منتدى اسرة القلم
[تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 18


اهلا بك زائرنا الكريم
تفضل بالانضمام لاسرتنا بالضغط على كلمه سجل
اهلا وسهلا بكم نورتونا
تمنى لك المتعه والفائده معنا
منتدى اسرة القلم
[تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 18


اهلا بك زائرنا الكريم
تفضل بالانضمام لاسرتنا بالضغط على كلمه سجل
اهلا وسهلا بكم نورتونا
تمنى لك المتعه والفائده معنا
منتدى اسرة القلم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى اسرة القلم

كل ما يجود فيه الخاطر من همس وحب ومشاعر وابداع تميز بلا حدود ...
 
الرئيسيةالبوابة**أحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» ❞ كتاب فوضى المشاعر ❝ ⏤ ستيفان زفايج
تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:58 am من طرف قمر الزمان

» رواية أرني أنظر إليك ❝ ⏤ خولة حمدى
تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:50 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب زوربا pdfالمؤلف: نيكوس كازانتزاكيس
تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:27 am من طرف قمر الزمان

» كتاب أحجار على رقعة الشطرنج :وليم جاي كار
تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:57 am من طرف قمر الزمان

»  رواية ذهب مع الريح PDF تأليف (مارغريت ميتشل)
تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:50 am من طرف قمر الزمان

» كتاب عصر الحب pdf تأليف (نجيب محفوظ).
تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:46 am من طرف قمر الزمان

» رواية جامع الفراشات pdf تأليف ( جون فاولز )
تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:36 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب سنترال بارك pdf غيوم ميسو
تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:31 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب بعد 7 سنوات ل غيوم ميسو
تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:19 am من طرف قمر الزمان

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
FaceBooke
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 19 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 19 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 226 بتاريخ الأحد ديسمبر 29, 2019 12:55 pm

 

 تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101

اذهب الى الأسفل 
5 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101   تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الإثنين مايو 06, 2013 7:58 pm


سورة آل عمران

" الاية 59 حتي الاية 101 "


{ 59 - 60 }
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ
تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا
تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }

يخبر
تعالى محتجا على النصارى الزاعمين بعيسى عليه السلام ما ليس له بحق، بغير
برهان ولا شبهة، بل بزعمهم أنه ليس له والد استحق بذلك أن يكون ابن الله أو
شريكا لله في الربوبية، وهذا ليس بشبهة فضلا أن يكون حجة، لأن خلقه كذلك
من آيات الله الدالة على تفرد الله بالخلق والتدبير وأن جميع الأسباب طوع
مشيئته وتبع لإرادته، فهو على نقيض قولهم أدل، وعلى أن أحدا لا يستحق
المشاركة لله بوجه من الوجوه أولى، ومع هذا فآدم عليه السلام خلقه الله من
تراب لا من أب ولا أم، فإذا كان ذلك لا يوجب لآدم ما زعمه النصارى في
المسيح، فالمسيح المخلوق من أم بلا أب من باب أولى وأحرى، فإن صح إدعاء
البنوة والإلهية في المسيح، فادعاؤها في آدم من باب أولى وأحرى، فلهذا قال
تعالى
{ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك }
أي: هذا الذي أخبرناك به من شأن المسيح عليه السلام هو الحق الذي في أعلى
رتب الصدق، لكونه من ربك الذي من جملة تربيته الخاصة لك ولأمتك أن قص عليكم
ما قص من أخبار الأنبياء عليهم السلام.
{ فلا تكن من الممترين }
أي: الشاكين في شيء مما أخبرك به ربك، وفي هذه الآية وما بعدها دليل على
قاعدة شريفة وهو أن ما قامت الأدلة على أنه حق وجزم به العبد من مسائل
العقائد وغيرها، فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل، وكل شبهة تورد
عليه فهي فاسدة، سواء قدر العبد على حلها أم لا، فلا يوجب له عجزه عن حلها
القدح فيما علمه، لأن ما خالف الحق فهو باطل، قال تعالى
{ فماذا بعد الحق إلا الضلال }
وبهذه القاعدة الشرعية تنحل عن الإنسان إشكالات كثيرة يوردها المتكلمون
ويرتبها المنطقيون، إن حلها الإنسان فهو تبرع منه، وإلا فوظيفته أن يبين
الحق بأدلته ويدعو إليه.


{ 61 - 63 } {
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ
تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا
وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ
لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ *إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ
الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
بِالْمُفْسِدِينَ }

أي: { فمن } جادلك { وحاجك } في عيسى عليه السلام وزعم أنه فوق منزلة العبودية، بل رفعه فوق منزلته { من بعد ما جاءك من العلم }
بأنه عبد الله ورسوله وبينت لمن جادلك ما عندك من الأدلة الدالة على أنه
عبد أنعم الله عليه، دل على عناد من لم يتبعك في هذا العلم اليقيني، فلم
يبق في مجادلته فائدة تستفيدها ولا يستفيدها هو، لأن الحق قد تبين، فجداله
فيه جدال معاند مشاق لله ورسوله، قصده اتباع هواه، لا اتباع ما أنزل الله،
فهذا ليس فيه حيلة، فأمر الله نبيه أن ينتقل إلى مباهلته وملاعنته، فيدعون
الله ويبتهلون إليه أن يجعل لعنته وعقوبته على الكاذب من الفريقين، هو وأحب
الناس إليه من الأولاد والأبناء والنساء، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم
إلى ذلك فتولوا وأعرضوا ونكلوا، وعلموا أنهم إن لاعنوه رجعوا إلى أهليهم
وأولادهم فلم يجدوا أهلا ولا مالا وعوجلوا بالعقوبة، فرضوا بدينهم مع جزمهم
ببطلانه، وهذا غاية الفساد والعناد، فلهذا قال تعالى
{ فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين } فيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة. وأخبر تعالى { إن هذا } الذي قصه الله على عباده هو { القصص الحق } وكل قصص يقص عليهم مما يخالفه ويناقضه فهو باطل { وما من إله إلا الله } فهو المألوه المعبود حقا الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ولا يستحق غيره مثقال ذرة من العبادة { وإن الله لهو العزيز } الذي قهر كل شيء وخضع له كل شيء { الحكيم } الذي يضع الأشياء مواضعها، وله الحكمة التامة في ابتلاء المؤمنين بالكافرين، يقاتلونهم ويجادلونهم ويجاهدونهم بالقول والفعل


{ 64 } { قُلْ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا
وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

أي: قل لأهل الكتاب من اليهود والنصارى { تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم }
أي: هلموا نجتمع عليها وهي الكلمة التي اتفق عليها الأنبياء والمرسلون،
ولم يخالفها إلا المعاندون والضالون، ليست مختصة بأحدنا دون الآخر، بل
مشتركة بيننا وبينكم، وهذا من العدل في المقال والإنصاف في الجدال، ثم
فسرها بقوله
{ ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا } فنفرد الله بالعبادة ونخصه بالحب والخوف والرجاء ولا نشرك به نبيا ولا ملكا ولا وليا ولا صنما ولا وثنا ولا حيوانا ولا جمادا { ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله }
بل تكون الطاعة كلها لله ولرسله، فلا نطيع المخلوقين في معصية الخالق، لأن
ذلك جعل للمخلوقين في منزلة الربوبية، فإذا دعي أهل الكتاب أو غيرهم إلى
ذلك، فإن أجابوا كانوا مثلكم، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وإن تولوا فهم
معاندون متبعون أهواءهم فاشهدوهم أنكم مسلمون، ولعل الفائدة في ذلك أنكم
إذا قلتم لهم ذلك وأنتم أهل العلم على الحقيقة، كان ذلك زيادة على إقامة
الحجة عليهم كما استشهد تعالى بأهل العلم حجة على المعاندين، وأيضا فإنكم
إذا أسلمتم أنتم وآمنتم فلا يعبأ الله بعدم إسلام غيركم لعدم زكائهم ولخبث
طويتهم، كما قال تعالى
{ قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا }
الآية وأيضا فإن في ورود الشبهات على العقيدة الإيمانية مما يوجب للمؤمن
أن يجدد إيمانه ويعلن بإسلامه، إخبارا بيقينه وشكرا لنعمة ربه.


{ 65 - 68 } {
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ
التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ *
هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ
تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا
نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ
الْمُؤْمِنِينَ }

لما
ادعى اليهود أن إبراهيم كان يهوديا، والنصارى أنه نصراني، وجادلوا على ذلك،
رد تعالى محاجتهم ومجادلتهم من ثلاثة أوجه، أحدها: أن جدالهم في إبراهيم
جدال في أمر ليس لهم به علم، فلا يمكن لهم ولا يسمح لهم أن يحتجوا ويجادلوا
في أمر هم أجانب عنه وهم جادلوا في أحكام التوراة والإنجيل سواء أخطأوا أم
أصابوا فليس معهم المحاجة في شأن إبراهيم، الوجه الثاني: أن اليهود
ينتسبون إلى أحكام التوراة، والنصارى ينتسبون إلى أحكام الإنجيل، والتوراة
والإنجيل ما أنزلا إلا من بعد إبراهيم، فكيف ينسبون إبراهيم إليهم وهو
قبلهم متقدم عليهم، فهل هذا يعقل؟! فلهذا قال
{ أفلا تعقلون }
أي: فلو عقلتم ما تقولون لم تقولوا ذلك، الوجه الثالث: أن الله تعالى برأ
خليله من اليهود والنصارى والمشركين، وجعله حنيفا مسلما، وجعل أولى الناس
به من آمن به من أمته، وهذا النبي وهو محمد صلى الله على وسلم ومن آمن معه،
فهم الذين اتبعوه وهم أولى به من غيرهم، والله تعالى وليهم وناصرهم
ومؤيدهم، وأما من نبذ ملته وراء ظهره كاليهود والنصارى والمشركين، فليسوا
من إبراهيم وليس منهم، ولا ينفعهم مجرد الانتساب الخالي من الصواب. وقد
اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم، وأن من تكلم
بذلك فهو متكلم في أمر لا يمكن منه ولا يسمح له فيه، وفيها أيضا حث على علم
التاريخ، وأنه طريق لرد كثير من الأقوال الباطلة والدعاوى التي تخالف ما
علم من التاريخ، ثم قال تعالى:


{ 69 - 74 } {
وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا
يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ *يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ
وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا
لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى
أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ
إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ }

يحذر تعالى عباده المؤمنين عن مكر هذه الطائفة الخبيثة من أهل الكتاب، وأنهم يودون أن يضلوكم، كما قال تعالى { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا }
ومن المعلوم أن من ود شيئا سعى بجهده على تحصيل مراده، فهذه الطائفة تسعى
وتبذل جهدها في رد المؤمنين وإدخال الشبه عليهم بكل طريق يقدرون عليه، ولكن
من لطف الله أنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فلهذا قال تعالى
{ وما يضلون إلا أنفسهم } فسعيهم في إضلال المؤمنين زيادة في ضلال أنفسهم وزيادة عذاب لهم، قال تعالى { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون }{ وما يشعرون } بذلك أنهم يسعون في ضرر أنفسهم وأنهم لا يضرونكم شيئا.

{ يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون }
أي: ما الذي دعاكم إلى الكفر بآيات الله مع علمكم بأن ما أنتم عليه باطل،
وأن ما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا تشكون فيه، بل
تشهدون به ويسر به بعضكم إلى بعض في بعض الأوقات، فهذا نهيهم عن ضلالهم.

ثم وبخهم على إضلالهم الخلق، فقال { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون }
فوبخهم على لبس الحق بالباطل وعلى كتمان الحق، لأنهم بهذين الأمرين يضلون
من انتسب إليهم، فإن العلماء إذا لبسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما، بل
أبقوا الأمر مبهما وكتموا الحق الذي يجب عليهم إظهاره، ترتب على ذلك من
خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب، ولم يهتد العوام الذين يريدون الحق
لمعرفته حتى يؤثروه، والمقصود من أهل العلم أن يظهروا للناس الحق ويعلنوا
به، ويميزوا الحق من الباطل، ويظهروا الخبيث من الطيب، والحلال والحرام ،
والعقائد الصحيحة من العقائد الفاسدة، ليهتدي المهتدون ويرجع الضالون وتقوم
الحجة على المعاندين قال تعالى
{ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم }

ثم أخبر تعالى عن ما همت به هذه الطائفة الخبيثة، وإرادة المكر بالمؤمنين، فقال { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } أي: ادخلوا في دينهم على وجه المكر والكيد أول النهار، فإذا كان آخر النهار فاخرجوا منه { لعلهم يرجعون }
عن دينهم، فيقولون لو كان صحيحا لما خرج منه أهل العلم والكتاب، هذا الذي
أرادوه عجبا بأنفهسم وظنا أن الناس سيحسنون ظنهم بهم ويتابعونهم على ما
يقولونه ويفعلونه، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

{ و } قال بعضهم لبعض { لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم }
أي: لا تثقوا ولا تطمئنوا ولا تصدقوا إلا من تبع دينكم، واكتموا أمركم،
فإنكم إذا أخبرتم غيركم وغير من هو على دينكم حصل لهم من العلم ما حصل لكم
فصاروا مثلكم، أو حاجوكم عند ربكم وشهدوا عليكم أنها قامت عليكم الحجة
وتبين لكم الهدى فلم تتبعوه، فالحاصل أنهم جعلوا عدم إخبار المؤمنين بما
معهم من العلم قاطعا عنهم العلم، لأن العلم بزعمهم لا يكون إلا عندهم
وموجبا للحجة عليهم، فرد الله عليهم بأن
{ الهدى هدى الله }
فمادة الهدى من الله تعالى لكل من اهتدى، فإن الهدى إما علم الحق، أو
إيثارة، ولا علم إلا ما جاءت به رسل الله، ولا موفق إلا من وفقه الله، وأهل
الكتاب لم يؤتوا من العلم إلا قليلا، وأما التوفيق فقد انقطع حظهم منه
لخبث نياتهم وسوء مقاصدهم، وأما هذه الأمة فقد حصل لهم ولله الحمد من هداية
الله من العلوم والمعارف مع العمل بذلك ما فاقوا به وبرزوا على كل أحد،
فكانوا هم الهداة الذين يهدون بأمر الله، وهذا من فضل الله عليها وإحسانه
العظيم، فلهذا قال تعالى
{ قل إن الفضل بيد الله } أي: الله هو الذي يحسن على عباده بأنواع الإحسان { يؤتيه من يشاء } ممن أتى بأسبابه { والله واسع } الفضل كثير الإحسان { عليم } بمن يصلح للإحسان فيعطيه، ومن لا يستحقه فيحرمه إياه.

{ يختص برحمته من يشاء } أي: برحمته المطلقة التي تكون في الدنيا متصلة بالآخرة وهي نعمة الدين ومتمماته { والله ذو الفضل العظيم } الذي لا يصفه الواصفون ولا يخطر بقلب بشر، بل وصل فضله وإحسانه إلى ما وصل إليه علمه، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما.

{ 75 - 77 } {
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ
إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ
إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا
لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى
فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ
بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ
لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ
إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ }

يخبر
تعالى عن حال أهل الكتاب في الوفاء والخيانة في الأموال، لما ذكر خيانتهم
في الدين ومكرهم وكتمهم الحق، فأخبر أن منهم الخائن والأمين، وأن منهم
{ من إن تأمنه بقنطار } وهو المال الكثير { يؤده } وهو على أداء ما دونه من باب أولى، ومنهم { من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } وهو على عدم أداء ما فوقه من باب أولى وأحرى، والذي أوجب لهم الخيانة وعدم الوفاء إليكم بأنهم زعموا أنه { ليس } عليهم { في الأميين سبيل }
أي: ليس عليهم إثم في عدم أداء أموالهم إليهم، لأنهم بزعمهم الفاسد ورأيهم
الكاسد قد احتقروهم غاية الاحتقار، ورأوا أنفسهم في غاية العظمة، وهم
الأذلاء الأحقرون، فلم يجعلوا للأميين حرمة، وأجازوا ذلك، فجمعوا بين أكل
الحرام واعتقاد حله وكان هذا كذبا على الله، لأن العالم الذي يحلل الأشياء
المحرمة قد كان عند الناس معلوم أنه يخبر عن حكم الله ليس يخبر عن نفسه،
وذلك هو الكذب، فلهذا قال
{ ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } وهذا أعظم إثما من القول على الله بلا علم، ثم رد عليهم زعمهم الفاسد.

فقال { بلى } أي: ليس الأمر كما تزعمون أنه ليس عليكم في الأميين حرج، بل عليكم في ذلك أعظم الحرج وأشد الإثم.
{ من أوفى بعهده واتقى }
والعهد يشمل العهد الذي بين العبد وبين ربه، وهو جميع ما أوجبه الله على
العبد من حقه، ويشمل العهد الذي بينه وبين العباد، والتقوى تكون في هذا
الموضع، ترجع إلى اتقاء المعاصي التي بين العبد وبين ربه، وبينه وبين
الخلق، فمن كان كذلك فإنه من المتقين الذين يحبهم الله تعالى، سواء كانوا
من الأميين أو غيرهم، فمن قال ليس علينا في الأميين سبيل، فلم يوف بعهده
ولم يتق الله، فلم يكن ممن يحبه الله، بل ممن يبغضه الله، وإذا كان
الأمييون قد عرفوا بوفاء العهود وبتقوى الله وعدم التجرئ على الأموال
المحترمة، كانوا هم المحبوبين لله، المتقين الذين أعدت لهم الجنة، وكانوا
أفضل خلق الله وأجلهم، بخلاف الذين يقولون ليس علينا في الأميين سبيل،
فإنهم داخلون في قوله:
{ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا }
ويدخل في ذلك كل من أخذ شيئا من الدنيا في مقابلة ما تركه من حق الله أو
حق عباده، وكذلك من حلف على يمين يقتطع بها مال معصوم فهو داخل في هذه
الآية، فهؤلاء
{ لا خلاق لهم في الآخرة } أي: لا نصيب لهم من الخير { ولا يكلمهم الله } يوم القيامة غضبا عليهم وسخطا، لتقديمهم هوى أنفسهم على رضا ربهم { ولا يزكيهم } أي: يطهرهم من ذنوبهم، ولا يزيل عيوبهم { ولهم عذاب أليم } أي: موجع للقلوب والأبدان، وهو عذاب السخط والحجاب، وعذاب جهنم، نسأل الله العافية.


{ 78 }
{ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ
لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ
هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ
عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

يخبر
تعالى أن من أهل الكتاب فريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب، أي: يميلونه
ويحرفونه عن المقصود به، وهذا يشمل اللي والتحريف لألفاظه ومعانيه، وذلك أن
المقصود من الكتاب حفظ ألفاظه وعدم تغييرها، وفهم المراد منها وإفهامه،
وهؤلاء عكسوا القضية وأفهموا غير المراد من الكتاب، إما تعريضا وإما
تصريحا، فالتعريض في قوله
{ لتحسبوه من الكتاب } أي: يلوون ألسنتهم ويوهمونكم أنه هو المراد من كتاب الله، وليس هو المراد، والتصريح في قولهم: { ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون }
وهذا أعظم جرما ممن يقول على الله بلا علم، هؤلاء يقولون على الله الكذب
فيجمعون بين نفي المعنى الحق، وإثبات المعنى الباطل، وتنزيل اللفظ الدال
على الحق على المعنى الفاسد، مع علمهم بذلك.


{ 79 - 80 } {
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ
وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ
الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ
تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ
بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

وهذه
الآية نزلت ردا لمن قال من أهل الكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم لما أمرهم
بالإيمان به ودعاهم إلى طاعته: أتريد يا محمد أن نعبدك مع الله، فقوله
{ ما كان لبشر } أي: يمتنع ويستحيل على بشر من الله عليه بإنزال الكتاب وتعليمه ما لم يكن يعلم وإرساله للخلق { أن يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله }
فهذا من أمحل المحال صدوره من أحد من الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام،
لأن هذا أقبح الأوامر على الإطلاق، والأنبياء أكمل الخلق على الإطلاق،
فأوامرهم تكون مناسبة لأحوالهم، فلا يأمرون إلا بمعالي الأمور وهم أعظم
الناس نهيا عن الأمور القبيحة، فلهذا قال
{ ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون }
أي: ولكن يأمرهم بأن يكونوا ربانيين، أي: علماء حكماء حلماء معلمين للناس
ومربيهم، بصغار العلم قبل كباره، عاملين بذلك، فهم يأمرون بالعلم والعمل
والتعليم التي هي مدار السعادة، وبفوات شيء منها يحصل النقص والخلل، والباء
في قوله
{ بما كنتم تعلمون }
إلخ، باء السببية، أي: بسبب تعليمكم لغيركم المتضمن لعلمكم ودرسكم لكتاب
الله وسنة نبيه، التي بدرسها يرسخ العلم ويبقى، تكونون ربانيين.

{ ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا } وهذا تعميم بعد تخصيص، أي: لا يأمركم بعبادة نفسه ولا بعبادة أحد من الخلق من الملائكة والنبيين وغيرهم { أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } هذا ما لا يكون ولا يتصور أن يصدر من أحد من الله عليه بالنبوة، فمن قدح في أحد منهم بشيء من ذلك فقد ارتكب إثما عظيما وكفرا وخيما.

{ 81 - 82 } {
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ
كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ
عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا
مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ }

يخبر
تعالى أنه أخذ ميثاق النبيين وعهدهم المؤكد بسبب ما أعطاهم من كتاب الله
المنزل، والحكمة الفاصلة بين الحق والباطل والهدى والضلال، إنه إن بعث الله
رسولا مصدقا لما معهم أن يؤمنوا به ويصدقوه ويأخذوا ذلك على أممهم،
فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد أوجب الله عليهم أن يؤمن بعضهم ببعض،
ويصدق بعضهم بعضا لأن جميع ما عندهم هو من عند الله، وكل ما من عند الله
يجب التصديق به والإيمان، فهم كالشيء الواحد، فعلى هذا قد علم أن محمدا صلى
الله عليه وسلم هو خاتمهم، فكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لو أدركوه
لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، وكان هو إمامهم ومقدمهم ومتبوعهم،
فهذه الآية الكريمة من أعظم الدلائل على علو مرتبته وجلالة قدره، وأنه أفضل
الأنبياء وسيدهم صلى الله عليه وسلم لما قررهم تعالى
{ قالوا أقررنا } أي: قبلنا ما أمرتنا به على الرأس والعين { قال } الله لهم: { فاشهدوا } على أنفسكم وعلى أممكم بذلك، قال { وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك } العهد والميثاق المؤكد بالشهادة من الله ومن رسله { فأولئك هم الفاسقون }
فعلى هذا كل من ادعى أنه من أتباع الأنبياء كاليهود والنصارى ومن تبعهم،
فقد تولوا عن هذا الميثاق الغليظ، واستحقوا الفسق الموجب للخلود في النار
إن لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.


{ 83 } {
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

أي: أيطلب الطالبون ويرغب الراغبون في غير دين الله؟ لا يحسن هذا ولا يليق، لأنه لا أحسن دينا من دين الله { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها }
أي: الخلق كلهم منقادون بتسخيره مستسلمون له طوعا واختيارا، وهم المؤمنون
المسلمون المنقادون لعبادة ربهم، وكرها وهم سائر الخلق، حتى الكافرون
مستسلمون لقضائه وقدره لا خروج لهم عنه، ولا امتناع لهم منه، وإليه مرجع
الخلائق كلها، فيحكم بينهم ويجازيهم بحكمه الدائر بين الفضل والعدل.

{
84 } { قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ
عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ
وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا
نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

تقدم نظير هذه الآية في سورة البقرة، ثم قال تعالى.

{ 85 } { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }

أي:
من يدين لله بغير دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، فعمله مردود غير
مقبول، لأن دين الإسلام هو المتضمن للاستسلام لله، إخلاصا وانقيادا لرسله
فما لم يأت به العبد لم يأت بسبب النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، وكل
دين سواه فباطل، ثم قال تعالى:


{ 86 - 88 } {
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا
أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ
لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ
فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ }

هذا
من باب الاستبعاد، أي: من الأمر البعيد أن يهدي الله قوما اختاروا الكفر
والضلال بعدما آمنوا وشهدوا أن الرسول حق بما جاءهم به من الآيات البينات
والبراهين القاطعات
{ والله لا يهدي القوم الظالمين }
فهؤلاء ظلموا وتركوا الحق بعدما عرفوه، واتبعوا الباطل مع علمهم ببطلانه
ظلما وبغيا واتباعا لأهوائهم، فهؤلاء لا يوفقون للهداية، لأن الذي يرجى أن
يهتدي هو الذي لم يعرف الحق وهو حريص على التماسه، فهذا بالحري أن ييسر
الله له أسباب الهداية ويصونه من أسباب الغواية.

ثم أخبر عن عقوبة هؤلاء المعاندين الظالمين الدنيوية والأخروية، فقال { أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون } أي: لا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا لحظة، لا بإزالته أو إزالة بعض شدته، { ولا هم ينظرون }
أي: يمهلون، لأن زمن الإمهال قد مضى، وقد أعذر الله منهم وعمرهم ما يتذكر
فيه من تذكر، فلو كان فيهم خير لوجد، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه.


{ 90 - 91 } {
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا
لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ * إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ
أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }

يخبر
تعالى أن من كفر بعد إيمانه، ثم ازداد كفرا إلى كفره بتماديه في الغي
والضلال، واستمراره على ترك الرشد والهدى، أنه لا تقبل توبتهم، أي: لا
يوفقون لتوبة تقبل بل يمدهم الله في طغيانهم يعمهون، قال تعالى
{ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة }{ فلما زغوا أزاغ الله قلوبهم }
فالسيئات ينتج بعضها بعضا، وخصوصا لمن أقدم على الكفر العظيم وترك الصراط
المستقيم، وقد قامت عليه الحجة ووضح الله له الآيات والبراهين، فهذا هو
الذي سعى في قطع أسباب رحمة ربه عنه، وهو الذي سد على نفسه باب التوبة،
ولهذا حصر الضلال في هذا الصنف، فقال
{ وأولئك هم الضالون }
وأي: ضلال أعظم من ضلال من ترك الطريق عن بصيرة، وهؤلاء الكفرة إذا
استمروا على كفرهم إلى الممات تعين هلاكهم وشقاؤهم الأبدي، ولم ينفعهم شيء،
فلو أنفق أحدهم ملء الأرض ذهبا ليفتدي به من عذاب الله ما نفعه ذلك، بل لا
يزالون في العذاب الأليم، لا شافع لهم ولا ناصر ولا مغيث ولا مجير ينقذهم
من عذاب الله فأيسوا من كل خير، وجزموا على الخلود الدائم في العقاب
والسخط، فعياذا بالله من حالهم.

{ 92 } { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }
هذا حث من الله لعباده على الإنفاق في طرق الخيرات، فقال { لن تنالوا } أي: تدركوا وتبلغوا البر الذي هو كل خير من أنواع الطاعات وأنواع المثوبات الموصل لصاحبه إلى الجنة، { حتى تنفقوا مما تحبون }
أي: من أموالكم النفيسة التي تحبها نفوسكم، فإنكم إذا قدمتم محبة الله على
محبة الأموال فبذلتموها في مرضاته، دل ذلك على إيمانكم الصادق وبر قلوبكم
ويقين تقواكم، فيدخل في ذلك إنفاق نفائس الأموال، والإنفاق في حال حاجة
المنفق إلى ما أنفقه، والإنفاق في حال الصحة، ودلت الآية أن العبد بحسب
إنفاقه للمحبوبات يكون بره، وأنه ينقص من بره بحسب ما نقص من ذلك، ولما كان
الإنفاق على أي: وجه كان مثابا عليه العبد، سواء كان قليلا أو كثيرا،
محبوبا للنفس أم لا، وكان قوله
{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } مما يوهم أن إنفاق غير هذا المقيد غير نافع، احترز تعالى عن هذا الوهم بقوله { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } فلا يضيق عليكم، بل يثيبكم عليه على حسب نياتكم ونفعه.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101   تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الإثنين مايو 06, 2013 8:02 pm




تفسير الجزء الرابع
{
93 - 95 } { كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا
مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ
التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ * فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا
مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

وهذا
رد على اليهود بزعمهم الباطل أن النسخ غير جائز، فكفروا بعيسى ومحمد صلى
الله عليهما وسلم، لأنهما قد أتيا بما يخالف بعض أحكام التوراة بالتحليل
والتحريم فمن تمام الإنصاف في المجادلة إلزامهم بما في كتابهم التوراة من
أن جميع أنواع الأطعمة محللة لبني إسرائيل
{ إلا ما حرم إسرائيل } وهو يعقوب عليه السلام { على نفسه }
أي: من غير تحريم من الله تعالى، بل حرمه على نفسه لما أصابه عرق النسا
نذر لئن شفاه الله تعالى ليحرمن أحب الأطعمة عليه، فحرم فيما يذكرون لحوم
الإبل وألبانها وتبعه بنوه على ذلك وكان ذلك قبل نزول التوراة، ثم نزل في
التوراة أشياء من المحرمات غير ما حرم إسرائيل مما كان حلالا لهم طيبا، كما
قال تعالى
{ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } وأمر الله رسوله إن أنكروا ذلك أن يأمرهم بإحضار التوراة، فاستمروا بعد هذا على الظلم والعناد، فلهذا قال تعالى { فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون }
وأي: ظلم أعظم من ظلم من يدعى إلى تحكيم كتابه فيمتنع من ذلك عنادا وتكبرا
وتجبرا، وهذا من أعظم الأدلة على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
وقيام الآيات البينات المتنوعات على صدقه وصدق من نبأه وأخبره بما أخبره به
من الأمور التي لا يعلمها إلا بإخبار ربه له بها، فلهذا قال تعالى
{ قل صدق الله }
أي: فيما أخبر به وحكم، وهذا أمر من الله لرسوله ولمن يتبعه أن يقولوا
بألسنتهم: صدق الله، معتقدين بذلك في قلوبهم عن أدلة يقينية، مقيمين هذه
الشهادة على من أنكرها، ومن هنا تعلم أن أعظم الناس تصديقا لله أعظمهم علما
ويقينا بالأدلة التفصيلية السمعية والعقلية، ثم أمرهم باتباع ملة أبيهم
إبراهيم عليه السلام بالتوحيد وترك الشرك الذي هو مدار السعادة، وبتركه
حصول الشقاوة، وفي هذا دليل على أن اليهود وغيرهم ممن ليس على ملة إبراهيم
مشركون غير موحدين، ولما أمرهم باتباع ملة إبراهيم في التوحيد وترك الشرك
أمرهم باتباعه بتعظيم بيته الحرام بالحج وغيره، فقال:

{
96 - 97 } { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ
مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ
إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }

يخبر
تعالى عن شرف هذا البيت الحرام، وأنه أول بيت وضعه الله للناس، يتعبدون
فيه لربهم فتغفر أوزارهم، وتقال عثارهم، ويحصل لهم به من الطاعات والقربات
ما ينالون به رضى ربهم والفوز بثوابه والنجاة من عقابه، ولهذا قال:
{ مباركا } أي: فيه البركة الكثيرة في المنافع الدينية والدنيوية كما قال تعالى { ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام }{ وهدى للعالمين }
والهدى نوعان: هدى في المعرفة، وهدى في العمل، فالهدى في العمل ظاهر، وهو
ما جعل الله فيه من أنواع التعبدات المختصة به، وأما هدى العلم فبما يحصل
لهم بسببه من العلم بالحق بسبب الآيات البينات التي ذكر الله تعالى في قوله
{ فيه آيات بينات }
أي: أدلة واضحات، وبراهين قاطعات على أنواع من العلوم الإلهية والمطالب
العالية، كالأدلة على توحيده ورحمته وحكمته وعظمته وجلاله وكمال علمه وسعة
جوده، وما مَنَّ به على أوليائه وأنبيائه، فمن الآيات
{ مقام إبراهيم }
يحتمل أن المراد به المقام المعروف وهو الحجر الذي كان يقوم عليه الخليل
لبنيان الكعبة لما ارتفع البنيان، وكان ملصقا في جدار الكعبة، فلما كان عمر
رضي الله عنه وضعه في مكانه الموجود فيه الآن، والآية فيه قيل أثر قدمي
إبراهيم، قد أثرت في الصخرة وبقي ذلك الأثر إلى أوائل هذه الأمة، وهذا من
خوارق العادات، وقيل إن الآية فيه ما أودعه الله في القلوب من تعظيمه
وتكريمه وتشريفه واحترامه، ويحتمل أن المراد بمقام إبراهيم أنه مفرد مضاف
يراد به مقاماته في مواضع المناسك كلها، فيكون على هذا جميع أجزاء الحج
ومفرداته آيات بينات، كالطواف والسعي ومواضعها، والوقوف بعرفة ومزدلفة،
والرمي، وسائر الشعائر، والآية في ذلك ما جعله الله في القلوب من تعظيمها
واحترامها وبذل نفائس النفوس والأموال في الوصول إليها وتحمل كل مشقة
لأجلها، وما في ضمنها من الأسرار البديعة والمعاني الرفيعة، وما في أفعالها
من الحكم والمصالح التي يعجز الخلق عن إحصاء بعضها، ومن الآيات البينات
فيها أن من دخله كان آمنا شرعا وقدرا، فالشرع قد أمر الله رسوله إبراهيم ثم
رسوله محمد باحترامه وتأمين من دخله، وأن لا يهاج، حتى إن التحريم في ذلك
شمل صيودها وأشجارها ونباتها، وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء أن
من جنى جناية خارج الحرم ثم لجأ إليه أنه يأمن ولا يقام عليه الحد حتى يخرج
منه، وأما تأمينها قدرا فلأن الله تعالى بقضائه وقدره وضع في النفوس حتى
نفوس المشركين به الكافرين بربهم احترامه، حتى إن الواحد منهم مع شدة
حميتهم ونعرتهم وعدم احتمالهم للضيم يجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم فلا
يهيجه، ومن جعله حرما أن كل من أراده بسوء فلا بد أن يعاقبه عقوبة عاجلة،
كما فعل بأصحاب الفيل وغيرهم، وقد رأيت لابن القيم هاهنا كلاما حسنا أحببت
إيراده لشدة الحاجة إليه قال فائدة:
{ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }
"حج البيت" مبتدأ وخبره في أحد المجرورين قبله، والذي يقتضيه المعنى أن
يكون في قوله: "على الناس" لأنه وجوب، والوجوب يقتضي "على" ويجوز أن يكون
في قوله: "ولله" لأنه متضمن الوجوب والاستحقاق، ويرجح هذا التقدير أن الخبر
محط الفائدة وموضعها، وتقديمه في هذا الباب في نية التأخير، فكان الأحسن
أن يكون "ولله على الناس" . ويرجح الوجه الأول بأن يقال قوله: "حج البيت
على الناس" أكثر استعمالا في باب الوجوب من أن يقال: "حج البيت لله" أي: حق
واجب لله، فتأمله. وعلى هذا ففي تقديم المجرور الأول وليس بخبر فائدتان:
إحداهما: أنه اسم للموجب للحج، فكان أحق بالتقديم من ذكر الوجوب، فتضمنت
الآية ثلاثة أمور مرتبة بحسب الوقائع: أحدها: الموجب لهذا الفرض فبدأ
بذكره، والثاني: مؤدي الواجب وهو المفترض عليه وهم الناس، والثالث: النسبة،
والحق المتعلق به إيجابا وبهم وجوبا وأداء، وهو الحج.

والفائدة
الثانية: أن الاسم المجرور من حيث كان اسما لله سبحانه، وجب الاهتمام
بتقديمه تعظيما لحرمة هذا الواجب الذي أوجبه، وتخويفا من تضييعه، إذ ليس ما
أوجبه الله سبحانه بمثابة ما يوجبه غيره.

وأما
قوله: "مَنْ" فهي بدل، وقد استهوى طائفة من الناس القول بأنها فاعل
بالمصدر، كأنه قال: أن يحج البيت من استطاع إليه سبيلا، وهذا القول يضعف من
وجوه، منها: أن الحج فرض عين، ولو كان معنى الآية ما ذكره لأفهم فرض
الكفاية، لأنه إذا حج المستطيعون برئت ذمم غيرهم، لأن المعنى يؤل إلى: ولله
على الناس حج البيت مستطيعهم، فإذا أدى المستطيعون الواجب لم يبق واجبا
على غير المستطيعين، وليس الأمر كذلك، بل الحج فرض عين على كل أحد، حج
المستطيعون أو قعدوا، ولكن الله سبحانه عذر غير المستطيع بعجزه عن أداء
الواجب، فلا يؤاخذه به ولا يطالبه بأدائه، فإذا حج سقط الفرض عن نفسه، وليس
حج المستطيعين بمسقط الفرض عن العاجزين، وإذا أردت زيادة إيضاح، فإذا قلت:
واجب على أهل هذه الناحية أن يجاهد منهم الطائفة المستطيعون للجهاد، فإذا
جاهدت تلك الطائفة انقطع تعلق الوجوب في غيرهم، وإذا قلت واجب على الناس
كلهم أن يجاهد منهم المستطيع، كان الوجوب متعلقا بالجميع وعذر العاجز
بعجزه، ففي نظم الآية على هذا الوجه دون أن يقال: ولله حج البيت على
المستطيعين، هذه النكتة البديعة فتأملها.

الوجه
الثاني: أن إضافة المصدر إلى الفاعل إذا وجد أولى من إضافته إلى المفعول
ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل منقول، فلو كان من هو الفاعل لأضيف المصدر
إليه فكان يقال: "ولله على الناس حج مَنْ استطاع" وحمله على باب "يعجبني
ضرب زيد عمرا" وفيما يفصل فيه بين المصدر وفاعله المضاف إليه بالمفعول
والظرف حمل على المكتوب المرجوح، وهي قراءة ابن عامر ( قتل أولادهم شركائهم
)، فلا يصار إليه.وإذا ثبت أن "من" بدل بعض من كل وجب أن يكون في الكلام
ضمير يعود إلى "الناس" كأنه قيل: من استطاع منهم، وحذف هذا الضمير في أكثر
الكلام لا يحسن، وحسنه هاهنا أمور منها: أن "من" واقعة على من لا يعقل،
كالاسم المبدل منه فارتبطت به، ومنها: أنها موصولة بما هو أخص من الاسم
الأول، ولو كانت الصلة أعم لقبح حذف الضمير العائد، ومثال ذلك إذا قلت:
رأيت إخوتك من ذهب إلى السوق منهم، كان قبيحا، لأن الذاهب إلى السوق أعم من
الإخوة، وكذلك لو قلت: البس الثياب ما حسن وجمل، يريد منها، ولم يذكر
الضمير كان أبعد في الجواز، لأن لفظ ما حسن أعم من الثياب.

وباب
البعض من الكل أن يكون أخص من المبدل منه، فإذا كان أعم وأضفته إلى ضمير
أو قيدته بضمير يعود إلى الأول ارتفع العموم وبقي الخصوص، ومما حسن حذف
المضاف في هذه أيضا مع ما تقدم طول الكلام بالصلة والموصول.

وأما
المجرور من قوله "لله" فيحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون في موضع من سبيل،
كأنه نعت نكرة قدم عليها، لأنه لو تأخر لكان في موضع النعت لسبيل، والثاني:
أن يكون متعلقا بسبيل، فإن قلت: كيف يتعلق به وليس فيه معنى الفعل؟ قيل:
السبيل لما كان عبارة هاهنا عن الموصل إلى البيت من قوت وزاد ونحوهما، كان
فيه رائحة الفعل، ولم يقصد به السبيل الذي هو الطريق، فصلح تعلق المجرور
به، واقتضى حسن النظم وإعجاز اللفظ تقديم المجرور وإن كان موضعه التأخير،
لأنه ضمير يعود على البيت، والبيت هو المقصود به الاعتناء، وهم يقدمون في
كلامهم ما هم به أهم وببيانه أعني هذا تقرير السهيلي، وهذا بعيد جدا بل
الصواب في متعلق الجار والمجرور وجه آخر أحسن من هذين، ولا يليق بالآية
سواه، وهو الوجوب المفهوم من قوله "على الناس" أي: يجب لله على الناس الحج،
فهو حق واجب لله، وأما تعليقه بالسبيل وجعله حالا منها، ففي غاية البعد
فتأمله، ولا يكاد يخطر بالبال من الآية، وهذا كما تقول: لله عليك الصلاة
والزكاة والصيام.

ومن
فوائد الآية وأسرارها أنه سبحانه إذا ذكر ما يوجبه ويحرمه يذكره بلفظ
الأمر والنهي، وهو الأكثر، وبلفظ الإيجاب والكتابة والتحريم نحو
{ كتب عليكم الصيام }{ حرمت عليكم الميتة }{ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم }
وفي الحج أتى بهذا اللفظ الدال على تأكد الوجوب من عشرة أوجه، أحدها أنه
قدم اسمه تعالى وأدخل عليه لام الاستحقاق والاختصاص ثم ذكر من أوجبه عليهم
بصيغة العموم الداخلة عليها حرف على أبدل منه أهل الاستطاعة، ثم نكر السبيل
في سياق الشرط إيذانا بأنه يجب الحج على أي: سبيل تيسرت، من قوت أو مال،
فعلق الوجوب بحصول ما يسمى سبيلا، ثم أتبع ذلك بأعظم التهديد بالكفر فقال
{ ومن كفر }
أي: لعدم التزامه هذا الواجب وتركه ثم عظم الشأن وأكد الوعيد بإخباره ما
يستغنى به عنه، والله تعالى هو الغني الحميد، ولا حاجة به إلى حج أحد،
وإنما في ذكر استغنائه عنه هنا من الإعلام بمقته له وسخطه عليه وإعراضه
بوجهه عنه ما هو أعظم التهديد وأبلغه، ثم أكد ذلك بذكر اسم "العالمين"
عموما، ولم يقل: فإن الله غني عنه، لأنه إذا كان غنيا عن العالمين كلهم فله
الغنى الكامل التام من كل وجه بكل اعتبار، فكان أدل لعظم مقته لتارك حقه
الذي أوجبه عليه، ثم أكد هذا المعنى بأداة "إن" الدالة على التأكيد، فهذه
عشرة أوجه تقتضي تأكد هذا الفرض العظيم.

وتأمل
سر البدل في الآية المقتضي لذكر الإسناد مرتين، مرة بإسناده إلى عموم
الناس، ومرة بإسناده إلى خصوص المستطيعين، وهذا من فوائد البدل تقوية
المعنى وتأكيده بتكرر الإسناد ولهذا كان في نية تكرار العامل وإعادته.

ثم
تأمل ما في الآية من الإيضاح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال، وكيف تضمن
ذلك إيراد الكلام في صورتين وخلتين، اعتناء به وتأكيد لشأنه، ثم تأمل كيف
افتتح هذا الإيجاب بذكر محاسن البيت وعظم شأنه بما تدعوا النفوس إلى قصده
وحجه وان لم يطلب ذلك منها، فقال:
{ إن أول بيت }
إلخ، فوصفه بخمس صفات: أحدها كونه أسبق بيوت العالم وضع في الأرض، الثاني:
أنه مبارك، والبركة كثرة الخير ودوامه، وليس في بيوت العالم أبرك منه ولا
أكثر خيرا ولا أدوم ولا أنفع للخلائق، الثالث: أنه هدى، ووصفه بالمصدر نفسه
مبالغة، حتى كأنه نفس الهدى، الرابع ما تضمن من الآيات البينات التي تزيد
على أربعين آية، الخامس: الأمن الحاصل لداخله، وفي وصفه بهذه الصفات دون
إيجاب قصده ما يبعث النفوس على حجه وإن شطت بالزائرين الديار وتناءت بهم
الأقطار، ثم أتبع ذلك بصريح الوجوب المؤكد بتلك التأكيدات، وهذا يدل على
الاعتناء منه سبحانه لهذا البيت العظيم، والتنويه بذكره، والتعظيم لشأنه،
والرفعة من قدره، ولو لم يكن له شرف إلا إضافته إياه إلى نفسه بقوله
{ وطهر بيتي }
لكفى بهذه الإضافة فضلا وشرفا، وهذه الإضافة هي التي أقبلت بقلوب العالمين
إليه، وسلبت نفوسهم حباله وشوقا إلى رؤيته، فهذه المثابة للمحبين يثوبون
إليه ولا يقضون منه وطرا أبدا، كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له حبا وإليه
اشتياقا، فلا الوصال يشفيهم ولا البعاد يسليهم، كما قيل:







أطوف به والنفس بعد مشوقة

[b]
[center]

[b]إليه وهل بعـد الطـواف تداني
[/b]



وألثم منه الركـن أطلـب برد ما


[center]
[b]بقلبي من شـوق ومن هيمان
[/b]



فـوالله مـا ازداد إلا صبــابة



[b]ولا القــلب إلا كثرة الخفقان
[/b]



فيـا جنة المأوى ويا غاية المنى



[b]ويا منيتي من دون كل أمـان
[/b]



أبت غلبـات الشـوق إلا تقـربا



[b]إليـك فمـا لي بالبـعاد يدان
[/b]



ومـا كان صدى عنك صد ملالة



[b]ولي شـاهد من مقلتي ولسان
[/b]



دعوت اصطباري عنك بعدك والبكا



[b]فلبى البكا والصبر عنك عصاني
[/b]



وقـد زعموا أن المـحب إذا نأى



سيبلى هـواه بعد طـول زمان




ولـو كان هذا الزعم حقا لكان ذا



دواء الهوى في الناس كل زمان




بلى إنـه يبلـى والهـوى عـلى



حاله لم يبله الملـوان




وهذا محـب قاده الشوق والهوى



بغـير زمـام قائد وعنــان




أتاك عـلى بعد المـزار ولو ونت



مطيته جــاءت به القـدمان
[/center]انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

{ 98 -
101 } { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ
وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا
وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ *
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ
وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }

يوبخ
تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى على كفرهم بآيات الله التي أنزلها
الله على رسله، التي جعلها رحمة لعباده يهتدون بها إليه، ويستدلون بها على
جميع المطالب المهمة والعلوم النافعة، فهؤلاء الكفرة جمعوا بين الكفر بها
وصد من آمن بالله عنها وتحريفها وتعويجها عما جعلت له، وهم شاهدون بذلك
عالمون بأن ما فعلوه أعظم الكفر الموجب لأعظم العقوبة
{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون } فلهذا توعدهم هنا بقوله: { وما الله بغافل عما تعملون }
بل محيط بأعمالكم ونياتكم ومكركم السيء، فمجازيكم عليه أشر الجزاء لما
توعدهم ووبخهم عطف برحمته وجوده وإحسانه وحذر عباده المؤمنين منهم لئلا
يمكروا بهم من حيث لا يشعرون، فقال:
{ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } وذلك لحسدهم وبغيهم عليكم، وشدة حرصهم على ردكم عن دينكم، كما قال تعالى: { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } ثم ذكر تعالى السبب الأعظم والموجب الأكبر لثبات المؤمنين على إيمانهم، وعدم تزلزلهم عن إيقانهم، وأن ذلك من أبعد الأشياء، فقال: { وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله }
أي: الرسول بين أظهركم يتلو عليكم آيات ربكم كل وقت، وهي الآيات البينات
التي توجب القطع بموجبها والجزم بمقتضاها وعدم الشك فيما دلت عليه بوجه من
الوجوه، خصوصا والمبين لها أفضل الخلق وأعلمهم وأفصحهم وأنصحهم وأرأفهم
بالمؤمنين، الحريص على هداية الخلق وإرشادهم بكل طريق يقدر عليه، فصلوات
الله وسلامه عليه، فلقد نصح وبلغ البلاغ المبين، فلم يبق في نفوس القائلين
مقالا ولم يترك لجائل في طلب الخير مجالا، ثم أخبر أن من اعتصم به فتوكل
عليه وامتنع بقوته ورحمته عن كل شر، واستعان به على كل خير
{ فقد هدي إلى صراط مستقيم } موصل له إلى غاية المرغوب، لأنه جمع بين اتباع الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله وبين الاعتصام بالله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو النور الصالح
عضو ملكي
عضو ملكي
ابو النور الصالح


ذكر القوس الفأر
المشاركات : 7445
نقاط المساهمات : 11413
الشعبيه : 22
تاريخ التسجيل : 27/08/2012
العمر : 51

تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101   تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الأربعاء مايو 08, 2013 2:15 am

جهد مميز الله يعطيك العافيه


عدل سابقا من قبل غريب الروح في الإثنين مايو 13, 2013 9:15 pm عدل 1 مرات (السبب : تعطيل التوقيع)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
HAMSALHB
المشرفة العامة
المشرفة العامة
HAMSALHB


انثى المشاركات : 33281
نقاط المساهمات : 72957
الشعبيه : 183
تاريخ التسجيل : 28/03/2010
الموقع : اسرة القلم
العمل/الترفيه : ان اكون معكم دائما
المزاج : الحمد الله دائما وابدا

تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101   تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الأحد مايو 12, 2013 11:55 pm

جزاكـ الله خــير
طرح مميـــــــز
لروحكـ نسائم الايمــان
بانتظــار جديدكـ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101   تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الإثنين مايو 13, 2013 9:16 pm

ابو النور الصالح كتب:
جهد مميز الله يعطيك العافيه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شمس المنتدى
المديرة التنفيذية
المديرة التنفيذية
شمس المنتدى


انثى العذراء القرد
المشاركات : 24337
نقاط المساهمات : 41147
الشعبيه : 124
تاريخ التسجيل : 27/11/2009
العمر : 43
الموقع : اسرة القلم
العمل/الترفيه : منتدانا الغالي
المزاج : اخر رواق

تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101   تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الإثنين يونيو 10, 2013 7:48 am



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




عدل سابقا من قبل غريب الروح في الإثنين يوليو 08, 2013 4:32 pm عدل 1 مرات (السبب : تم تعطيل التوقيع)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101   تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الأربعاء يونيو 26, 2013 7:29 pm

يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101   تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الإثنين يوليو 08, 2013 4:39 pm

شمس المنتدى كتب:


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



 

 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101   تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الإثنين يوليو 08, 2013 4:40 pm

قمر الزمان كتب:
يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

 

 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو النور الصالح
عضو ملكي
عضو ملكي
ابو النور الصالح


ذكر القوس الفأر
المشاركات : 7445
نقاط المساهمات : 11413
الشعبيه : 22
تاريخ التسجيل : 27/08/2012
العمر : 51

تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101   تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الأربعاء يوليو 17, 2013 7:01 pm

بوح رائع وذوق ساطع استمر العطاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101   تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الأحد نوفمبر 10, 2013 5:25 am


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

ش
كرا
بارك اللــه فيك
جزاك الله خير الجزاء
دمت برضى الله وفضله

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101   تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101 Icon_minitime1الأربعاء يونيو 25, 2014 3:08 am

غريب الروح كتب:

سورة آل عمران

" الاية 59 حتي الاية 101 "


{ 59 - 60 }
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ
تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا
تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }

يخبر
تعالى محتجا على النصارى الزاعمين بعيسى عليه السلام ما ليس له بحق، بغير
برهان ولا شبهة، بل بزعمهم أنه ليس له والد استحق بذلك أن يكون ابن الله أو
شريكا لله في الربوبية، وهذا ليس بشبهة فضلا أن يكون حجة، لأن خلقه كذلك
من آيات الله الدالة على تفرد الله بالخلق والتدبير وأن جميع الأسباب طوع
مشيئته وتبع لإرادته، فهو على نقيض قولهم أدل، وعلى أن أحدا لا يستحق
المشاركة لله بوجه من الوجوه أولى، ومع هذا فآدم عليه السلام خلقه الله من
تراب لا من أب ولا أم، فإذا كان ذلك لا يوجب لآدم ما زعمه النصارى في
المسيح، فالمسيح المخلوق من أم بلا أب من باب أولى وأحرى، فإن صح إدعاء
البنوة والإلهية في المسيح، فادعاؤها في آدم من باب أولى وأحرى، فلهذا قال
تعالى
{ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك }
أي: هذا الذي أخبرناك به من شأن المسيح عليه السلام هو الحق الذي في أعلى
رتب الصدق، لكونه من ربك الذي من جملة تربيته الخاصة لك ولأمتك أن قص عليكم
ما قص من أخبار الأنبياء عليهم السلام.
{ فلا تكن من الممترين }
أي: الشاكين في شيء مما أخبرك به ربك، وفي هذه الآية وما بعدها دليل على
قاعدة شريفة وهو أن ما قامت الأدلة على أنه حق وجزم به العبد من مسائل
العقائد وغيرها، فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل، وكل شبهة تورد
عليه فهي فاسدة، سواء قدر العبد على حلها أم لا، فلا يوجب له عجزه عن حلها
القدح فيما علمه، لأن ما خالف الحق فهو باطل، قال تعالى
{ فماذا بعد الحق إلا الضلال }
وبهذه القاعدة الشرعية تنحل عن الإنسان إشكالات كثيرة يوردها المتكلمون
ويرتبها المنطقيون، إن حلها الإنسان فهو تبرع منه، وإلا فوظيفته أن يبين
الحق بأدلته ويدعو إليه.


{ 61 - 63 } {
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ
تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا
وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ
لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ *إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ
الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
بِالْمُفْسِدِينَ }

أي: { فمن } جادلك { وحاجك } في عيسى عليه السلام وزعم أنه فوق منزلة العبودية، بل رفعه فوق منزلته { من بعد ما جاءك من العلم }
بأنه عبد الله ورسوله وبينت لمن جادلك ما عندك من الأدلة الدالة على أنه
عبد أنعم الله عليه، دل على عناد من لم يتبعك في هذا العلم اليقيني، فلم
يبق في مجادلته فائدة تستفيدها ولا يستفيدها هو، لأن الحق قد تبين، فجداله
فيه جدال معاند مشاق لله ورسوله، قصده اتباع هواه، لا اتباع ما أنزل الله،
فهذا ليس فيه حيلة، فأمر الله نبيه أن ينتقل إلى مباهلته وملاعنته، فيدعون
الله ويبتهلون إليه أن يجعل لعنته وعقوبته على الكاذب من الفريقين، هو وأحب
الناس إليه من الأولاد والأبناء والنساء، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم
إلى ذلك فتولوا وأعرضوا ونكلوا، وعلموا أنهم إن لاعنوه رجعوا إلى أهليهم
وأولادهم فلم يجدوا أهلا ولا مالا وعوجلوا بالعقوبة، فرضوا بدينهم مع جزمهم
ببطلانه، وهذا غاية الفساد والعناد، فلهذا قال تعالى
{ فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين } فيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة. وأخبر تعالى { إن هذا } الذي قصه الله على عباده هو { القصص الحق } وكل قصص يقص عليهم مما يخالفه ويناقضه فهو باطل { وما من إله إلا الله } فهو المألوه المعبود حقا الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ولا يستحق غيره مثقال ذرة من العبادة { وإن الله لهو العزيز } الذي قهر كل شيء وخضع له كل شيء { الحكيم } الذي يضع الأشياء مواضعها، وله الحكمة التامة في ابتلاء المؤمنين بالكافرين، يقاتلونهم ويجادلونهم ويجاهدونهم بالقول والفعل


{ 64 } { قُلْ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا
وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

أي: قل لأهل الكتاب من اليهود والنصارى { تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم }
أي: هلموا نجتمع عليها وهي الكلمة التي اتفق عليها الأنبياء والمرسلون،
ولم يخالفها إلا المعاندون والضالون، ليست مختصة بأحدنا دون الآخر، بل
مشتركة بيننا وبينكم، وهذا من العدل في المقال والإنصاف في الجدال، ثم
فسرها بقوله
{ ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا } فنفرد الله بالعبادة ونخصه بالحب والخوف والرجاء ولا نشرك به نبيا ولا ملكا ولا وليا ولا صنما ولا وثنا ولا حيوانا ولا جمادا { ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله }
بل تكون الطاعة كلها لله ولرسله، فلا نطيع المخلوقين في معصية الخالق، لأن
ذلك جعل للمخلوقين في منزلة الربوبية، فإذا دعي أهل الكتاب أو غيرهم إلى
ذلك، فإن أجابوا كانوا مثلكم، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وإن تولوا فهم
معاندون متبعون أهواءهم فاشهدوهم أنكم مسلمون، ولعل الفائدة في ذلك أنكم
إذا قلتم لهم ذلك وأنتم أهل العلم على الحقيقة، كان ذلك زيادة على إقامة
الحجة عليهم كما استشهد تعالى بأهل العلم حجة على المعاندين، وأيضا فإنكم
إذا أسلمتم أنتم وآمنتم فلا يعبأ الله بعدم إسلام غيركم لعدم زكائهم ولخبث
طويتهم، كما قال تعالى
{ قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا }
الآية وأيضا فإن في ورود الشبهات على العقيدة الإيمانية مما يوجب للمؤمن
أن يجدد إيمانه ويعلن بإسلامه، إخبارا بيقينه وشكرا لنعمة ربه.


{ 65 - 68 } {
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ
التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ *
هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ
تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا
نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ
الْمُؤْمِنِينَ }

لما
ادعى اليهود أن إبراهيم كان يهوديا، والنصارى أنه نصراني، وجادلوا على ذلك،
رد تعالى محاجتهم ومجادلتهم من ثلاثة أوجه، أحدها: أن جدالهم في إبراهيم
جدال في أمر ليس لهم به علم، فلا يمكن لهم ولا يسمح لهم أن يحتجوا ويجادلوا
في أمر هم أجانب عنه وهم جادلوا في أحكام التوراة والإنجيل سواء أخطأوا أم
أصابوا فليس معهم المحاجة في شأن إبراهيم، الوجه الثاني: أن اليهود
ينتسبون إلى أحكام التوراة، والنصارى ينتسبون إلى أحكام الإنجيل، والتوراة
والإنجيل ما أنزلا إلا من بعد إبراهيم، فكيف ينسبون إبراهيم إليهم وهو
قبلهم متقدم عليهم، فهل هذا يعقل؟! فلهذا قال
{ أفلا تعقلون }
أي: فلو عقلتم ما تقولون لم تقولوا ذلك، الوجه الثالث: أن الله تعالى برأ
خليله من اليهود والنصارى والمشركين، وجعله حنيفا مسلما، وجعل أولى الناس
به من آمن به من أمته، وهذا النبي وهو محمد صلى الله على وسلم ومن آمن معه،
فهم الذين اتبعوه وهم أولى به من غيرهم، والله تعالى وليهم وناصرهم
ومؤيدهم، وأما من نبذ ملته وراء ظهره كاليهود والنصارى والمشركين، فليسوا
من إبراهيم وليس منهم، ولا ينفعهم مجرد الانتساب الخالي من الصواب. وقد
اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم، وأن من تكلم
بذلك فهو متكلم في أمر لا يمكن منه ولا يسمح له فيه، وفيها أيضا حث على علم
التاريخ، وأنه طريق لرد كثير من الأقوال الباطلة والدعاوى التي تخالف ما
علم من التاريخ، ثم قال تعالى:


{ 69 - 74 } {
وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا
يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ *يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ
وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا
لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى
أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ
إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ }

يحذر تعالى عباده المؤمنين عن مكر هذه الطائفة الخبيثة من أهل الكتاب، وأنهم يودون أن يضلوكم، كما قال تعالى { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا }
ومن المعلوم أن من ود شيئا سعى بجهده على تحصيل مراده، فهذه الطائفة تسعى
وتبذل جهدها في رد المؤمنين وإدخال الشبه عليهم بكل طريق يقدرون عليه، ولكن
من لطف الله أنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فلهذا قال تعالى
{ وما يضلون إلا أنفسهم } فسعيهم في إضلال المؤمنين زيادة في ضلال أنفسهم وزيادة عذاب لهم، قال تعالى { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون }{ وما يشعرون } بذلك أنهم يسعون في ضرر أنفسهم وأنهم لا يضرونكم شيئا.

{ يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون }
أي: ما الذي دعاكم إلى الكفر بآيات الله مع علمكم بأن ما أنتم عليه باطل،
وأن ما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا تشكون فيه، بل
تشهدون به ويسر به بعضكم إلى بعض في بعض الأوقات، فهذا نهيهم عن ضلالهم.

ثم وبخهم على إضلالهم الخلق، فقال { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون }
فوبخهم على لبس الحق بالباطل وعلى كتمان الحق، لأنهم بهذين الأمرين يضلون
من انتسب إليهم، فإن العلماء إذا لبسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما، بل
أبقوا الأمر مبهما وكتموا الحق الذي يجب عليهم إظهاره، ترتب على ذلك من
خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب، ولم يهتد العوام الذين يريدون الحق
لمعرفته حتى يؤثروه، والمقصود من أهل العلم أن يظهروا للناس الحق ويعلنوا
به، ويميزوا الحق من الباطل، ويظهروا الخبيث من الطيب، والحلال والحرام ،
والعقائد الصحيحة من العقائد الفاسدة، ليهتدي المهتدون ويرجع الضالون وتقوم
الحجة على المعاندين قال تعالى
{ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم }

ثم أخبر تعالى عن ما همت به هذه الطائفة الخبيثة، وإرادة المكر بالمؤمنين، فقال { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } أي: ادخلوا في دينهم على وجه المكر والكيد أول النهار، فإذا كان آخر النهار فاخرجوا منه { لعلهم يرجعون }
عن دينهم، فيقولون لو كان صحيحا لما خرج منه أهل العلم والكتاب، هذا الذي
أرادوه عجبا بأنفهسم وظنا أن الناس سيحسنون ظنهم بهم ويتابعونهم على ما
يقولونه ويفعلونه، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

{ و } قال بعضهم لبعض { لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم }
أي: لا تثقوا ولا تطمئنوا ولا تصدقوا إلا من تبع دينكم، واكتموا  أمركم،
فإنكم إذا أخبرتم غيركم وغير من هو على دينكم حصل لهم من العلم ما حصل لكم
فصاروا مثلكم، أو حاجوكم عند ربكم وشهدوا عليكم أنها قامت عليكم الحجة
وتبين لكم الهدى فلم تتبعوه، فالحاصل أنهم جعلوا عدم إخبار المؤمنين بما
معهم من العلم قاطعا عنهم العلم، لأن العلم بزعمهم لا يكون إلا عندهم
وموجبا للحجة عليهم، فرد الله عليهم بأن
{ الهدى هدى الله }
فمادة الهدى من الله تعالى لكل من اهتدى، فإن الهدى إما علم الحق، أو
إيثارة، ولا علم إلا ما جاءت به رسل الله، ولا موفق إلا من وفقه الله، وأهل
الكتاب لم يؤتوا من العلم إلا قليلا، وأما التوفيق فقد انقطع حظهم منه
لخبث نياتهم وسوء مقاصدهم، وأما هذه الأمة فقد حصل لهم ولله الحمد من هداية
الله من العلوم والمعارف مع العمل بذلك ما فاقوا به وبرزوا على كل أحد،
فكانوا هم الهداة الذين يهدون بأمر الله، وهذا من فضل الله عليها وإحسانه
العظيم، فلهذا قال تعالى
{ قل إن الفضل بيد الله } أي: الله هو الذي يحسن على عباده بأنواع الإحسان { يؤتيه من يشاء } ممن أتى بأسبابه { والله واسع } الفضل كثير الإحسان { عليم } بمن يصلح للإحسان فيعطيه، ومن لا يستحقه فيحرمه إياه.

{ يختص برحمته من يشاء } أي: برحمته المطلقة التي تكون في الدنيا متصلة بالآخرة وهي نعمة الدين ومتمماته { والله ذو الفضل العظيم } الذي لا يصفه الواصفون ولا يخطر بقلب بشر، بل وصل فضله وإحسانه إلى ما وصل إليه علمه، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما.

{ 75 - 77 } {
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ
إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ
إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا
لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى
فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ
بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ
لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ
إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ }

يخبر
تعالى عن حال أهل الكتاب في الوفاء والخيانة في الأموال، لما ذكر خيانتهم
في الدين ومكرهم وكتمهم الحق، فأخبر أن منهم الخائن والأمين، وأن منهم
{ من إن تأمنه بقنطار } وهو المال الكثير { يؤده } وهو على أداء ما دونه من باب أولى، ومنهم { من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } وهو على عدم أداء ما فوقه من باب أولى وأحرى، والذي أوجب لهم الخيانة وعدم الوفاء إليكم بأنهم زعموا أنه { ليس } عليهم { في الأميين سبيل }
أي: ليس عليهم إثم في عدم أداء أموالهم إليهم، لأنهم بزعمهم الفاسد ورأيهم
الكاسد قد احتقروهم غاية الاحتقار، ورأوا أنفسهم في غاية العظمة، وهم
الأذلاء الأحقرون، فلم يجعلوا للأميين حرمة، وأجازوا ذلك، فجمعوا بين أكل
الحرام واعتقاد حله وكان هذا كذبا على الله، لأن العالم الذي يحلل الأشياء
المحرمة قد كان عند الناس معلوم أنه يخبر عن حكم الله ليس يخبر عن نفسه،
وذلك هو الكذب، فلهذا قال
{ ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } وهذا أعظم إثما من القول على الله بلا علم، ثم رد عليهم زعمهم الفاسد.

فقال { بلى } أي: ليس الأمر كما تزعمون أنه ليس عليكم في الأميين حرج، بل عليكم في ذلك أعظم الحرج وأشد الإثم.
{ من أوفى بعهده واتقى }
والعهد يشمل العهد الذي بين العبد وبين ربه، وهو جميع ما أوجبه الله على
العبد من حقه، ويشمل العهد الذي بينه وبين العباد، والتقوى تكون في هذا
الموضع، ترجع إلى اتقاء المعاصي التي بين العبد وبين ربه، وبينه وبين
الخلق، فمن كان كذلك فإنه من المتقين الذين يحبهم الله تعالى، سواء كانوا
من الأميين أو غيرهم، فمن قال ليس علينا في الأميين سبيل، فلم يوف بعهده
ولم يتق الله، فلم يكن ممن يحبه الله، بل ممن يبغضه الله، وإذا كان
الأمييون قد عرفوا بوفاء العهود وبتقوى الله وعدم التجرئ على الأموال
المحترمة، كانوا هم المحبوبين لله، المتقين الذين أعدت لهم الجنة، وكانوا
أفضل خلق الله وأجلهم، بخلاف الذين يقولون ليس علينا في الأميين سبيل،
فإنهم داخلون في قوله:
{ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا }
ويدخل في ذلك كل من أخذ شيئا من الدنيا في مقابلة ما تركه من حق الله أو
حق عباده، وكذلك من حلف على يمين يقتطع بها مال معصوم فهو داخل في هذه
الآية، فهؤلاء
{ لا خلاق لهم في الآخرة } أي: لا نصيب لهم من الخير { ولا يكلمهم الله } يوم القيامة غضبا عليهم وسخطا، لتقديمهم هوى أنفسهم على رضا ربهم { ولا يزكيهم } أي: يطهرهم من ذنوبهم، ولا يزيل عيوبهم { ولهم عذاب أليم } أي: موجع للقلوب والأبدان، وهو عذاب السخط والحجاب، وعذاب جهنم، نسأل الله العافية.


{ 78 }
{ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ
لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ
هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ
عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

يخبر
تعالى أن من أهل الكتاب فريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب، أي: يميلونه
ويحرفونه عن المقصود به، وهذا يشمل اللي والتحريف لألفاظه ومعانيه، وذلك أن
المقصود من الكتاب حفظ ألفاظه وعدم تغييرها، وفهم المراد منها وإفهامه،
وهؤلاء عكسوا القضية وأفهموا غير المراد من الكتاب، إما تعريضا وإما
تصريحا، فالتعريض في قوله
{ لتحسبوه من الكتاب } أي: يلوون ألسنتهم ويوهمونكم أنه هو المراد من كتاب الله، وليس هو المراد، والتصريح في قولهم: { ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون }
وهذا أعظم جرما ممن يقول على الله بلا علم، هؤلاء يقولون على الله الكذب
فيجمعون بين نفي المعنى الحق، وإثبات المعنى الباطل، وتنزيل اللفظ الدال
على الحق على المعنى الفاسد، مع علمهم بذلك.


{ 79 - 80 } {
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ
وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ
الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ
تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ
بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

وهذه
الآية نزلت ردا لمن قال من أهل الكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم لما أمرهم
بالإيمان به ودعاهم إلى طاعته: أتريد يا محمد أن نعبدك مع الله، فقوله
{ ما كان لبشر } أي: يمتنع ويستحيل على بشر من الله عليه بإنزال الكتاب وتعليمه ما لم يكن يعلم وإرساله للخلق { أن يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله }
فهذا من أمحل المحال صدوره من أحد من الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام،
لأن هذا أقبح الأوامر على الإطلاق، والأنبياء أكمل الخلق على الإطلاق،
فأوامرهم تكون مناسبة لأحوالهم، فلا يأمرون إلا بمعالي الأمور وهم أعظم
الناس نهيا عن الأمور القبيحة، فلهذا قال
{ ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون }
أي: ولكن يأمرهم بأن يكونوا ربانيين، أي: علماء حكماء حلماء معلمين للناس
ومربيهم، بصغار العلم قبل كباره، عاملين بذلك، فهم يأمرون بالعلم والعمل
والتعليم التي هي مدار السعادة، وبفوات شيء منها يحصل النقص والخلل، والباء
في قوله
{ بما كنتم تعلمون }
إلخ، باء السببية، أي: بسبب تعليمكم لغيركم المتضمن لعلمكم ودرسكم لكتاب
الله وسنة نبيه، التي بدرسها يرسخ العلم ويبقى، تكونون ربانيين.

{ ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا } وهذا تعميم بعد تخصيص، أي: لا يأمركم بعبادة نفسه ولا بعبادة أحد من الخلق من الملائكة والنبيين وغيرهم { أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } هذا ما لا يكون ولا يتصور أن يصدر من أحد من الله عليه بالنبوة، فمن قدح في أحد منهم بشيء من ذلك فقد ارتكب إثما عظيما وكفرا وخيما.

{ 81 - 82 } {
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ
كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ
عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا
مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ }

يخبر
تعالى أنه أخذ ميثاق النبيين وعهدهم المؤكد بسبب ما أعطاهم من كتاب الله
المنزل، والحكمة الفاصلة بين الحق والباطل والهدى والضلال، إنه إن بعث الله
رسولا مصدقا لما معهم أن يؤمنوا به ويصدقوه ويأخذوا ذلك على أممهم،
فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد أوجب الله عليهم أن يؤمن بعضهم ببعض،
ويصدق بعضهم بعضا لأن جميع ما عندهم هو من عند الله، وكل ما من عند الله
يجب التصديق به والإيمان، فهم كالشيء الواحد، فعلى هذا قد علم أن محمدا صلى
الله عليه وسلم هو خاتمهم، فكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لو أدركوه
لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، وكان هو إمامهم ومقدمهم ومتبوعهم،
فهذه الآية الكريمة من أعظم الدلائل على علو مرتبته وجلالة قدره، وأنه أفضل
الأنبياء وسيدهم صلى الله عليه وسلم لما قررهم تعالى
{ قالوا أقررنا } أي: قبلنا ما أمرتنا به على الرأس والعين { قال } الله لهم: { فاشهدوا } على أنفسكم وعلى أممكم بذلك، قال { وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك } العهد والميثاق المؤكد بالشهادة من الله ومن رسله { فأولئك هم الفاسقون }
فعلى هذا كل من ادعى أنه من أتباع الأنبياء كاليهود والنصارى ومن تبعهم،
فقد تولوا عن هذا الميثاق الغليظ، واستحقوا الفسق الموجب للخلود في النار
إن لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.


{ 83 } {
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

أي: أيطلب الطالبون ويرغب الراغبون في غير دين الله؟ لا يحسن هذا ولا يليق، لأنه لا أحسن دينا من دين الله { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها }
أي: الخلق كلهم منقادون بتسخيره مستسلمون له طوعا واختيارا، وهم المؤمنون
المسلمون المنقادون لعبادة ربهم، وكرها وهم سائر الخلق، حتى الكافرون
مستسلمون لقضائه وقدره لا خروج لهم عنه، ولا امتناع لهم منه، وإليه مرجع
الخلائق كلها، فيحكم بينهم ويجازيهم بحكمه الدائر بين الفضل والعدل.

{
84 } { قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ
عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ
وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا
نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

تقدم نظير هذه الآية في سورة البقرة، ثم قال تعالى.

{ 85 } { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }

أي:
من يدين لله بغير دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، فعمله مردود غير
مقبول، لأن دين الإسلام هو المتضمن للاستسلام لله، إخلاصا وانقيادا لرسله
فما لم يأت به العبد لم يأت بسبب النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، وكل
دين سواه فباطل، ثم قال تعالى:


{ 86 - 88 } {
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا
أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ
لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ
فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ }

هذا
من باب الاستبعاد، أي: من الأمر البعيد أن يهدي الله قوما اختاروا الكفر
والضلال بعدما آمنوا وشهدوا أن الرسول حق بما جاءهم به من الآيات البينات
والبراهين القاطعات
{ والله لا يهدي القوم الظالمين }
فهؤلاء ظلموا وتركوا الحق بعدما عرفوه، واتبعوا الباطل مع علمهم ببطلانه
ظلما وبغيا واتباعا لأهوائهم، فهؤلاء لا يوفقون للهداية، لأن الذي يرجى أن
يهتدي هو الذي لم يعرف الحق وهو حريص على التماسه، فهذا بالحري أن ييسر
الله له أسباب الهداية ويصونه من أسباب الغواية.

ثم أخبر عن عقوبة هؤلاء المعاندين الظالمين الدنيوية والأخروية، فقال { أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون } أي: لا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا لحظة، لا بإزالته أو إزالة بعض شدته، { ولا هم ينظرون }
أي: يمهلون، لأن زمن الإمهال قد مضى، وقد أعذر الله منهم وعمرهم ما يتذكر
فيه من تذكر، فلو كان فيهم خير لوجد، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه.


{ 90 - 91 } {
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا
لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ * إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ
أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }

يخبر
تعالى أن من كفر بعد إيمانه، ثم ازداد كفرا إلى كفره بتماديه في الغي
والضلال، واستمراره على ترك الرشد والهدى، أنه لا تقبل توبتهم، أي: لا
يوفقون لتوبة تقبل بل يمدهم الله في طغيانهم يعمهون، قال تعالى
{ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة }{ فلما زغوا أزاغ الله قلوبهم }
فالسيئات ينتج بعضها بعضا، وخصوصا لمن أقدم على الكفر العظيم وترك الصراط
المستقيم، وقد قامت عليه الحجة ووضح الله له الآيات والبراهين، فهذا هو
الذي سعى في قطع أسباب رحمة ربه عنه، وهو الذي سد على نفسه باب التوبة،
ولهذا حصر الضلال في هذا الصنف، فقال
{ وأولئك هم الضالون }
وأي: ضلال أعظم من ضلال من ترك الطريق عن بصيرة، وهؤلاء الكفرة إذا
استمروا على كفرهم إلى الممات تعين هلاكهم وشقاؤهم الأبدي، ولم ينفعهم شيء،
فلو أنفق أحدهم ملء الأرض ذهبا ليفتدي به من عذاب الله ما نفعه ذلك، بل لا
يزالون في العذاب الأليم، لا شافع لهم ولا ناصر ولا مغيث ولا مجير ينقذهم
من عذاب الله فأيسوا من كل خير، وجزموا على الخلود الدائم في العقاب
والسخط، فعياذا بالله من حالهم.

{ 92 } { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }
هذا حث من الله لعباده على الإنفاق في طرق الخيرات، فقال { لن تنالوا } أي: تدركوا وتبلغوا البر الذي هو كل خير من أنواع الطاعات وأنواع المثوبات الموصل لصاحبه إلى الجنة، { حتى تنفقوا مما تحبون }
أي: من أموالكم النفيسة التي تحبها نفوسكم، فإنكم إذا قدمتم محبة الله على
محبة الأموال فبذلتموها في مرضاته، دل ذلك على إيمانكم الصادق وبر قلوبكم
ويقين تقواكم، فيدخل في ذلك إنفاق نفائس الأموال، والإنفاق في حال حاجة
المنفق إلى ما أنفقه، والإنفاق في حال الصحة، ودلت الآية أن العبد بحسب
إنفاقه للمحبوبات يكون بره، وأنه ينقص من بره بحسب ما نقص من ذلك، ولما كان
الإنفاق على أي: وجه كان مثابا عليه العبد، سواء كان قليلا أو كثيرا،
محبوبا للنفس أم لا، وكان قوله
{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } مما يوهم أن إنفاق غير هذا المقيد غير نافع، احترز تعالى عن هذا الوهم بقوله { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } فلا يضيق عليكم، بل يثيبكم عليه على حسب نياتكم ونفعه.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى اسرة القلم :: —¤÷([¤ منــبر اســـلامي ¤])÷¤— :: العلوم الدينية :: القرآن الكريم وتعاليمه-
انتقل الى: