تربية الطفل بين البيت والمدرسة
تعتبر المدرسة المجتمع الكبير الذي يواجهه الطفل بعد مجتمعه الصغير
(الأسرة).. حيث يتعرّف في هذا العالم الجديد على قوانين وأنظمة جديدة عليه
الالتزام بها. وانطلاقاً من ذلك فإن المدرسة هي المحكّ الأول للطفل وهي
جواز المرور بالنسبة إليه إلى العالم الأكبر، فإذا نجح فيها وتأقلم في
جوّها أمكنه النجاح والتأقلم في المجتمع الكبير، وإذا تجانس مع مجتمعه في
المدرسة استطاع أن يتجانس مع وسطه الاجتماعي وأن يتماشى معه.أما إذا فشل،
فالفشل سوف يرافقه كل العمر... وبالتالي يصبح توائمُه مع المجتمع أمراً
عسيراً ... إذ أن بذور الانحراف وعلاماته تبدأ بالظهور ضمن إطار البيئة
المدرسية.. ومن هنا يبرز دور المدرسة في القضاء على بذور الانحراف في
مهدها.ومن هنا فإن دور المدرسة لم يعد يقتصر على تلقين المبادئ التعليمية
فقط وإنما يلعب دور المؤثر والمنشئ والمكوّن لشخصية الطفل.. ومن هنا أيضاً
تبرز أهمية اختيار المدرسة الصالحة التي تتعهد فلذات الأكباد.. وتكمل دور
الأهل في تنشئة الطفل وإعداده والسير به نحو حياة أفضل.ولا ننسى أن دور
المدرسة في توجيه الطفل ودفعه لممارسة نشاطاته وهواياته وتنميتها والطفل
حينما يلتقي في المدرسة بأنماط سلوكية معينة يواجه صعوبات بالغة في التأقلم
مع مثل هذه الأجواء الجديدة، فإذا ما تلقّته الأيدي الواعية من المربّين
والاختصاصيين فإنه يتكيّف مع هذا الجو، وإذا أُهمل الطفل، أدى ذلك إلى عقد
ومشاكل نفسية له.
تعليم الطفل قبل المدرسة
اتفق علماء النفس على أن السنين الخمس الأول تعدّ الأساس الذي تعتمد عليه
شخصية الطفل بأبعادها المختلفة ولهذا يرى علماء التربية ضرورة التوجه
اللازم لرعاية الطفل في هذه المرحلة وتنمية القدرات الحسية لديه. ولهذا
تصبح العناية الخاصة في رياض الأطفال وفي المدارس الابتدائية السلّم
التعليمي الذي يمكن فصله عن السنوات التالية المقبلة من سنوات عمره بغية
إتاحة المجال أمام هواياته المتعددة، حيث (إن تربية الطفل تتحسن بسبب روضة
الأطفال والمدارس والجامعات حيث يواجه الأساتذة والأخصائيين الأطفال بما
يربيهم تربية صحيحة وحتى الملاعب أخذت تتوجه إلى حالة تعليمية وتوجيهية مما
يساعد في تربية الطفل وتنمية قدراته العقلية والعاطفية). (الاجتماع: ج2،
الإمام الشيرازي دام ظله).من هنا أصبح الاعتماد على ضرورة مراقبة المدارس
التعليمية وتوجيهها والإشراف على عملها بغية النهوض في العملية التربوية من
خلال إعداد كادر تعليمي مؤهل للاختصاص التربوي وفق ما ينطبق عليه من
معايير نفسية وتربوية وبعد إجراء الاختبارات المتعددة لصلاحيته لهذا الجانب
أو بعد صلاحيته كذلك إعداد مناهج وبرامج اختصاصية تربوية تضطلع بهذا
الجانب.وهذه الأمور وسواها تتطلب وقتاً وإمكانيات وكفاءة عالية لتحقيق
عملية التقدم التربوية الناجحة. ولا ننسى أن من بين القضايا الواجب
اعتمادها في العملية التربوية هو العمل وفق منهج الأخلاق الدينية القائمة
على العشرة والتعامل الذي يأمر بمحبة الآخرين والتسامح وخصوصاً في مرحلة
الطفولة.ويجب على الكبار في البداية أن يلتزموا حدوداً لا يجدر التساهل في
تجاوزها بتعمّد حشو أدمغة الصبية وكأنهم يستبقون الزمن في حرص على تخطي
أعتاب السنوات لإحداث طفرات تؤتي أكلها شهادات مبكرة في سن النضارة وعز
الفتوة وليكون الشاب مبعث فخر العائلة واعتزازها.إنها أحلام سيكون ضررها
أكثر من نفعها. ويبقى المهم في هذا الموضوع مراعاة الموازنة بين حاجات
الطفل إلى تربة خصبة تعزّز مقومات نموه، وتبين إمكاناته البيولوجية
والنفسية والقدرات الذهنية، تلك الموازنة التي تعتبر حجر الزاوية في ضمان
النمو السليم للطفل.ويجب على الهيئات المعنية أن تسهم في إعداد دليل يُمكّن
الأسر من الاسترشاد به في كيفية إعداد الطفل للمدرسة وفي مساعدته بصفة
عامة على أن يحقّق لنفسه نمواً طبيعياً منسجماً مع سني حياته المبكرة، مع
المتابعة الحازمة للأسرة بشكل دائم.ولعلّ من شواهد الإثبات التي تؤيد حق
الطفل في حياة طفولية تحترم ما جُبل عليه من تحرّر وانجذاب إلى الحركة -
وتعتبر ما عدا ذلك خرقاً لقانون الطبيعة ومجازفة إلى الدفع به إلى التنقل
من الأعباء والهرب من تبعات المسؤولية وإلى توخّي مسالك عدم المبالاة
وانتهاج سبل المراوغة والإهمال - ما يرويه صلاح جاهين فيما يلي وهو مقال
منشور بعدد من مجلة الدوحة لسنة 1977 إذ يقول
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]تعلمت
القراءة والكتابة وعمري أربع سنين، أمي معلّمة استقالت لتتفرّغ لتربيتي
وتعليمي، وفي شهور قليلة كنت أقرأ وأكتب وأضرب الأعداد وأقسّمها. أمي فرحت
لكنها جنت عليّ وندمت بعد ذلك ندما مرّاً. كان عمري أربع سنين لكني أحمل
فوق عنقي دماغاً كبيراً كأنه دماغ رجل وهذا ما أضر بي إذ أن حقنة التعليم
المبكر ظهرت أعراضها السيئة وأنا في نهاية المرحلة الثانوية. فجأة مللت
الدراسة، ما قيمة الدروس وقد تعلمتها قبل الأوان؟ وبدأت (أزوّغ) قفزاً فوق
أسوار المدرسة لأجلس في أي مكان وأرسم وألعب.هذا درس قد يستفيد منه غيري:
لا تعلّم طفلك مبكراً وقبل سن الدراسة الطبيعة، إنه قد يتفوّق في سنوات
البداية ثم يخفق في النهاية).إن التعليم المبكر مثل الحبوب المنشطة التي
تعطى لخيول السباق وبعدها يجيء الإنهاك. ثمة إشارة إلى دور المحيط
الاجتماعي في تحديد قدرات الموهوب يمكن الاستفادة منها في هذا المجال. لقد
عمل علماء النفس كل ما بوسعهم للتوصل إلى الأسباب التي تؤدي بالموهوب إلى
الوصول إلى درجة العبقرية وكان من أهم النقاط هو التأكيد على القابليات
الكامنة للطفل الموهوب ووضعها في خدمة المجتمعات ورفعتها بدلاً من هدرها.
سوء علاقة الطفل بالمدرسة وتأثيراتها
إن اضطراب علاقة الطفل بالمدرسة تؤدي إلى نشأة مشكلات الطفولة لديه، فقسوة
المدرّس - أو المدرّسة - تحقيره للطفل وإهانته أو إهماله ومقارنته غير
العادلة بين التلاميذ أو تفضيل تلميذ على آخر يجعل الطفل يشعر بعدم الثقة
في نفسه وفي المدرسة، ويشعر بعدم التقبّل، فيفشل في إشباع حاجته للأمن
والحب والتقدير والاستحسان والتفوّق ويشعر بالإحباط.كما يؤثّر المدرس على
الطفل في المواقف الاختبارية التي تعتبر من أهم المواقف التي يواجهها الطفل
في المدرسة، لأن فيها يحكم المدرس على أدائه حسناً أو سيئاً. وفشله في
الحصول على استحسان مدرسه ورضاه عن أدائه، يشعره بعدم الكفاءة والعجز
والدونية ويُضعف مكانته الاجتماعية في الفصل خاصة إذا أصدر المدرس حكمه على
التلميذ بالسوء وعدم الفلاح في الدراسة على مسمع من زملائه في الفصل، حيث
أن هذا الحكم القاسي من المدرس يؤلم الطفل ويثير فيه مشاعر العداوة نحو
المدرس، لكنه يكبت هذه المشاعر ويظهر بدلاً منها القلق والاتكالية والشعور
بالزيف وهي مشاعر مؤلمة تؤدي إلى سوء توافقه في الفصل وتضعف تحصيله الدراسي
وتزيد كراهيته للدراسة.ولا يرجع ضعف الطفل في التحصيل في هذه الحالة إلى
نقص في ذكائه بقدر ما يرجع إلى سوء علاقته بمدرسه وشعوره بالخوف من تكرار
فشله وانشغاله بهذا الخوف عن الإجابة على أسئلة الاختبارات.وقد دلّت
الدراسات على أن التلاميذ أصحاب المشكلات في المدرسة بطيئو التعلم يعانون
من مشاكل سلوكية أخرى مثل العدوانية والانسحابية والكذب والسرقة والتدخين
واضطراب النوم وصعوبات النطق، وترجع هذه المشكلات إلى أنهم غير سعداء
بحياتهم المدرسية بسبب ما يتعرضون له من إحباط في المواقف المدرسية مما قد
يجعلهم يهربون من المدرسة ويظهرون الانحرافات السلوكية.فالخبرات القاصرة في
المدرسة تساهم في نشأة المشكلات عند التلاميذ أو تساهم في تنمية المشكلات
التي نشأت من الخبرات الأسرية القاصرة.
دور الأهل
ليس للطفل موقف مسبق عن المدرسة رفضاً أو حباً، وإنما موقفه يتشكل من خلال
ما يسمعه وما يشاهده، وتلك هي مسؤولية الأهل في إعداده لدخوله في السن
المحددة. في هذه المرحلة يبدأ موقف الطفل بالتشكل، وخبراته عن المدرسة
وأجوائها وعالمها بالتراكم، ولو نجحت العملية التربوية في الصفوف التمهيدية
الأولى في إعداده للتعاطي مع مَن حوله، ولاستيعاب ما يُعلم، لأمكن تجاوز
المشكلة وتلافي حدوثها أصلاً.لكن ماذا لو حدث العكس؟ وبدأت بوادر سوء فهم
وتفاهم مع المحيط الجديد تتشكل في وعي الطفل ـ التلميذ الجديد ـ إما بسبب
رغبة أمه في (قذفه) إلى عالم المدرسة والتخلص من مشاغباته في البيت، وهذا
ما يُفهم من أسلوب بعض الأهل، وإما بسبب عدم اهتمام معلمته بشكل كافٍ به،
لسبب أو لآخر، خاصة إذا كنا أمام طفل مرهف الإحساس. يحتاج إلى مَن يتفهم
مزاجه ويتقن التعامل معه، وقد يكون لدى الطفل مشكلة في نظره أو سمعه أو
نطقه، مما يستدعي اللطف والتركيز في معاملته، وقد لا يكون الطفل لطيفاً أو
جذاباً، بحيث لا يحظى بعناية واهتمام معلمته، هذه الأسباب والظروف أو بعضها
قد تجعل الطفل مهملاً، أو لا تتيح له مجالاً للتفاعل مع الآخرين، ولإظهار
ما لديه من طاقات، فتبرز لديه ميول الانطواء واللامبالاة والشرود الذهني
والاستخفاف بالدروس.وهكذا فإن الموقف من المدرسة لدى الطفل يتدرّج ويتصاعد
من المنزل وصولاً إلى أولى أيامه المدرسية، وأول الأشخاص الذين يتعامل معهم
ويشكلون مجتمعه الجديد.لكن هذا لا يعني ولا يستبعد إمكانية أن يكون لدى
الطفل مشكلة جسيمة وهو في المنزل قبل دخوله المدرسة، في سمعه أو نظره أو
نطقه، مما قد يكون سبباً لتشكيل اضطراب نفسي لديه، خاصة فيما لو لم تلحظ
الأم أو الأب الدقة في العناية به ومعالجته، فيذهب إلى المدرسة مضطرباً،
غير قادر على تحمّل فضول رفاقه أو غضب المعلمة.وهناك أسباب تربوية، فالقمع
المستمر للطفل في حركاته، والتأنيب والقسوة في معاملته، قد يفقده الثقة
بنفسه، ويجعله قلقاً، كما أن مكوث الطفل أمام جهاز التلفاز وقتاً طويلاً
ومشاهدته لبرامجه بدون رقابة الأهل، قد يطبع في ذهنه صوراً مقلقة تبعث فيه
شروداً ذهنياً، عدا التبلّد العقلي الذي يصيبه جرّاء ذلك.وهكذا، فإن الأم
قد تجد جملة من الأسباب والخلفيات لإعراض طفلها عن الدراسة والتعلم، واتخاذ
موقفاً صارماً متشدداً إزاء المدرسة، وما عليها إلا أن تتحلى بالصبر
والحكمة، وتبحث عن أصل المشكلة بالتحديد، وتسعى لحلحلتها وزحزحة طفلها عن
موقفه بعلاج الخلل فيه، في جسده أو نفسيته أو في أسلوب المعلمين ربما، أو
في أسلوب الأم نفسه، وفي كل الأحوال ينبغي أن لا يتفاقم الموقف بين الطفل
والأهل ليصل إلى حد ضربه ومعاقبته كأسلوب لحمله على إنجاز واجباته
المدرسية.
كلمة أخيرة
إن تعريف القوانين الأخلاقية بالتوجيهات والأوامر الإلهية تعدّ من الشروط
الواجب مراعاتها ضمن سياق العملية التربوية حيث أن من واجب المدرسة تعليم
الطالب حسن التصرف في نعم الله باستعمالها فيما خلقت من أجله وتعريفه بأن
للنفس الإنسانية كرامة عظمى ينبغي إحياؤها بالضمير والخلق الحسن.وهذه
القوانين هي ليست بعيدة عن المناهج التربوية المخصصة للطالب أصلاً ضمن حقول
دراسته المتعارف عليها، حيث أن اطلاعاً بسيطاً على مناهج التربية
الإسلامية المقررة للنشر في مدارسنا العربية يجعلنا على ثقة أكيدة بأن
هنالك إمكانيات واسعة لإنشاء مجتمع طفولي متعلم قادر على استيعاب معركة
الحياة.. وقادر على المواجهة الفعلية التي تحاك ضد مجتمعاتنا العربية
والإسلامية. لقد أكد علماء الأخلاق على تدريب وتربية الضمير الإنساني من
خلال الأحكام الشرعية والأخلاقية الواجب اتباعها عبر تعلم الكيفية التي
نبحث من خلالها على ما يجب عمله من الأعمال الخيرة الحكيمة.
المصادر
1 ـ الطبيعية البشرية والسلوك الإنساني. تأليف جون ديوي. ترجمة وتقديم:
محمد لبيب.2 ـ دراسات في التربية وعلم النفس. تأليف الدكتور فاخر عاقل. دار
الرائد العربي. بيروت ـ لبنان.