منتدى اسرة القلم
[تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 18


اهلا بك زائرنا الكريم
تفضل بالانضمام لاسرتنا بالضغط على كلمه سجل
اهلا وسهلا بكم نورتونا
تمنى لك المتعه والفائده معنا
منتدى اسرة القلم
[تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 18


اهلا بك زائرنا الكريم
تفضل بالانضمام لاسرتنا بالضغط على كلمه سجل
اهلا وسهلا بكم نورتونا
تمنى لك المتعه والفائده معنا
منتدى اسرة القلم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى اسرة القلم

كل ما يجود فيه الخاطر من همس وحب ومشاعر وابداع تميز بلا حدود ...
 
الرئيسيةالبوابة**أحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» ❞ كتاب فوضى المشاعر ❝ ⏤ ستيفان زفايج
تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:58 am من طرف قمر الزمان

» رواية أرني أنظر إليك ❝ ⏤ خولة حمدى
تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:50 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب زوربا pdfالمؤلف: نيكوس كازانتزاكيس
تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:27 am من طرف قمر الزمان

» كتاب أحجار على رقعة الشطرنج :وليم جاي كار
تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:57 am من طرف قمر الزمان

»  رواية ذهب مع الريح PDF تأليف (مارغريت ميتشل)
تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:50 am من طرف قمر الزمان

» كتاب عصر الحب pdf تأليف (نجيب محفوظ).
تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:46 am من طرف قمر الزمان

» رواية جامع الفراشات pdf تأليف ( جون فاولز )
تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:36 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب سنترال بارك pdf غيوم ميسو
تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:31 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب بعد 7 سنوات ل غيوم ميسو
تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:19 am من طرف قمر الزمان

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
FaceBooke
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 94 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 94 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 226 بتاريخ الأحد ديسمبر 29, 2019 12:55 pm

 

 تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176

اذهب الى الأسفل 
+4
شمس المنتدى
ابو النور الصالح
راشد الكاسر
غريب الروح
8 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الإثنين مارس 04, 2013 6:34 pm



سورة البقرة



" الاية 126حتي الاية 176 "


{ 126 }
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا
وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ
أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }

أي: وإذ دعا إبراهيم لهذا
البيت, أن يجعله الله بلدا آمنا, ويرزق أهله من أنواع الثمرات، ثم قيد عليه
السلام هذا الدعاء للمؤمنين, تأدبا مع الله, إذ كان دعاؤه الأول, فيه
الإطلاق, فجاء الجواب فيه مقيدا بغير الظالم.

فلما دعا لهم بالرزق, وقيده بالمؤمن, وكان رزق الله شاملا للمؤمن والكافر, والعاصي والطائع, قال تعالى: { وَمَنْ كَفَرَ }
أي: أرزقهم كلهم, مسلمهم وكافرهم، أما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة
الله, ثم ينتقل منه إلى نعيم الجنة، وأما الكافر, فيتمتع فيها قليلا
{ ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } أي: ألجئه وأخرجه مكرها { إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
{ 127 -
129 } { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ
عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ
فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ }

أي: واذكر إبراهيم
وإسماعيل, في حالة رفعهما القواعد من البيت الأساس, واستمرارهما على هذا
العمل العظيم، وكيف كانت حالهما من الخوف والرجاء, حتى إنهما مع هذا العمل
دعوا الله أن يتقبل منهما عملهما, حتى يحصل فيه النفع العميم.

ودعوا لأنفسهما, وذريتهما بالإسلام, الذي حقيقته, خضوع القلب, وانقياده لربه المتضمن لانقياد الجوارح. { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا }
أي: علمناها على وجه الإراءة والمشاهدة, ليكون أبلغ. يحتمل أن يكون المراد
بالمناسك: أعمال الحج كلها, كما يدل عليه السياق والمقام، ويحتمل أن يكون
المراد ما هو أعم من ذلك وهو الدين كله, والعبادات كلها, كما يدل عليه عموم
اللفظ, لأن النسك: التعبد, ولكن غلب على متعبدات الحج, تغليبا عرفيا،
فيكون حاصل دعائهما, يرجع إلى التوفيق للعلم النافع, والعمل الصالح، ولما
كان العبد - مهما كان - لا بد أن يعتريه التقصير, ويحتاج إلى التوبة قالا:
{ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }
{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ } أي: في ذريتنا { رَسُولًا مِنْهُمْ } ليكون أرفع لدرجتهما, ولينقادوا له, وليعرفوه حقيقة المعرفة. { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ } لفظا, وحفظا, وتحفيظا { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } معنى.
{ وَيُزَكِّيهِمْ } بالتربية على الأعمال الصالحة والتبري من الأعمال الردية, التي لا تزكي النفوس معها. { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ } أي: القاهر لكل شيء, الذي لا يمتنع على قوته شيء. { الْحَكِيمُ }
الذي يضع الأشياء مواضعها، فبعزتك وحكمتك, ابعث فيهم هذا الرسول. فاستجاب
الله لهما, فبعث الله هذا الرسول الكريم, الذي رحم الله به ذريتهما خاصة,
وسائر الخلق عامة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " أنا دعوة أبي إبراهيم "

ولما عظم الله إبراهيم هذا التعظيم, وأخبر عن صفاته الكاملة قال تعالى:

{ 130 - 134 } {
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ
وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ
الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ
لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ
يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ
يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي
قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * تِلْكَ أُمَّةٌ
قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ
عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

أي: ما يرغب { عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ } بعد ما عرف من فضله { إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ }
أي: جهلها وامتهنها, ورضي لها بالدون, وباعها بصفقة المغبون، كما أنه لا
أرشد وأكمل, ممن رغب في ملة إبراهيم، ثم أخبر عن حالته في الدنيا والآخرة
فقال:
{ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا } أي: اخترناه ووفقناه للأعمال, التي صار بها من المصطفين الأخيار.
{ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } الذين لهم أعلى الدرجات.
{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ } امتثالا لربه { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } إخلاصا وتوحيدا, ومحبة, وإنابة فكان التوحيد لله نعته.
ثم ورثه في ذريته, ووصاهم به, وجعلها كلمة باقية في عقبه, وتوارثت فيهم, حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه.
فأنتم - يا بني يعقوب - قد وصاكم أبوكم بالخصوص, فيجب عليكم كمال الانقياد, واتباع خاتم الأنبياء قال: { يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ }
أي: اختاره وتخيره لكم, رحمة بكم, وإحسانا إليكم, فقوموا به, واتصفوا
بشرائعه, وانصبغوا بأخلاقه, حتى تستمروا على ذلك فلا يأتيكم الموت إلا
وأنتم عليه, لأن من عاش على شيء, مات عليه, ومن مات على شيء, بعث عليه.

ولما كان اليهود يزعمون أنهم على ملة إبراهيم, ومن بعده يعقوب, قال تعالى منكرا عليهم: { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ } أي: حضورا { إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ } أي: مقدماته وأسبابه، فقال لبنيه على وجه الاختبار, ولتقر عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم به: { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي } ؟ فأجابوه بما قرت به عينه فقالوا: { نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا } فلا نشرك به شيئا, ولا نعدل به أحدا، { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } فجمعوا بين التوحيد والعمل.
ومن المعلوم أنهم لم يحضروا يعقوب, لأنهم لم يوجدوا بعد، فإذا لم يحضروا, فقد أخبر الله عنه أنه وصى بنيه بالحنيفية, لا باليهودية.
ثم قال تعالى: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } أي: مضت { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ }
أي: كل له عمله, وكل سيجازى بما فعله, لا يؤخذ أحد بذنب أحد ولا ينفع
أحدا إلا إيمانه وتقواه فاشتغالكم بهم وادعاؤكم, أنكم على ملتهم, والرضا
بمجرد القول, أمر فارغ لا حقيقة له، بل الواجب عليكم, أن تنظروا حالتكم
التي أنتم عليها, هل تصلح للنجاة أم لا؟

{ 135 } {
وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

أي: دعا كل من اليهود والنصارى المسلمين إلى الدخول في دينهم, زاعمين أنهم هم المهتدون وغيرهم ضال.
قل له مجيبا جوابا شافيا: { بَلْ } نتبع { مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } أي: مقبلا على الله, معرضا عما سواه, قائما بالتوحيد, تاركا للشرك والتنديد.
فهذا الذي في اتباعه الهداية, وفي الإعراض عن ملته الكفر والغواية.
{ 136 } {
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ
وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ
لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

هذه الآية الكريمة, قد اشتملت على جميع ما يجب الإيمان به.
واعلم أن الإيمان الذي هو
تصديق القلب التام, بهذه الأصول, وإقراره المتضمن لأعمال القلوب والجوارح،
وهو بهذا الاعتبار يدخل فيه الإسلام, وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها، فهي
من الإيمان, وأثر من آثاره، فحيث أطلق الإيمان, دخل فيه ما ذكر، وكذلك
الإسلام, إذا أطلق دخل فيه الإيمان، فإذا قرن بينهما, كان الإيمان اسما لما
في القلب من الإقرار والتصديق، والإسلام, اسما للأعمال الظاهرة وكذلك إذا
جمع بين الإيمان والأعمال الصالحة، فقوله تعالى:
{ قُولُوا }
أي: بألسنتكم, متواطئة عليها قلوبكم، وهذا هو القول التام, المترتب عليه
الثواب والجزاء، فكما أن النطق باللسان, بدون اعتقاد القلب, نفاق وكفر،
فالقول الخالي من العمل عمل القلب, عديم التأثير, قليل الفائدة, وإن كان
العبد يؤجر عليه, إذا كان خيرا ومعه أصل الإيمان، لكن فرق بين القول
المجرد, والمقترن به عمل القلب.

وفي قوله: { قُولُوا } إشارة إلى الإعلان بالعقيدة, والصدع بها, والدعوة لها, إذ هي أصل الدين وأساسه.
وفي قوله: { آمَنَّا }
ونحوه مما فيه صدور الفعل, منسوبا إلى جميع الأمة, إشارة إلى أنه يجب على
الأمة, الاعتصام بحبل الله جميعا, والحث على الائتلاف حتى يكون داعيهم
واحدا, وعملهم متحدا, وفي ضمنه النهي عن الافتراق، وفيه: أن المؤمنين
كالجسد الواحد.

وفي قوله: { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ }
إلخ دلالة على جواز إضافة الإنسان إلى نفسه الإيمان, على وجه التقييد, بل
على وجوب ذلك، بخلاف قوله: "أنا مؤمن" ونحوه, فإنه لا يقال إلا مقرونا
بالاستثناء بالمشيئة, لما فيه من تزكية النفس, والشهادة على نفسه بالإيمان.

فقوله: { آمَنَّا بِاللَّهِ }
أي: بأنه موجود, واحد أحد, متصف بكل صفة كمال, منزه عن كل نقص وعيب, مستحق
لإفراده بالعبادة كلها, وعدم الإشراك به في شيء منها, بوجه من الوجوه.

{ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } يشمل القرآن والسنة لقوله تعالى: { وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }
فيدخل فيه الإيمان بما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله, من صفات الباري, وصفات
رسله, واليوم الآخر, والغيوب الماضية والمستقبلة, والإيمان بما تضمنه ذلك
من الأحكام الشرعية الأمرية, وأحكام الجزاء وغير ذلك.

{ وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ }
إلى آخر الآية، فيه الإيمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء،
والإيمان بالأنبياء عموما وخصوصا, ما نص عليه في الآية, لشرفهم ولإتيانهم
بالشرائع الكبار. فالواجب في الإيمان بالأنبياء والكتب, أن يؤمن بهم على
وجه العموم والشمول، ثم ما عرف منهم بالتفصيل, وجب الإيمان به مفصلا.

وقوله: { لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } أي: بل نؤمن بهم كلهم، هذه خاصية المسلمين, التي انفردوا بها عن كل من يدعي أنه على دين.
فاليهود والنصارى والصابئون
وغيرهم - وإن زعموا أنهم يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل والكتب - فإنهم
يكفرون بغيره، فيفرقون بين الرسل والكتب, بعضها يؤمنون به وبعضها يكفرون
به، وينقض تكذيبهم تصديقهم، فإن الرسول الذي زعموا, أنهم قد آمنوا به, قد
صدق سائر الرسل وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كذبوا محمدا, فقد
كذبوا رسولهم فيما أخبرهم به, فيكون كفرا برسولهم.

وفي قوله: { وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ }
دلالة على أن عطية الدين, هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية
والأخروية. لم يأمرنا أن نؤمن بما أوتي الأنبياء من الملك والمال ونحو ذلك،
بل أمرنا أن نؤمن بما أعطوا من الكتب والشرائع.

وفيه أن الأنبياء مبلغون عن الله, ووسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه, ليس لهم من الأمر شيء.
وفي قوله: { مِنْ رَبِّهِمْ } إشارة إلى أنه من كمال ربوبيته لعباده, أن ينزل عليهم الكتب, ويرسل إليهم الرسل, فلا تقتضي ربوبيته, تركهم سدى ولا هملا.
وإذا كان ما أوتي النبيون,
إنما هو من ربهم, ففيه الفرق بين الأنبياء وبين من يدعي النبوة, وأنه يحصل
الفرق بينهم بمجرد معرفة ما يدعون إليه، فالرسل لا يدعون إلا إلى لخير, ولا
ينهون إلا عن كل شر، وكل واحد منهم, يصدق الآخر, ويشهد له بالحق, من غير
تخالف ولا تناقض لكونه من عند ربهم
{ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }
وهذا بخلاف من ادعى النبوة,
فلا بد أن يتناقضوا في أخبارهم وأوامرهم ونواهيهم, كما يعلم ذلك من سبر
أحوال الجميع, وعرف ما يدعون إليه.

فلما بيَّن تعالى جميع ما يؤمن به, عموما وخصوصا, وكان القول لا يغني عن العمل قال: { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي: خاضعون لعظمته, منقادون لعبادته, بباطننا وظاهرنا, مخلصون له العبادة بدليل تقديم المعمول, وهو { لَهُ } على العامل وهو { مُسْلِمُونَ }
فقد اشتملت هذه الآية
الكريمة - على إيجازها واختصارها - على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد
الربوبية, وتوحيد الألوهية, وتوحيد الأسماء والصفات، واشتملت على الإيمان
بجميع الرسل, وجميع الكتب، وعلى التخصيص الدال على الفضل بعد التعميم، وعلى
التصديق بالقلب واللسان والجوارح والإخلاص لله في ذلك، وعلى الفرق بين
الرسل الصادقين, ومن ادعى النبوة من الكاذبين، وعلى تعليم الباري عباده,
كيف يقولون, ورحمته وإحسانه عليهم بالنعم الدينية المتصلة بسعادة الدنيا
والآخرة، فسبحان من جعل كتابه تبيانا لكل شيء, وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.


{ 137 } { فَإِنْ
آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا
فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ }

أي: فإن آمن أهل الكتاب { بمثل ما آمنتم به }
- يا معشر المؤمنين - من جميع الرسل, وجميع الكتب, الذين أول من دخل فيهم,
وأولى خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن, وأسلموا لله وحده,
ولم يفرقوا بين أحد من رسل الله
{ فَقَدِ اهْتَدَوْا }
للصراط المستقيم, الموصل لجنات النعيم، أي: فلا سبيل لهم إلى الهداية, إلا
بهذا الإيمان، لا كما زعموا بقولهم: " كونوا هودا أو نصارى تهتدوا "
فزعموا أن الهداية خاصة بما كانوا عليه، و " الهدى " هو العلم بالحق,
والعمل به, وضده الضلال عن العلم والضلال عن العمل بعد العلم, وهو الشقاق
الذي كانوا عليه, لما تولوا وأعرضوا، فالمشاق: هو الذي يكون في شق والله
ورسوله في شق، ويلزم من المشاقة المحادة, والعداوة البليغة, التي من
لوازمها, بذل ما يقدرون عليه من أذية الرسول، فلهذا وعد الله رسوله, أن
يكفيه إياهم, لأنه السميع لجميع الأصوات, باختلاف اللغات, على تفنن
الحاجات, العليم بما بين أيديهم وما خلفهم, بالغيب والشهادة, بالظواهر
والبواطن، فإذا كان كذلك, كفاك الله شرهم.

وقد أنجز الله لرسوله وعده, وسلطه عليهم حتى قتل بعضهم, وسبى بعضهم, وأجلى بعضهم, وشردهم كل مشرد.
ففيه معجزة من معجزات القرآن, وهو الإخبار بالشيء قبل وقوعه, فوقع طبق ما أخبر.

{ 138 } { صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ }
أي: الزموا صبغة الله, وهو
دينه, وقوموا به قياما تاما, بجميع أعماله الظاهرة والباطنة, وجميع عقائده
في جميع الأوقات, حتى يكون لكم صبغة, وصفة من صفاتكم، فإذا كان صفة من
صفاتكم, أوجب ذلك لكم الانقياد لأوامره, طوعا واختيارا ومحبة, وصار الدين
طبيعة لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة, فحصلت لكم السعادة
الدنيوية والأخروية, لحث الدين على مكارم الأخلاق, ومحاسن الأعمال, ومعالي
الأمور، فلهذا قال - على سبيل التعجب المتقرر للعقول الزكية-:
{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً } أي: لا أحسن صبغة من صبغته
وإذا أردت أن تعرف نموذجا
يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصبغ, فقس الشيء بضده، فكيف
ترى في عبد آمن بربه إيمانا صحيحا, أثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح،
فلم يزل يتحلى بكل وصف حسن, وفعل جميل, وخلق كامل, ونعت جليل، ويتخلى من كل
وصف قبيح, ورذيلة وعيب، فوصفه: الصدق في قوله وفعله, والصبر والحلم,
والعفة, والشجاعة, والإحسان القولي والفعلي, ومحبة الله وخشيته, وخوفه,
ورجاؤه، فحاله الإخلاص للمعبود, والإحسان لعبيده، فقسه بعبد كفر بربه, وشرد
عنه, وأقبل على غيره من المخلوقين فاتصف بالصفات القبيحة, من الكفر,
والشرك والكذب, والخيانة, والمكر, والخداع, وعدم العفة, والإساءة إلى
الخلق, في أقواله, وأفعاله، فلا إخلاص للمعبود, ولا إحسان إلى عبيده.

فإنه يظهر لك الفرق العظيم بينهما, ويتبين لك أنه لا أحسن صبغة من صبغة الله, وفي ضمنه أنه لا أقبح صبغة ممن انصبغ بغير دينه.
وفي قوله: { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ }
بيان لهذه الصبغة, وهي القيام بهذين الأصلين: الإخلاص والمتابعة, لأن "
العبادة " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال, والأقوال الظاهرة
والباطنة، ولا تكون كذلك, حتى يشرعها الله على لسان رسوله، والإخلاص: أن
يقصد العبد وجه الله وحده, في تلك الأعمال، فتقديم المعمول, يؤذن بالحصر.

وقال: { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } فوصفهم باسم الفاعل الدال على الثبوت والاستقرار, ليدل على اتصافهم بذلك وكونه صار صبغة لهم ملازما.

{ 139 } { قُلْ
أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا
أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }

المحاجة هي: المجادلة بين
اثنين فأكثر, تتعلق بالمسائل الخلافية, حتى يكون كل من الخصمين يريد نصرة
قوله, وإبطال قول خصمه، فكل واحد منهما, يجتهد في إقامة الحجة على ذلك،
والمطلوب منها, أن تكون بالتي هي أحسن, بأقرب طريق يرد الضال إلى الحق,
ويقيم الحجة على المعاند, ويوضح الحق, ويبين الباطل، فإن خرجت عن هذه
الأمور, كانت مماراة, ومخاصمة لا خير فيها,

وأحدثت من الشر ما أحدثت،
فكان أهل الكتاب, يزعمون أنهم أولى بالله من المسلمين, وهذا مجرد دعوى,
تفتقر إلى برهان ودليل. فإذا كان رب الجميع واحدا, ليس ربا لكم دوننا, وكل
منا ومنكم له عمله, فاستوينا نحن وإياكم بذلك. فهذا لا يوجب أن يكون أحد
الفريقين أولى بالله من غيره؛ لأن التفريق مع الاشتراك في الشيء, من غير
فرق مؤثر, دعوى باطلة, وتفريق بين متماثلين, ومكابرة ظاهرة. وإنما يحصل
التفضيل, بإخلاص الأعمال الصالحة لله وحده، وهذه الحالة, وصف المؤمنين
وحدهم, فتعين أنهم أولى بالله من غيرهم؛ لأن الإخلاص, هو الطريق إلى
الخلاص، فهذا هو الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان, بالأوصاف
الحقيقية التي يسلمها أهل العقول, ولا ينازع فيها إلا كل مكابر جهول، ففي
هذه الآية, إرشاد لطيف لطريق المحاجة, وأن الأمور مبنية على الجمع بين
المتماثلين, والفرق بين المختلفين.


{ 140 } { أَمْ
تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ
أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ
اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

وهذه دعوى أخرى منهم, ومحاجة في رسل الله, زعموا أنهم أولى بهؤلاء الرسل المذكورين من المسلمين.
فرد الله عليهم بقوله: { أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ } فالله يقول: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } وهم يقولون: بل كان يهوديا أو نصرانيا.
فإما أن يكونوا, هم
الصادقين العالمين, أو يكون الله تعالى هو الصادق العالم بذلك, فأحد
الأمرين متعين لا محالة، وصورة الجواب مبهم, وهو في غاية الوضوح والبيان،
حتى إنه - من وضوحه - لم يحتج أن يقول بل الله أعلم وهو أصدق, ونحو ذلك,
لانجلائه لكل أحد، كما إذا قيل: الليل أنور, أم النهار؟ والنار أحر أم
الماء؟ والشرك أحسن أم التوحيد؟ ونحو ذلك.

وهذا يعرفه كل من له أدنى
عقل حتى إنهم بأنفسهم يعرفون ذلك, ويعرفون أن إبراهيم وغيره من الأنبياء,
لم يكونوا هودا ولا نصارى, فكتموا هذا العلم وهذه الشهادة, فلهذا كان ظلمهم
أعظم الظلم. ولهذا قال تعالى:
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ }
فهي شهادة عندهم, مودعة من الله, لا من الخلق, فيقتضي الاهتمام بإقامتها,
فكتموها, وأظهروا ضدها، جمعوا بين كتم الحق, وعدم النطق به, وإظهار الباطل,
والدعوة إليه، أليس هذا أعظم الظلم؟ بلى والله, وسيعاقبهم عليه أشد
العقوبة، فلهذا قال:
{ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
بل قد أحصى أعمالهم, وعدها وادخر لهم جزاءها, فبئس الجزاء جزاؤهم, وبئست
النار, مثوى للظالمين، وهذه طريقة القرآن في ذكر العلم والقدرة, عقب الآيات
المتضمنة للأعمال التي يجازى عليها.

فيفيد ذلك الوعد والوعيد,
والترغيب والترهيب، ويفيد أيضا ذكر الأسماء الحسنى بعد الأحكام, أن الأمر
الديني والجزائي, أثر من آثارها, وموجب من موجباتها, وهي مقتضية له.


{ 141 } ثم قال تعالى: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
تقدم تفسيرها, وكررها, لقطع
التعلق بالمخلوقين, وأن المعول عليه ما اتصف به الإنسان, لا عمل أسلافه
وآبائه، فالنفع الحقيقي بالأعمال, لا بالانتساب المجرد للرجال.



تفسير الجزء الثاني
{
142 - 143 } { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ
قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ
وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى
النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا
الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ
الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ
لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }

قد اشتملت الآية الأولى على
معجزة, وتسلية, وتطمين قلوب المؤمنين, واعتراض وجوابه, من ثلاثة أوجه,
وصفة المعترض, وصفة المسلم لحكم الله دينه.

فأخبر تعالى أنه سيعترض
السفهاء من الناس, وهم الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم, بل يضيعونها
ويبيعونها بأبخس ثمن, وهم اليهود والنصارى, ومن أشبههم من المعترضين على
أحكام الله وشرائعه، وذلك أن المسلمين كانوا مأمورين باستقبال بيت المقدس,
مدة مقامهم بمكة، ثم بعد الهجرة إلى المدينة, نحو سنة ونصف - لما لله تعالى
في ذلك من الحكم التي سيشير إلى بعضها, وكانت حكمته تقتضي أمرهم باستقبال
الكعبة، فأخبرهم أنه لا بد أن يقول السفهاء من الناس:
{ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا }
وهي استقبال بيت المقدس، أي: أيُّ شيء صرفهم عنه؟ وفي ذلك الاعتراض على
حكم الله وشرعه, وفضله وإحسانه، فسلاهم, وأخبر بوقوعه, وأنه إنما يقع ممن
اتصف بالسفه, قليل العقل, والحلم, والديانة، فلا تبالوا بهم, إذ قد علم
مصدر هذا الكلام، فالعاقل لا يبالي باعتراض السفيه, ولا يلقي له ذهنه. ودلت
الآية على أنه لا يعترض على أحكام الله, إلا سفيه جاهل معاند، وأما الرشيد
المؤمن العاقل, فيتلقى أحكام ربه بالقبول, والانقياد, والتسليم كما قال
تعالى:
{ وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }
{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } الآية، {
إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }
وقد كان في قوله { السفهاء } ما يغني عن رد قولهم, وعدم المبالاة به.
ولكنه تعالى مع هذا لم يترك هذه الشبهة, حتى أزالها وكشفها مما سيعرض لبعض القلوب من الاعتراض, فقال تعالى: { قُلْ } لهم مجيبا: { لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
أي: فإذا كان المشرق والمغرب ملكا لله, ليس جهة من الجهات خارجة عن ملكه,
ومع هذا يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم, ومنه هدايتكم إلى هذه القبلة التي
هي من ملة أبيكم إبراهيم، فلأي شيء يعترض المعترض بتوليتكم قبلة داخلة تحت
ملك الله, لم تستقبلوا جهة ليست ملكا له؟ فهذا يوجب التسليم لأمره, بمجرد
ذلك، فكيف وهو من فضل الله عليكم, وهدايته وإحسانه, أن هداكم لذلك فالمعترض
عليكم, معترض على فضل الله, حسدا لكم وبغيا.

ولما كان قوله: { يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
والمطلق يحمل على المقيد, فإن الهداية والضلال, لهما أسباب أوجبتها حكمة
الله وعدله, وقد أخبر في غير موضع من كتابه بأسباب الهداية, التي إذا أتى
بها العبد حصل له الهدى كما قال تعالى:
{ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ } ذكر في هذه الآية السبب الموجب لهداية هذه الأمة مطلقا بجميع أنواع الهداية, ومنة الله عليها فقال:
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا }
أي: عدلا خيارا، وما عدا الوسط, فأطراف داخلة تحت الخطر، فجعل الله هذه
الأمة, وسطا في كل أمور الدين، وسطا في الأنبياء, بين من غلا فيهم,
كالنصارى, وبين من جفاهم, كاليهود, بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق
بذلك، ووسطا في الشريعة, لا تشديدات اليهود وآصارهم, ولا تهاون النصارى.

وفي باب الطهارة والمطاعم,
لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بيعهم وكنائسهم, ولا يطهرهم الماء
من النجاسات, وقد حرمت عليهم الطيبات, عقوبة لهم، ولا كالنصارى الذين لا
ينجسون شيئا, ولا يحرمون شيئا, بل أباحوا ما دب ودرج.

بل طهارتهم أكمل طهارة
وأتمها، وأباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح,
وحرم عليهم الخبائث من ذلك، فلهذه الأمة من الدين أكمله, ومن الأخلاق
أجلها, ومن الأعمال أفضلها.

ووهبهم الله من العلم والحلم, والعدل والإحسان, ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا { أُمَّةً وَسَطًا } [كاملين] ليكونوا { شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ }
بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط, يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان, ولا
يحكم عليهم غيرهم، فما شهدت له هذه الأمة بالقبول, فهو مقبول, وما شهدت له
بالرد, فهو مردود. فإن قيل: كيف يقبل حكمهم على غيرهم, والحال أن كل
مختصمين غير مقبول قول بعضهم على بعض؟ قيل: إنما لم يقبل قول أحد
المتخاصمين, لوجود التهمة فأما إذا انتفت التهمة, وحصلت العدالة التامة,
كما في هذه الأمة, فإنما المقصود, الحكم بالعدل والحق، وشرط ذلك, العلم
والعدل, وهما موجودان في هذه الأمة, فقبل قولها.

فإن شك شاك في فضلها, وطلب مزكيا لها, فهو أكمل الخلق, نبيهم صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال تعالى: { وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }
ومن شهادة هذه الأمة على
غيرهم, أنه إذا كان يوم القيامة, وسأل الله المرسلين عن تبليغهم, والأمم
المكذبة عن ذلك, وأنكروا أن الأنبياء بلغتهم، استشهدت الأنبياء بهذه الأمة,
وزكاها نبيها.

وفي الآية دليل على أن إجماع هذه الأمة, حجة قاطعة, وأنهم معصومون عن الخطأ, لإطلاق قوله: { وَسَطًا } فلو قدر اتفاقهم على الخطأ, لم يكونوا وسطا, إلا في بعض الأمور, ولقوله: { ولتكونوا شهداء على الناس }
يقتضي أنهم إذا شهدوا على حكم أن الله أحله أو حرمه أو أوجبه، فإنها
معصومة في ذلك. وفيها اشتراط العدالة في الحكم, والشهادة, والفتيا, ونحو
ذلك.

يقول تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا } وهي استقبال بيت المقدس أولا { إِلَّا لِنَعْلَمَ } أي: علما يتعلق به الثواب والعقاب, وإلا فهو تعالى عالم بكل الأمور قبل وجودها.
ولكن هذا العلم, لا يعلق
عليه ثوابا ولا عقابا, لتمام عدله, وإقامة الحجة على عباده، بل إذا وجدت
أعمالهم, ترتب عليها الثواب والعقاب، أي: شرعنا تلك القبلة لنعلم ونمتحن
{ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ }
ويؤمن به, فيتبعه على كل حال, لأنه عبد مأمور مدبر، ولأنه قد أخبرت الكتب
المتقدمة, أنه يستقبل الكعبة، فالمنصف الذي مقصوده الحق, مما يزيده ذلك
إيمانا, وطاعة للرسول.

وأما من انقلب على عقبيه,
وأعرض عن الحق, واتبع هواه, فإنه يزداد كفرا إلى كفره, وحيرة إلى حيرته,
ويدلي بالحجة الباطلة, المبنية على شبهة لا حقيقة لها.

{ وَإِنْ كَانَتْ } أي: صرفك عنها { لَكَبِيرَةٌ } أي: شاقة { إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ }
فعرفوا بذلك نعمة الله عليهم, وشكروا, وأقروا له بالإحسان, حيث وجههم إلى
هذا البيت العظيم, الذي فضله على سائر بقاع الأرض، وجعل قصده, ركنا من
أركان الإسلام, وهادما للذنوب والآثام, فلهذا خف عليهم ذلك, وشق على من
سواهم.

ثم قال تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }
أي: ما ينبغي له ولا يليق به تعالى, بل هي من الممتنعات عليه، فأخبر أنه
ممتنع عليه, ومستحيل, أن يضيع إيمانكم، وفي هذا بشارة عظيمة لمن مَنَّ الله
عليهم بالإسلام والإيمان, بأن الله سيحفظ عليهم إيمانهم, فلا يضيعه, وحفظه
نوعان:

حفظ عن الضياع والبطلان,
بعصمته لهم عن كل مفسد ومزيل له ومنقص من المحن المقلقة, والأهواء الصادة،
وحفظ له بتنميته لهم, وتوفيقهم لما يزداد به إيمانهم, ويتم به إيقانهم،
فكما ابتدأكم, بأن هداكم للإيمان, فسيحفظه لكم, ويتم نعمته بتنميته وتنمية
أجره, وثوابه, وحفظه من كل مكدر، بل إذا وجدت المحن المقصود منها, تبيين
المؤمن الصادق من الكاذب، فإنها تمحص المؤمنين, وتظهر صدقهم، وكأن في هذا
احترازا عما قد يقال إن قوله:
{
وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ
مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ }
قد يكون سببا لترك بعض المؤمنين إيمانهم, فدفع هذا الوهم بقوله: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } بتقديره لهذه المحنة أو غيرها.
ودخل في ذلك من مات من
المؤمنين قبل تحويل الكعبة, فإن الله لا يضيع إيمانهم, لكونهم امتثلوا أمر
الله وطاعة رسوله في وقتها، وطاعة الله, امتثال أمره في كل وقت, بحسب ذلك،
وفي هذه الآية, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, أن الإيمان تدخل فيه أعمال
الجوارح.

وقوله: { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }
أي: شديد الرحمة بهم عظيمها، فمن رأفته ورحمته بهم, أن يتم عليهم نعمته
التي ابتدأهم بها، وأن ميَّزَ عنهم من دخل في الإيمان بلسانه دون قلبه، وأن
امتحنهم امتحانا, زاد به إيمانهم, وارتفعت به درجتهم، وأن وجههم إلى أشرف
البيوت, وأجلها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الإثنين مارس 04, 2013 6:43 pm


{ 144 } { قَدْ
نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً
تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا
كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ
بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }

يقول الله لنبيه: { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ } أي: كثرة تردده في جميع جهاته, شوقا وانتظارا لنزول الوحي باستقبال الكعبة، وقال: { وَجْهِكَ } ولم يقل: " بصرك " لزيادة اهتمامه, ولأن تقليب الوجه مستلزم لتقليب البصر.
{ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ } أي: نوجهك لولايتنا إياك، { قِبْلَةً تَرْضَاهَا }
أي: تحبها, وهي الكعبة، وفي هذا بيان لفضله وشرفه صلى الله عليه وسلم, حيث
إن الله تعالى يسارع في رضاه, ثم صرح له باستقبالها فقال:
{ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }والوجه: ما أقبل من بدن الإنسان، { وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ } أي: من بر وبحر, وشرق وغرب, جنوب وشمال. { فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } أي: جهته.
ففيها اشتراط استقبال
الكعبة, للصلوات كلها, فرضها, ونفلها, وأنه إن أمكن استقبال عينها, وإلا
فيكفي شطرها وجهتها، وأن الالتفات بالبدن, مبطل للصلاة, لأن الأمر بالشيء
نهي عن ضده، ولما ذكر تعالى فيما تقدم, المعترضين على ذلك من أهل الكتاب
وغيرهم، وذكر جوابهم, ذكر هنا, أن أهل الكتاب والعلم منهم, يعلمون أنك في
ذلك على حق وأمر، لما يجدونه في كتبهم, فيعترضون عنادا وبغيا، فإذا كانوا
يعلمون بخطئهم فلا تبالوا بذلك، فإن الإنسان إنما يغمه اعتراض من اعترض
عليه, إذا كان الأمر مشتبها, وكان ممكنا أن يكون معه صواب.

فأما إذا تيقن أن الصواب
والحق مع المعترض عليه, وأن المعترض معاند, عارف ببطلان قوله, فإنه لا محل
للمبالاة, بل ينتظر بالمعترض العقوبة الدنيوية والأخروية, فلهذا قال تعالى:
{ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } بل يحفظ عليهم أعمالهم, ويجازيهم عليها، وفيها وعيد للمعترضين, وتسلية للمؤمنين.

{ 145 } {
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا
تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ
بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ
مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ }

كان النبي صلى الله عليه
وسلم من كمال حرصه على هداية الخلق يبذل لهم غاية ما يقدر عليه من النصيحة,
ويتلطف بهدايتهم, ويحزن إذا لم ينقادوا لأمر الله، فكان من الكفار, من
تمرد عن أمر الله, واستكبر على رسل الله, وترك الهدى, عمدا وعدوانا، فمنهم:
اليهود والنصارى, أهل الكتاب الأول, الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم
عن يقين, لا عن جهل، فلهذا أخبره الله تعالى أنك لو
{ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ } أي: بكل برهان ودليل يوضح قولك ويبين ما تدعو إليه، { مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ }
أي: ما تبعوك, لأن اتباع القبلة, دليل على اتباعه، ولأن السبب هو شأن
القبلة، وإنما كان الأمر كذلك, لأنهم معاندون, عرفوا الحق وتركوه، فالآيات
إنما تفيد وينتفع بها من يتطلب الحق, وهو مشتبه عليه, فتوضح له الآيات
البينات، وأما من جزم بعدم اتباع الحق, فلا حيلة فيه.

وأيضا فإن اختلافهم فيما
بينهم, حاصل, وبعضهم, غير تابع قبلة بعض، فليس بغريب منهم مع ذلك أن لا
يتبعوا قبلتك يا محمد, وهم الأعداء حقيقة الحسدة، وقوله:
{ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ }
أبلغ من قوله: " وَلَا تَتَّبِعْ " لأن ذلك يتضمن أنه صلى الله عليه وسلم
اتصف بمخالفتهم, فلا يمكن وقوع ذلك منه، ولم يقل: " ولو أتوا بكل آية "
لأنهم لا دليل لهم على قولهم.

وكذلك إذا تبين الحق بأدلته
اليقينية, لم يلزم الإتيان بأجوبة الشبه الواردة عليه, لأنها لا حد لها,
ولأنه يعلم بطلانها, للعلم بأن كل ما نافى الحق الواضح, فهو باطل, فيكون حل
الشبه من باب التبرع.

{ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ }
إنما قال: " أهواءهم " ولم يقل " دينهم " لأن ما هم عليه مجرد أهوية نفس,
حتى هم في قلوبهم يعلمون أنه ليس بدين، ومن ترك الدين, اتبع الهوى ولا
محالة، قال تعالى:
{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ }
{ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ } بأنك على الحق, وهم على الباطل، { إِنَّكَ إِذًا } أي: إن اتبعتهم, فهذا احتراز, لئلا تنفصل هذه الجملة عما قبلها, ولو في الأفهام، { لَمِنَ الظَّالِمِينَ }
أي: داخل فيهم, ومندرج في جملتهم، وأي ظلم أعظم, من ظلم, من علم الحق
والباطل, فآثر الباطل على الحق، وهذا, وإن كان الخطاب له صلى الله عليه
وسلم, فإن أمته داخلة في ذلك، وأيضا, فإذا كان هو صلى الله عليه وسلم لو
فعل ذلك -وحاشاه- صار ظالما مع علو مرتبته, وكثرة حسناته فغيره من باب
أولى وأحرى.

{ 146 - 147 } ثم قال تعالى:
{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
}


يخبر تعالى: أن أهل الكتاب
قد تقرر عندهم, وعرفوا أن محمدا رسول الله, وأن ما جاء به, حق وصدق,
وتقينوا ذلك, كما تيقنوا أبناءهم بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهم، فمعرفتهم
بمحمد صلى الله عليه وسلم, وصلت إلى حد لا يشكون فيه ولا يمترون، ولكن
فريقا منهم - وهم أكثرهم - الذين كفروا به, كتموا هذه الشهادة مع تيقنها,
وهم يعلمون
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ }
وفي ضمن ذلك, تسلية للرسول والمؤمنين, وتحذير له من شرهم وشبههم، وفريق
منهم لم يكتموا الحق وهم يعلمون، فمنهم من آمن [به] ومنهم من كفر [به]
جهلا، فالعالم عليه إظهار الحق, وتبيينه وتزيينه, بكل ما يقدر عليه من
عبارة وبرهان ومثال, وغير ذلك, وإبطال الباطل وتمييزه عن الحق, وتشيينه,
وتقبيحه للنفوس, بكل طريق مؤد لذلك، فهولاء الكاتمون, عكسوا الأمر, فانعكست
أحوالهم.

{ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ }
أي: هذا الحق الذي هو أحق أن يسمى حقا من كل شيء, لما اشتمل عليه من
المطالب العالية, والأوامر الحسنة, وتزكية النفوس وحثها على تحصيل مصالحها,
ودفع مفاسدها, لصدوره من ربك, الذي من جملة تربيته لك أن أنزل عليك هذا
القرآن الذي فيه تربية العقول والنفوس, وجميع المصالح.

{ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }
أي: فلا يحصل لك أدنى شك وريبة فيه، بل تفكَّر فيه وتأمل, حتى تصل بذلك
إلى اليقين, لأن التفكر فيه لا محالة, دافع للشك, موصل لليقين.


{ 148 } {
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا
تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ }

أي: كل أهل دين وملة, له
وجهة يتوجه إليها في عبادته، وليس الشأن في استقبال القبلة, فإنه من
الشرائع التي تتغير بها الأزمنة والأحوال, ويدخلها النسخ والنقل, من جهة
إلى جهة، ولكن الشأن كل الشأن, في امتثال طاعة الله, والتقرب إليه, وطلب
الزلفى عنده، فهذا هو عنوان السعادة ومنشور الولاية، وهو الذي إذا لم تتصف
به النفوس, حصلت لها خسارة الدنيا والآخرة، كما أنها إذا اتصفت به فهي
الرابحة على الحقيقة, وهذا أمر متفق عليه في جميع الشرائع, وهو الذي خلق
الله له الخلق, وأمرهم به.

والأمر بالاستباق إلى
الخيرات قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات، فإن الاستباق إليها, يتضمن
فعلها, وتكميلها, وإيقاعها على أكمل الأحوال, والمبادرة إليها، ومن سبق في
الدنيا إلى الخيرات, فهو السابق في الآخرة إلى الجنات, فالسابقون أعلى
الخلق درجة، والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل, من صلاة, وصيام, وزكوات
وحج, عمرة, وجهاد, ونفع متعد وقاصر.

ولما كان أقوى ما يحث النفوس على المسارعة إلى الخير, وينشطها, ما رتب الله عليها من الثواب قال: { أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فيجمعكم ليوم القيامة بقدرته, فيجازي كل عامل بعمله { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى }
ويستدل بهذه الآية الشريفة
على الإتيان بكل فضيلة يتصف بها العمل، كالصلاة في أول وقتها, والمبادرة
إلى إبراء الذمة, من الصيام, والحج, والعمرة, وإخراج الزكاة, والإتيان بسنن
العبادات وآدابها, فلله ما أجمعها وأنفعها من آية".


{ 149 - 150 } {
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ * وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ
وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

أي: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ } في أسفارك وغيرها, وهذا للعموم, { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } أي: جهته.
ثم خاطب الأمة عموما فقال: { وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } وقال: { وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } أكده بـ " إن " واللام, لئلا يقع لأحد فيه أدنى شبهة, ولئلا يظن أنه على سبيل التشهي لا الامتثال.
{ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
بل هو مطلع عليكم في جميع أحوالكم, فتأدبوا معه, وراقبوه بامتثال أوامره,
واجتناب نواهيه، فإن أعمالكم غير مغفول عنها, بل مجازون عليها أتم الجزاء,
إن خيرا فخير, وإن شرا فشر.

وقال هنا: { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ }
أي: شرعنا لكم استقبال الكعبة المشرفة, لينقطع عنكم احتجاج الناس من أهل
الكتاب والمشركين، فإنه لو بقي مستقبلا بيت المقدس, لتوجهت عليه الحجة، فإن
أهل الكتاب, يجدون في كتابهم أن قبلته المستقرة, هي الكعبة البيت الحرام،
والمشركون يرون أن من مفاخرهم, هذا البيت العظيم, وأنه من ملة إبراهيم,
وأنه إذا لم يستقبله محمد صلى الله عليه وسلم, توجهت نحوه حججهم, وقالوا:
كيف يدعي أنه على ملة إبراهيم, وهو من ذريته, وقد ترك استقبال قبلته؟

فباستقبال الكعبة قامت الحجة على أهل الكتاب والمشركين, وانقطعت حججهم عليه.
{ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ }
أي: من احتج منهم بحجة, هو ظالم فيها, وليس لها مستند إلا اتباع الهوى
والظلم, فهذا لا سبيل إلى إقناعه والاحتجاج عليه، وكذلك لا معنى لجعل
الشبهة التي يوردونها على سبيل الاحتجاج محلا يؤبه لها, ولا يلقى لها بال,
فلهذا قال تعالى:
{ فَلَا تَخْشَوْهُمْ }
لأن حجتهم باطلة, والباطل كاسمه مخذول, مخذول صاحبه، وهذا بخلاف صاحب
الحق, فإن للحق صولة وعزا, يوجب خشية من هو معه, وأمر تعالى بخشيته, التي
هي أصل كل خير، فمن لم يخش الله, لم ينكف عن معصيته, ولم يمتثل أمره.

وكان صرف المسلمين إلى
الكعبة, مما حصلت فيه فتنة كبيرة, أشاعها أهل الكتاب, والمنافقون,
والمشركون, وأكثروا فيها من الكلام والشبه، فلهذا بسطها الله تعالى, وبينها
أكمل بيان, وأكدها بأنواع من التأكيدات, التي تضمنتها هذه الآيات.

منها: الأمر بها, ثلاث
مرات, مع كفاية المرة الواحدة، ومنها: أن المعهود, أن الأمر, إما أن يكون
للرسول, فتدخل فيه الأمة تبعا, أو للأمة عموما، وفي هذه الآية أمر فيها
الرسول بالخصوص في قوله:
{ فَوَلِّ وَجْهَكَ } والأمة عموما في قوله: { فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ }
ومنها: أنه رد فيه جميع
الاحتجاجات الباطلة, التي أوردها أهل العناد وأبطلها شبهة شبهة, كما تقدم
توضيحها، ومنها: أنه قطع الأطماع من اتباع الرسول قبلة أهل الكتاب، ومنها
قوله:
{ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } فمجرد إخبار الصادق العظيم كاف شاف, ولكن مع هذا قال: { وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ }
ومنها: أنه أخبر - وهو العالم بالخفيات - أن أهل الكتاب متقرر عندهم, صحة هذا الأمر, ولكنهم يكتمون هذه الشهادة مع العلم.
ولما كان توليته لنا إلى
استقبال القبلة, نعمة عظيمة, وكان لطفه بهذه الأمة ورحمته, لم يزل يتزايد,
وكلما شرع لهم شريعة, فهي نعمة عظيمة قال:
{ وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ }
فأصل النعمة, الهداية
لدينه, بإرسال رسوله, وإنزال كتابه، ثم بعد ذلك, النعم المتممات لهذا
الأصل, لا تعد كثرة, ولا تحصر, منذ بعث الله رسوله إلى أن قرب رحيله من
الدنيا، وقد أعطاه الله من الأحوال والنعم, وأعطى أمته, ما أتم به نعمته
عليه وعليهم, وأنزل الله عليه:
{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }
فلله الحمد على فضله, الذي لا نبلغ له عدا, فضلا عن القيام بشكره، { وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }
أي: تعلمون الحق, وتعملون به، فالله تبارك وتعالى - من رحمته - بالعباد,
قد يسر لهم أسباب الهداية غاية التيسير, ونبههم على سلوك طرقها, وبينها لهم
أتم تبيين، حتى إن من جملة ذلك أنه يقيض للحق, المعاندين له فيجادلون فيه,
فيتضح بذلك الحق, وتظهر آياته وأعلامه, ويتضح بطلان الباطل, وأنه لا حقيقة
له، ولولا قيامه في مقابلة الحق, لربما لم يتبين حاله لأكثر الخلق، وبضدها
تتبين الأشياء، فلولا الليل, ما عرف فضل النهار، ولولا القبيح, ما عرف فضل
الحسن، ولولا الظلمة ما عرف منفعة النور، ولولا الباطل ما اتضح الحق
اتضاحا ظاهرا، فلله الحمد على ذلك.


{ 151 - 152 }
{ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ
آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي
أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ }

يقول تعالى: إن إنعامنا عليكم باستقبال
الكعبة وإتمامها بالشرائع والنعم المتممة, ليس ذلك ببدع من إحساننا, ولا
بأوله, بل أنعمنا عليكم بأصول النعم ومتمماتها, فأبلغها إرسالنا إليكم هذا
الرسول الكريم منكم, تعرفون نسبه وصدقه, وأمانته وكماله ونصحه.

{ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا }
وهذا يعم الآيات القرآنية وغيرها، فهو يتلو عليكم الآيات المبينة للحق من
الباطل, والهدى من الضلال, التي دلتكم أولا, على توحيد الله وكماله, ثم على
صدق رسوله, ووجوب الإيمان به, ثم على جميع ما أخبر به من المعاد والغيوب,
حتى حصل لكم الهداية التامة, والعلم اليقيني.

{ وَيُزَكِّيكُمْ }
أي: يطهر أخلاقكم ونفوسكم, بتربيتها على الأخلاق الجميلة, وتنزيهها عن
الأخلاق الرذيلة, وذلك كتزكيتكم من الشرك, إلى التوحيد ومن الرياء إلى
الإخلاص, ومن الكذب إلى الصدق, ومن الخيانة إلى الأمانة, ومن الكبر إلى
التواضع, ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق, ومن التباغض والتهاجر والتقاطع, إلى
التحاب والتواصل والتوادد, وغير ذلك من أنواع التزكية.

{ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ } أي: القرآن, ألفاظه ومعانيه، { وَالْحِكْمَةَ } قيل: هي السنة, وقيل: الحكمة, معرفة أسرار الشريعة والفقه فيها, وتنزيل الأمور منازلها.
فيكون - على هذا - تعليم السنة داخلا في تعليم الكتاب, لأن السنة, تبين القرآن وتفسره, وتعبر عنه، { وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ }
لأنهم كانوا قبل بعثته, في ضلال مبين, لا علم ولا عمل، فكل علم أو عمل,
نالته هذه الأمة فعلى يده صلى الله عليه وسلم, وبسببه كان، فهذه النعم هي
أصول النعم على الإطلاق, ولهي أكبر نعم ينعم بها على عباده، فوظيفتهم شكر
الله عليها والقيام بها؛ فلهذا قال تعالى:
{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } فأمر تعالى بذكره, ووعد عليه أفضل جزاء, وهو ذكره لمن ذكره, كما قال تعالى على لسان رسوله: { من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي, ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم }
وذكر الله تعالى, أفضله, ما تواطأ عليه
القلب واللسان, وهو الذكر الذي يثمر معرفة الله ومحبته, وكثرة ثوابه،
والذكر هو رأس الشكر, فلهذا أمر به خصوصا, ثم من بعده أمر بالشكر عموما
فقال:
{ وَاشْكُرُوا لِي }
أي: على ما أنعمت عليكم بهذه النعم، ودفعت عنكم صنوف النقم، والشكر يكون
بالقلب, إقرارا بالنعم, واعترافا, وباللسان, ذكرا وثناء, وبالجوارح, طاعة
لله وانقيادا لأمره, واجتنابا لنهيه, فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة,
وزيادة في النعم المفقودة، قال تعالى:
{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }
وفي الإتيان بالأمر بالشكر بعد النعم الدينية, من العلم وتزكية الأخلاق
والتوفيق للأعمال, بيان أنها أكبر النعم, بل هي النعم الحقيقية؟ التي تدوم,
إذا زال غيرها وأنه ينبغي لمن وفقوا لعلم أو عمل, أن يشكروا الله على ذلك,
ليزيدهم من فضله, وليندفع عنهم الإعجاب, فيشتغلوا بالشكر.

ولما كان الشكر ضده الكفر, نهى عن ضده فقال: { وَلَا تَكْفُرُونِ }
المراد بالكفر هاهنا ما يقابل الشكر, فهو كفر النعم وجحدها, وعدم القيام
بها، ويحتمل أن يكون المعنى عاما, فيكون الكفر أنواعا كثيرة, أعظمه الكفر
بالله, ثم أنواع المعاصي, على اختلاف أنواعها وأجناسها, من الشرك, فما
دونه.


{ 153 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }
أمر الله تعالى المؤمنين, بالاستعانة على أمورهم الدينية والدنيوية { بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ }
فالصبر هو: حبس النفس وكفها عما تكره, فهو ثلاثة أقسام: صبرها على طاعة
الله حتى تؤديها, وعن معصية الله حتى تتركها, وعلى أقدار الله المؤلمة فلا
تتسخطها، فالصبر هو المعونة العظيمة على كل أمر, فلا سبيل لغير الصابر, أن
يدرك مطلوبه، خصوصا الطاعات الشاقة المستمرة, فإنها مفتقرة أشد الافتقار,
إلى تحمل الصبر, وتجرع المرارة الشاقة، فإذا لازم صاحبها الصبر, فاز
بالنجاح, وإن رده المكروه والمشقة عن الصبر والملازمة عليها, لم يدرك شيئا,
وحصل على الحرمان، وكذلك المعصية التي تشتد دواعي النفس ونوازعها إليها
وهي في محل قدرة العبد، فهذه لا يمكن تركها إلا بصبر عظيم, وكف لدواعي قلبه
ونوازعها لله تعالى, واستعانة بالله على العصمة منها, فإنها من الفتن
الكبار. وكذلك البلاء الشاق, خصوصا إن استمر, فهذا تضعف معه القوى
النفسانية والجسدية, ويوجد مقتضاها, وهو التسخط, إن لم يقاومها صاحبها
بالصبر لله, والتوكل عليه, واللجأ إليه, والافتقار على الدوام.

فعلمت أن الصبر محتاج إليه العبد, بل مضطر إليه في كل حالة من أحواله، فلهذا أمر الله تعالى به, وأخبر أنه { مَعَ الصَّابِرِينَ }
أي: مع من كان الصبر لهم خلقا, وصفة, وملكة بمعونته وتوفيقه, وتسديده،
فهانت عليهم بذلك, المشاق والمكاره, وسهل عليهم كل عظيم, وزالت عنهم كل
صعوبة، وهذه معية خاصة, تقتضي محبته ومعونته, ونصره وقربه, وهذه [منقبة
عظيمة] للصابرين، فلو لم يكن للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية
من الله, لكفى بها فضلا وشرفا، وأما المعية العامة, فهي معية العلم
والقدرة, كما في قوله تعالى:
{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } وهذه عامة للخلق.
وأمر تعالى بالاستعانة بالصلاة لأن الصلاة
هي عماد الدين, ونور المؤمنين, وهي الصلة بين العبد وبين ربه، فإذا كانت
صلاة العبد صلاة كاملة, مجتمعا فيها ما يلزم فيها, وما يسن, وحصل فيها حضور
القلب, الذي هو لبها فصار العبد إذا دخل فيها, استشعر دخوله على ربه,
ووقوفه بين يديه, موقف العبد الخادم المتأدب, مستحضرا لكل ما يقوله وما
يفعله, مستغرقا بمناجاة ربه ودعائه لا جرم أن هذه الصلاة, من أكبر المعونة
على جميع الأمور فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولأن هذا الحضور الذي
يكون في الصلاة, يوجب للعبد في قلبه, وصفا, وداعيا يدعوه إلى امتثال أوامر
ربه, واجتناب نواهيه، هذه هي الصلاة التي أمر الله أن نستعين بها على كل
شيء.

{ 154 } { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ }
لما ذكر تبارك وتعالى, الأمر بالاستعانة
بالصبر على جميع الأمور ذكر نموذجا مما يستعان بالصبر عليه, وهو الجهاد في
سبيله, وهو أفضل الطاعات البدنية, وأشقها على النفوس, لمشقته في نفسه,
ولكونه مؤديا للقتل, وعدم الحياة, التي إنما يرغب الراغبون في هذه الدنيا
لحصول الحياة ولوازمها، فكل ما يتصرفون به, فإنه سعى لها, ودفع لما يضادها.

ومن المعلوم أن المحبوب لا يتركه العاقل
إلا لمحبوب أعلى منه وأعظم، فأخبر تعالى: أن من قتل في سبيله, بأن قاتل في
سبيل الله, لتكون كلمة الله هي العليا, ودينه الظاهر, لا لغير ذلك من
الأغراض, فإنه لم تفته الحياة المحبوبة, بل حصل له حياة أعظم وأكمل, مما
تظنون وتحسبون.

فالشهداء {
أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ
خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا
يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ }

فهل أعظم من هذه الحياة المتضمنة للقرب من
الله تعالى, وتمتعهم برزقه البدني في المأكولات والمشروبات اللذيذة, والرزق
الروحي, وهو الفرح، والاستبشار وزوال كل خوف وحزن، وهذه حياة برزخية أكمل
من الحياة الدنيا، بل قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أرواح الشهداء
في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنة, وتأكل من ثمارها, وتأوي إلى قناديل
معلقة بالعرش. وفي هذه الآية, أعظم حث على الجهاد في سبيل الله, وملازمة
الصبر عليه، فلو شعر العباد بما للمقتولين في سبيل الله من الثواب لم يتخلف
عنه أحد، ولكن عدم العلم اليقيني التام, هو الذي فتر العزائم, وزاد نوم
النائم, وأفات الأجور العظيمة والغنائم، لم لا يكون كذلك والله تعالى قد:
{
اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ
لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ }

فوالله لو كان للإنسان ألف نفس, تذهب نفسا
فنفسا في سبيل الله, لم يكن عظيما في جانب هذا الأجر العظيم، ولهذا لا
يتمنى الشهداء بعدما عاينوا من ثواب الله وحسن جزائه إلا أن يردوا إلى
الدنيا, حتى يقتلوا في سبيله مرة بعد مرة.

وفي الآية, دليل على نعيم البرزخ وعذابه, كما تكاثرت بذلك النصوص.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الإثنين مارس 04, 2013 6:44 pm


{ 155 - 157 } {
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ
الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }

أخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي عباده
بالمحن, ليتبين الصادق من الكاذب, والجازع من الصابر, وهذه سنته تعالى في
عباده؛ لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان, ولم يحصل معها محنة, لحصل
الاختلاط الذي هو فساد, وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر. هذه
فائدة المحن, لا إزالة ما مع المؤمنين من الإيمان, ولا ردهم عن دينهم, فما
كان الله ليضيع إيمان المؤمنين، فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده
{ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ } من الأعداء { وَالْجُوعِ }أي: بشيء يسير منهما؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله, أو الجوع, لهلكوا, والمحن تمحص لا تهلك.
{ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ } وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال من جوائح سماوية, وغرق, وضياع, وأخذ الظلمة للأموال من الملوك الظلمة, وقطاع الطريق وغير ذلك.
{ وَالْأَنْفُسِ } أي: ذهاب الأحباب من الأولاد, والأقارب, والأصحاب, ومن أنواع الأمراض في بدن العبد, أو بدن من يحبه، { وَالثَّمَرَاتِ } أي: الحبوب, وثمار النخيل, والأشجار كلها, والخضر ببرد, أو برد, أو حرق, أو آفة سماوية, من جراد ونحوه.
فهذه الأمور, لا بد أن تقع, لأن العليم
الخبير, أخبر بها, فوقعت كما أخبر، فإذا وقعت انقسم الناس قسمين: جازعين
وصابرين، فالجازع, حصلت له المصيبتان, فوات المحبوب, وهو وجود هذه المصيبة،
وفوات ما هو أعظم منها, وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر، ففاز بالخسارة
والحرمان, ونقص ما معه من الإيمان، وفاته الصبر والرضا والشكران, وحصل
[له] السخط الدال على شدة النقصان.

وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه
المصائب, فحبس نفسه عن التسخط, قولا وفعلا, واحتسب أجرها عند الله, وعلم أن
ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له, بل المصيبة تكون
نعمة في حقه, لأنها صارت طريقا لحصول ما هو خير له وأنفع منها, فقد امتثل
أمر الله, وفاز بالثواب، فلهذا قال تعالى:
{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب.
فالصابرين, هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة, والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره.
{ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ }
أي: مملوكون لله, مدبرون تحت أمره وتصريفه, فليس لنا من أنفسنا وأموالنا
شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها, فقد تصرف أرحم الراحمين, بمماليكه وأموالهم,
فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد, علمه, بأن وقوع البلية من
المالك الحكيم, الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك, الرضا عن الله,
والشكر له على تدبيره, لما هو خير لعبده, وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا
مملوكون لله, فإنا إليه راجعون يوم المعاد, فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا
واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا, لم يكن حظنا إلا
السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله, وراجع إليه, من أقوى أسباب الصبر.

{ أُولَئِكَ } الموصوفون بالصبر المذكور { عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ } أي: ثناء وتنويه بحالهم { وَرَحْمَةٌ } عظيمة، ومن رحمته إياهم, أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر، { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } الذين عرفوا الحق, وهو في هذا الموضع, علمهم بأنهم لله, وأنهم إليه راجعون, وعملوا به وهو هنا صبرهم لله.
ودلت هذه الآية, على أن من لم يصبر, فله ضد
ما لهم, فحصل له الذم من الله, والعقوبة, والضلال والخسار، فما أعظم الفرق
بين الفريقين وما أقل تعب الصابرين, وأعظم عناء الجازعين، فقد اشتملت
هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها, لتخف وتسهل, إذا
وقعت، وبيان ما تقابل به, إذا وقعت, وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر,
وما للصابر من الأجر، ويعلم حال غير الصابر, بضد حال الصابر.

وأن هذا الابتلاء والامتحان, سنة الله التي قد خلت, ولن تجد لسنة الله تبديلا، وبيان أنواع المصائب.

{ 158 } { إِنَّ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }

يخبر تعالى أن الصفا والمروة وهما معروفان { مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } أي أعلام دينه الظاهرة, التي تعبد الله بها عباده, وإذا كانا من شعائر الله, فقد أمر الله بتعظيم شعائره فقال: { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } فدل مجموع النصين أنهما من شعائر الله, وأن تعظيم شعائره, من تقوى القلوب.
والتقوى واجبة على كل مكلف, وذلك يدل على
أن السعي بهما فرض لازم للحج والعمرة, كما عليه الجمهور, ودلت عليه
الأحاديث النبوية وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " خذوا عني مناسككم
"

{ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا }
هذا دفع لوهم من توهم وتحرج من المسلمين عن الطواف بينهما, لكونهما في
الجاهلية تعبد عندهما الأصنام، فنفى تعالى الجناح لدفع هذا الوهم, لا لأنه
غير لازم.

ودل تقييد نفي الجناح فيمن تطوف بهما في
الحج والعمرة, أنه لا يتطوع بالسعي مفردا إلا مع انضمامه لحج أو عمرة،
بخلاف الطواف بالبيت, فإنه يشرع مع العمرة والحج, وهو عبادة مفردة.

فأما السعي والوقوف بعرفة ومزدلفة, ورمي
الجمار فإنها تتبع النسك، فلو فعلت غير تابعة للنسك, كانت بدعة, لأن البدعة
نوعان: نوع يتعبد لله بعبادة, لم يشرعها أصلا، ونوع يتعبد له بعبادة قد
شرعها على صفة مخصوصة, فتفعل على غير تلك الصفة, وهذا منه.

وقوله: { وَمَنْ تَطَوَّعَ } أي: فعل طاعة مخلصا بها لله تعالى { خَيْرًا } من حج وعمرة, وطواف, وصلاة, وصوم وغير ذلك { فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ } فدل هذا, على أنه كلما ازداد العبد من طاعة الله, ازداد خيره وكماله, ودرجته عند الله, لزيادة إيمانه.
ودل تقييد التطوع بالخير, أن من تطوع
بالبدع, التي لم يشرعها الله ولا رسوله, أنه لا يحصل له إلا العناء, وليس
بخير له, بل قد يكون شرا له إن كان متعمدا عالما بعدم مشروعية العمل.

{ فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }
الشاكر والشكور, من أسماء الله تعالى, الذي يقبل من عباده اليسير من
العمل, ويجازيهم عليه, العظيم من الأجر, الذي إذا قام عبده بأوامره, وامتثل
طاعته, أعانه على ذلك, وأثنى عليه ومدحه, وجازاه في قلبه نورا وإيمانا,
وسعة, وفي بدنه قوة ونشاطا, وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء, وفي أعماله
زيادة توفيق.

ثم بعد ذلك, يقدم على الثواب الآجل عند ربه كاملا موفرا, لم تنقصه هذه الأمور.
ومن شكره لعبده, أن من ترك شيئا لله, أعاضه
الله خيرا منه، ومن تقرب منه شبرا, تقرب منه ذراعا, ومن تقرب منه ذراعا,
تقرب منه باعا, ومن أتاه يمشي, أتاه هرولة, ومن عامله, ربح عليه أضعافا
مضاعفة.

ومع أنه شاكر, فهو عليم بمن يستحق الثواب
الكامل, بحسب نيته وإيمانه وتقواه, ممن ليس كذلك، عليم بأعمال العباد, فلا
يضيعها, بل يجدونها أوفر ما كانت, على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم
الحكيم.


{ 159 - 162 } {
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ
وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ
أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا
الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ
عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا
يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ }

هذه الآية وإن كانت نازلة في أهل الكتاب,
وما كتموا من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته, فإن حكمها عام لكل من
اتصف بكتمان ما أنزل الله
{ مِنَ الْبَيِّنَاتِ } الدالات على الحق المظهرات له، { وَالْهُدَى }
وهو العلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم, ويتبين به طريق أهل
النعيم, من طريق أهل الجحيم، فإن الله أخذ الميثاق على أهل العلم, بأن
يبينوا الناس ما منّ الله به عليهم من علم الكتاب ولا يكتموه، فمن نبذ ذلك
وجمع بين المفسدتين, كتم ما أنزل الله, والغش لعباد الله، فأولئك
{ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ } أي: يبعدهم ويطردهم عن قربه ورحمته.
{ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }
وهم جميع الخليقة, فتقع عليهم اللعنة من جميع الخليقة, لسعيهم في غش الخلق
وفساد أديانهم, وإبعادهم من رحمة الله, فجوزوا من جنس عملهم، كما أن معلم
الناس الخير, يصلي الله عليه وملائكته, حتى الحوت في جوف الماء, لسعيه في
مصلحة الخلق, وإصلاح أديانهم, وقربهم من رحمة الله, فجوزي من جنس عمله،
فالكاتم لما أنزل الله, مضاد لأمر الله, مشاق لله, يبين الله الآيات للناس
ويوضحها، وهذا يطمسها فهذا عليه هذا الوعيد الشديد.

{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا } أي رجعوا عما هم عليه من الذنوب, ندما وإقلاعا, وعزما على عدم المعاودة { وَأَصْلَحُوا } ما فسد من أعمالهم، فلا يكفي ترك القبيح حتى يحصل فعل الحسن.
ولا يكفي ذلك في الكاتم أيضا, حتى يبين ما
كتمه, ويبدي ضد ما أخفى، فهذا يتوب الله عليه, لأن توبة الله غير محجوب
عنها، فمن أتى بسبب التوبة, تاب الله عليه, لأنه
{ التَّوَّابُ } أي: الرجاع على عباده بالعفو والصفح, بعد الذنب إذا تابوا, وبالإحسان والنعم بعد المنع, إذا رجعوا، { الرَّحِيمُ }
الذي اتصف بالرحمة العظيمة, التي وسعت كل شيء ومن رحمته أن وفقهم للتوبة
والإنابة فتابوا وأنابوا, ثم رحمهم بأن قبل ذلك منهم, لطفا وكرما, هذا حكم
التائب من الذنب.

وأما من كفر واستمر على كفره حتى مات ولم يرجع إلى ربه, ولم ينب إليه, ولم يتب عن قريب فأولئك { عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } لأنه لما صار كفرهم وصفا ثابتا, صارت اللعنة عليهم وصفا ثابتا لا تزول, لأن الحكم يدور مع علته, وجودا وعدما.
و { خَالِدِينَ فِيهَا } أي: في اللعنة, أو في العذاب والمعنيان
{ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ } بل عذابهم دائم شديد مستمر { وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } أي: يمهلون, لأن وقت الإمهال وهو الدنيا قد مضى, ولم يبق لهم عذر فيعتذرون.

{ 163 } { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }
يخبر تعالى - وهو أصدق القائلين - أنه { إِلَهٌ وَاحِدٌ }
أي: متوحد منفرد في ذاته, وأسمائه, وصفاته, وأفعاله، فليس له شريك في
ذاته, ولا سمي له ولا كفو له, ولا مثل, ولا نظير, ولا خالق, ولا مدبر غيره،
فإذا كان كذلك, فهو المستحق لأن يؤله ويعبد بجميع أنواع العبادة, ولا يشرك
به أحد من خلقه, لأنه
{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
المتصف بالرحمة العظيمة, التي لا يماثلها رحمة أحد, فقد وسعت كل شيء وعمت
كل حي، فبرحمته وجدت المخلوقات, وبرحمته حصلت لها أنواع الكمالات، وبرحمته
اندفع عنها كل نقمة، وبرحمته عرّف عباده نفسه بصفاته وآلائه, وبيَّن لهم كل
ما يحتاجون إليه من مصالح دينهم ودنياهم, بإرسال الرسل, وإنزال الكتب.

فإذا علم أن ما بالعباد من نعمة, فمن الله,
وأن أحدا من المخلوقين, لا ينفع أحدا، علم أن الله هو المستحق لجميع أنواع
العبادة, وأن يفرد بالمحبة والخوف, والرجاء, والتعظيم, والتوكل, وغير ذلك
من أنواع الطاعات.

وأن من أظلم الظلم, وأقبح القبيح, أن يعدل
عن عبادته إلى عبادة العبيد, وأن يشرك المخلوق من تراب, برب الأرباب, أو
يعبد المخلوق المدبر العاجز من جميع الوجوه, مع الخالق المدبر القادر
القوي، الذي قد قهر كل شيء ودان له كل شيء.

ففي هذه الآية, إثبات وحدانية الباري
وإلهيته، وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين وبيان أصل الدليل على ذلك
وهو إثبات رحمته التي من آثارها وجود جميع النعم, واندفاع [جميع] النقم،
فهذا دليل إجمالي على وحدانيته تعالى.

{ 164 } ثم ذكر الأدلة التفصيلية فقال:
{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ
النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا
بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ
وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }


أخبر تعالى أن في هذه المخلوقات العظيمة, آيات أي: أدلة على وحدانية الباري وإلهيته، وعظيم سلطانه ورحمته وسائر صفاته، ولكنها { لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
أي: لمن لهم عقول يعملونها فيما خلقت له، فعلى حسب ما منّ الله على عبده
من العقل, ينتفع بالآيات ويعرفها بعقله وفكره وتدبُّره، ففي
{ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ } في ارتفاعها واتساعها, وإحكامها, وإتقانها, وما جعل الله فيها من الشمس والقمر, والنجوم, وتنظيمها لمصالح العباد.
وفي خلق { الْأَرْضِ }
مهادا للخلق, يمكنهم القرار عليها والانتفاع بما عليها, والاعتبار. ما يدل
ذلك على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير, وبيان قدرته العظيمة التي بها
خلقها, وحكمته التي بها أتقنها, وأحسنها ونظمها, وعلمه ورحمته التي بها
أودع ما أودع, من منافع الخلق ومصالحهم, وضروراتهم وحاجاتهم. وفي ذلك أبلغ
الدليل على كماله, واستحقاقه أن يفرد بالعبادة, لانفراده بالخلق والتدبير,
والقيام بشئون عباده
{ و } في { اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ }
وهو تعاقبهما على الدوام, إذا ذهب أحدهما, خلفه الآخر، وفي اختلافهما في
الحر, والبرد, والتوسط, وفي الطول, والقصر, والتوسط, وما ينشأ عن ذلك من
الفصول, التي بها انتظام مصالح بني آدم وحيواناتهم, وجميع ما على وجه
الأرض, من أشجار ونوابت، كل ذلك بانتظام وتدبير, وتسخير, تنبهر له العقول,
وتعجز عن إدراكه من الرجال الفحول, ما يدل ذلك على قدرة مصرفها, وعلمه
وحكمته, ورحمته الواسعة, ولطفه الشامل, وتصريفه وتدبيره, الذي تفرد به,
وعظمته, وعظمة ملكه وسلطانه, مما يوجب أن يؤله ويعبد, ويفرد بالمحبة
والتعظيم, والخوف والرجاء, وبذل الجهد في محابه ومراضيه.

{ و } في { وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ } وهي السفن والمراكب ونحوها, مما ألهم الله عباده صنعتها, وخلق لهم من الآلات الداخلية والخارجية ما أقدرهم عليها.
ثم سخر لها هذا البحر العظيم والرياح, التي
تحملها بما فيها من الركاب والأموال, والبضائع التي هي من منافع الناس,
وبما تقوم به مصالحهم وتنتظم معايشهم.

فمن الذي ألهمهم صنعتها, وأقدرهم عليها,
وخلق لهم من الآلات ما به يعملونها؟ أم من الذي سخر لها البحر, تجري فيه
بإذنه وتسخيره, والرياح؟ أم من الذي خلق للمراكب البرية والبحرية, النار
والمعادن المعينة على حملها, وحمل ما فيها من الأموال؟ فهل هذه الأمور,
حصلت اتفاقا, أم استقل بعملها هذا المخلوق الضعيف العاجز, الذي خرج من بطن
أمه, لا علم له ولا قدرة، ثم خلق له ربه القدرة, وعلمه ما يشاء تعليمه، أم
المسخر لذلك رب واحد, حكيم عليم, لا يعجزه شيء, ولا يمتنع عليه شيء؟ بل
الأشياء قد دانت لربوبيته, واستكانت لعظمته, وخضعت لجبروته.

وغاية العبد الضعيف, أن جعله الله جزءا من
أجزاء الأسباب, التي بها وجدت هذه الأمور العظام, فهذا يدل على رحمة الله
وعنايته بخلقه, وذلك يوجب أن تكون المحبة كلها له, والخوف والرجاء, وجميع
الطاعة, والذل والتعظيم.

{ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ } وهو المطر النازل من السحاب.
{ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } فأظهرت من أنواع الأقوات, وأصناف النبات, ما هو من ضرورات الخلائق, التي لا يعيشون بدونها.
أليس ذلك دليلا على قدرة من أنزله, وأخرج
به ما أخرج ورحمته, ولطفه بعباده, وقيامه بمصالحهم, وشدة افتقارهم وضرورتهم
إليه من كل وجه؟ أما يوجب ذلك أن يكون هو معبودهم وإلههم؟ أليس ذلك دليلا
على إحياء الموتى ومجازاتهم بأعمالهم؟
{ وَبَثَّ فِيهَا } أي: في الأرض { مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ }
أي: نشر في أقطار الأرض من الدواب المتنوعة, ما هو دليل على قدرته وعظمته,
ووحدانيته وسلطانه العظيم، وسخرها للناس, ينتفعون بها بجميع وجوه
الانتفاع.

فمنها: ما يأكلون من لحمه, ويشربون من دره،
ومنها: ما يركبون، ومنها: ما هو ساع في مصالحهم وحراستهم, ومنها: ما يعتبر
به، ومع أنه بث فيها من كل دابة، فإنه سبحانه هو القائم بأرزاقهم,
المتكفل بأقواتهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها, ويعلم مستقرها
ومستودعها.

وفي { تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ }
باردة وحارة, وجنوبا وشمالا, وشرقا ودبورا وبين ذلك، وتارة تثير السحاب,
وتارة تؤلف بينه, وتارة تلقحه, وتارة تدره, وتارة تمزقه وتزيل ضرره, وتارة
تكون رحمة, وتارة ترسل بالعذاب.

فمن الذي صرفها هذا التصريف, وأودع فيها من
منافع العباد, ما لا يستغنون عنه؟ وسخرها ليعيش فيها جميع الحيوانات,
وتصلح الأبدان والأشجار, والحبوب والنوابت, إلا العزيز الحكيم الرحيم,
اللطيف بعباده المستحق لكل ذل وخضوع, ومحبة وإنابة وعبادة؟.

وفي تسخير السحاب بين السماء والأرض على
خفته ولطافته يحمل الماء الكثير, فيسوقه الله إلى حيث شاء، فيحيي به البلاد
والعباد, ويروي التلول والوهاد, وينزله على الخلق وقت حاجتهم إليه، فإذا
كان يضرهم كثرته, أمسكه عنهم, فينزله رحمة ولطفا, ويصرفه عناية وعطفا، فما
أعظم سلطانه, وأغزر إحسانه, وألطف امتنانه"

أليس من القبيح بالعباد, أن يتمتعوا برزقه,
ويعيشوا ببره وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه؟ أليس ذلك دليلا على
حلمه وصبره, وعفوه وصفحه, وعميم لطفه؟

فله الحمد أولا وآخرا, وباطنا وظاهرا.
والحاصل, أنه كلما تدبر العاقل في هذه
المخلوقات, وتغلغل فكره في بدائع المبتدعات, وازداد تأمله للصنعة وما أودع
فيها من لطائف البر والحكمة, علم بذلك, أنها خلقت للحق وبالحق, وأنها صحائف
آيات, وكتب دلالات, على ما أخبر به الله عن نفسه ووحدانيته, وما أخبرت به
الرسل من اليوم الآخر, وأنها مسخرات, ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها
ومصرفها.

فتعرف أن العالم العلوي والسفلي كلهم إليه
مفتقرون, وإليه صامدون، وأنه الغني بالذات عن جميع المخلوقات، فلا إله إلا
الله, ولا رب سواه.


{ 165 - 167 } ثم قال تعالى:
{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا
لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ
الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ
تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا
الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ
اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا
تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ
عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ }


ما أحسن اتصال هذه الآية بما قبلها، فإنه
تعالى, لما بين وحدانيته وأدلتها القاطعة, وبراهينها الساطعة الموصلة إلى
علم اليقين, المزيلة لكل شك، ذكر هنا أن
{ مِنَ النَّاسِ } مع هذا البيان التام من يتخذ من المخلوقين أندادا لله أي: نظراء ومثلاء, يساويهم في الله بالعبادة والمحبة, والتعظيم والطاعة.
ومن كان بهذه الحالة - بعد إقامة الحجة,
وبيان التوحيد - علم أنه معاند لله, مشاق له, أو معرض عن تدبر آياته
والتفكر في مخلوقاته, فليس له أدنى عذر في ذلك, بل قد حقت عليه كلمة
العذاب.

وهؤلاء الذين يتخذون الأنداد مع الله, لا
يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير, وإنما يسوونهم به في العبادة,
فيعبدونهم، ليقربوهم إليه، وفي قوله:
{ اتخذوا } دليل على أنه ليس لله ند وإنما المشركون جعلوا بعض المخلوقات أندادا له, تسمية مجردة, ولفظا فارغا من المعنى، كما قال تعالى: {
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا
لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ }

{ إِنْ هِيَ إِلَّا
أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ }

فالمخلوق ليس ندا لله لأن الله هو الخالق, وغيره مخلوق, والرب الرازق ومن
عداه مرزوق, والله هو الغني وأنتم الفقراء، وهو الكامل من كل الوجوه,
والعبيد ناقصون من جميع الوجوه، والله هو النافع الضار, والمخلوق ليس له من
النفع والضر والأمر شيء، فعلم علما يقينا, بطلان قول من اتخذ من دون الله
آلهة وأندادا، سواء كان ملكا أو نبيا, أو صالحا, صنما, أو غير ذلك، وأن
الله هو المستحق للمحبة الكاملة, والذل التام، فلهذا مدح الله المؤمنين
بقوله:
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ }
أي: من أهل الأنداد لأندادهم, لأنهم أخلصوا محبتهم له, وهؤلاء أشركوا بها،
ولأنهم أحبوا من يستحق المحبة على الحقيقة, الذي محبته هي عين صلاح العبد
وسعادته وفوزه، والمشركون أحبوا من لا يستحق من الحب شيئا, ومحبته عين شقاء
العبد وفساده, وتشتت أمره.

فلهذا توعدهم الله بقوله: { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } باتخاذ الأنداد والانقياد لغير رب العباد وظلموا الخلق بصدهم عن سبيل الله, وسعيهم فيما يضرهم.
{ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ } أي: يوم القيامة عيانا بأبصارهم، { أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ }
أي: لعلموا علما جازما, أن القوة والقدرة لله كلها, وأن أندادهم ليس فيها
من القوة شيء، فتبين لهم في ذلك اليوم ضعفها وعجزها, لا كما اشتبه عليهم في
الدنيا, وظنوا أن لها من الأمر شيئا, وأنها تقربهم إليه وتوصلهم إليه،
فخاب ظنهم, وبطل سعيهم, وحق عليهم شدة العذاب, ولم تدفع عنهم أندادهم شيئا,
ولم تغن عنهم مثقال ذرة من النفع، بل يحصل لهم الضرر منها, من حيث ظنوا
نفعها.

وتبرأ المتبوعون من التابعين, وتقطعت بينهم
الوصل, التي كانت في الدنيا, لأنها كانت لغير الله, وعلى غير أمر الله,
ومتعلقة بالباطل الذي لا حقيقة له, فاضمحلت أعمالهم, وتلاشت أحوالهم، وتبين
لهم أنهم كانوا كاذبين, وأن أعمالهم التي يؤملون نفعها وحصول نتيجتها,
انقلبت عليهم حسرة وندامة, وأنهم خالدون في النار لا يخرجون منها أبدا، فهل
بعد هذا الخسران خسران؟ ذلك بأنهم اتبعوا الباطل، فعملوا العمل الباطل
ورجوا غير مرجو, وتعلقوا بغير متعلق, فبطلت الأعمال ببطلان متعلقها، ولما
بطلت وقعت الحسرة بما فاتهم من الأمل فيها, فضرتهم غاية الضرر، وهذا بخلاف
من تعلق بالله الملك الحق المبين, وأخلص العمل لوجهه, ورجا نفعه، فهذا قد
وضع الحق في موضعه, فكانت أعماله حقا, لتعلقها بالحق, ففاز بنتيجة عمله,
ووجد جزاءه عند ربه, غير منقطع كما قال تعالى:
{
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ
عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ
رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ }

وحينئذ يتمنى التابعون أن يردوا إلى الدنيا
فيتبرأوا من متبوعيهم, بأن يتركوا الشرك بالله, ويقبلوا على إخلاص العمل
لله، وهيهات, فات الأمر, وليس الوقت وقت إمهال وإنظار، ومع هذا, فهم كذبة,
فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنما هو قول يقولونه, وأماني يتمنونها,
حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم، فرأس المتبوعين
على الشر, إبليس, ومع هذا يقول لأتباعه لما قضي الأمر
{
إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ
فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ
دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا
أَنْفُسَكُمْ }


{ 168 - 170 } {
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا
وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ *
إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ *


وَإِذَا قِيلَ
لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا
أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ }

هذا خطاب للناس كلهم, مؤمنهم وكافرهم،
فامتن عليهم بأن أمرهم أن يأكلوا من جميع ما في الأرض، من حبوب, وثمار,
وفواكه, وحيوانات, حالة كونها
{ حَلَالًا } أي: محللا لكم تناوله، ليس بغصب ولا سرقة, ولا محصلا بمعاملة محرمة أو على وجه محرم، أو معينا على محرم.
{ طَيِّبًا }
أي: ليس بخبيث, كالميتة والدم, ولحم الخنزير, والخبائث كلها، ففي هذه
الآية, دليل على أن الأصل في الأعيان الإباحة، أكلا وانتفاعا, وأن المحرم
نوعان: إما محرم لذاته, وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب، وإما محرم لما عرض
له, وهو المحرم لتعلق حق الله, أو حق عباده به, وهو ضد الحلال.

وفيه دليل على أن الأكل بقدر ما يقيم
البنية واجب, يأثم تاركه لظاهر الأمر، ولما أمرهم باتباع ما أمرهم به - إذ
هو عين صلاحهم - نهاهم عن اتباع
{ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ }
أي: طرقه التي يأمر بها, وهي جميع المعاصي من كفر, وفسوق, وظلم، ويدخل في
ذلك تحريم السوائب, والحام, ونحو ذلك، ويدخل فيه أيضا تناول المأكولات
المحرمة،
{ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ }
أي: ظاهر العداوة, فلا يريد بأمركم إلا غشكم, وأن تكونوا من أصحاب السعير،
فلم يكتف ربنا بنهينا عن اتباع خطواته, حتى أخبرنا - وهو أصدق القائلين -
بعداوته الداعية للحذر منه, ثم لم يكتف بذلك, حتى أخبرنا بتفصيل ما يأمر
به, وأنه أقبح الأشياء, وأعظمها مفسدة فقال:
{ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ }
أي: الشر الذي يسوء صاحبه, فيدخل في ذلك, جميع المعاصي، فيكون قوله: { وَالْفَحْشَاءِ }
من باب عطف الخاص على العام؛ لأن الفحشاء من المعاصي, ما تناهى قبحه,
كالزنا, وشرب الخمر, والقتل, والقذف, والبخل ونحو ذلك, مما يستفحشه من له
عقل،
{ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
فيدخل في ذلك, القول على الله بلا علم, في شرعه, وقدره، فمن وصف الله بغير
ما وصف به نفسه, أو وصفه به رسوله, أو نفى عنه ما أثبته لنفسه, أو أثبت له
ما نفاه عن نفسه, فقد قال على الله بلا علم، ومن زعم أن لله ندا, وأوثانا,
تقرب من عبدها من الله, فقد قال على الله بلا علم، ومن قال: إن الله أحل
كذا, أو حرم كذا, أو أمر بكذا, أو نهى عن كذا, بغير بصيرة, فقد قال على
الله بلا علم، ومن قال: الله خلق هذا الصنف من المخلوقات, للعلة الفلانية
بلا برهان له بذلك, فقد قال على الله بلا علم، ومن أعظم القول على الله بلا
علم, أن يتأول المتأول كلامه, أو كلام رسوله, على معان اصطلح عليها طائفة
من طوائف الضلال, ثم يقول: إن الله أرادها، فالقول على الله بلا علم, من
أكبر المحرمات, وأشملها, وأكبر طرق الشيطان التي يدعو إليها, فهذه طرق
الشيطان التي يدعو إليها هو وجنوده, ويبذلون مكرهم وخداعهم, على إغواء
الخلق بما يقدرون عليه.

وأما الله تعالى, فإنه يأمر بالعدل
والإحسان, وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فلينظر
العبد نفسه, مع أي الداعيين هو, ومن أي الحزبين؟ أتتبع داعي الله الذي يريد
لك الخير والسعادة الدنيوية والأخروية, الذي كل الفلاح بطاعته, وكل الفوز
في خدمته, وجميع الأرباح في معاملة المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة, الذي
لا يأمر إلا بالخير, ولا ينهى إلا عن الشر، أم تتبع داعي الشيطان, الذي هو
عدو الإنسان, الذي يريد لك الشر, ويسعى بجهده على إهلاكك في الدنيا
والآخرة؟ الذي كل الشر في طاعته, وكل الخسران في ولايته، الذي لا يأمر إلا
بشر, ولا ينهى إلا عن خير.

ثم أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أمروا باتباع ما أنزل الله على رسوله - مما تقدم وصفه - رغبوا عن ذلك وقالوا: { بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا }
فاكتفوا بتقليد الآباء, وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم
أجهل الناس, وأشدهم ضلالا وهذه شبهة لرد الحق واهية، فهذا دليل على إعراضهم
عن الحق, ورغبتهم عنه, وعدم إنصافهم، فلو هدوا لرشدهم, وحسن قصدهم, لكان
الحق هو القصد، ومن جعل الحق قصده, ووازن بينه وبين غيره, تبين له الحق
قطعا, واتبعه إن كان منصفا.


ثم قال [تعالى]: {
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا
يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا
يَعْقِلُونَ }

لما بين تعالى عدم انقيادهم لما جاءت به
الرسل, وردهم لذلك بالتقليد, علم من ذلك أنهم غير قابلين للحق, ولا
مستجيبين له, بل كان معلوما لكل أحد أنهم لن يزولوا عن عنادهم، أخبر تعالى,
أن مثلهم عند دعاء الداعي لهم إلى الإيمان كمثل البهائم التي ينعق لها
راعيها, وليس لها علم بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرد الصوت,
الذي تقوم به عليهم الحجة, ولكنهم لا يفقهونه فقها ينفعهم, فلهذا كانوا
صما, لا يسمعون الحق سماع فهم وقبول, عميا, لا ينظرون نظر اعتبار, بكما,
فلا ينطقون بما فيه خير لهم.

والسبب الموجب لذلك كله, أنه ليس لهم عقل صحيح, بل هم أسفه السفهاء, وأجهل الجهلاء.
فهل يستريب العاقل, أن من دعي إلى الرشاد,
وذيد عن الفساد, ونهي عن اقتحام العذاب, وأمر بما فيه صلاحه وفلاحه, وفوزه,
ونعيمه فعصى الناصح, وتولى عن أمر ربه, واقتحم النار على بصيرة, واتبع
الباطل, ونبذ الحق - أن هذا ليس له مسكة من عقل, وأنه لو اتصف بالمكر
والخديعة والدهاء, فإنه من أسفه السفهاء.


{ 172 - 173 } {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ
وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا
حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا
أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ
فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

هذا أمر للمؤمنين خاصة, بعد الأمر العام,
وذلك أنهم هم المنتفعون على الحقيقة بالأوامر والنواهي, بسبب إيمانهم,
فأمرهم بأكل الطيبات من الرزق, والشكر لله على إنعامه, باستعمالها بطاعته,
والتقوي بها على ما يوصل إليه، فأمرهم بما أمر به المرسلين في قوله
{ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا }
فالشكر في هذه الآية, هو العمل الصالح،
وهنا لم يقل " حلالا " لأن المؤمن أباح الله له الطيبات من الرزق خالصة من
التبعة، ولأن إيمانه يحجزه عن تناول ما ليس له.

وقوله { إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
أي: فاشكروه، فدل على أن من لم يشكر الله, لم يعبده وحده, كما أن من شكره,
فقد عبده, وأتى بما أمر به، ويدل أيضا على أن أكل الطيب, سبب للعمل الصالح
وقبوله، والأمر بالشكر, عقيب النعم؛ لأن الشكر يحفظ النعم الموجودة, ويجلب
النعم المفقودة كما أن الكفر, ينفر النعم المفقودة ويزيل النعم الموجودة.

ولما ذكر تعالى إباحة الطيبات ذكر تحريم الخبائث فقال { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ }
وهي: ما مات بغير تذكية شرعية, لأن الميتة خبيثة مضرة, لرداءتها في نفسها,
ولأن الأغلب, أن تكون عن مرض, فيكون زيادة ضرر واستثنى الشارع من هذا
العموم, ميتة الجراد, وسمك البحر, فإنه حلال طيب.

{ وَالدَّمَ } أي: المسفوح كما قيد في الآية الأخرى.
{ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ }
أي: ذبح لغير الله, كالذي يذبح للأصنام والأوثان من الأحجار, والقبور
ونحوها, وهذا المذكور غير حاصر للمحرمات، جيء به لبيان أجناس الخبائث
المدلول عليها بمفهوم قوله:
{ طَيِّبَاتِ } فعموم المحرمات, تستفاد من الآية السابقة, من قوله: { حَلَالًا طَيِّبًا } كما تقدم.
وإنما حرم علينا هذه الخبائث ونحوها, لطفا بنا, وتنزيها عن المضر، ومع هذا { فَمَنِ اضْطُرَّ } أي: ألجئ إلى المحرم, بجوع وعدم, أو إكراه، { غَيْرَ بَاغٍ } أي: غير طالب للمحرم, مع قدرته على الحلال, أو مع عدم جوعه، { وَلَا عَادٍ } أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له, اضطرارا، فمن اضطر وهو غير قادر على الحلال، وأكل بقدر الضرورة فلا يزيد عليها، { فَلَا إِثْمَ }
[أي: جناح] عليه، وإذا ارتفع الجناح الإثم رجع الأمر إلى ما كان عليه،
والإنسان بهذه الحالة, مأمور بالأكل, بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة,
وأن يقتل نفسه.

فيجب, إذًا عليه الأكل, ويأثم إن ترك الأكل حتى مات, فيكون قاتلا لنفسه.
وهذه الإباحة والتوسعة, من رحمته تعالى بعباده, فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
ولما كان الحل مشروطا بهذين الشرطين, وكان
الإنسان في هذه الحالة, ربما لا يستقصي تمام الاستقصاء في تحقيقها - أخبر
تعالى أنه غفور, فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال, خصوصا وقد غلبته الضرورة,
وأذهبت حواسه المشقة.

وفي هذه الآية دليل على القاعدة المشهورة: "
الضرورات تبيح المحظورات " فكل محظور, اضطر إليه الإنسان, فقد أباحه له,
الملك الرحمن. [فله الحمد والشكر, أولا وآخرا, وظاهرا وباطنا].


{ 174 - 176 } {
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ
وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي
بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ
الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ
بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ
اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي
الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }

هذا وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله على
رسله, من العلم الذي أخذ الله الميثاق على أهله, أن يبينوه للناس ولا
يكتموه، فمن تعوض عنه بالحطام الدنيوي, ونبذ أمر الله, فأولئك:
{ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ } لأن هذا الثمن الذي اكتسبوه, إنما حصل لهم بأقبح المكاسب, وأعظم المحرمات, فكان جزاؤهم من جنس عملهم، { وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } بل قد سخط عليهم وأعرض عنهم، فهذا أعظم عليهم من عذاب النار، { وَلَا يُزَكِّيهِمْ }
أي: لا يطهرهم من الأخلاق الرذيلة, وليس لهم أعمال تصلح للمدح والرضا
والجزاء عليها، وإنما لم يزكهم لأنهم فعلوا أسباب عدم التزكية التي أعظم
أسبابها العمل بكتاب الله, والاهتداء به, والدعوة إليه، فهؤلاء نبذوا كتاب
الله, وأعرضوا عنه, واختاروا الضلالة على الهدى, والعذاب على المغفرة،
فهؤلاء لا يصلح لهم إلا النار, فكيف يصبرون عليها, وأنى لهم الجلد عليها؟"

{ ذَلِكَ } المذكور, وهو مجازاته بالعدل, ومنعه أسباب الهداية, ممن أباها واختار سواها.
{ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } ومن الحق, مجازاة المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته.
وأيضا ففي قوله: { نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ }
ما يدل على أن الله أنزله لهداية خلقه, وتبيين الحق من الباطل, والهدى من
الضلال، فمن صرفه عن مقصوده, فهو حقيق بأن يجازى بأعظم العقوبة.

{ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي: وإن الذين اختلفوا في الكتاب, فآمنوا ببعضه, وكفروا ببعضه، والذ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
راشد الكاسر
مدير العلاقات العامة
مدير العلاقات العامة
راشد الكاسر


ذكر الثور الثور
المشاركات : 19882
نقاط المساهمات : 30950
الشعبيه : 51
تاريخ التسجيل : 27/02/2010
العمر : 51

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأربعاء مارس 06, 2013 8:39 am

جزاك الله كل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو النور الصالح
عضو ملكي
عضو ملكي
ابو النور الصالح


ذكر القوس الفأر
المشاركات : 7445
نقاط المساهمات : 11413
الشعبيه : 22
تاريخ التسجيل : 27/08/2012
العمر : 51

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأربعاء مارس 06, 2013 11:28 pm

استمر الابداع ودائما بانتظار الجديد


عدل سابقا من قبل غريب الروح في الإثنين أبريل 29, 2013 11:39 am عدل 1 مرات (السبب : تم تعطيل التوقيع)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شمس المنتدى
المديرة التنفيذية
المديرة التنفيذية
شمس المنتدى


انثى العذراء القرد
المشاركات : 24337
نقاط المساهمات : 41147
الشعبيه : 124
تاريخ التسجيل : 27/11/2009
العمر : 43
الموقع : اسرة القلم
العمل/الترفيه : منتدانا الغالي
المزاج : اخر رواق

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الخميس مارس 07, 2013 5:48 pm



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




عدل سابقا من قبل غريب الروح في الإثنين مارس 11, 2013 3:17 pm عدل 1 مرات (السبب : تعطيل التوقيع)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الإثنين مارس 11, 2013 3:15 pm

راشد الكاسر كتب:

جزاك الله كل خير
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الإثنين مارس 11, 2013 3:15 pm

ابو النور الصالح كتب:
استمر الابداع ودائما بانتظار الجديد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الإثنين مارس 11, 2013 3:17 pm

شمس المنتدى كتب:


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
HAMSALHB
المشرفة العامة
المشرفة العامة
HAMSALHB


انثى المشاركات : 33281
نقاط المساهمات : 72957
الشعبيه : 183
تاريخ التسجيل : 28/03/2010
الموقع : اسرة القلم
العمل/الترفيه : ان اكون معكم دائما
المزاج : الحمد الله دائما وابدا

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الخميس مارس 14, 2013 2:34 am

جزاكـ الله خــير
طرح مميـــــــز
لروحكـ نسائم الايمــان
بانتظــار جديدكـ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الإثنين أبريل 29, 2013 11:49 am

HAMSALHB كتب:

جزاكـ الله خــير
طرح مميـــــــز
لروحكـ نسائم الايمــان
بانتظــار جديدكـ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو النور الصالح
عضو ملكي
عضو ملكي
ابو النور الصالح


ذكر القوس الفأر
المشاركات : 7445
نقاط المساهمات : 11413
الشعبيه : 22
تاريخ التسجيل : 27/08/2012
العمر : 51

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأربعاء مايو 08, 2013 2:13 am

جهد مميز الله يعطيك العافيه


عدل سابقا من قبل غريب الروح في الإثنين مايو 13, 2013 8:51 pm عدل 1 مرات (السبب : تعطيل التوقيع)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الإثنين مايو 13, 2013 8:54 pm

ابو النور الصالح كتب:
جهد مميز الله يعطيك العافيه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأربعاء يونيو 26, 2013 7:46 pm

يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الإثنين يوليو 08, 2013 3:29 pm

قمر الزمان كتب:
يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو النور الصالح
عضو ملكي
عضو ملكي
ابو النور الصالح


ذكر القوس الفأر
المشاركات : 7445
نقاط المساهمات : 11413
الشعبيه : 22
تاريخ التسجيل : 27/08/2012
العمر : 51

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأربعاء يوليو 17, 2013 6:56 pm

بوح رائع وذوق ساطع استمر العطاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شلال الحب
القلم الفضي
القلم الفضي
شلال الحب


ذكر الاسد الماعز
المشاركات : 11306
نقاط المساهمات : 17061
الشعبيه : 16
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 20
الموقع : اسرة القلم
العمل/الترفيه : اســــــــــرة الـــــــــــــــــــــــــــقلــــــــــــم
المزاج : بجنن

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الجمعة يوليو 26, 2013 11:55 pm

يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأحد نوفمبر 10, 2013 5:28 am


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

ش
كرا
بارك اللــه فيك
جزاك الله خير الجزاء
دمت برضى الله وفضله

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اسيل
عضو نشيط
عضو نشيط
اسيل


المشاركات : 199
نقاط المساهمات : 356
الشعبيه : 0
تاريخ التسجيل : 10/12/2009

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأحد فبراير 02, 2014 11:16 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176   تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176 Icon_minitime1الأربعاء يونيو 25, 2014 2:35 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة البقرة " الاية 126حتي الاية 176
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى اسرة القلم :: —¤÷([¤ منــبر اســـلامي ¤])÷¤— :: العلوم الدينية :: القرآن الكريم وتعاليمه-
انتقل الى: