منتدى اسرة القلم
[تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" 18


اهلا بك زائرنا الكريم
تفضل بالانضمام لاسرتنا بالضغط على كلمه سجل
اهلا وسهلا بكم نورتونا
تمنى لك المتعه والفائده معنا
منتدى اسرة القلم
[تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" 18


اهلا بك زائرنا الكريم
تفضل بالانضمام لاسرتنا بالضغط على كلمه سجل
اهلا وسهلا بكم نورتونا
تمنى لك المتعه والفائده معنا
منتدى اسرة القلم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى اسرة القلم

كل ما يجود فيه الخاطر من همس وحب ومشاعر وابداع تميز بلا حدود ...
 
الرئيسيةالبوابة**أحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» ❞ كتاب فوضى المشاعر ❝ ⏤ ستيفان زفايج
تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:58 am من طرف قمر الزمان

» رواية أرني أنظر إليك ❝ ⏤ خولة حمدى
تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:50 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب زوربا pdfالمؤلف: نيكوس كازانتزاكيس
تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الإثنين مايو 17, 2021 9:27 am من طرف قمر الزمان

» كتاب أحجار على رقعة الشطرنج :وليم جاي كار
تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:57 am من طرف قمر الزمان

»  رواية ذهب مع الريح PDF تأليف (مارغريت ميتشل)
تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:50 am من طرف قمر الزمان

» كتاب عصر الحب pdf تأليف (نجيب محفوظ).
تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:46 am من طرف قمر الزمان

» رواية جامع الفراشات pdf تأليف ( جون فاولز )
تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:36 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب سنترال بارك pdf غيوم ميسو
تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:31 am من طرف قمر الزمان

» تحميل كتاب بعد 7 سنوات ل غيوم ميسو
تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الأحد أغسطس 23, 2020 4:19 am من طرف قمر الزمان

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
FaceBooke
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 90 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 90 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 226 بتاريخ الأحد ديسمبر 29, 2019 12:55 pm

 

 تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"

اذهب الى الأسفل 
+2
راشد الكاسر
غريب الروح
6 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"   تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الإثنين مايو 13, 2013 10:03 pm


سورة آل عمران


" الاية 102 حتي الاية 151"



{ 102 - 103 }
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ
اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ
مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

هذا
أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق تقواه، وأن يستمروا على ذلك
ويثبتوا عليه ويستقيموا إلى الممات، فإن من عاش على شيء مات عليه، فمن كان
في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته، منيبا إليه على
الدوام، ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة، وتقوى الله حق تقواه كما
قال ابن مسعود: وهو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر،
وهذه الآية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى، وأما ما يجب على العبد منها،
فكما قال تعالى:
{ فاتقوا الله ما استطعتم }
وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جدا، يجمعها فعل ما أمر
الله به وترك كل ما نهى الله عنه، ثم أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى
وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير
مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم
وتصلح دنياهم وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من
المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر
والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل
واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام، ثم ذكرهم تعالى
نعمته وأمرهم بذكرها فقال:
{ واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء }
يقتل بعضكم بعضا، ويأخذ بعضكم مال بعض، حتى إن القبيلة يعادي بعضهم بعضا،
وأهل البلد الواحد يقع بينهم التعادي والاقتتال، وكانوا في شر عظيم، وهذه
حالة العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعثه الله وآمنوا به
واجتمعوا على الإسلام وتآلفت قلوبهم على الإيمان كانوا كالشخص الواحد، من
تآلف قلوبهم وموالاة بعضهم لبعض، ولهذا قال:
{ فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار } أي: قد استحقيتم النار ولم يبق بينكم وبينها إلا أن تموتوا فتدخلوها { فأنقذكم منها } بما مَنَّ عليكم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم { كذلك يبين الله لكم آياته } أي: يوضحها ويفسرها، ويبين لكم الحق من الباطل، والهدى من الضلال { لعلكم تهتدون }
بمعرفة الحق والعمل به، وفي هذه الآية ما يدل أن الله يحب من عباده أن
يذكروا نعمته بقلوبهم وألسنتهم ليزدادوا شكرا له ومحبة، وليزيدهم من فضله
وإحسانه، وإن من أعظم ما يذكر من نعمه نعمة الهداية إلى الإسلام، واتباع
الرسول صلى الله عليه وسلم واجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقها.







[center]{
104 - 105 } { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا
وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ }

[/center]أي: وليكن منكم أيها المؤمنون الذين مَنَّ الله عليهم بالإيمان والاعتصام بحبله { أمة } أي: جماعة { يدعون إلى الخير } وهو اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله ويبعد من سخطه { ويأمرون بالمعروف } وهو ما عرف بالعقل والشرع حسنه { وينهون عن المنكر }
وهو ما عرف بالشرع والعقل قبحه، وهذا إرشاد من الله للمؤمنين أن يكون منهم
جماعة متصدية للدعوة إلى سبيله وإرشاد الخلق إلى دينه، ويدخل في ذلك
العلماء المعلمون للدين، والوعاظ الذين يدعون أهل الأديان إلى الدخول في
دين الإسلام، ويدعون المنحرفين إلى الاستقامة، والمجاهدون في سبيل الله،
والمتصدون لتفقد أحوال الناس وإلزامهم بالشرع كالصلوات الخمس والزكاة
والصوم والحج وغير ذلك من شرائع الإسلام، وكتفقد المكاييل والموازين وتفقد
أهل الأسواق ومنعهم من الغش والمعاملات الباطلة، وكل هذه الأمور من فروض
الكفايات كما تدل عليه الآية الكريمة في قوله
{ ولتكن منكم أمة }
إلخ أي: لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في هذه الأشياء المذكورة، ومن
المعلوم المتقرر أن الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به فكل ما تتوقف
هذه الأشياء عليه فهو مأمور به، كالاستعداد للجهاد بأنواع العدد التي يحصل
بها نكاية الأعداء وعز الإسلام، وتعلم العلم الذي يحصل به الدعوة إلى الخير
وسائلها ومقاصدها، وبناء المدارس للإرشاد والعلم، ومساعدة النواب
ومعاونتهم على تنفيذ الشرع في الناس بالقول والفعل والمال، وغير ذلك مما
تتوقف هذه الأمور عليه، وهذه الطائفة المستعدة للدعوة إلى الخير والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين، ولهذا قال تعالى عنهم:
{ وأولئك هم المفلحون } الفائزون بالمطلوب، الناجون من المرهوب، ثم نهاهم عن التشبه بأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم، فقال: { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا } ومن العجائب أن اختلافهم { من بعد ما جاءهم البينات }
الموجبة لعدم التفرق والاختلاف، فهم أولى من غيرهم بالاعتصام بالدين،
فعكسوا القضية مع علمهم بمخالفتهم أمر الله، فاستحقوا العقاب البليغ، ولهذا
قال تعالى:
{ وأولئك لهم عذاب عظيم }







{
106 - 108 } { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا
الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ
ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ
يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ }

يخبر تعالى عن حال يوم القيامة وما فيه من آثار الجزاء بالعدل والفضل، ويتضمن ذلك الترغيب والترهيب الموجب للخوف والرجاء فقال: { يوم تبيض وجوه } وهي وجوه أهل السعادة والخير، أهل الائتلاف والاعتصام بحبل الله { وتسود وجوه }
وهي وجوه أهل الشقاوة والشر، أهل الفرقة والاختلاف، هؤلاء اسودت وجوههم
بما في قلوبهم من الخزي والهوان والذلة والفضيحة، وأولئك أبيضت وجوههم، لما
في قلوبهم من البهجة والسرور والنعيم والحبور الذي ظهرت آثاره على وجوههم
كما قال تعالى:
{ ولقاهم نضرة وسرورا } نضرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم، وقال تعالى: { والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }{ فأما الذين اسودت وجوههم } فيقال لهم على وجه التوبيخ والتقريع: { أكفرتم بعد إيمانكم } أي: كيف آثرتم الكفر والضلال على الإيمان والهدى؟ وكيف تركتم سبيل الرشاد وسلكتم طريق الغي؟ { فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } فليس يليق بكم إلا النار، ولا تستحقون إلا الخزي والفضيحة والعار.
{ وأما الذين ابيضت وجوههم } فيهنئون أكمل تهنئة ويبشرون أعظم بشارة، وذلك أنهم يبشرون بدخول الجنات ورضى ربهم ورحمته { ففي رحمة الله هم فيها خالدون }
وإذا كانوا خالدين في الرحمة، فالجنة أثر من آثار رحمته تعالى، فهم خالدون
فيها بما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم، في جوار أرحم الراحمين،
لما بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الأحكام الأمرية والأحكام الجزائية
قال:
{ تلك آيات الله نتلوها } أي: نقصها { عليك بالحق } لأن أوامره ونواهيه مشتملة على الحكمة والرحمة وثوابها وعقابها، كذلك مشتمل على الحكمة والرحمة والعدل الخالي من الظلم، ولهذا قال: { وما الله يريد ظلما للعالمين }
نفى إرادته ظلمهم فضلا عن كونه يفعل ذلك فلا ينقص أحدا شيئا من حسناته،
ولا يزيد في ظلم الظالمين، بل يجازيهم بأعمالهم فقط، ثم قال تعالى: .






{ 109 } { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ }




أي:
هو المالك لما في السماوات وما في الأرض، الذي خلقهم ورزقهم ويتصرف فيهم
بقدره وقضائه، وفي شرعه وأمره، وإليه يرجعون يوم القيامة فيجازيهم بأعمالهم
حسنها وسيئها.







{
110 - 112 } { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ
الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا
أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا
يُنْصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا
بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ
اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا
يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ
ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ }

يمدح
تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك
بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم
لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله
وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا
كانوا خير أمة أخرجت للناس، لما كانت الآية السابقة وهي قوله:
{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }
أمرا منه تعالى لهذه الأمة، والأمر قد يمتثله المأمور ويقوم به، وقد لا
يقوم به، أخبر في هذه الآية أن الأمة قد قامت بما أمرها الله بالقيام به،
وامتثلت أمر ربها واستحقت الفضل على سائر الأمم
{ ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم }
وفي هذا من دعوته بلطف الخطاب ما يدعوهم إلى الإيمان، ولكن لم يؤمن منهم
إلا قليل، وأكثرهم الفاسقون الخارجون عن طاعة الله المعادون لأولياء الله
بأنواع العداوة، ولكن من لطف الله بعباده المؤمنين أنه رد كيدهم في نحورهم،
فليس على المؤمنين منهم ضرر في أديانهم ولا أبدانهم، وإنما غاية ما يصلون
إليه من الأذى أذية الكلام التي لا سبيل إلى السلامة منها من كل معادي، فلو
قاتلوا المؤمنين لولوا الأدبار فرارا ثم تستمر هزيمتهم ويدوم ذلهم ولا هم
ينصرون في وقت من الأوقات، ولهذا أخبر تعالى أنه عاقبهم بالذلة في بواطنهم
والمسكنة على ظواهرهم، فلا يستقرون ولا يطمئنون
{ إلا بحبل } أي: عهد { من الله وحبل من الناس } فلا يكون اليهود إلا تحت أحكام المسلمين وعهدهم، تؤخذ منهم الجزية ويستذلون، أو تحت أحكام النصارى وقد { باءوا } مع ذلك { بغضب من الله } وهذا أعظم العقوبات، والسبب الذي أوصلهم إلى هذه الحال ذكره الله بقوله: { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } التي أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الموجبة لليقين والإيمان، فكفروا بها بغيا وعنادا { ويقتلون الأنبياء بغير حق }
أي: يقابلون أنبياء الله الذين يحسنون إليهم أعظم إحسان بأشر مقابلة، وهو
القتل، فهل بعد هذه الجراءة والجناية شيء أعظم منها، وذلك كله بسبب عصيانهم
واعتدائهم، فهو الذي جرأهم على الكفر بالله وقتل أنبياء الله، ثم قال
تعالى:








{
113 - 115 } { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ
يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ *
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ
يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ }

لما بين تعالي الفرقة الفاسقة من أهل الكتاب وبين أفعالهم وعقوباتهم،
بين
هاهنا الأمة المستقيمة، وبين أفعالها وثوابها، فأخبر أنهم لا يستوون عنده،
بل بينهم من الفرق ما لا يمكن وصفه، فأما تلك الطائفة الفاسقة فقد مضى
وصفهم، وأما هؤلاء المؤمنون، فقال تعالى منهم
{ أمة قائمة } أي: مستقيمة على دين الله، قائمة بما ألزمها الله به من المأمورات، ومن ذلك قيامها بالصلاة { يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون } وهذا بيان لصلاتهم في أوقات الليل وطول تهجدهم وتلاوتهم لكتاب ربهم وإيثارهم الخضوع والركوع والسجود له.
{ يؤمنون بالله واليوم الآخر }
أي: كإيمان المؤمنين إيمانا يوجب لهم الإيمان بكل نبي أرسله، وكل كتاب
أنزله الله، وخص الإيمان باليوم الآخر لأن الإيمان الحقيقي باليوم الآخر
يحث المؤمن به على ما يقر به إلى الله، ويثاب عليه في ذلك اليوم، وترك كل
ما يعاقب عليه في ذلك اليوم
{ ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }
فحصل منهم تكميل أنفسهم بالإيمان ولوازمه، وتكميل غيرهم بأمرهم بكل خير،
ونهيهم عن كل شر، ومن ذلك حثهم أهل دينهم وغيرهم على الإيمان بمحمد صلى
الله عليه وسلم، ثم وصفهم بالهمم العالية
{ و } أنهم { يسارعون في الخيرات }
أي: يبادرون إليها فينتهزون الفرصة فيها، ويفعلونها في أول وقت إمكانها،
وذلك من شدة رغبتهم في الخير ومعرفتهم بفوائده وحسن عوائده، فهؤلاء الذين
وصفهم الله بهذه الصفات الجميلة والأفعال الجليلة
{ من الصالحين } الذين يدخلهم الله في رحمته ويتغمدهم بغفرانه وينيلهم من فضله وإحسانه، وأنهم مهما فعلوا { من خير } قليلا كان أو كثيرا { فلن يكفروه }
أي: لن يحرموه ويفوتوا أجره، بل يثيبهم الله على ذلك أكمل ثواب، ولكن
الأعمال ثوابها تبع لما يقوم بقلب صاحبها من الإيمان والتقوى، فلهذا قال
{ والله عليم بالمتقين } كما قال تعالى: { إنما يتقبل الله من المتقين }
{ 116 -
117 } { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ
وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

يخبر
تعالى أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، أي:
لا تدفع عنهم شيئا من عذاب الله، ولا تجدي عليهم شيئا من ثواب الله، كما
قال تعالى:
{ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا }
بل تكون أموالهم وأولادهم زادا لهم إلى النار، وحجة عليهم في زيادة نعم
الله عليهم، تقتضي منهم شكرها، ويعاقبون على عدم القيام بها وعلى كفرها،
ولهذا قال:
{ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }
ثم
ضرب مثلا لما ينفقه الكفار من أموالهم التي يصدون بها عن سبيل الله
ويستعينون بها على إطفاء نور الله، بأنها تبطل وتضمحل، كمن زرع زرعا يرجو
نتيجته ويؤمل إدراك ريعه، فبينما هو كذلك إذ أصابته ريح فيها صر، أي: برد
شديد محرق، فأهلكت زرعه، ولم يحصل له إلا التعب والعناء وزيادة الأسف،
فكذلك هؤلاء الكفار الذين قال الله فيهم:
{ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون }{ وما ظلمهم الله } بإبطال أعمالهم { ولكن } كانوا { أنفسهم يظلمون } حيث كفروا بآيات الله وكذبوا رسوله وحرصوا على إطفاء نور الله، هذه الأمور هي التي أحبطت أعمالهم وذهبت بأموالهم، ثم قال تعالى:







{
118 - 120 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً
مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ
بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ
أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا
أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ
بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا
عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ
تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ
تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ
بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

ينهى
تعالى عباده المؤمنين أن يتخذوا بطانة من المنافقين من أهل الكتاب وغيرهم
يظهرونهم على سرائرهم أو يولونهم بعض الأعمال الإسلامية وذلك أنهم هم
الأعداء الذين امتلأت قلوبهم من العداوة والبغضاء فظهرت على أفواههم
{ وما تخفي صدورهم أكبر } مما يسمع منهم فلهذا { لا يألونكم خبالا } أي: لا يقصرون في حصول الضرر عليكم والمشقة وعمل الأسباب التي فيها ضرركم ومساعدة الأعداء عليكم قال الله للمؤمنين { قد بينا لكم الآيات } أي: التي فيها مصالحكم الدينية والدنيوية { لعلكم تعقلون }
فتعرفونها وتفرقون بين الصديق والعدو، فليس كل أحد يجعل بطانة، وإنما
العاقل من إذا ابتلي بمخالطة العدو أن تكون مخالطة في ظاهره ولا يطلعه من
باطنه على شيء ولو تملق له وأقسم أنه من أوليائه.

قال الله مهيجا للمؤمنين على الحذر من هؤلاء المنافقين من أهل الكتاب، ومبينا شدة عداوتهم { هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله } أي: جنس الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه وهم لا يؤمنون بكتابكم، بل إذا لقوكم أظهروا لكم الإيمان { وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل } وهي أطراف الأصابع من شدة غيظهم عليكم { قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور }
وهذا فيه بشارة للمؤمنين أن هؤلاء الذين قصدوا ضرركم لا يضرون إلا أنفسهم،
وإن غيظهم لا يقدرون على تنفيذه، بل لا يزالون معذبين به حتى يموتوا
فيتنقلوا من عذاب الدنيا إلى عذاب الآخرة.

{ إن تمسسكم حسنة } كالنصر على الأعداء وحصول الفتح والغنائم { تسؤهم } أي: تغمهم وتحزنهم { وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط }
فإذا أتيتم بالأسباب التي وعد الله عليها النصر - وهي الصبر والتقوى- لم
يضركم مكرهم، بل يجعل الله مكرهم في نحورهم لأنه محيط بهم علمه وقدرته فلا
منفذ لهم عن ذلك ولا يخفى عليهم منهم شيء.

{ 121 -
122 } { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ
لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ
مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }

هذه
الآيات نزلت في وقعة "أُحد" وقصتها مشهورة في السير والتواريخ، ولعل
الحكمة في ذكرها في هذا الموضع، وأدخل في أثنائها وقعة "بدر" لما أن الله
تعالى قد وعد المؤمنين أنهم إذا صبروا واتقوا نصرهم، ورد كيد الأعداء عنهم،
وكان هذا حكما عاما ووعدا صادقا لا يتخلف مع الإتيان بشرطه، فذكر نموذجا
من هذا في هاتين القصتين، وأن الله نصر المؤمنين في "بدر" لما صبروا
واتقوا، وأدال عليهم العدو لما صدر من بعضهم من الإخلال بالتقوى ما صدر،
ومن حكمة الجمع بين القصتين أن الله يحب من عباده إذا أصابهم ما يكرهون أن
يتذكروا ما يحبون، فيخف عنهم البلاء ويشكروا الله على نعمه العظيمة التي
إذا قوبلت بما ينالهم من المكروه الذي هو في الحقيقة خير لهم، كان المكروه
بالنسبة إلى المحبوب نزرا يسيرا، وقد أشار تعالى إلى هذه الحكمة في قوله
{ أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها }
وحاصل قضية "أحد" وإجمالها أن المشركين لما رجع فلهم من "بدر" إلى مكة،
وذلك في سنة اثنتين من الهجرة، استعدوا بكل ما يقدرون عليه من العدد
بالأموال والرجال والعدد، حتى اجتمع عندهم من ذلك ما جزموا بحصول غرضهم
وشفاء غيظهم، ثم وجهوا من مكة للمدينة في ثلاثة آلاف مقاتل، حتى نزلوا قرب
المدينة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم هو وأصحابه بعد المراجعة
والمشاورة حتى استقر رأيهم على الخروج، وخرج في ألف، فلما ساروا قليلا رجع
عبد الله بن أبي المنافق بثلث الجيش ممن هو على مثل طريقته، وهمت طائفتان
من المؤمنين أن يرجعوا وهم بنو سلمة وبنو حارثة فثبتهم الله، فلما وصلوا
إلى أحد رتبهم النبي صلى الله عليه وسلم في مواضعهم وأسندوا ظهورهم إلى
أحد، ورتب النبي صلى الله عليه وسلم خمسين رجلا من أصحابه في خلة في جبل
"أحد" وأمرهم أن يلزموا مكانهم ولا يبرحوا منه ليأمنوا أن يأتيهم أحد من
ظهورهم، فلما التقى المسلمون والمشركون انهزم المشركون هزيمة قبيحة وخلفوا
معسكرهم خلف ظهورهم، واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، فلما رآهم الرماة
الذين جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجبل، قال بعضهم لبعض: الغنيمة
الغنيمة، ما يقعدنا هاهنا والمشركون قد انهزموا، ووعظهم أميرهم عبد الله بن
جبير عن المعصية فلم يلتفتوا إليه، فلما أخلوا موضعهم فلم يبق فيه إلا نفر
يسير، منهم أميرهم عبد الله بن جبير، جاءت خيل المشركين من ذلك الموضع
واستدبرت المسلمين وقاتلت ساقتهم، فجال المسلمون جولة ابتلاهم الله بها
وكفر بها عنهم، وأذاقهم فيها عقوبة المخالفة، فحصل ما حصل من قتل من قتل
منهم، ثم إنهم انحازوا إلى رأس جبل "أحد" وكف الله عنهم أيدي المشركين
وانكفأوا إلى بلادهم، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة
قال الله تعالى
{ وإذ غدوت من أهلك }
والغدو هاهنا مطلق الخروج، ليس المراد به الخروج في أول النهار، لأن النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يخرجوا إلا بعدما صلوا الجمعة
{ تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال }
أي: تنزلهم وترتبهم كل في مقعده اللائق به، وفيها أعظم مدح للنبي صلى الله
عليه وسلم حيث هو الذي يباشر تدبيرهم وإقامتهم في مقاعد القتال، وما ذاك
إلا لكمال علمه ورأيه، وسداد نظره وعلو همته، حيث يباشر هذه الأمور بنفسه
وشجاعته الكاملة صلوات الله وسلامه عليه
{ والله سميع } لجميع المسموعات، ومنه أنه يسمع ما يقول المؤمنون والمنافقون كل يتكلم بحسب ما في قلبه { عليم }
بنيات العبيد، فيجازيهم عليها أتم الجزاء، وأيضا فالله سميع عليم بكم،
يكلؤكم، ويتولى تدبير أموركم، ويؤيدكم بنصره كما قال تعالى لموسى وهارون
{ إنني معكما أسمع وأرى } ومن لطفه بهم وإحسانه إليهم أنه، لما { همت طائفتان } من المؤمنين بالفشل وهم بنو سلمة وبنو حارثة كما تقدم ثبتهما الله تعالى نعمة عليهما وعلى سائر المؤمنين، فلهذا قال { والله وليهما }
أي: بولايته الخاصة، التي هي لطفه بأوليائه، وتوفيقهم لما فيه صلاحهم
وعصمتهم عما فيه مضرتهم، فمن توليه لهما أنهما لما هما بهذه المعصية
العظيمة وهي الفشل والفرار عن رسول الله عصمهما، لما معهما من الإيمان كما
قال تعالى:
{ الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } ثم قال { وعلى الله فليتوكل المؤمنون }
ففيها الأمر بالتوكل الذي هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع
المضار، مع الثقة بالله، وأنه بحسب إيمان العبد يكون توكله، وأن المؤمنين
أولى بالتوكل على الله من غيرهم، وخصوصا في مواطن الشدة والقتال، فإنهم
مضطرون إلى التوكل والاستعانة بربهم والاستنصار له، والتبري من حولهم
وقوتهم، والاعتماد على حول الله وقوته، فبذلك ينصرهم ويدفع عنهم البلايا
والمحن، ثم قال تعالى:








{
123 - 126 } { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ
فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ
لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ
بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ
تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ
رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا
جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }

وهذا
امتنان منه على عباده المؤمنين، وتذكير لهم بما نصرهم به يوم بدر وهم أذلة
في قلة عَددهم وعُددهم مع كثرة عدد عدوهم وعُددهم، وكانت وقعة بدر في
السنة الثانية من الهجرة، خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بثلاث
مئة وبضعة عشر من أصحابه، ولم يكن معهم إلا سبعون بعيرا وفرسان لطلب عير
لقريش قدمت من الشام، فسمع به المشركون فتجهزوا من مكة لفكاك عيرهم، وخرجوا
في زهاء ألف مقاتل مع العدة الكاملة والسلاح العام والخيل الكثيرة،
فالتقوا همم والمسلمون في ماء يقال له "بدر" بين مكة والمدينة فاقتتلوا،
ونصر الله المسلمين نصرا عظيما، فقتلوا من المشركين سبعين قتيلا من صناديد
المشركين وشجعانهم، وأسروا سبعين، واحتووا على معسكرهم ستأتي - إن شاء الله
- القصة في سورة الأنفال، فإن ذلك موضعها، ولكن الله تعالى هنا أتى بها
ليتذكر بها المؤمنون ليتقوا ربهم ويشكروه، فلهذا قال
{ فاتقوا الله لعلكم تشكرون } لأن من اتقى ربه فقد شكره، ومن ترك التقوى فلم يشكره، إذ تقول يا محمد للمؤمنين يوم بدر مبشرا لهم بالنصر.
{ ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا } أي: من مقصدهم هذا، وهو وقعة بدر { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين }
أي: معلمين بعلامة الشجعان، فشرط الله لإمدادهم ثلاثة شروط: الصبر،
والتقوى، وإتيان المشركين من فورهم هذا، فهذا الوعد بإنزال الملائكة
المذكورين وإمدادهم بهم، وأما وعد النصر وقمع كيد الأعداء فشرط الله له
الشرطين الأولين كما تقدم في قوله:
{ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا }

{ وما جعله الله } أي: إمداده لكم بالملائكة { إلا بشرى } تستبشرون بها وتفرحون { ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله }
فلا تعتمدوا على ما معكم من الأسباب، بل الأسباب فيها طمأنينة لقلوبكم،
وأما النصر الحقيقي الذي لا معارض له، فهو مشيئة الله لنصر من يشاء من
عباده، فإنه إن شاء نصر من معه الأسباب كما هي سنته في خلقه، وإن شاء نصر
المستضعفين الأذلين ليبين لعباده أن الأمر كله بيديه، ومرجع الأمور إليه،
ولهذا قال
{ عند الله العزيز } فلا يمتنع عليه مخلوق، بل الخلق كلهم أذلاء مدبرون تحت تدبيره وقهره { الحكيم } الذي يضع الأشياء مواضعها، وله الحكمة في إدالة الكفار في بعض الأوقات على المسلمين إدالة غير مستقرة، قال تعالى: { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض }.

{ 127 } { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ }
يخبر
تعالى أن نصره عباده المؤمنين لأحد أمرين: إما أن يقطع طرفا من الذين
كفروا، أي: جانبا منهم وركنا من أركانهم، إما بقتل، أو أسر، أو استيلاء على
بلد، أو غنيمة مال، فيقوى بذلك المؤمنون ويذل الكافرون، وذلك لأن مقاومتهم
ومحاربتهم للإسلام تتألف من أشخاصهم وسلاحهم وأموالهم وأرضهم فبهذه الأمور
تحصل منهم المقاومة والمقاتلة فقطع شيء من ذلك ذهاب لبعض قوتهم، الأمر
الثاني أن يريد الكفار بقوتهم وكثرتهم، طمعا في المسلمين، ويمنوا أنفسهم
ذلك، ويحرصوا عليه غاية الحرص، ويبذلوا قواهم وأموالهم في ذلك، فينصر الله
المؤمنين عليهم ويردهم خائبين لم ينالوا مقصودهم، بل يرجعون بخسارة وغم
وحسرة، وإذا تأملت الواقع رأيت نصر الله لعباده المؤمنين دائرا بين هذين
الأمرين، غير خارج عنهما إما نصر عليهم أو خذل لهم.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"   تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الإثنين مايو 13, 2013 10:06 pm





{
128 - 129 } { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ * وَلِلَّهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ
مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

لما
جرى يوم "أحد" ما جرى، وجرى على النبي صلى الله عليه وسلم مصائب، رفع الله
بها درجته، فشج رأسه وكسرت رباعيته، قال "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم" وجعل
يدعو على رؤساء من المشركين مثل أبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية وسهيل بن
عمرو، والحارث بن هشام، أنزل الله تعالى على رسوله نهيا له عن الدعاء
عليهم باللعنة والطرد عن رحمة الله
{ ليس لك من الأمر شيء }
إنما عليك البلاغ وإرشاد الخلق والحرص على مصالحهم، وإنما الأمر لله تعالى
هو الذي يدبر الأمور، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، فلا تدع عليهم بل أمرهم
راجع إلى ربهم، إن اقتضت حكمته ورحمته أن يتوب عليهم ويمن عليهم بالإسلام
فعل، وإن اقتضت حكمته إبقاءهم على كفرهم وعدم هدايتهم، فإنهم هم الذين
ظلموا أنفسهم وضروها وتسببوا بذلك، فعل، وقد تاب الله على هؤلاء المعينين
وغيرهم، فهداهم للإسلام رضي الله عنهم، وفي هذه الآية مما يدل على أن
اختيار الله غالب على اختيار العباد، وأن العبد وإن ارتفعت درجته وعلا قدره
قد يختار شيئا وتكون الخيرة والمصلحة في غيره، وأن الرسول صلى الله عليه
وسلم ليس له من الأمر شيء فغيره من باب أولى ففيها أعظم رد على من تعلق
بالأنبياء أو غيرهم من الصالحين وغيرهم، وأن هذا شرك في العبادة، نقص في
العقل، يتركون من الأمر كله له ويدعون من لا يملك من الأمر مثقال ذرة، إن
هذا لهو الضلال البعيد، وتأمل كيف لما ذكر تعالى توبته عليهم أسند الفعل
إليه، ولم يذكر منهم سببا موجبا لذلك، ليدل ذلك على أن النعمة محض فضله على
عبده، من غير سبق سبب من العبد ولا وسيلة، ولما ذكر العذاب ذكر معه ظلمهم،
ورتبه على العذاب بالفاء المفيدة للسببية، فقال
{ أو يعذبهم فإنهم ظالمون }
ليدل ذلك على كمال عدل الله وحكمته، حيث وضع العقوبة موضعها، ولم يظلم
عبده بل العبد هو الذي ظلم نفسه، ولما نفى عن رسوله أنه ليس له من الأمر
شيء قرر من الأمر له فقال
{ ولله ما في السماوات وما في الأرض }
من الملائكة والإنس والجن والحيوانات والأفلاك والجمادات كلها، وجميع ما
في السماوات والأرض، الكل ملك لله مخلوقون مدبرون متصرف فيهم تصرف
المماليك، فليس لهم مثقال ذرة من الملك، وإذا كانوا كذلك فهم دائرون بين
مغفرته وتعذيبه فيغفر لمن يشاء بأن يهديه للإسلام فيغفر شركه ويمن عليه
بترك العصيان فيغفر له ذنبه،
{ ويعذب من يشاء }
بأن يكله إلى نفسه الجاهلة الظالمة المقتضية لعمل الشر فيعمل الشر ويعذبه
على ذلك، ثم ختم الآية باسمين كريمين دالين على سعة رحمته وعموم مغفرته
وسعة إحسانه وعميم إحسانه، فقال
{ والله غفور رحيم }
ففيها أعظم بشارة بأن رحمته غلبت غضبه، ومغفرته غلبت مؤاخذته، فالآية فيها
الإخبار عن حالة الخلق وأن منهم من يغفر الله له ومنهم من يعذبه، فلم
يختمها باسمين أحدهما دال على الرحمة، والثاني دال على النقمة، بل ختمها
باسمين كليهما يدل على الرحمة، فله تعالى رحمة وإحسان سيرحم بها عباده لا
تخطر ببال بشر، ولا يدرك لها وصف، فنسأله تعالى أن يتغمدنا ويدخلنا برحمته
في عباده الصالحين.

تم
السفر الأول من هذا التفسير المبارك بيسر من الله وإعانة، فله الحمد
والشكر والثناء، وأسأله المزيد من فضله وكرمه وإحسانه، ويليه المجلد
الثاني، أوله قول الباري جل جلاله
{ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة }
الآية وذلك في تسع وعشرين من شهر ربيع الأول من سنة 1343 ثلاث وأربعين
وثلاث مئة وألف من الهجرة النبوية وصلى الله على محمد وسلم تسليما كثيرا
بقلم جامعه عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي غفر الله له ولوالديه
وإخوانه المسلمين، والحمد لله رب العالمين.

تم المجلد الأول بحمد الله
المجلد الثاني من تيسير
الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن لجامعه الفقير إلى الله: عبد الرحمن بن
ناصر بن عبد الله بن سعدي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين آمين.



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،
من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما
كثيرا قال تعالى:








{
130 - 136 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا
أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *
وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا
اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * وَسَارِعُوا إِلَى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً
أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا
عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ
مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }

تقدم
في مقدمة هذا التفسير أن العبد ينبغي له مراعاة الأوامر والنواهي في نفسه
وفي غيره، وأن الله تعالى إذا أمره بأمر وجب عليه -أولا- أن يعرف حده، وما
هو الذي أمر به ليتمكن بذلك من امتثاله، فإذا عرف ذلك اجتهد، واستعان بالله
على امتثاله في نفسه وفي غيره، بحسب قدرته وإمكانه، وكذلك إذا نهي عن أمر
عرف حده، وما يدخل فيه وما لا يدخل، ثم اجتهد واستعان بربه في تركه، وأن
هذا ينبغي مراعاته في جميع الأوامر الإلهية والنواهي، وهذه الآيات الكريمات
قد اشتملت عن أوامر وخصال من خصال الخير، أمر الله [بها] وحث على فعلها،
وأخبر عن جزاء أهلها، وعلى نواهي حث على تركها.

ولعل الحكمة -والله أعلم-
في إدخال هذه الآيات أثناء قصة "أحد" أنه قد تقدم أن الله تعالى وعد عباده
المؤمنين، أنهم إذا صبروا واتقوا نصرهم على أعدائهم، وخذل الأعداء عنهم،
كما في قوله تعالى:
{ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا }
ثم قال: { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم } الآيات.
فكأن النفوس اشتاقت إلى
معرفة خصال التقوى، التي يحصل بها النصر والفلاح والسعادة، فذكر الله في
هذه الآيات أهم خصال التقوى التي إذا قام العبد بها فقيامه بغيرها من باب
أولى وأحرى، ويدل على ما قلنا أن الله ذكر لفظ "التقوى" في هذه الآيات ثلاث
مرات: مرة مطلقة وهي قوله:
{ أعدت للمتقين } ومرتين مقيدتين، فقال: { واتقوا الله }{ واتقوا النار } فقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا } كل ما في القرآن من قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا }
افعلوا كذا، أو اتركوا كذا، يدل على أن الإيمان هو السبب الداعي والموجب
لامتثال ذلك الأمر، واجتناب ذلك النهي؛ لأن الإيمان هو التصديق الكامل بما
يجب التصديق به، المستلزم لأعمال الجوارح، فنهاهم عن أكل الربا أضعافا
مضاعفة، وذلك هو ما اعتاده أهل الجاهلية، ومن لا يبالي بالأوامر الشرعية من
أنه إذا حل الدين، على المعسر ولم يحصل منه شيء، قالوا له: إما أن تقضي ما
عليك من الدين، وإما أن نزيد في المدة، ويزيد ما في ذمتك، فيضطر الفقير
ويستدفع غريمه ويلتزم ذلك، اغتناما لراحته الحاضرة، ، فيزداد -بذلك- ما في
ذمته أضعافا مضاعفة، من غير نفع وانتفاع.

ففي قوله: { أضعافًا مضاعفة } تنبيه على شدة شناعته بكثرته، وتنبيه لحكمة تحريمه، وأن تحريم الربا حكمته أن الله منع منه لما فيه من الظلم.
وذلك أن الله أوجب إنظار
المعسر، وبقاء ما في ذمته من غير زيادة، فإلزامه بما فوق ذلك ظلم متضاعف،
فيتعين على المؤمن المتقي تركه وعدم قربانه، لأن تركه من موجبات التقوى.

والفلاح متوقف على التقوى، فلهذا قال: { واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين }
بترك ما يوجب دخولها، من الكفر والمعاصي، على اختلاف درجاتها، فإن المعاصي
كلها- وخصوصا المعاصي الكبار- تجر إلى الكفر، بل هي من خصال الكفر الذي
أعد الله النار لأهله، فترك المعاصي ينجي من النار، ويقي من سخط الجبار،
وأفعال الخير والطاعة توجب رضا الرحمن، ودخول الجنان، وحصول الرحمة، ولهذا
قال:
{ وأطيعوا الله والرسول } بفعل الأوامر امتثالا، واجتناب النواهي { لعلكم ترحمون }
فطاعة الله وطاعة رسوله، من أسباب حصول الرحمة كما قال تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة } الآيات.
ثم أمرهم تعالى بالمسارعة
إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السماوات والأرض، فكيف بطولها، التي
أعدها الله للمتقين، فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها، ثم وصف
المتقين وأعمالهم، فقال:
{ الذين ينفقون في السراء والضراء } أي: في حال عسرهم ويسرهم، إن أيسروا أكثروا من النفقة، وإن أعسروا لم يحتقروا من المعروف شيئا ولو قل.
{ والكاظمين الغيظ }
أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق،
الموجب للانتقام بالقول والفعل-، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية،
بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم.

{ والعافين عن الناس }
يدخل في العفو عن الناس، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو
أبلغ من الكظم، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، وهذا إنما
يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة، وتخلى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع
الله، وعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسانا إليهم، وكراهة لحصول الشر
عليهم، وليعفو الله عنه، ويكون أجره على ربه الكريم، لا على العبد الفقير،
كما قال تعالى:
{ فمن عفا وأصلح فأجره على الله }
ثم ذكر حالة أعم من غيرها، وأحسن وأعلى وأجل، وهي الإحسان، فقال [تعالى]: { والله يحب المحسنين } والإحسان نوعان: الإحسان في عبادة الخالق. [والإحسان إلى المخلوق، فالإحسان في عبادة الخالق].
فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"
وأما الإحسان إلى المخلوق،
فهو إيصال النفع الديني والدنيوي إليهم، ودفع الشر الديني والدنيوي عنهم،
فيدخل في ذلك أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليم جاهلهم، ووعظ
غافلهم، والنصيحة لعامتهم وخاصتهم، والسعي في جمع كلمتهم، وإيصال الصدقات
والنفقات الواجبة والمستحبة إليهم، على اختلاف أحوالهم وتباين أوصافهم،
فيدخل في ذلك بذل الندى وكف الأذى، واحتمال الأذى، كما وصف الله به المتقين
في هذه الآيات، فمن قام بهذه الأمور، فقد قام بحق الله وحق عبيده.

ثم ذكر اعتذارهم لربهم من جناياتهم وذنوبهم، فقال: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم }
أي: صدر منهم أعمال [سيئة] كبيرة، أو ما دون ذلك، بادروا إلى التوبة
والاستغفار، وذكروا ربهم، وما توعد به العاصين ووعد به المتقين، فسألوه
المغفرة لذنوبهم، والستر لعيوبهم، مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها، فلهذا
قال:
{ ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون }
{ أولئك } الموصوفون بتلك الصفات { جزاؤهم مغفرة من ربهم } تزيل عنهم كل محذور { وجنات تجري من تحتها الأنهار }
فيها من النعيم المقيم، والبهجة والسرور والبهاء، والخير والسرور، والقصور
والمنازل الأنيقة العاليات، والأشجار المثمرة البهية، والأنهار الجاريات
في تلك المساكن الطيبات،
{ خالدين فيها } لا يحولون عنها، ولا يبغون بها بدلا، ولا يغير ما هم فيه من النعيم، { ونعم أجر العاملين } عملوا لله قليلا فأجروا كثيرا فـ "عند الصباح يحمد القوم السرى" وعند الجزاء يجد العامل أجره كاملا موفرا.
وهذه الآيات الكريمات من
أدلة أهل السنة والجماعة، على أن الأعمال تدخل في الإيمان، خلافا للمرجئة،
ووجه الدلالة إنما يتم بذكر الآية، التي في سورة الحديد، نظير هذه الآيات،
وهي قوله تعالى:
{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله } فلم يذكر فيها إلا لفظ الإيمان به وبرسله، وهنا قال: { أعدت للمتقين } ثم وصف المتقين بهذه الأعمال المالية والبدنية، فدل على أن هؤلاء المتقين الموصوفين بهذه الصفات هم أولئك المؤمنون.ثم قال تعالى:
{ 137 -
138 } { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ
فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ
لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ }

وهذه الآيات الكريمات، وما
بعدها في قصة "أحد" يعزي تعالى عباده المؤمنين ويسليهم، ويخبرهم أنه مضى
قبلهم أجيال وأمم كثيرة، امتحنوا، وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين،
فلم يزالوا في مداولة ومجاولة، حتى جعل الله العاقبة للمتقين، والنصر
لعباده المؤمنين، وآخر الأمر حصلت الدولة على المكذبين، وخذلهم الله بنصر
رسله وأتباعهم.

{ فسيروا في الأرض } بأبدانكم وقلوبكم { فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين }
فإنكم لا تجدونهم إلا معذبين بأنواع العقوبات الدنيوية، قد خوت ديارهم،
وتبين لكل أحد خسارهم، وذهب عزهم وملكهم، وزال بذخهم وفخرهم، أفليس في هذا
أعظم دليل، وأكبر شاهد على صدق ما جاءت به الرسل؟"

وحكمة الله التي يمتحن بها عباده، ليبلوهم ويتبين صادقهم من كاذبهم، ولهذا قال تعالى: { هذا بيان للناس } أي: دلالة ظاهرة، تبين للناس الحق من الباطل، وأهل السعادة من أهل الشقاوة، وهو الإشارة إلى ما أوقع الله بالمكذبين.
{ وهدى وموعظة للمتقين }
لأنهم هم المنتفعون بالآيات فتهديهم إلى سبيل الرشاد، وتعظهم وتزجرهم عن
طريق الغي، وأما باقي الناس فهي بيان لهم، تقوم [به] عليهم الحجة من الله،
ليهلك من هلك عن بينة.

ويحتمل أن الإشارة في قوله: { هذا بيان للناس } للقرآن العظيم، والذكر الحكيم، وأنه بيان للناس عموما، وهدى وموعظة للمتقين خصوصا، وكلا المعنيين حق.







{
139 - 143 } { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ
الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ
النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ
شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ *وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا
مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ
الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ
تَنْظُرُونَ }

يقول تعالى مشجعا لعباده المؤمنين، ومقويا لعزائمهم ومنهضا لهممهم: { ولا تهنوا ولا تحزنوا }
أي: ولا تهنوا وتضعفوا في أبدانكم، ولا تحزنوا في قلوبكم، عندما أصابتكم
المصيبة، وابتليتم بهذه البلوى، فإن الحزن في القلوب، والوهن على الأبدان،
زيادة مصيبة عليكم، وعون لعدوكم عليكم، بل شجعوا قلوبكم وصبروها، وادفعوا
عنها الحزن وتصلبوا على قتال عدوكم، وذكر تعالى أنه لا ينبغي ولا يليق بهم
الوهن والحزن، وهم الأعلون في الإيمان، ورجاء نصر الله وثوابه، فالمؤمن
المتيقن ما وعده الله من الثواب الدنيوي والأخروي لا ينبغي منه ذلك، ولهذا
قال [تعالى]:
{ وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين }
ثم سلَّاهم بما حصل لهم من الهزيمة، وبيَّن الحكم العظيمة المترتبة على ذلك، فقال: { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } فأنتم وإياهم قد تساويتم في القرح، ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون كما قال تعالى: { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون }
ومن الحكم في ذلك أن هذه
الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر، والبر والفاجر، فيداول الله الأيام
بين الناس، يوم لهذه الطائفة، ويوم للطائفة الأخرى؛ لأن هذه الدار الدنيا
منقضية فانية، وهذا بخلاف الدار الآخرة، فإنها خالصة للذين آمنوا.

{ وليعلم الله الذين آمنوا }
هذا أيضا من الحكم أنه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء، ليتبين
المؤمن من المنافق؛ لأنه لو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع لدخل في
الإسلام من لا يريده، فإذا حصل في بعض الوقائع بعض أنواع الابتلاء، تبين
المؤمن حقيقة الذي يرغب في الإسلام، في الضراء والسراء، واليسر والعسر، ممن
ليس كذلك.

{ ويتخذ منكم شهداء }
وهذا أيضا من بعض الحكم، لأن الشهادة عند الله من أرفع المنازل، ولا سبيل
لنيلها إلا بما يحصل من وجود أسبابها، فهذا من رحمته بعباده المؤمنين، أن
قيَّض لهم من الأسباب ما تكرهه النفوس، لينيلهم ما يحبون من المنازل
العالية والنعيم المقيم،
{ والله لا يحب الظالمين }
الذين ظلموا أنفسهم، وتقاعدوا عن القتال في سبيله، وكأن في هذا تعريضا بذم
المنافقين، وأنهم مبغضون لله، ولهذا ثبطهم عن القتال في سبيله.

{ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين }
{ وليمحص الله الذين آمنوا }
وهذا أيضا من الحكم أن الله يمحص بذلك المؤمنين من ذنوبهم وعيوبهم، يدل
ذلك على أن الشهادة والقتال في سبيل الله يكفر الذنوب، ويزيل العيوب،
وليمحص الله أيضا المؤمنين من غيرهم من المنافقين، فيتخلصون منهم، ويعرفون
المؤمن من المنافق، ومن الحكم أيضا أنه يقدر ذلك، ليمحق الكافرين، أي:
ليكون سببا لمحقهم واستئصالهم بالعقوبة، فإنهم إذا انتصروا، بغوا، وازدادوا
طغيانا إلى طغيانهم، يستحقون به المعاجلة بالعقوبة، رحمة بعباده المؤمنين.

ثم قال تعالى: { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين }
هذا استفهام إنكاري، أي: لا تظنوا، ولا يخطر ببالكم أن تدخلوا الجنة من
دون مشقة واحتمال المكاره في سبيل الله وابتغاء مرضاته، فإن الجنة أعلى
المطالب، وأفضل ما به يتنافس المتنافسون، وكلما عظم المطلوب عظمت وسيلته،
والعمل الموصل إليه، فلا يوصل إلى الراحة إلا بترك الراحة، ولا يدرك النعيم
إلا بترك النعيم، ولكن مكاره الدنيا التي تصيب العبد في سبيل الله عند
توطين النفس لها، وتمرينها عليها ومعرفة ما تئول إليه، تنقلب عند أرباب
البصائر منحا يسرون بها، ولا يبالون بها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

ثم وبخهم تعالى على عدم صبرهم بأمر كانوا يتمنونه ويودون حصوله، فقال: { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه } وذلك أن كثيرا من الصحابة رضي الله عنهم ممن فاته بدر يتمنون أن يحضرهم الله مشهدا يبذلون فيه جهدهم، قال الله [تعالى] لهم: { فقد رأيتموه } أي: رأيتم ما تمنيتم بأعينكم { وأنتم تنظرون }
فما بالكم وترك الصبر؟ هذه حالة لا تليق ولا تحسن، خصوصا لمن تمنى ذلك،
وحصل له ما تمنى، فإن الواجب عليه بذل الجهد، واستفراغ الوسع في ذلك.

وفي هذه الآية دليل على أنه
لا يكره تمني الشهادة، ووجه الدلالة أن الله تعالى أقرهم على أمنيتهم، ولم
ينكر عليهم، وإنما أنكر عليهم عدم العمل بمقتضاها، والله أعلم.

ثم قال تعالى:
{ 144 - 145 } { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى
أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ
شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ
تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ
ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ
نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ }

يقول تعالى: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل }
أي: ليس ببدع من الرسل، بل هو من جنس الرسل الذين قبله، وظيفتهم تبليغ
رسالات ربهم وتنفيذ أوامره، ليسوا بمخلدين، وليس بقاؤهم شرطا في امتثال
أوامر الله، بل الواجب على الأمم عبادة ربهم في كل وقت وبكل حال، ولهذا
قال:
{ أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم }بترك ما جاءكم من إيمان أو جهاد، أو غير ذلك.
قال [الله] تعالى: { ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا }
إنما يضر نفسه، وإلا فالله تعالى غني عنه، وسيقيم دينه، ويعز عباده
المؤمنين، فلما وبخ تعالى من انقلب على عقبيه، مدح من ثبت مع رسوله، وامتثل
أمر ربه، فقال:
{ وسيجزي الله الشاكرين } والشكر لا يكون إلا بالقيام بعبودية الله تعالى في كل حال.
وفي هذه الآية الكريمة
إرشاد من الله تعالى لعباده أن يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن إيمانهم أو عن
بعض لوازمه، فقدُ رئيس ولو عظم، وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور
الدين بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه، إذا فقد أحدهم قام به غيره، وأن يكون
عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله، والجهاد عنه، بحسب الإمكان، لا يكون
لهم قصد في رئيس دون رئيس، فبهذه الحال يستتب لهم أمرهم، وتستقيم أمورهم.

وفي هذه الآية أيضا أعظم
دليل على فضيلة الصديق الأكبر أبي بكر، وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم سادات الشاكرين.

ثم أخبر تعالى أن النفوس
جميعها متعلقة بآجالها بإذن الله وقدره وقضائه، فمن حتَّم عليه بالقدر أن
يموت، مات ولو بغير سبب، ومن أراد بقاءه، فلو أتى من الأسباب كل سبب، لم
يضره ذلك قبل بلوغ أجله، وذلك أن الله قضاه وقدره وكتبه إلى أجل مسمى:
{ إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }
ثم أخبر تعالى أنه يعطي الناس من ثواب الدنيا والآخرة ما تعلقت به إراداتهم، فقال: { ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها }
قال الله تعالى: { كلاًّ نمدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا }
{ وسنجزي الشاكرين } ولم يذكر جزاءهم ليدل ذلك على كثرته وعظمته، وليعلم أن الجزاء على قدر الشكر، قلة وكثرة وحسنا.







{
146 - 148 } { وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ
كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا
ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا
كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا
وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى
الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ
ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }

هذا تسلية للمؤمنين، وحث على الاقتداء بهم، والفعل كفعلهم، وأن هذا أمر قد كان متقدما، لم تزل سنة الله جارية بذلك، فقال: { وكأين من نبي } أي: وكم من نبي { قاتل معه ربيون كثير } أي: جماعات كثيرون من أتباعهم، الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان والأعمال الصالحة، فأصابهم قتل وجراح وغير ذلك.
{ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا } أي: ما ضعفت قلوبهم، ولا وهنت أبدانهم، ولا استكانوا، أي: ذلوا لعدوهم، بل صبروا وثبتوا، وشجعوا أنفسهم، ولهذا قال: { والله يحب الصابرين }
ثم ذكر قولهم واستنصارهم لربهم، فقال: { وما كان قولهم } أي: في تلك المواطن الصعبة { إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا }
والإسراف: هو مجاوزة الحد إلى ما حرم، علموا أن الذنوب والإسراف من أعظم
أسباب الخذلان، وأن التخلي منها من أسباب النصر، فسألوا ربهم مغفرتها.

ثم إنهم لم يتكلوا على ما
بذلوا جهدهم به من الصبر، بل اعتمدوا على الله، وسألوه أن يثبت أقدامهم عند
ملاقاة الأعداء الكافرين، وأن ينصرهم عليهم، فجمعوا بين الصبر وترك ضده،
والتوبة والاستغفار، والاستنصار بربهم، لا جرم أن الله نصرهم، وجعل لهم
العاقبة في الدنيا والآخرة، ولهذا قال:
{ فآتاهم الله ثواب الدنيا } من النصر والظفر والغنيمة، { وحُسن ثواب الآخرة }
وهو الفوز برضا ربهم، والنعيم المقيم الذي قد سلم من جميع المنكدات، وما
ذاك إلا أنهم أحسنوا له الأعمال، فجازاهم بأحسن الجزاء، فلهذا قال:
{ والله يحب المحسنين } في عبادة الخالق ومعاملة الخلق، ومن الإحسان أن يفعل عند جهاد الأعداء، كفعل هؤلاء الموصوفين





ثم قال تعالى:




{
149 - 151 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ
كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ *
بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي
قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ
يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى
الظَّالِمِينَ }

وهذا
نهي من الله للمؤمنين أن يطيعوا الكافرين من المنافقين والمشركين، فإنهم
إن أطاعوهم لم يريدوا لهم إلا الشر، وهم [قصدهم] ردهم إلى الكفر الذي
عاقبته الخيبة والخسران.

ثم أخبر أنه مولاهم وناصرهم، ففيه إخبار لهم بذلك، وبشارة بأنه سيتولى أمورهم بلطفه، ويعصمهم من أنواع الشرور.
وفي ضمن ذلك الحث لهم على
اتخاذه وحده وليا وناصرا من دون كل أحد، فمن ولايته ونصره لهم أنه وعدهم
أنه سيلقي في قلوب أعدائهم من الكافرين الرعب، وهو الخوف العظيم الذي
يمنعهم من كثير من مقاصدهم، وقد فعل تعالى.

وذلك أن المشركين -بعدما
انصرفوا من وقعة "أحد" - تشاوروا بينهم، وقالوا: كيف ننصرف، بعد أن قتلنا
منهم من قتلنا، وهزمناهم ولما نستأصلهم؟ فهموا بذلك، فألقى الله الرعب في
قلوبهم، فانصرفوا خائبين، ولا شك أن هذا من أعظم النصر، لأنه قد تقدم أن
نصر الله لعباده المؤمنين لا يخرج عن أحد أمرين: إما أن يقطع طرفا من الذين
كفروا، أو يكبتهم فينقلبوا خائبين، وهذا من الثاني.

ثم ذكر السبب الموجب لإلقاء الرعب في قلوب الكافرين، فقال: { بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا }
أي: ذلك بسبب ما اتخذوا من دونه من الأنداد والأصنام، التي اتخذوها على
حسب أهوائهم وإرادتهم الفاسدة، من غير حجة ولا برهان، وانقطعوا من ولاية
الواحد الرحمن، فمن ثم كان المشرك مرعوبا من المؤمنين، لا يعتمد على ركن
وثيق، وليس له ملجأ عند كل شدة وضيق، هذا حاله في الدنيا، وأما في الآخرة
فأشد وأعظم، ولهذا قال:
{ ومأواهم النار } أي: مستقرهم الذي يأوون إليه وليس لهم عنها خروج، { وبئس مثوى الظالمين } بسبب ظلمهم وعدوانهم صارت النار مثواهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
راشد الكاسر
مدير العلاقات العامة
مدير العلاقات العامة
راشد الكاسر


ذكر الثور الثور
المشاركات : 19882
نقاط المساهمات : 30950
الشعبيه : 51
تاريخ التسجيل : 27/02/2010
العمر : 51

تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"   تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الأربعاء مايو 22, 2013 10:05 am

جزاك الله كل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شمس المنتدى
المديرة التنفيذية
المديرة التنفيذية
شمس المنتدى


انثى العذراء القرد
المشاركات : 24337
نقاط المساهمات : 41147
الشعبيه : 124
تاريخ التسجيل : 27/11/2009
العمر : 43
الموقع : اسرة القلم
العمل/الترفيه : منتدانا الغالي
المزاج : اخر رواق

تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"   تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الإثنين يونيو 10, 2013 7:47 am



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




عدل سابقا من قبل غريب الروح في الإثنين يوليو 08, 2013 4:53 pm عدل 1 مرات (السبب : تم تعطيل التوقيع)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"   تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الأربعاء يونيو 26, 2013 7:29 pm

يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"   تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الإثنين يوليو 08, 2013 4:53 pm

راشد الكاسر كتب:
جزاك الله كل خير

 
 

 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"   تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الإثنين يوليو 08, 2013 4:54 pm

شمس المنتدى كتب:


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



 
 

 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غريب الروح
يوبيل القلم الذهبي
يوبيل القلم الذهبي
غريب الروح


ذكر العذراء الماعز
المشاركات : 102389
نقاط المساهمات : 161265
الشعبيه : 90
تاريخ التسجيل : 24/08/2012
العمر : 44

تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"   تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الإثنين يوليو 08, 2013 4:56 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
قمر الزمان كتب:
يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو النور الصالح
عضو ملكي
عضو ملكي
ابو النور الصالح


ذكر القوس الفأر
المشاركات : 7445
نقاط المساهمات : 11413
الشعبيه : 22
تاريخ التسجيل : 27/08/2012
العمر : 51

تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"   تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الأربعاء يوليو 17, 2013 7:02 pm

بوح رائع وذوق ساطع استمر العطاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شلال الحب
القلم الفضي
القلم الفضي
شلال الحب


ذكر الاسد الماعز
المشاركات : 11306
نقاط المساهمات : 17061
الشعبيه : 16
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 20
الموقع : اسرة القلم
العمل/الترفيه : اســــــــــرة الـــــــــــــــــــــــــــقلــــــــــــم
المزاج : بجنن

تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"   تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الجمعة يوليو 26, 2013 11:48 pm

يعطيك العافيه على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"   تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الأحد نوفمبر 10, 2013 5:26 am


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

ش
كرا
بارك اللــه فيك
جزاك الله خير الجزاء
دمت برضى الله وفضله

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر الزمان
عضو ادارة
عضو ادارة
قمر الزمان


انثى العقرب الثعبان
المشاركات : 90649
نقاط المساهمات : 171880
الشعبيه : 290
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 46
الموقع : منتدى اسره القلم
العمل/الترفيه : بتثقف
المزاج : الحمدلله

تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"   تفسير سورة آل عمران   " الاية 102 حتي الاية 151" Icon_minitime1الأربعاء يونيو 25, 2014 3:07 am

غريب الروح كتب:

سورة آل عمران


" الاية 102 حتي الاية 151"



{ 102 - 103 }
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ
اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ
مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

هذا
أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق تقواه، وأن يستمروا على ذلك
ويثبتوا عليه ويستقيموا إلى الممات، فإن من عاش على شيء مات عليه، فمن كان
في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته، منيبا إليه على
الدوام، ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة، وتقوى الله حق تقواه كما
قال ابن مسعود: وهو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر،
وهذه الآية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى، وأما ما يجب على العبد منها،
فكما قال تعالى:
{ فاتقوا الله ما استطعتم }
وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جدا، يجمعها فعل ما أمر
الله به وترك كل ما نهى الله عنه، ثم أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى
وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير
مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم
وتصلح دنياهم وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من
المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر
والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل
واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام، ثم ذكرهم تعالى
نعمته وأمرهم بذكرها فقال:
{ واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء }
يقتل بعضكم بعضا، ويأخذ بعضكم مال بعض، حتى إن القبيلة يعادي بعضهم بعضا،
وأهل البلد الواحد يقع بينهم التعادي والاقتتال، وكانوا في شر عظيم، وهذه
حالة العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعثه الله وآمنوا به
واجتمعوا على الإسلام وتآلفت قلوبهم على الإيمان كانوا كالشخص الواحد، من
تآلف قلوبهم وموالاة بعضهم لبعض، ولهذا قال:
{ فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار } أي: قد استحقيتم النار ولم يبق بينكم وبينها إلا أن تموتوا فتدخلوها { فأنقذكم منها } بما مَنَّ عليكم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم { كذلك يبين الله لكم آياته } أي: يوضحها ويفسرها، ويبين لكم الحق من الباطل، والهدى من الضلال { لعلكم تهتدون }
بمعرفة الحق والعمل به، وفي هذه الآية ما يدل أن الله يحب من عباده أن
يذكروا نعمته بقلوبهم وألسنتهم ليزدادوا شكرا له ومحبة، وليزيدهم من فضله
وإحسانه، وإن من أعظم ما يذكر من نعمه نعمة الهداية إلى الإسلام، واتباع
الرسول صلى الله عليه وسلم واجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقها.







{
104 - 105 } { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا
وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ }

أي: وليكن منكم أيها المؤمنون الذين مَنَّ الله عليهم بالإيمان والاعتصام بحبله { أمة } أي: جماعة { يدعون إلى الخير } وهو اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله ويبعد من سخطه { ويأمرون بالمعروف } وهو ما عرف بالعقل والشرع حسنه { وينهون عن المنكر }
وهو ما عرف بالشرع والعقل قبحه، وهذا إرشاد من الله للمؤمنين أن يكون منهم
جماعة متصدية للدعوة إلى سبيله وإرشاد الخلق إلى دينه، ويدخل في ذلك
العلماء المعلمون للدين، والوعاظ الذين يدعون أهل الأديان إلى الدخول في
دين الإسلام، ويدعون المنحرفين إلى الاستقامة، والمجاهدون في سبيل الله،
والمتصدون لتفقد أحوال الناس وإلزامهم بالشرع كالصلوات الخمس والزكاة
والصوم والحج وغير ذلك من شرائع الإسلام، وكتفقد المكاييل والموازين وتفقد
أهل الأسواق ومنعهم من الغش والمعاملات الباطلة، وكل هذه الأمور من فروض
الكفايات كما تدل عليه الآية الكريمة في قوله
{ ولتكن منكم أمة }
إلخ أي: لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في هذه الأشياء المذكورة، ومن
المعلوم المتقرر أن الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به فكل ما تتوقف
هذه الأشياء عليه فهو مأمور به، كالاستعداد للجهاد بأنواع العدد التي يحصل
بها نكاية الأعداء وعز الإسلام، وتعلم العلم الذي يحصل به الدعوة إلى الخير
وسائلها ومقاصدها، وبناء المدارس للإرشاد والعلم، ومساعدة النواب
ومعاونتهم على تنفيذ الشرع في الناس بالقول والفعل والمال، وغير ذلك مما
تتوقف هذه الأمور عليه، وهذه الطائفة المستعدة للدعوة إلى الخير والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين، ولهذا قال تعالى عنهم:
{ وأولئك هم المفلحون } الفائزون بالمطلوب، الناجون من المرهوب، ثم نهاهم عن التشبه بأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم، فقال: { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا } ومن العجائب أن اختلافهم { من بعد ما جاءهم البينات }
الموجبة لعدم التفرق والاختلاف، فهم أولى من غيرهم بالاعتصام بالدين،
فعكسوا القضية مع علمهم بمخالفتهم أمر الله، فاستحقوا العقاب البليغ، ولهذا
قال تعالى:
{ وأولئك لهم عذاب عظيم }








{
106 - 108 } { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا
الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ
ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ
يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ }

يخبر تعالى عن حال يوم القيامة وما فيه من آثار الجزاء بالعدل والفضل، ويتضمن ذلك الترغيب والترهيب الموجب للخوف والرجاء فقال: { يوم تبيض وجوه } وهي وجوه أهل السعادة والخير، أهل الائتلاف والاعتصام بحبل الله { وتسود وجوه }
وهي وجوه أهل الشقاوة والشر، أهل الفرقة والاختلاف، هؤلاء اسودت وجوههم
بما في قلوبهم من الخزي والهوان والذلة والفضيحة، وأولئك أبيضت وجوههم، لما
في قلوبهم من البهجة والسرور والنعيم والحبور الذي ظهرت آثاره على وجوههم
كما قال تعالى:
{ ولقاهم نضرة وسرورا } نضرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم، وقال تعالى: { والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }{ فأما الذين اسودت وجوههم } فيقال لهم على وجه التوبيخ والتقريع: { أكفرتم بعد إيمانكم } أي: كيف آثرتم الكفر والضلال على الإيمان والهدى؟ وكيف تركتم سبيل الرشاد وسلكتم طريق الغي؟ { فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } فليس يليق بكم إلا النار، ولا تستحقون إلا الخزي والفضيحة والعار.
{ وأما الذين ابيضت وجوههم } فيهنئون أكمل تهنئة ويبشرون أعظم بشارة، وذلك أنهم يبشرون بدخول الجنات ورضى ربهم ورحمته { ففي رحمة الله هم فيها خالدون }
وإذا كانوا خالدين في الرحمة، فالجنة أثر من آثار رحمته تعالى، فهم خالدون
فيها بما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم، في جوار أرحم الراحمين،
لما بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الأحكام الأمرية والأحكام الجزائية
قال:
{ تلك آيات الله نتلوها } أي: نقصها { عليك بالحق } لأن أوامره ونواهيه مشتملة على الحكمة والرحمة وثوابها وعقابها، كذلك مشتمل على الحكمة والرحمة والعدل الخالي من الظلم، ولهذا قال: { وما الله يريد ظلما للعالمين }
نفى إرادته ظلمهم فضلا عن كونه يفعل ذلك فلا ينقص أحدا شيئا من حسناته،
ولا يزيد في ظلم الظالمين، بل يجازيهم بأعمالهم فقط، ثم قال تعالى: .







{ 109 } { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ }





أي:
هو المالك لما في السماوات وما في الأرض، الذي خلقهم ورزقهم ويتصرف فيهم
بقدره وقضائه، وفي شرعه وأمره، وإليه يرجعون يوم القيامة فيجازيهم بأعمالهم
حسنها وسيئها.







{
110 - 112 } { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ
الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا
أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا
يُنْصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا
بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ
اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا
يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ
ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ }

يمدح
تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك
بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم
لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله
وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا
كانوا خير أمة أخرجت للناس، لما كانت الآية السابقة وهي قوله:
{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }
أمرا منه تعالى لهذه الأمة، والأمر قد يمتثله المأمور ويقوم به، وقد لا
يقوم به، أخبر في هذه الآية أن الأمة قد قامت بما أمرها الله بالقيام به،
وامتثلت أمر ربها واستحقت الفضل على سائر الأمم
{ ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم }
وفي هذا من دعوته بلطف الخطاب ما يدعوهم إلى الإيمان، ولكن لم يؤمن منهم
إلا قليل، وأكثرهم الفاسقون الخارجون عن طاعة الله المعادون لأولياء الله
بأنواع العداوة، ولكن من لطف الله بعباده المؤمنين أنه رد كيدهم في نحورهم،
فليس على المؤمنين منهم ضرر في أديانهم ولا أبدانهم، وإنما غاية ما يصلون
إليه من الأذى أذية الكلام التي لا سبيل إلى السلامة منها من كل معادي، فلو
قاتلوا المؤمنين لولوا الأدبار فرارا ثم تستمر هزيمتهم ويدوم ذلهم ولا هم
ينصرون في وقت من الأوقات، ولهذا أخبر تعالى أنه عاقبهم بالذلة في بواطنهم
والمسكنة على ظواهرهم، فلا يستقرون ولا يطمئنون
{ إلا بحبل } أي: عهد { من الله وحبل من الناس } فلا يكون اليهود إلا تحت أحكام المسلمين وعهدهم، تؤخذ منهم الجزية ويستذلون، أو تحت أحكام النصارى وقد { باءوا } مع ذلك { بغضب من الله } وهذا أعظم العقوبات، والسبب الذي أوصلهم إلى هذه الحال ذكره الله بقوله: { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } التي أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الموجبة لليقين والإيمان، فكفروا بها بغيا وعنادا { ويقتلون الأنبياء بغير حق }
أي: يقابلون أنبياء الله الذين يحسنون إليهم أعظم إحسان بأشر مقابلة، وهو
القتل، فهل بعد هذه الجراءة والجناية شيء أعظم منها، وذلك كله بسبب عصيانهم
واعتدائهم، فهو الذي جرأهم على الكفر بالله وقتل أنبياء الله، ثم قال
تعالى:









{
113 - 115 } { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ
يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ *
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ
يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ }

لما بين تعالي الفرقة الفاسقة من أهل الكتاب وبين أفعالهم وعقوباتهم،
بين
هاهنا الأمة المستقيمة، وبين أفعالها وثوابها، فأخبر أنهم لا يستوون عنده،
بل بينهم من الفرق ما لا يمكن وصفه، فأما تلك الطائفة الفاسقة فقد مضى
وصفهم، وأما هؤلاء المؤمنون، فقال تعالى منهم
{ أمة قائمة } أي: مستقيمة على دين الله، قائمة بما ألزمها الله به من المأمورات، ومن ذلك قيامها بالصلاة { يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون } وهذا بيان لصلاتهم في أوقات الليل وطول تهجدهم وتلاوتهم لكتاب ربهم وإيثارهم الخضوع والركوع والسجود له.
{ يؤمنون بالله واليوم الآخر }
أي: كإيمان المؤمنين إيمانا يوجب لهم الإيمان بكل نبي أرسله، وكل كتاب
أنزله الله، وخص الإيمان باليوم الآخر لأن الإيمان الحقيقي باليوم الآخر
يحث المؤمن به على ما يقر به إلى الله، ويثاب عليه في ذلك اليوم، وترك كل
ما يعاقب عليه في ذلك اليوم
{ ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }
فحصل منهم تكميل أنفسهم بالإيمان ولوازمه، وتكميل غيرهم بأمرهم بكل خير،
ونهيهم عن كل شر، ومن ذلك حثهم أهل دينهم وغيرهم على الإيمان بمحمد صلى
الله عليه وسلم، ثم وصفهم بالهمم العالية
{ و } أنهم { يسارعون في الخيرات }
أي: يبادرون إليها فينتهزون الفرصة فيها، ويفعلونها في أول وقت إمكانها،
وذلك من شدة رغبتهم في الخير ومعرفتهم بفوائده وحسن عوائده، فهؤلاء الذين
وصفهم الله بهذه الصفات الجميلة والأفعال الجليلة
{ من الصالحين } الذين يدخلهم الله في رحمته ويتغمدهم بغفرانه وينيلهم من فضله وإحسانه، وأنهم مهما فعلوا { من خير } قليلا كان أو كثيرا { فلن يكفروه }
أي: لن يحرموه ويفوتوا أجره، بل يثيبهم الله على ذلك أكمل ثواب، ولكن
الأعمال ثوابها تبع لما يقوم بقلب صاحبها من الإيمان والتقوى، فلهذا قال
{ والله عليم بالمتقين } كما قال تعالى: { إنما يتقبل الله من المتقين }
{ 116 -
117 } { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ
وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

يخبر
تعالى أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، أي:
لا تدفع عنهم شيئا من عذاب الله، ولا تجدي عليهم شيئا من ثواب الله، كما
قال تعالى:
{ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا }
بل تكون أموالهم وأولادهم زادا لهم إلى النار، وحجة عليهم في زيادة نعم
الله عليهم، تقتضي منهم شكرها، ويعاقبون على عدم القيام بها وعلى كفرها،
ولهذا قال:
{ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }
ثم
ضرب مثلا لما ينفقه الكفار من أموالهم التي يصدون بها عن سبيل الله
ويستعينون بها على إطفاء نور الله، بأنها تبطل وتضمحل، كمن زرع زرعا يرجو
نتيجته ويؤمل إدراك ريعه، فبينما هو كذلك إذ أصابته ريح فيها صر، أي: برد
شديد محرق، فأهلكت زرعه، ولم يحصل له إلا التعب والعناء وزيادة الأسف،
فكذلك هؤلاء الكفار الذين قال الله فيهم:
{ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون }{ وما ظلمهم الله } بإبطال أعمالهم { ولكن } كانوا { أنفسهم يظلمون } حيث كفروا بآيات الله وكذبوا رسوله وحرصوا على إطفاء نور الله، هذه الأمور هي التي أحبطت أعمالهم وذهبت بأموالهم، ثم قال تعالى:








{
118 - 120 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً
مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ
بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ
أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا
أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ
بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا
عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ
تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ
تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ
بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

ينهى
تعالى عباده المؤمنين أن يتخذوا بطانة من المنافقين من أهل الكتاب وغيرهم
يظهرونهم على سرائرهم أو يولونهم بعض الأعمال الإسلامية وذلك أنهم هم
الأعداء الذين امتلأت قلوبهم من العداوة والبغضاء فظهرت على أفواههم
{ وما تخفي صدورهم أكبر } مما يسمع منهم فلهذا { لا يألونكم خبالا } أي: لا يقصرون في حصول الضرر عليكم والمشقة وعمل الأسباب التي فيها ضرركم ومساعدة الأعداء عليكم قال الله للمؤمنين { قد بينا لكم الآيات } أي: التي فيها مصالحكم الدينية والدنيوية { لعلكم تعقلون }
فتعرفونها وتفرقون بين الصديق والعدو، فليس كل أحد يجعل بطانة، وإنما
العاقل من إذا ابتلي بمخالطة العدو أن تكون مخالطة في ظاهره ولا يطلعه من
باطنه على شيء ولو تملق له وأقسم أنه من أوليائه.

قال الله مهيجا للمؤمنين على الحذر من هؤلاء المنافقين من أهل الكتاب، ومبينا شدة عداوتهم { هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله } أي: جنس الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه وهم لا يؤمنون بكتابكم، بل إذا لقوكم أظهروا لكم الإيمان { وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل } وهي أطراف الأصابع من شدة غيظهم عليكم { قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور }
وهذا فيه بشارة للمؤمنين أن هؤلاء الذين قصدوا ضرركم لا يضرون إلا أنفسهم،
وإن غيظهم لا يقدرون على تنفيذه، بل لا يزالون معذبين به حتى يموتوا
فيتنقلوا من عذاب الدنيا إلى عذاب الآخرة.

{ إن تمسسكم حسنة } كالنصر على الأعداء وحصول الفتح والغنائم { تسؤهم } أي: تغمهم وتحزنهم { وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط }
فإذا أتيتم بالأسباب التي وعد الله عليها النصر - وهي الصبر والتقوى- لم
يضركم مكرهم، بل يجعل الله مكرهم في نحورهم لأنه محيط بهم علمه وقدرته فلا
منفذ لهم عن ذلك ولا يخفى عليهم منهم شيء.

{ 121 -
122 } { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ
لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ
مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }

هذه
الآيات نزلت في وقعة "أُحد" وقصتها مشهورة في السير والتواريخ، ولعل
الحكمة في ذكرها في هذا الموضع، وأدخل في أثنائها وقعة "بدر" لما أن الله
تعالى قد وعد المؤمنين أنهم إذا صبروا واتقوا نصرهم، ورد كيد الأعداء عنهم،
وكان هذا حكما عاما ووعدا صادقا لا يتخلف مع الإتيان بشرطه، فذكر نموذجا
من هذا في هاتين القصتين، وأن الله نصر المؤمنين في "بدر" لما صبروا
واتقوا، وأدال عليهم العدو لما صدر من بعضهم من الإخلال بالتقوى ما صدر،
ومن حكمة الجمع بين القصتين أن الله يحب من عباده إذا أصابهم ما يكرهون أن
يتذكروا ما يحبون، فيخف عنهم البلاء ويشكروا الله على نعمه العظيمة التي
إذا قوبلت بما ينالهم من المكروه الذي هو في الحقيقة خير لهم، كان المكروه
بالنسبة إلى المحبوب نزرا يسيرا، وقد أشار تعالى إلى هذه الحكمة في قوله
{ أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها }
وحاصل قضية "أحد" وإجمالها أن المشركين لما رجع فلهم من "بدر" إلى مكة،
وذلك في سنة اثنتين من الهجرة، استعدوا بكل ما يقدرون عليه من العدد
بالأموال والرجال والعدد، حتى اجتمع عندهم من ذلك ما جزموا بحصول غرضهم
وشفاء غيظهم، ثم وجهوا من مكة للمدينة في ثلاثة آلاف مقاتل، حتى نزلوا قرب
المدينة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم هو وأصحابه بعد المراجعة
والمشاورة حتى استقر رأيهم على الخروج، وخرج في ألف، فلما ساروا قليلا رجع
عبد الله بن أبي المنافق بثلث الجيش ممن هو على مثل طريقته، وهمت طائفتان
من المؤمنين أن يرجعوا وهم بنو سلمة وبنو حارثة فثبتهم الله، فلما وصلوا
إلى أحد رتبهم النبي صلى الله عليه وسلم في مواضعهم وأسندوا ظهورهم إلى
أحد، ورتب النبي صلى الله عليه وسلم خمسين رجلا من أصحابه في خلة في جبل
"أحد" وأمرهم أن يلزموا مكانهم ولا يبرحوا منه ليأمنوا أن يأتيهم أحد من
ظهورهم، فلما التقى المسلمون والمشركون انهزم المشركون هزيمة قبيحة وخلفوا
معسكرهم خلف ظهورهم، واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، فلما رآهم الرماة
الذين جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجبل، قال بعضهم لبعض: الغنيمة
الغنيمة، ما يقعدنا هاهنا والمشركون قد انهزموا، ووعظهم أميرهم عبد الله بن
جبير عن المعصية فلم يلتفتوا إليه، فلما أخلوا موضعهم فلم يبق فيه إلا نفر
يسير، منهم أميرهم عبد الله بن جبير، جاءت خيل المشركين من ذلك الموضع
واستدبرت المسلمين وقاتلت ساقتهم، فجال المسلمون جولة ابتلاهم الله بها
وكفر بها عنهم، وأذاقهم فيها عقوبة المخالفة، فحصل ما حصل من قتل من قتل
منهم، ثم إنهم انحازوا إلى رأس جبل "أحد" وكف الله عنهم أيدي المشركين
وانكفأوا إلى بلادهم، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة
قال الله تعالى
{ وإذ غدوت من أهلك }
والغدو هاهنا مطلق الخروج، ليس المراد به الخروج في أول النهار، لأن النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يخرجوا إلا بعدما صلوا الجمعة
{ تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال }
أي: تنزلهم وترتبهم كل في مقعده اللائق به، وفيها أعظم مدح للنبي صلى الله
عليه وسلم حيث هو الذي يباشر تدبيرهم وإقامتهم في مقاعد القتال، وما ذاك
إلا لكمال علمه ورأيه، وسداد نظره وعلو همته، حيث يباشر هذه الأمور بنفسه
وشجاعته الكاملة صلوات الله وسلامه عليه
{ والله سميع } لجميع المسموعات، ومنه أنه يسمع ما يقول المؤمنون والمنافقون كل يتكلم بحسب ما في قلبه { عليم }
بنيات العبيد، فيجازيهم عليها أتم الجزاء، وأيضا فالله سميع عليم بكم،
يكلؤكم، ويتولى تدبير أموركم، ويؤيدكم بنصره كما قال تعالى لموسى وهارون
{ إنني معكما أسمع وأرى } ومن لطفه بهم وإحسانه إليهم أنه، لما { همت طائفتان } من المؤمنين بالفشل وهم بنو سلمة وبنو حارثة كما تقدم ثبتهما الله تعالى نعمة عليهما وعلى سائر المؤمنين، فلهذا قال { والله وليهما }
أي: بولايته الخاصة، التي هي لطفه بأوليائه، وتوفيقهم لما فيه صلاحهم
وعصمتهم عما فيه مضرتهم، فمن توليه لهما أنهما لما هما بهذه المعصية
العظيمة وهي الفشل والفرار عن رسول الله عصمهما، لما معهما من الإيمان كما
قال تعالى:
{ الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } ثم قال { وعلى الله فليتوكل المؤمنون }
ففيها الأمر بالتوكل الذي هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع
المضار، مع الثقة بالله، وأنه بحسب إيمان العبد يكون توكله، وأن المؤمنين
أولى بالتوكل على الله من غيرهم، وخصوصا في مواطن الشدة والقتال، فإنهم
مضطرون إلى التوكل والاستعانة بربهم والاستنصار له، والتبري من حولهم
وقوتهم، والاعتماد على حول الله وقوته، فبذلك ينصرهم ويدفع عنهم البلايا
والمحن، ثم قال تعالى:









{
123 - 126 } { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ
فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ
لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ
بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ
تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ
رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا
جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }

وهذا
امتنان منه على عباده المؤمنين، وتذكير لهم بما نصرهم به يوم بدر وهم أذلة
في قلة عَددهم وعُددهم مع كثرة عدد عدوهم وعُددهم، وكانت وقعة بدر في
السنة الثانية من الهجرة، خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بثلاث
مئة وبضعة عشر من أصحابه، ولم يكن معهم إلا سبعون بعيرا وفرسان لطلب عير
لقريش قدمت من الشام، فسمع به المشركون فتجهزوا من مكة لفكاك عيرهم، وخرجوا
في زهاء ألف مقاتل مع العدة الكاملة والسلاح العام والخيل الكثيرة،
فالتقوا همم والمسلمون في ماء يقال له "بدر" بين مكة والمدينة فاقتتلوا،
ونصر الله المسلمين نصرا عظيما، فقتلوا من المشركين سبعين قتيلا من صناديد
المشركين وشجعانهم، وأسروا سبعين، واحتووا على معسكرهم ستأتي - إن شاء الله
- القصة في سورة الأنفال، فإن ذلك موضعها، ولكن الله تعالى هنا أتى بها
ليتذكر بها المؤمنون ليتقوا ربهم ويشكروه، فلهذا قال
{ فاتقوا الله لعلكم تشكرون } لأن من اتقى ربه فقد شكره، ومن ترك التقوى فلم يشكره، إذ تقول يا محمد للمؤمنين يوم بدر مبشرا لهم بالنصر.
{ ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا } أي: من مقصدهم هذا، وهو وقعة بدر { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين }
أي: معلمين بعلامة الشجعان، فشرط الله لإمدادهم ثلاثة شروط: الصبر،
والتقوى، وإتيان المشركين من فورهم هذا، فهذا الوعد بإنزال الملائكة
المذكورين وإمدادهم بهم، وأما وعد النصر وقمع كيد الأعداء فشرط الله له
الشرطين الأولين كما تقدم في قوله:
{ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا }

{ وما جعله الله } أي: إمداده لكم بالملائكة { إلا بشرى } تستبشرون بها وتفرحون { ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله }
فلا تعتمدوا على ما معكم من الأسباب، بل الأسباب فيها طمأنينة لقلوبكم،
وأما النصر الحقيقي الذي لا معارض له، فهو مشيئة الله لنصر من يشاء من
عباده، فإنه إن شاء نصر من معه الأسباب كما هي سنته في خلقه، وإن شاء نصر
المستضعفين الأذلين ليبين لعباده أن الأمر كله بيديه، ومرجع الأمور إليه،
ولهذا قال
{ عند الله العزيز } فلا يمتنع عليه مخلوق، بل الخلق كلهم أذلاء مدبرون تحت تدبيره وقهره { الحكيم } الذي يضع الأشياء مواضعها، وله الحكمة في إدالة الكفار في بعض الأوقات على المسلمين إدالة غير مستقرة، قال تعالى: { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض }.


{ 127 } { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ }
يخبر
تعالى أن نصره عباده المؤمنين لأحد أمرين: إما أن يقطع طرفا من الذين
كفروا، أي: جانبا منهم وركنا من أركانهم، إما بقتل، أو أسر، أو استيلاء على
بلد، أو غنيمة مال، فيقوى بذلك المؤمنون ويذل الكافرون، وذلك لأن مقاومتهم
ومحاربتهم للإسلام تتألف من أشخاصهم وسلاحهم وأموالهم وأرضهم فبهذه الأمور
تحصل منهم المقاومة والمقاتلة فقطع شيء من ذلك ذهاب لبعض قوتهم، الأمر
الثاني أن يريد الكفار بقوتهم وكثرتهم، طمعا في المسلمين، ويمنوا أنفسهم
ذلك، ويحرصوا عليه غاية الحرص، ويبذلوا قواهم وأموالهم في ذلك، فينصر الله
المؤمنين عليهم ويردهم خائبين لم ينالوا مقصودهم، بل يرجعون بخسارة وغم
وحسرة، وإذا تأملت الواقع رأيت نصر الله لعباده المؤمنين دائرا بين هذين
الأمرين، غير خارج عنهما إما نصر عليهم أو خذل لهم.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة آل عمران " الاية 102 حتي الاية 151"
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة آل عمران " الاية 1 حتي الاية 58 "
» تفسير سورة آل عمران " الاية 59 حتي الاية 101
» سورة آل عمران " الاية 152 حتي الاية 200 الخاتمة
» تفسير سورة البقرة " الاية 79حتي الاية 93 "
» تفسير سورة البقرة " الاية 226 حتي الاية 286 الخاتمة"

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى اسرة القلم :: —¤÷([¤ منــبر اســـلامي ¤])÷¤— :: العلوم الدينية :: القرآن الكريم وتعاليمه-
انتقل الى: