أصبح الحديث عن الأزمة التي سببها وباء فيروس كورونا هو الشغل الشاغل للشبكات التليفزيونية والتعليقات الصحفية والقضية الأولى التي يتابعها الرأي العام في كل دول العالم تقريباً يوما بيوم وساعة بساعة، وظهرت تحليلات وآراء عن الآثار التي سوف يخلفها هذا الوباء. فالبعض ركز على الآثار السياسية وازدياد دور الدولة وتدخلها في شؤون المجتمع والمواطنين وتوجيهه وفقاً لقواعد صارمة،
هذه الإجراءات لها بالطبع ما يبررها وينبغي الالتزام بتطبيقها حرفياً، وأن تقوم السلطات بمراقبة تنفيذها. ولكن ينبغي أيضاً أن ندرك أنها مخالفة للطبيعة البشرية، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه. وفي العصر الحديث، ينشأ الإنسان في إطار التفاعل مع آخرين في الأسرة والمسجد والكنيسة ومكان العمل والنوادي والمقاهي إلى غير ذلك من أشكال التنظيم الاجتماعي.
والبعض الثاني ناقش الآثار الاقتصادية وتراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي في الدول الكبرى واحتمال سقوط بعضها في براثن الركود. ومن أمثلة ذلك تقرير البنك الدولي الذي صدر أيضاً في 30-3.
والبعض الثالث أشار إلى الآثار على مستوى النظام العالمي والتوازن الدولي وتوزيع القوة والنفوذ بين الدول الكبرى،
أن هذا الوباء حطم العالم الداخلي الخاص بملايين البشر، وفتك بأحلامهم وأفقدهم توازنهم النفسي. فهناك ملايين من طلاب الجامعات الذين كانوا ينتظرون بشغف تخرجهم في يونيو أو يوليو المقبل، ليبدأوا رحلة البحث عن عمل ومعه حياة جديدة لهم. وهناك ملايين من العمال والموظفين في مجالات السياحة وشركات الطيران والمحال التجارية وغيرها الذين فقدوا وظائفهم. وهناك الملايين من اللاجئين الذين يعيشون في الخيام أو مراكز الإيواء التي لا تتوفر فيها -في الظروف العادية- الحد الأدنى من الخدمات الصحية اللازمة ولا توجد السلطات الصحية التي تراقب انتشار المرض وتجري الاختبارات، فضلاً عن صعوبة عزل المصابين أو المشتبه في إصابتهم.
هناك مئات الآلاف الذين كانوا خارج بلادهم ثم تقطعت سبل الاتصال ولا يتمكنون من العودة إليها وليس لهم مصدر دخل في أماكن إقامتهم أو سبب يدعوهم للاستمرار في الإقامة فيها، ومن ذلك السياح والطلاب الذين يدرسون بالخارج، والعاملون خارج بلادهم، وكل هؤلاء هم من يطلق عليهم العالقين في الخارج. وهناك مئات الآلاف الذين فقدوا ذويهم وأحباءهم ولم يتمكنوا بسبب الظروف الراهنة من إلقاء نظرة الوداع عليهم أو المشاركة في دفنهم.
يتعرض أغلبية البشر في العالم إلى إجراءات عزل أو حجر صحي، والتزام بالبقاء في المنازل ومنع التجوال في الشوارع، وقواعد للتباعد الاجتماعي وجوهرها أن تكون هناك مسافة مترين على الأقل بين أي شخصين.
بات الإنسان يعيش اليوم في حالة "خوف دائم" وأحياناً "هلع"، وذلك بسبب الأخبار التي تحاصره طول الوقت بشأن عدد الإصابات والوفيات، فيأتيه الشعور بأنه ربما يكون هو الضحية القادمة لهذا الفيروس القاتل. يزيد من حالة الخوف أنه يقي نفسه من عدو خفي وغير منظور يتربص به في كل مكان وفي كل وقت. ولما كان الفيروس ينتقل أساساً بالمخالطة البشرية، فإن كل شخص آخر هو عدو محتمل وناقل للمرض. يؤدي هذا بالإنسان ليس فقط إلى الحيطة ولكن أحياناً إلى الريبة والشك في كل الأشخاص الذين لا يعرفهم ويضطر للوجود في مكان واحد معهم كمحلات بيع المواد الغذائية.
والرسالة التي أريد أن أنقلها هي أن هناك جوانب نفسية وإنسانية لما يحدث في العالم اليوم علينا إدراكها، ويضاعف من وطأة هذه الآثار السلبية هي أن أحداً لا يعرف كم سوف تستمر هذه الأوقات العصيبة، ولا حجم النفوس والضحايا التي سوف تفتك بها، ولا كيف سوف تنتهي، وتسود حالة من السيولة وعدم اليقين بشأن الإجابات عن هذه الأسئلة فلا يوجد شيء مؤكد ولا تبدو نهاية واضحة. والمطلوب من المسؤولين عن التربية والتعليم والثقافة والإعلام في بلادنا العربية، أن يتدبروا هذه الأمور وأن يتعاملوا مع هذه الآثار من خلال خطاب يقلل منها، ويعد الإنسان العربي لمرحلة ما بعد كورونا.