهُم يا محمد بهذه الأخبار التي لا علم لك ولا لقومك بها دل على
أنك صادق وأنك رسول الله حقا، فوجب عليهم الانقياد لك وامتثال أوامرك، كما
قال تعالى:
{ وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر } الآيات.
{ 45 - 58 } { إِذْ
قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ
مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي
الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ
لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا
يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ *
وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ
رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ
فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ
الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ
وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا
لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ
الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ
فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى
مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ
الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ
بِأَنَّا مُسْلِمُونَ *رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا
الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ
وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي
مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا
كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا
لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ
الْحَكِيمِ }

يخبر تعالى أن الملائكة بشرت مريم عليها
السلام بأعظم بشارة، وهو كلمة الله عبده ورسوله عيسى ابن مريم، سمي كلمة
الله لأنه كان بالكلمة من الله، لأن حالته خارجة عن الأسباب، وجعله الله من
آياته وعجائب مخلوقاته، فأرسل الله جبريل عليه السلام إلى مريم، فنفخ في
جيب درعها فولجت فيها تلك النفخة الذكية من ذلك الملك الزكي، فأنشأ الله
منها تلك الروح الزكية، فكان روحانيا نشأ من مادة روحانية، فلهذا سمى روح
الله
{ وجيها في الدنيا والآخرة }
أي: له الوجاهة العظيمة في الدنيا، جعله الله أحد أولي العزم من المرسلين
أصحاب الشرائع الكبار والأتباع، ونشر الله له من الذكر ما ملأ ما بين
المشرق والمغرب، وفي الآخرة وجيها عند الله يشفع أسوة إخوانه من النبيين
والمرسلين، ويظهر فضله على أكثر العالمين، فلهذا كان من المقربين إلى الله،
أقرب الخلق إلى ربهم، بل هو عليه السلام من سادات المقربين.

{ ويكلم الناس فى المهد وكهلا }
وهذا غير التكليم المعتاد، بل المراد يكلم الناس بما فيه صلاحهم وفلاحهم،
وهو تكليم المرسلين، ففي هذا إرساله ودعوته الخلق إلى ربهم، وفي تكليمهم في
المهد آية عظيمة من آيات الله ينتفع بها المؤمنون، وتكون حجة على
المعاندين، أنه رسول رب العالمين، وأنه عبد الله، وليكون نعمة وبراءة
لوالدته مما رميت به
{ ومن الصالحين } أي: يمن عليه بالصلاح، من من عليهم، ويدخله في جملتهم، وفي هذا عدة بشارات لمريم مع ما تضمن من التنويه بذكر المسيح عليه السلام.
{ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر } والولد في العادة لا يكون إلا من مس البشر، وهذا استغراب منها، لا شك في قدرة الله تعالى: { قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون }
فأخبرها أن هذا أمر خارق للعادة، خلقه من يقول لكل أمر أراده: كن فيكون،
فمن تيقن ذلك زال عنه الاستغراب والتعجب، ومن حكمة الباري تعالى أن تدرج
بأخبار العباد من الغريب إلى ما هو أغرب منه، فذكر وجود يحيى بن زكريا بين
أبوين أحدهما كبير والآخر عاقر، ثم ذكر أغرب من ذلك وأعجب، وهو وجود عيسى
عليه السلام من أم بلا أب ليدل عباده أنه الفعال لما يريد وأنه ما شاء كان
وما لم يشاء لم يكن.

ثم أخبر تعالى عن منته العظيمة على عبده ورسوله عيسى عليه السلام، فقال { ويعلمه الكتاب }
يحتمل أن يكون المراد جنس الكتاب، فيكون ذكر التوراة والإنجيل تخصيصا
لهما، لشرفهما وفضلهما واحتوائهما على الأحكام والشرائع التي يحكم بها
أنبياء بني إسرائيل والتعليم، لذلك يدخل فيه تعليم ألفاظه ومعانيه، ويحتمل
أن يكون المراد بقوله
{ ويعلمه الكتاب } أي: الكتابة، لأن الكتابة من أعظم نعم الله على عباده ولهذا امتن تعالى على عباده بتعليمهم بالقلم في أول سورة أنزلها فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم }
والمراد بالحكمة معرفة أسرار الشرع، ووضع
الأشياء مواضعها، فيكون ذلك امتنانا على عيسى عليه السلام بتعليمه الكتابة
والعلم والحكمة، وهذا هو الكمال للإنسان في نفسه.

ثم ذكر له كمالا آخر وفضلا زائدا على ما أعطاه الله من الفضائل، فقال { ورسولا إلى بني إسرائيل }
فأرسله الله إلى هذا الشعب الفاضل الذين هم أفضل العالمين في زمانهم
يدعوهم إلى الله، وأقام له من الآيات ما دلهم أنه رسول الله حقا ونبيه صدقا
ولهذا قال
{ أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين } طيرا، أي: أصوره على شكل الطير { فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله } أي: طيرا له روح تطير بإذن الله { وأبرى الأكمه } وهو الذي يولد أعمى { والأبرص } بإذن الله { وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين }
وأي: آية أعظم من جعل الجماد حيوانا، وإبراء ذوي العاهات التي لا قدرة
للأطباء في معالجتها، وإحياء الموتى، والإخبار بالأمور الغيبية، فكل واحدة
من هذه الأمور آية عظيمة بمفردها، فكيف بها إذا اجتمعت وصدق بعضها بعضها؟
فإنها موجبة للإيقان وداعية للإيمان.

{ ومصدقا لما بين يدي من التوراة }
أي: أتيت بجنس ما جاءت به التوراة وما جاء به موسى عليه السلام، وعلامة
الصادق أن يكون خبره من جنس خبر الصادقين، يخبر بالصدق، ويأمر بالعدل من
غير تخالف ولا تناقض، بخلاف من ادعى دعوى كاذبة، خصوصا أعظم الدعاوى وهي
دعوى النبوة، فالكاذب فيها لابد أن يظهر لكل أحد كذب صاحبها وتناقضه
ومخالفته لأخبار الصادقين وموافقته لأخبار الكاذبين، هذا موجب السنن
الماضية والحكمة الإلهية والرحمة الربانية بعباده، إذ لا يشتبه الصادق
بالكاذب في دعوى النبوة أبدا، بخلاف بعض الأمور الجزئية، فإنه قد يشتبه
فيها الصادق بالكاذب، وأما النبوة فإنه يترتب عليها هداية الخلق أو ضلالهم
وسعادتهم وشقاؤهم، ومعلوم أن الصادق فيها من أكمل الخلق، والكاذب فيها من
أخس الخلق وأكذبهم وأظلمهم، فحكمة الله ورحمته بعباده أن يكون بينهما من
الفروق ما يتبين لكل من له عقل، ثم أخبر عيسى عليه السلام أن شريعة الإنجيل
شريعة فيها سهولة ويسرة فقال
{ ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } فدل ذلك على أن أكثر أحكام التوراة لم ينسخها الإنجيل بل كان متمما لها ومقررا { وجئتكم بآية من ربكم } تدل على صدقي ووجوب اتباعي، وهي ما تقدم من الآيات، والمقصود من ذلك كله قوله { فاتقوا الله } بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه وأطيعوني فإن طاعة الرسول طاعة لله.
{ إن الله ربي وربكم فاعبدوه }
استدل بتوحيد الربوبية الذي يقر به كل أحد على توحيد الإلهية الذي ينكره
المشركون، فكما أن الله هو الذي خلقنا ورزقنا وأنعم علينا نعما ظاهرة
وباطنة، فليكن هو معبودنا الذي نألهه بالحب والخوف والرجاء والدعاء
والاستعانة وجميع أنواع العبادة، وفي هذا رد على النصارى القائلين بأن عيسى
إله أو ابن الله، وهذا إقراره عليه السلام بأنه عبد مدبر مخلوق، كما قال
{ إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا } وقال تعالى: {
وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون
الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته }
إلى قوله { ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم } وقوله { هذا } أي: عبادة الله وتقواه وطاعة رسوله { صراط مستقيم } موصل إلى الله وإلى جنته، وما عدا ذلك فهي طرق موصلة إلى الجحيم.
{ فلما أحس عيسى منهم الكفر } أي: رأى منهم عدم الانقياد له، وقالوا هذا سحر مبين، وهموا بقتله وسعوا في ذلك { قال من أنصاري إلى الله } من يعاونني ويقوم معي بنصرة دين الله { قال الحواريون } وهم الأنصار { نحن أنصار الله } أي: انتدبوا معه وقاموا بذلك.
وقالوا: { آمنا بالله }{ فاكتبنا مع الشاهدين }
أي: الشهادة النافعة، وهي الشهادة بتوحيد الله وتصديق رسوله مع القيام
بذلك، فلما قاموا مع عيسى بنصر دين الله وإقامة شرعه آمنت طائفة من بني
إسرائيل وكفرت طائفة، فاقتتلت الطائفتان فأيد الله الذين آمنوا بنصره على
عدوهم فأصبحوا ظاهرين، فلهذا قال تعالى هنا
{ ومكروا } أي: الكفار بإرادة قتل نبي الله وإطفاء نوره { ومكر الله } بهم جزاء لهم على مكرهم { والله خير الماكرين } رد الله كيدهم في نحورهم، فانقلبوا خاسرين.
{ إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا }
فرفع الله عبده ورسوله عيسى إليه، وألقي شبهه على غيره، فأخذوا من ألقي
شبهه عليه فقتلوه وصلبوه، وباءوا بالإثم العظيم بنيتهم أنه رسول الله، قال
الله
{ وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم }
وفي هذه الآية دليل على علو الله تعالى واستوائه على عرشه حقيقة، كما دلت
على ذلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تلقاها أهل السنة بالقبول
والإيمان والتسليم، وكان الله عزيزا قويا قاهرا، ومن عزته أن كف بني
إسرائيل بعد عزمهم الجازم وعدم المانع لهم عن قتل عيسى عليه السلام، كما
قال تعالى
{ وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين } حكيم يضع الأشياء مواضعها، وله أعظم حكمة في إلقاء الشبه على بني إسرائيل، فوقعوا في الشبه كما قال تعالى { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا } ثم قال تعالى: { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة }
وتقدم أن الله أيد المؤمنين منهم على الكافرين، ثم إن النصارى المنتسبين
لعيسى عليه السلام لم يزالوا قاهرين لليهود لكون النصارى أقرب إلى اتباع
عيسى من اليهود، حتى بعث الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم فكان
المسلمون هم المتبعين لعيسى حقيقة، فأيدهم الله ونصرهم على اليهود والنصارى
وسائر الكفار، وإنما يحصل في بعض الأزمان إدالة الكفار من النصارى وغيرهم
على المسلمين، حكمة من الله وعقوبة على تركهم لاتباع الرسول صلى الله عليه
وسلم
{ ثم إلي مرجعكم } أي: مصير الخلائق كلها { فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون } كل يدعي أن الحق معه وأنه المصيب وغيره مخطئ، وهذا مجرد دعاوى تحتاج إلى برهان.
ثم أخبر عن حكمه بينهم بالقسط والعدل، فقال { فأما الذين كفروا } أي: بالله وآياته ورسله { فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة }
أما عذاب الدنيا، فهو ما أصابهم الله به من القوارع والعقوبات المشاهدة
والقتل والذل، وغير ذلك مما هو نموذج من عذاب الآخرة، وأما عذاب الآخرة فهو
الطامة الكبرى والمصيبة العظمى، ألا وهو عذاب النار وغضب الجبار وحرمانهم
ثواب الأبرار
{ وما لهم من ناصرين }
ينصرونهم من عذاب الله، لا من زعموا أنهم شفعاء لهم عند الله، ولا ما
اتخذوهم أولياء من دونه، ولا أصدقائهم وأقربائهم، ولا أنفسهم ينصرون.

{ وأما الذين آمنوا } بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وغير ذلك مما أمر الله بالإيمان به { وعملوا الصالحات } القلبية والقولية والبدنية التي جاءت بشرعها المرسلون، وقصدوا بها رضا رب العالمين { فيوفيهم أجورهم }
دل ذلك على أنه يحصل لهم في الدنيا ثواب لأعمالهم من الإكرام والإعزاز
والنصر والحياة الطيبة، وإنما توفية الأجور يوم القيامة، يجدون ما قدموه من
الخيرات محضرا موفرا، فيعطي منهم كل عامل أجر عمله ويزيدهم من فضله وكرمه
{ والله لا يحب الظالمين } بل يبغضهم ويحل عليهم سخطه وعذابه.
{ ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم }
وهذا منة عظيمة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته، حيث أنزل
عليهم هذا الذكر الحكيم، المحكم المتقن، المفصل للأحكام والحلال والحرام
وإخبار الأنبياء الأقدمين، وما أجرى الله على أيديهم من الآيات البينات
والمعجزات الباهرات، فهذا القرآن يقص علينا كل ما ينفعنا من الأخبار
والأحكام، فيحصل فيها العلم والعبرة وتثبيت الفؤاد ما هو من أعظم رحمة رب
العباد
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
HAMSALHB
المشرفة العامة
المشرفة العامة
HAMSALHB


انثى المشاركات : 33281
نقاط المساهمات : 72957
الشعبيه : 183
تاريخ التسجيل : 28/03/2010
الموقع : اسرة القلم
العمل/الترفيه : ان اكون معكم دائما
المزاج : الحمد الله دائما وابدا

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الثلاثاء أبريل 30, 2013 12:02 am

جزاكـ الله خــير
طرح مميـــــــز
لروحكـ نسائم الايمــان
بانتظــار جديدكـ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الإثنين مايو 06, 2013 7:19 pm

HAMSALHB كتب:

جزاكـ الله خــير
طرح مميـــــــز
لروحكـ نسائم الايمــان
بانتظــار جديدكـ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو النور الصالح
عضو ملكي
عضو ملكي
ابو النور الصالح


ذكر القوس الفأر
المشاركات : 7445
نقاط المساهمات : 11413
الشعبيه : 22
تاريخ التسجيل : 27/08/2012
العمر : 51

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأربعاء مايو 08, 2013 2:15 am

جهد مميز الله يعطيك العافيه


عدل سابقا من قبل غريب الروح في الإثنين مايو 13, 2013 9:16 pm عدل 1 مرات (السبب : تعطيل التوقيع)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الإثنين مايو 13, 2013 9:24 pm

ابو النور الصالح كتب:
جهد مميز الله يعطيك العافيه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
راشد الكاسر
مدير العلاقات العامة
مدير العلاقات العامة
راشد الكاسر


ذكر الثور الثور
المشاركات : 19882
نقاط المساهمات : 30950
الشعبيه : 51
تاريخ التسجيل : 27/02/2010
العمر : 50

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأربعاء مايو 22, 2013 10:05 am

جزاك الله كل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شمس المنتدى
المديرة التنفيذية
المديرة التنفيذية
شمس المنتدى


انثى العذراء القرد
المشاركات : 24337
نقاط المساهمات : 41147
الشعبيه : 124
تاريخ التسجيل : 27/11/2009
العمر : 43
الموقع : اسرة القلم
العمل/الترفيه : منتدانا الغالي
المزاج : اخر رواق

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الإثنين يونيو 10, 2013 7:47 am



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




عدل سابقا من قبل غريب الروح في الإثنين يوليو 08, 2013 4:38 pm عدل 1 مرات (السبب : تم تعطيل التوقيع)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأربعاء يونيو 26, 2013 7:43 pm

يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأربعاء يونيو 26, 2013 7:43 pm

يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الإثنين يوليو 08, 2013 4:39 pm

راشد الكاسر كتب:
جزاك الله كل خير

 

 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الإثنين يوليو 08, 2013 4:40 pm

شمس المنتدى كتب:


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



 

 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الإثنين يوليو 08, 2013 4:42 pm

قمر الزمان كتب:
يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الإثنين يوليو 08, 2013 4:42 pm

قمر الزمان كتب:
يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

 

 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو النور الصالح
عضو ملكي
عضو ملكي
ابو النور الصالح


ذكر القوس الفأر
المشاركات : 7445
نقاط المساهمات : 11413
الشعبيه : 22
تاريخ التسجيل : 27/08/2012
العمر : 51

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأربعاء يوليو 17, 2013 7:01 pm

بوح رائع وذوق ساطع استمر العطاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شلال الحب
القلم الفضي
القلم الفضي
شلال الحب


ذكر الاسد الماعز
المشاركات : 11306
نقاط المساهمات : 17061
الشعبيه : 16
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 20
الموقع : اسرة القلم
العمل/الترفيه : اســــــــــرة الـــــــــــــــــــــــــــقلــــــــــــم
المزاج : بجنن

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الجمعة يوليو 26, 2013 11:49 pm

يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأحد نوفمبر 10, 2013 5:27 am


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

ش
كرا
بارك اللــه فيك
جزاك الله خير الجزاء
دمت برضى الله وفضله

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "   تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 " Icon_minitime1الأربعاء يونيو 25, 2014 3:06 am

غريب الروح كتب:
[size=24]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{ 1 - 6 } {
الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ
عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ
وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ
عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * إِنَّ اللَّهَ لَا
يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * هُوَ
الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
}

افتتحها تبارك وتعالى
بالإخبار بألوهيته، وأنه الإله الذي لا إله إلا هو الذي لا ينبغي التأله
والتعبد إلا لوجهه، فكل معبود سواه فهو باطل، والله هو الإله الحق المتصف
بصفات الألوهية التي مرجعها إلى الحياة والقيومية، فالحي من له الحياة
العظيمة الكاملة المستلزمة لجميع الصفات التي لا تتم ولا تكمل الحياة إلا
بها كالسمع والبصر والقدرة والقوة والعظمة والبقاء والدوام والعز الذي لا
يرام {
القيوم }
الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام بغيره فافتقرت إليه جميع
مخلوقاته في الإيجاد والإعداد والإمداد، فهو الذي قام بتدبير الخلائق
وتصريفهم، تدبير للأجسام وللقلوب والأرواح.

ومن قيامه تعالى بعباده
ورحمته بهم أن نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب، الذي هو أجل
الكتب وأعظمها المشتمل على الحق في إخباره وأوامره ونواهيه، فما أخبر به
صدق، وما حكم به فهو العدل، وأنزله بالحق ليقوم الخلق بعبادة ربهم ويتعلموا
كتابه {
مصدقا لما بين يديه }
من الكتب السابقة، فهو المزكي لها، فما شهد له فهو المقبول، وما رده فهو
المردود، وهو المطابق لها في جميع المطالب التي اتفق عليها المرسلون، وهي
شاهدة له بالصدق، فأهل الكتاب لا يمكنهم التصديق بكتبهم إن لم يؤمنوا به،
فإن كفرهم به ينقض إيمانهم بكتبهم، ثم قال تعالى {
وأنزل التوراة } أي: على موسى { والإنجيل } على عيسى.

{ من قبل } إنزال القرآن { هدى للناس }
الظاهر أن هذا راجع لكل ما تقدم، أي: أنزل الله القرآن والتوراة والإنجيل
هدى للناس من الضلال، فمن قبل هدى الله فهو المهتدي، ومن لم يقبل ذلك بقي
على ضلاله {
وأنزل الفرقان }
أي: الحجج والبينات والبراهين القاطعات الدالة على جميع المقاصد والمطالب،
وكذلك فصل وفسر ما يحتاج إليه الخلق حتى بقيت الأحكام جلية ظاهرة، فلم يبق
لأحد عذر ولا حجة لمن لم يؤمن به وبآياته، فلهذا قال {
إن الذين كفروا بآيات الله } أي: بعد ما بينها ووضحها وأزاح العلل { لهم عذاب شديد } لا يقدر قدره ولا يدرك وصفه { والله عزيز } أي: قوي لا يعجزه شيء { ذو انتقام } ممن عصاه.

{ إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء }
وهذا فيه تقرير إحاطة علمه بالمعلومات كلها، جليها وخفيها، ظاهرها
وباطنها، ومن جملة ذلك الأجنة في البطون التي لا يدركها بصر المخلوقين، ولا
ينالها علمهم، وهو تعالى يدبرها بألطف تدبير، ويقدرها بكل تقدير، فلهذا
قال {
هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء }

{ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } من كامل الخلق وناقصه، وحسن وقبيح، وذكر وأنثى { لا إله إلا هو العزيز الحكيم }
تضمنت هذه الآيات تقرير إلهية الله وتعينها، وإبطال إلهية ما سواه، وفي
ضمن ذلك رد على النصارى الذين يزعمون إلهية عيسى ابن مريم عليه السلام،
وتضمنت إثبات حياته الكاملة وقيوميته التامة، المتضمنتين جميع الصفات
المقدسة كما تقدم، وإثبات الشرائع الكبار، وأنها رحمة وهداية للناس، وتقسيم
الناس إلى مهتد وغيره، وعقوبة من لم يهتد بها، وتقرير سعة علم الباري
ونفوذ مشيئته وحكمته.

{ 7 - 9 } {
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ
هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ
الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا
اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ
عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا
لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ
رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ
لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
}

القرآن العظيم كله محكم كما قال تعالى { كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } فهو مشتمل على غاية الإتقان والإحكام والعدل والإحسان { ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون }
وكله متشابه في الحسن والبلاغة وتصديق بعضه لبعضه ومطابقته لفظا ومعنى،
وأما الإحكام والتشابه المذكور في هذه الآية فإن القرآن كما ذكره الله {
منه آيات محكمات } أي: واضحات الدلالة، ليس فيها شبهة ولا إشكال { هن أم الكتاب } أي: أصله الذي يرجع إليه كل متشابه، وهي معظمه وأكثره، { و } منه آيات { أخر متشابهات }
أي: يلتبس معناها على كثير من الأذهان: لكون دلالتها مجملة، أو يتبادر إلى
بعض الأفهام غير المراد منها، فالحاصل أن منها آيات بينة واضحة لكل أحد،
وهي الأكثر التي يرجع إليها، ومنه آيات تشكل على بعض الناس، فالواجب في هذا
أن يرد المتشابه إلى المحكم والخفي إلى الجلي، فبهذه الطريق يصدق بعضه
بعضا ولا يحصل فيه مناقضة ولا معارضة، ولكن الناس انقسموا إلى فرقتين {
فأما الذين في قلوبهم زيغ } أي: ميل عن الاستقامة بأن فسدت مقاصدهم، وصار قصدهم الغي والضلال وانحرفت قلوبهم عن طريق الهدى والرشاد { فيتبعون ما تشابه منه } أي: يتركون المحكم الواضح ويذهبون إلى المتشابه، ويعكسون الأمر فيحملون المحكم على المتشابه { ابتغاء الفتنة }
لمن يدعونهم لقولهم، فإن المتشابه تحصل به الفتنة بسبب الاشتباه الواقع
فيه، وإلا فالمحكم الصريح ليس محلا للفتنة، لوضوح الحق فيه لمن قصده
اتباعه، وقوله {
وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله } للمفسرين في الوقوف على { الله } من قوله { وما يعلم تأويله إلا الله } قولان، جمهورهم يقفون عندها، وبعضهم يعطف عليها { والراسخون في العلم } وذلك كله محتمل، فإن التأويل إن أريد به علم حقيقة الشيء وكنهه كان الصواب الوقوف على { إلا الله }
لأن المتشابه الذي استأثر الله بعلم كنهه وحقيقته، نحو حقائق صفات الله
وكيفيتها، وحقائق أوصاف ما يكون في اليوم الآخر ونحو ذلك، فهذه لا يعلمها
إلا الله، ولا يجوز التعرض للوقوف عليها، لأنه تعرض لما لا يمكن معرفته،
كما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله {
الرحمن على العرش [استوى ] }
 فقال السائل: كيف استوى؟ فقال مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول،
والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فهكذا يقال في سائر الصفات لمن سأل عن
كيفيتها أن يقال كما قال الإمام مالك، تلك الصفة معلومة، وكيفيتها مجهولة،
والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة، وقد أخبرنا الله بها ولم يخبرنا
بكيفيتها، فيجب علينا الوقوف على ما حد لنا، فأهل الزيغ يتبعون هذه الأمور
المشتبهات تعرضا لما لا يعني، وتكلفا لما لا سبيل لهم إلى علمه، لأنه لا
يعلمها إلا الله، وأما الراسخون في العلم فيؤمنون بها ويكلون المعنى إلى
الله فيسلمون ويسلمون، وإن أريد بالتأويل التفسير والكشف والإيضاح، كان
الصواب عطف {
الراسخون } على { الله }
فيكون الله قد أخبر أن تفسير المتشابه ورده إلى المحكم وإزالة ما فيه من
الشبهة لا يعلمها إلا هو تعالى والراسخون في العلم يعلمون أيضا، فيؤمنون
بها ويردونها للمحكم ويقولون {
كل } من المحكم والمتشابه { من عند ربنا }
وما كان من عنده فليس فيه تعارض ولا تناقض بل هو متفق يصدق بعضه بعضا
ويشهد بعضه لبعض  وفيه تنبيه على الأصل الكبير، وهو أنهم إذا علموا أن
جميعه من عند الله، وأشكل عليهم مجمل المتشابه، علموا يقينا أنه مردود إلى
المحكم، وإن لم يفهموا وجه ذلك. ولما رغب تعالى في التسليم والإيمان
بأحكامه وزجر عن اتباع المتشابه قال {
وما يذكر } أي: يتعظ بمواعظ الله ويقبل نصحه وتعليمه إلا { أولوا الألباب }
أي: أهل العقول الرزينة لب العالم وخلاصة بني آدم يصل التذكير إلى عقولهم،
فيتذكرون ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه، وأما من عداهم فهم
القشور الذي لا حاصل له ولا نتيجة تحته، لا ينفعهم الزجر والتذكير لخلوهم
من العقول النافعة.

ثم أخبر تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يدعون ويقولون { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } أي: لا تملها عن الحق جهلا وعنادا منا، بل اجعلنا مستقيمين هادين مهتدين، فثبتنا على هدايتك وعافنا مما  ابتليت به الزائغين { وهب لنا من لدنك رحمة } أي: عظيمة توفقنا بها للخيرات وتعصمنا بها من المنكرات { إنك أنت الوهاب } أي: واسع العطايا والهبات، كثير الإحسان الذي عم جودك جميع البريات.
{ ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إنك لا تخلف الميعاد }
فمجازيهم بأعمالهم حسنها وسيئها، وقد أثنى الله تعالى على الراسخين في
العلم بسبع صفات هي عنوان سعادة العبد: إحداها: العلم الذي هو الطريق
الموصل إلى الله، المبين لأحكامه وشرائعه، الثانية: الرسوخ في العلم وهذا
قدر زائد على مجرد العلم، فإن الراسخ في العلم يقتضي أن يكون عالما محققا،
وعارفا مدققا، قد علمه الله ظاهر العلم وباطنه، فرسخ قدمه في أسرار الشريعة
علما وحالا وعملا، الثالثة: أنه وصفهم بالإيمان بجميع كتابه ورد لمتشابهه
إلى محكمه، بقوله {
يقولون آمنا به كل من عند ربنا }
الرابعة: أنهم سألوا الله العفو والعافية مما ابتلي به الزائغون
المنحرفون، الخامسة: اعترافهم بمنة الله عليهم بالهداية وذلك قوله {
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا }
السادسة: أنهم مع هذا سألوه رحمته المتضمنة حصول كل خير واندفاع كل شر،
وتوسلوا إليه باسمه الوهاب، السابعة: أنه أخبر عن إيمانهم وإيقانهم بيوم
القيامة وخوفهم منه، وهذا هو الموجب للعمل الرادع عن الزلل، ثم قال تعالى:

{ 10 -
13 } { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ
وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ
النَّارِ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ
الْعِقَابِ * قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى
جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ
الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ
يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ
بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي
الْأَبْصَارِ }

يخبر تعالى أن الكفار به
وبرسله، الجاحدين بدينه وكتابه، قد استحقوا العقاب وشدة العذاب بكفرهم
وذنوبهم وأنه لا يغني عنهم مالهم ولا أولادهم شيئا، وإن كانوا في الدنيا
يستدفعون بذلك النكبات التي ترد عليهم، ويقولون
{ نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين } فيوم القيامة يبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون { وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن } وليس للأولاد والأموال قدر عند الله، إنما ينفع العبد إيمانه بالله وأعماله الصالحة، كما قال تعالى { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون }
وأخبر هنا أن الكفار هم وقود النار، أي: حطبها، الملازمون لها دائما أبدا،
وهذه الحال التي ذكر الله تعالى أنها لا تغني الأموال والأولاد عن الكفار
شيئا، سنته الجارية في الأمم السابقة.‏

كما جرى لفرعون ومن قبله
ومن بعدهم من الفراعنة العتاة الطغاة أرباب الأموال والجنود لما كذبوا
بآيات الله وجحدوا ما جاءت به الرسل وعاندوا، أخذهم الله بذنوبهم عدلا منه
لا ظلما والله شديد العقاب على من أتى بأسباب العقاب وهو الكفر والذنوب على
اختلاف أنواعها وتعدد مراتبها

ثم قال تعالى { قل } يا محمد { للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد }
وفي هذا إشارة للمؤمنين بالنصر والغلبة وتحذير للكفار، وقد وقع كما أخبر
تعالى، فنصر الله المؤمنين على أعدائهم من كفار المشركين واليهود والنصارى،
وسيفعل هذا تعالى بعباده وجنده المؤمنين إلى يوم القيامة، ففي هذا عبرة
وآية من آيات القرآن المشاهدة بالحس والعيان، وأخبر تعالى أن الكفار مع
أنهم مغلوبون في الدار أنهم محشورون ومجموعون يوم القيامة لدار البوار،
وهذا هو الذي مهدوه لأنفسهم فبئس المهاد مهادهم، وبئس الجزاء جزاؤهم.

{ قد كان لكم آية } أي: عبرة عظيمة { في فئتين التقتا } وهذا يوم بدر { فئة تقاتل في سبيل الله } وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه { وأخرى كافرة }
أي: كفار قريش الذين خرجوا من ديارهم بطرا وفخرا ورئاء الناس، ويصدون عن
سبيل الله، فجمع الله بين الطائفتين في بدر، وكان المشركون أضعاف المؤمنين،
فلهذا قال
{ يرونهم مثليهم رأي العين } أي: يرى المؤمنون الكافرين يزيدون عليها زيادة كثيرة، تبلغ المضاعفة وتزيد عليها، وأكد هذا بقوله { رأي العين }
فنصر الله المؤمنين وأيدهم بنصره فهزموهم، وقتلوا صناديدهم، وأسروا كثيرا
منهم، وما ذاك إلا لأن الله ناصر من نصره، وخاذل من كفر به، ففي هذا عبرة
لأولي الأبصار، أي: أصحاب البصائر النافذة والعقول الكاملة، على أن الطائفة
المنصورة معها الحق، والأخرى مبطلة، وإلا فلو نظر الناظر إلى مجرد الأسباب
الظاهرة والعدد والعدد لجزم بأن غلبة هذه الفئة القليلة لتلك الفئة
الكثيرة من أنواع المحالات، ولكن وراء هذا السبب المشاهد بالأبصار سبب أعظم
منه لا يدركه إلا أهل البصائر والإيمان بالله والتوكل على الله والثقة
بكفايته، وهو نصره وإعزازه لعباده المؤمنين على أعدائه الكافرين.

{ 14 -
17 } { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ
وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ
أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ
رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ
بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ
لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ
وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ
بِالْأَسْحَارِ }

يخبر تعالى أنه زين للناس حب الشهوات الدنيوية، وخص هذه الأمور المذكورة لأنها أعظم شهوات الدنيا وغيرها تبع لها، قال تعالى { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها }
فلما زينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات، تعلقت بها
نفوسهم ومالت إليها قلوبهم، وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين: قسم: جعلوها
هي المقصود، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها،
فشغلتهم عما خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها
ويتناولون شهواتها، ولا يبالون على أي: وجه حصلوها، ولا فيما أنفقوها
وصرفوها، فهؤلاء كانت زادا لهم إلى دار الشقاء والعناء والعذاب، والقسم
الثاني: عرفوا المقصود منها وأن الله جعلها ابتلاء وامتحانا لعباده، ليعلم
من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة لهم وطريقا يتزودن
منها لآخرتهم ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته،
قد صحبوها بأبدانهم وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها كما قال الله فيها
{ ذلك متاع الحياة الدنيا }
فجعلوها معبرا إلى الدار الآخرة ومتجرا يرجون بها الفوائد الفاخرة، فهؤلاء
صارت لهم زادا إلى ربهم. وفي هذه الآية تسلية للفقراء الذين لا قدرة لهم
على هذه الشهوات التي يقدر عليها الأغنياء، وتحذير للمغترين بها وتزهيد
لأهل العقول النيرة بها، وتمام ذلك أن الله تعالى أخبر بعدها عن دار القرار
ومصير المتقين الأبرار، وأخبر أنها خير من ذلكم المذكور، ألا وهي الجنات
العاليات ذات المنازل الأنيقة والغرف العالية، والأشجار المتنوعة المثمرة
بأنواع الثمار، والأنهار الجارية على حسب مرادهم والأزواج المطهرة من كل
قذر ودنس وعيب ظاهر وباطن، مع الخلود الدائم الذي به تمام النعيم، مع
الرضوان من الله الذي هو أكبر نعيم، فقس هذه الدار الجليلة بتلك الدار
الحقيرة، ثم اختر لنفسك أحسنهما واعرض على قلبك المفاضلة بينهما
{ والله بصير بالعباد }
أي: عالم بما فيهم من الأوصاف الحسنة والأوصاف القبيحة، وما هو اللائق
بأحوالهم، يوفق من شاء منهم ويخذل من شاء. فالجنة التي ذكر الله وصفها
ونعتها بأكمل نعت وصف أيضا المستحقين لها وهم الذين اتقوه بفعل ما أمر به
وترك ما نهى عنه، وكان من دعائهم أن قالوا:

(16 - 17) { ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار } توسلوا بمنة الله عليهم بتوفيقهم للإيمان أن يغفر لهم ذنوبهم ويقيهم شر آثارها وهو عذاب النار، ثم فصل أوصاف التقوى.
فقال { الصابرين } أنفسهم على ما يحبه الله من طاعته، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة، { والصادقين } في إيمانهم وأقوالهم وأحوالهم { والمنفقين } مما رزقهم الله بأنواع النفقات على المحاويج من الأقارب وغيرهم { والمستغفرين بالأسحار }
لما بين صفاتهم الحميدة ذكر احتقارهم لأنفسهم وأنهم لا يرون لأنفسهم، حالا
ولا مقاما، بل يرون أنفسهم مذنبين مقصرين فيستغفرون ربهم، ويتوقعون أوقات
الإجابة وهي السحر، قال الحسن: مدوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا يستغفرون
ربهم. فتضمنت هذه الآيات حالة الناس في الدنيا وأنها متاع ينقضي، ثم وصف
الجنة وما فيها من النعيم وفاضل بينهما، وفضل الآخرة على الدنيا تنبيها على
أنه يجب إيثارها والعمل لها، ووصف أهل الجنة وهم المتقون، ثم فصل خصال
التقوى، فبهذه الخصال يزن العبد نفسه، هل هو من أهل الجنة أم لا؟




{
18 - 20 } { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ
الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ
بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ
بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ
فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا
فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }
هذا
تقرير من الله تعالى للتوحيد بأعظم الطرق الموجبة له، وهي شهادته تعالى
وشهادة خواص الخلق وهم الملائكة وأهل العلم، أما شهادته تعالى فيما أقامه
من الحجج والبراهين القاطعة على توحيده، وأنه لا إله إلا هو، فنوع الأدلة
في الآفاق والأنفس على هذا الأصل العظيم، ولو لم يكن في ذلك إلا أنه ما قام
أحد بتوحيده إلا ونصره على المشرك الجاحد المنكر للتوحيد، وكذلك إنعامه
العظيم الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يدفع النقم إلا هو، والخلق
كلهم عاجزون عن المنافع والمضار لأنفسهم ولغيرهم، ففي هذا برهان قاطع على
وجوب التوحيد وبطلان الشرك، وأما شهادة الملائكة بذلك فنستفيدها بإخبار
الله لنا بذلك وإخبار رسله، وأما شهادة أهل العلم فلأنهم هم المرجع في جميع
الأمور الدينية خصوصا في أعظم الأمور وأجلها وأشرفها وهو التوحيد، فكلهم
من أولهم إلى آخرهم قد اتفقوا على ذلك ودعوا إليه وبينوا للناس الطرق
الموصلة إليه، فوجب على الخلق التزام هذا الأمر المشهود عليه والعمل به،
وفي هذا دليل على أن أشرف الأمور علم التوحيد لأن الله شهد به بنفسه وأشهد
عليه خواص خلقه، والشهادة لا تكون إلا عن علم ويقين، بمنزلة المشاهدة
للبصر، ففيه دليل على أن من لم يصل في علم التوحيد إلى هذه الحالة فليس من
أولي العلم. وفي هذه الآية دليل على شرف العلم من وجوه كثيرة، منها: أن
الله خصهم بالشهادة على أعظم مشهود عليه دون الناس، ومنها: أن الله قرن
شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وكفى بذلك فضلا، ومنها: أنه جعلهم أولي
العلم، فأضافهم إلى العلم، إذ هم القائمون به المتصفون بصفته، ومنها: أنه
تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس، وألزم الناس العمل بالأمر المشهود به،
فيكونون هم السبب في ذلك، فيكون كل من عمل بذلك نالهم من أجره، وذلك فضل
الله يؤتيه من يشاء، ومنها: أن إشهاده تعالى أهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم
وتعديلهم وأنهم أمناء على ما استرعاهم عليه، ولما قرر توحيده قرر عدله،
فقال:
{ قائمًا بالقسط }
أي: لم يزل متصفا بالقسط في أفعاله وتدبيره بين عباده، فهو على صراط
مستقيم في ما أمر به ونهى عنه، وفيما خلقه وقدره، ثم أعاد تقرير توحيده
فقال
{ لا إله إلا هو العزيز الحكيم }
واعلم أن هذا الأصل الذي هو توحيد الله وإفراده بالعبودية قد دلت عليه
الأدلة النقلية والأدلة العقلية، حتى صار لذوي البصائر أجلى من الشمس، فأما
الأدلة النقلية فكل ما في كتاب الله وسنة رسوله، من الأمر به وتقريره،
ومحبة أهله وبغض من لم يقم به وعقوباتهم، وذم الشرك وأهله، فهو من الأدلة
النقلية على ذلك، حتى كاد القرآن أن يكون كله أدلة عليه، وأما الأدلة
العقلية التي تدرك بمجرد فكر العقل وتصوره للأمور فقد أرشد القرآن إليها
ونبه على كثير منها، فمن أعظمها: الاعتراف بربوبية الله، فإن من عرف أنه هو
الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور أنتج له ذلك أنه هو المعبود الذي لا
تنبغي العبادة إلا له، ولما كان هذا من أوضح الأشياء وأعظمها أكثر الله
تعالى من الاستدلال به في كتابه. ومن الأدلة العقلية على أن الله هو الذي
يؤله دون غيره انفراده بالنعم ودفع النقم، فإن من عرف أن النعم الظاهرة
والباطنة القليلة والكثيرة كلها من الله، وأنه ما من نقمة ولا شدة ولا كربة
إلا وهو الذي ينفرد بدفعها وإن أحدا من الخلق لا يملك لنفسه - فضلا عن
غيره- جلب نعمة ولا دفع نقمة، تيقن أن عبودية ما سوى الله من أبطل الباطل
وأن العبودية لا تنبغي إلا لمن انفرد بجلب المصالح ودفع المضار، فلهذا أكثر
الله في كتابه من التنبيه على هذا الدليل جدا، ومن الأدلة العقلية أيضا
على ذلك: ما أخبر به تعالى عن المعبودات التي عبدت من دونه، بأنها لا تملك
نفعا ولا ضرا، ولا تنصر غيرها ولا تنصر نفسها، وسلبها الأسماع والأبصار،
وأنها على فرض سماعها لا تغني شيئا، وغير ذلك من الصفات الدالة على نقصها
غاية النقص، وما أخبر به عن نفسه العظيمة من الصفات الجليلة والأفعال
الجميلة، والقدرة والقهر، وغير ذلك من الصفات التي تعرف بالأدلة السمعية
والعقلية، فمن عرف ذلك حق المعرفة عرف أن العبادة لا تليق ولا تحسن إلا
بالرب العظيم الذي له الكمال كله، والمجد كله، والحمد كله، والقدرة كلها،
والكبرياء كلها، لا بالمخلوقات المدبرات الناقصات الصم البكم الذين لا
يعقلون، ومن الأدلة العقلية على ذلك ما شاهده العباد بأبصارهم من قديم
الزمان وحديثه، من الإكرام لأهل التوحيد، والإهانة والعقوبة لأهل الشرك،
وما ذاك إلا لأن التوحيد جعله الله موصلا إلى كل خير دافعا لكل شر ديني
ودنيوي، وجعل الشرك به والكفر سببا للعقوبات الدينية والدنيوية، ولهذا إذا
ذكر تعالى قصص الرسل مع أمم المطيعين والعاصين، وأخبر عن عقوبات العاصين
ونجاة الرسل ومن تبعهم، قال عقب كل قصة:
{ إن في ذلك لآية }
أي: لعبرة يعتبر بها المعتبرون فيعلمون أن توحيده هو الموجب للنجاة، وتركه
هو الموجب للهلاك، فهذه من الأدلة الكبار العقلية النقلية الدالة على هذا
الأصل العظيم، وقد أكثر الله منها في كتابه وصرفها ونوعها ليحيى من حي عن
بينة، ويهلك من هلك عن بينة فله الحمد والشكر والثناء.

ولما قرر أنه الإله الحق
المعبود، بين العبادة والدين الذي يتعين أن يعبد به ويدان له، وهو الإسلام
الذي هو الاستسلام لله بتوحيده وطاعته التي دعت إليها رسله، وحثت عليها
كتبه، وهو الذي لا يقبل من أحد دين سواه، وهو متضمن للإخلاص له في الحب
والخوف والرجاء والإنابة والدعاء ومتابعة رسوله في ذلك، وهذا هو دين الرسل
كلهم، وكل من تابعهم فهو على طريقهم، وإنما اختلف أهل الكتاب بعد ما جاءتهم
كتبهم تحثهم على الاجتماع على دين الله، بغيا بينهم، وظلما وعدوانا من
أنفسهم، وإلا فقد جاءهم السبب الأكبر الموجب أن يتبعوا الحق ويتركوا
الاختلاف، وهذا من كفرهم، فلهذا قال تعالى
{ وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب }
فيجازي كل عامل بعمله، وخصوصا من ترك الحق بعد معرفته، فهذا مستحق للوعيد
الشديد والعقاب الأليم، ثم أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عند محاجة
النصارى وغيرهم ممن يفضل غير دين الإسلام

عليه أن يقول لهم: قد { أسلمت وجهي لله ومن اتبعن }
أي: أنا ومن اتبعني قد أقررنا وشهدنا وأسلمنا وجوهنا لربنا، وتركنا ما سوى
دين الإسلام، وجزمنا ببطلانه، ففي هذا تأييس لمن طمع فيكم، وتجديد لدينكم
عند ورود الشبهات، وحجة على من اشتبه عليه الأمر، لأنه قد تقدم أن الله
استشهد على توحيده بأهل العلم من عباده ليكونوا حجة على غيرهم، وسيد أهل
العلم وأفضلهم وأعلمهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم من بعده
أتباعه على اختلاف مراتبهم وتفاوت درجاتهم، فلهم من العلم الصحيح والعقل
الرجيح ما ليس لأحد من الخلق ما يساويهم أو يقاربهم، فإذا ثبت وتقرر توحيد
الله ودينه بأدلته الظاهرة، وقام به أكمل الخلق وأعلمهم، حصل بذلك اليقين
وانتفى كل شك وريب وقادح، وعرف أن ما سواه من الأديان باطلة، فلهذا قال
{ وقل للذين أوتوا الكتاب } من النصارى واليهود { والأميين } مشركي العرب وغيرهم { أأسلمتم فإن أسلموا } أي: بمثل ما أمنتم به { فقد اهتدوا } كما اهتديتم وصاروا إخوانكم، لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم { وإن تولوا } عن الإسلام ورضوا بالأديان التي تخالفه { فإنما عليك البلاغ } فقد وجب أجرك على ربك، وقامت عليهم الحجة، ولم يبق بعد هذا إلا مجازاتهم بالعقاب على جرمهم، فلهذا قال { والله بصير بالعباد }





{
21 - 22 } { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ
النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ
بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ
الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا
لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }
هؤلاء
الذين أخبر الله عنهم في هذه الآية، أشد الناس جرما وأي: جرم أعظم من
الكفر بآيات الله التي تدل دلالة قاطعة على الحق الذي من كفر بها فهو في
غاية الكفر والعناد ويقتلون أنبياء الله الذين حقهم أوجب الحقوق على العباد
بعد حق الله، الذين أوجب الله طاعتهم والإيمان بهم، وتعزيرهم، وتوقيرهم،
ونصرهم وهؤلاء قابلوهم بضد ذلك، ويقتلون أيضا الذين يأمرون الناس بالقسط
الذي هو العدل، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي حقيقته إحسان إلى
المأمور ونصح له، فقابلوهم شر مقابلة، فاستحقوا بهذه الجنايات المنكرات
أشد العقوبات، وهو العذاب المؤلم البالغ في الشدة إلى غاية لا يمكن وصفها،
ولا يقدر قدرها المؤلم للأبدان والقلوب والأرواح.

وبطلت أعمالهم بما كسبت
أيديهم، وما لهم أحد ينصرهم من عذاب الله ولا يدفع عنهم من نقمته مثقال
ذرة، بل قد أيسوا من كل خير، وحصل لهم كل شر وضير، وهذه الحالة صفة اليهود
ونحوهم، قبحهم الله ما أجرأهم على الله وعلى أنبيائه وعباده الصالحين.

{ 23 -
25 } { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ
يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى
فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ
تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي
دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ
لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ
لَا يُظْلَمُونَ }

يخبر تعالى عن حال أهل
الكتاب الذين أنعم الله عليهم بكتابه، فكان يجب أن يكونوا أقوم الناس به
وأسرعهم انقيادا لأحكامه، فأخبر الله عنهم أنهم إذا دعوا إلى حكم الكتاب
تولى فريق منهم وهم يعرضون، تولوا بأبدانهم، وأعرضوا بقلوبهم، وهذا غاية
الذم، وفي ضمنها التحذير لنا أن نفعل كفعلهم، فيصيبنا من الذم والعقاب ما
أصابهم، بل الواجب على كل أحد إذا دعي إلى كتاب الله أن يسمع ويطيع وينقاد،
كما قال تعالى
{ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا } والسبب الذي غر أهل الكتاب بتجرئهم على معاصي الله هو قولهم { لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون }

افتروا هذا القول فظنوه
حقيقة فعملوا على ذلك ولم ينزجروا عن المحارم، لأن أنفسهم منتهم وغرتهم أن
مآلهم إلى الجنة، وكذبوا في ذلك، فإن هذا مجرد كذب وافتراء، وإنما مآلهم شر
مآل، وعاقبتهم عاقبة وخيمة، فلهذا قال تعالى
{ فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه }

أي: كيف يكون حالهم
ووخيم ما يقدمون عليه، حالة لا يمكن وصفها ولا يتصور قبحها لأن ذلك اليوم
يوم توفية النفوس ما كسبت ومجازاتها بالعدل لا بالظلم، وقد علم أن ذلك على
قدر الأعمال، وقد تقدم من أعمالهم ما يبين أنهم من أشد الناس عذابا.


[b]{ 26 - 27 }
{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ
وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ
مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ
وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ
وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل اللهم مالك الملك }
أي: أنت الملك المالك لجميع الممالك، فصفة الملك المطلق لك، والمملكة كلها
علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك، ثم فصل بعض التصاريف التي
انفرد الباري تعالى بها، فقال:
{ تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء }
وفيه الإشارة إلى أن الله تعالى سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة ومن
تبعهم ويؤتيه أمة محمد، وقد فعل ولله الحمد، فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة
الله تعالى، ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية
والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله، فإنها كلها بمشيئة
الله لا يوجد سبب يستقل بشيء، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر، ومن
الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح، التي
منها اجتماع المسلمين واتفاقهم، وإعدادهم الآلات التي يقدروا عليها والصبر
وعدم التنازع، قال الله تعالى:
{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } الآية فأخبر أن الإيمان والعمل الصالح سبب للاستخلاف المذكور، وقال تعالى: { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم } الآية وقال تعالى: {
يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم
تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن
الله مع الصابرين }
فأخبر أن
ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب للنصر على الأعداء، وأنت
إذا استقرأت الدول الإسلامية وجدت السبب الأعظم في زوال ملكها ترك الدين
والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء وجعل بأسهم بينهم، ثم قال تعالى:
{ وتعز من تشاء } بطاعتك { وتذل من تشاء } بمعصيتك { إنك على كل شيء قدير } لا يمتنع عليك أمر من الأمور بل الأشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك
{ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل }
أي: تدخل هذا على هذا، وهذا على هذا، فينشأ عن ذلك من الفصول والضياء
والنور والشمس والظل والسكون والانتشار، ما هو من أكبر الأدلة على قدرة
الله وعظمته وحكمته ورحمته
{ وتخرج الحي من الميت } كالفرخ من البيضة، وكالشجر من النوى، وكالزرع من بذره، وكالمؤمن من الكافر { وتخرج الميت من الحي }
كالبيضة من الطائر وكالنوى من الشجر، وكالحب من الزرع، وكالكافر من
المؤمن، وهذا أعظم دليل على قدرة الله، وأن جميع الأشياء مسخرة مدبرة لا
تملك من التدبير شيئا، فخلقه تعالى الأضداد، والضد من ضده بيان أنها مقهورة
{ وترزق من تشاء بغير حساب } أي: ترزق من تشاء رزقا واسعا من حيث لا يحتسب ولا يكتسب، ثم قال تعالى:
{ 28 - 30 } { لَا
يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ
وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ * قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ
تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ
نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ
تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ
اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }

وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن موالاة الكافرين بالمحبة والنصرة والاستعانة بهم على أمر من أمور المسلمين، وتوعد على ذلك فقال: { ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء }
أي: فقد انقطع عن الله، وليس له في دين الله نصيب، لأن موالاة الكافرين لا
تجتمع مع الإيمان، لأن الإيمان يأمر بموالاة الله وموالاة أوليائه
المؤمنين المتعاونين على إقامة دين الله وجهاد أعدائه، قال تعالى:
{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض }
فمن والى - الكافرين من دون المؤمنين الذين يريدون أن يطفؤا نور الله
ويفتنوا أولياءه خرج من حزب المؤمنين، وصار من حزب الكافرين، قال تعالى:
{ ومن يتولهم منكم فإنه منهم }
وفي هذه الآية دليل على الابتعاد عن الكفار وعن معاشرتهم وصداقتهم، والميل
إليهم والركون إليهم، وأنه لا يجوز أن يولى كافر ولاية من ولايات
المسلمين، ولا يستعان به على الأمور التي هي مصالح لعموم المسلمين. قال
الله تعالى:
{ إلا أن تتقوا منهم تقاة }
أي: تخافوهم على أنفسكم فيحل لكم أن تفعلوا ما تعصمون به دماءكم من التقية باللسان وإظهار ما به تحصل التقية. ثم قال تعالى: { ويحذركم الله نفسه } أي: فلا تتعرضوا لسخطه بارتكاب معاصيه فيعاقبكم على ذلك { وإلى الله المصير }[font=Simplified Arabic]
أي: مرجع العباد ليوم التناد، فيحصي أعمالهم ويحاسبهم عليها ويجازيهم،
فإياكم أن تفعلوا من الأعمال القباح ما تستحقون به العقوبة، واعملوا ما به
يحصل الأجر والمثوبة، ثم أخبر عن سعة علمه لما في النفوس خصوصا، ولما في
السماء والأرض عموما، وعن كمال قدرته، ففيه إرشاد إلى تطهير القلوب
وا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101
» تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"
» سورة آل عمران " الاية 152 حتي الاية 200 الخاتمة
» تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176
» تفسير سورة البقرة " الاية 79حتي الاية 93 "

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى اسرة القلم :: —¤÷([¤ منــبر اســـلامي ¤])÷¤— :: العلوم الدينية :: القرآن الكريم وتعاليمه-
انتقل الى: